دعا العلماء والمختصون بالمشكلات الأسرية إلى الاستعانة بمصلحين واستشاريين أسريين من جنسيات المتخاصمين لحل الخلافات الأسرية التي تنشأ بين الزوجين من هذه الجنسيات، للإسراع في تقديم الحلول وعلاج المشكلة قبل استفحالها ووقوع الطلاق، وعزا المهتمون هذا الاقتراح باختلاف العادات والتقاليد بين المصلحين والاستشاريين الأسريين من مواطنين وعرب وبين كثير من الأسر التي تقصد هؤلاء المصلحين.
وأكد العلماء والمختصون أن هذه الدعوة جاءت مصداقاً لقول الله عز وجل في القرآن الكريم: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرا). سورة النساء الآية 35.
سعيد مبارك المزروعي نائب مدير جمعية بيت الخير يرى أن المصلحين والاستشاريين الأسريين لهم جهد كبير في سبيل التوفيق بين الزوجين سواء داخل المحاكم أو خارجها والمتمثلة في عدد من مكاتب الاستشارات الأسرية، إلا أن هذا الجهد كما يقول سعيد مبارك المزروعي يقوم به مواطنون وعرب فقط، رغم عرض كثير من قضايا الأزواج والزوجات من جنسيات أخرى على المصلحين الأسريين مما يستوجب الاستعانة بحكماء من هذه الجنسيات يعرفون عادات وتقاليد الزوج والزوجة عن قرب.
ويشير المزروعي إلى أن الإسلام وجه من خلال الآيات القرآنية إلى حل الخلافات التي قد تنشأ بين الزوجين قبل استفحالها ومن ثم تعذر حلها إذا أهملت أو تأخرت عملية الإصلاح لأي سبب من الأسباب، فقال سبحانه: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرا)، وأضاف أن خشية الانفصال والتباعد بين الزوجين جعل الإسلام يوجه إلى اختيار حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج، لينظرا في مشكلتهما وأمرهما ويحكما، للإصلاح والعمل على درء المشكلة وحلها في مهدها.
فإن نجحا في التوصل إلى حل المشكلة تواصل الزوجان فيما بينهما مع إزالة جميع الشوائب، مؤكدا أن هذا لا يحدث إلا من خلال من هو مطلع على عاداتهم وتقاليدهم في الزواج أو الطلاق أو المشكلات الزوجية ومسبباتها، ويا حبذا لو كان المصلحان أو الحكمان من أقرب الناس للزوجين، فإن لم يكونا قريبين فمن نفس الجنسية وليكونا على علم وخبرة، "لأن المشكلات الاجتماعية مثل المرض، فإذا لم يعرف الطبيب طبيعة المرض فلن يستطيع تشخيص العلاج".
وقال إنه إذا لم يستطع الحكمان أو المصلحان حل الخلاف فيكون الأمر خارجا عن نطاق دورهما ومن ثم فإنه تم إبراء الذمة، ويكون الموضوع في يد المحكمة.
من جانبه قال الدكتور سيف الجابري مدير إدارة البحوث بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إن الإصلاح الأسري والتوجيه المجتمعي أصبح ضرورة، وهو تأصيل شرعي من الله عز وجل نادى به القرآن الكريم وسار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون وجميع المسلمين، مشيرا إلى أن من يقوم بدور الحكمين بين الزوج والزوجة عليهما مسؤولية كبيرة، وضع لهما العلماء ضوابط شرعية مثل الخبرة والدراية والعدالة والقرب من الزوجين.
وأوضح الدكتور سيف الجابري أن الإصلاح بين الزوجين هو جهد ذاتي يقوم به البعض ممن يرون في أنفسهم الأهلية في ذلك، وأن مسالة الإصلاح أضحت ضرورة ملحة في ظل كثرة المشكلات الأسرية والتي تلقي بظلالها على الأسر وعلى الأطفال وعلى نفسية الكثيرين إذا وقع الطلاق أو إذا زادت وتيرة الخلافات الأسرية وباتت مشاعاً يطلع عليها الأطفال والأهل.
وقال الجابري إن ارتفاع نسبة الطلاق المرتفعة في العالم العربي ودول الخليج والإمارات والتي لم تستثن جنسية عن الأخرى جعلت مسألة وجود استشاريين أسريين ومصلحين اجتماعيين أكثر إلحاحا فيما مضى، من اجل حل القضايا ومعرفة رواسب الخلاف وأسبابها للوصول إلى صيغة للتوافق بين الزوجين.
ولا يستطيع أن يقوم بها إلا من هو أقرب للزوجين سواء من الأهل أو من الجنسية نفسها، بشرط أن يكون لديهم الخبرة في المجالات الأسرية والاجتماعية والنزاهة، والابتعاد عن تبني وجهة نظر الزوج أو الزوجة إذا كانت خطأ، بل عليهما تبني وجهة النظر الصحيحة والعمل على الحل بكل ما يملكانه من حجج ورؤية وبراهين، وان تكون نيتهما الفعلية هي الإصلاح.
وأضاف الدكتور الجابري أن المحكمة حاليا لا تستعين ببعض الجنسيات الأخرى إلا للترجمة فقط، ولذا فمن المهم التوجه نحو الاستعانة بخبرات الجنسيات الأخرى في مسألة الإصلاح الأسري لحل النزاع قبل الوصول إلى أروقة المحاكم، وما يترتب عليه من تبعات يكون الأوان قد فات لحلها.
