الثلاثاء 11 ذو القعدة 1423 هـ الموافق 14 يناير 2003 برعاية سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مركز زايد للتنسيق و المتابعة، وبالمشاركة مع جامعة الدول العربية افتتحت في مركز زايد أعمال المؤتمر الدولي حول «الإرهاب والعقل»، وذلك بمشاركة مجموعة من كبار المفكرين والفلاسفة من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا ومصر وبنغلاديش. وقد استهل المؤتمر بكلمة ألقاها محمد خليفة المرر المدير التنفيذي لمركز زايد، أكد فيها أن تنظيم المركز لهذه الفعالية يأتي إسهاما منه في الارتقاء بالنقاش الدائر في العالم حول ظاهرة الإرهاب من مستوى التعاطي المنفعل إلى مستوى الإدراك الكامل لابعاد هذه الظاهرة العالمية وأسبابها والتعامل الفاعل مع أشكالها وتجلياتها. وأضاف أن المؤتمر سيناقش مقاربة الإرهاب كظاهرة عالمية لا تنحصر في دين ولا تقتصر على أمة، مركزاً في ذلك على الأطر الذهنية المؤسسة لها باعتبار أن الإرهاب في اصله نابع من عقل الإنسان وأن المسألة الذهنية لا بد أن تعطى الأولوية في مكافحته ومحاولة القضاء عليه بدل التركيز أو الاقتصار على الناحية العسكرية والأمنية. ونبّه إلى أن الصبغة الكوكبية للحضارة الغربية قد أحدثت ردّة فعل عند باقي شعوب العالم التي ترى أن ارثها الحضاري والثقافي في طريقه إلى الانمحاء، الأمر الذي تسبب في رفض هذه الحضارة، وظهور الإرهاب الذي تحوّل إلى شبح يقضّ مضجع العالم الذي جنّد كل إمكاناته من اجل القضاء عليه. ورأى أن الإرهاب هو إفراز مباشر لهذه الحضارة وتعبير عن واقع العصر الذي نعيشه اليوم والذي يختلف عن سابقيه من ناحية أن السلاح أصبح فيه أداة تدمير شامل وأن أية حرب قد تنشأ بين الحضارات في عالم اليوم قد تؤدي إلى تدمير البشرية كلها. وعقب ذلك، ألقى عبد الله حامد الكيلاني ممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمةً جاء فيها أن أهم ما يشغل بال العالم أجمع بمختلف مؤسساته وتنظيماته وهيئاته وأفراده هو موضوع التصدي للإرهاب ومكافحته ، وهي الظاهرة التي اشتد ساعدها في الآونة الأخيرة وأصبحت تأخذ أشكالا كثيرة وصوراً مختلفة تتفق كلها في هدف واحد هو تقويض الأمن وزعزعة الاستقرار. ولفت إلى ان الدول العربية أولت اهتماما كبيراً لمسألة مكافحة الإرهاب وكانت سباقة سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي إلى التنبيه إلى خطورة هذه الآفة التي عانت منها قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر، واتخذت العديد من المبادرات والتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب منذ عقود من الزمن، وسبقت الأحداث إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة منذ السبعينيات من القرن الماضي. وأشار إلى مجموع الاتفاقيات التي وقعتها الجامعة في إطار مكافحة الإرهاب وفي مقدمتها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي وقع عليها في اجتماع مشترك لمجلسي وزراء العدل والداخلية العرب سنة 1998 والتي دخلت حيز النفاذ عام 1999، موضحا بأنها تعتبر الأولى من نوعها كإطار قانوني إقليمي شامل لتعزيز التعاون القضائي والأمني بين الدول العربية كما أنها أول اتفاقية إقليمية تعالج مسألة تعريف الإرهاب بشكل دقيق وواضح وتؤكد على ضرورة التمييز بين الإرهاب والحق المشروع للشعوب في مقاومة الاحتلال والعدوان. ومن جانبه شدد جي. إن. ديكسيت وكيل وزارة الخارجية الهندية الأسبق في كلمة له أن الحكمة التي انتشرت خلال العامين الماضيين تؤكد أن الإرهاب قد أصبح قضية مهمة هامة بعد وقوع الهجمات الإرهابية في نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001 ، وأن الإرهاب صار ظاهرة تخترق الإسلام، معتبراً أن كلا الافتراضين يحملان طعم التحيز ويفتقدان إلى العقل. وبعد أن اعتبر الإرهاب ظاهرة سياسية واجتماعية أساساً وليست دينية أو روحية، شدد على أنه ينبغي النظر إلى هذه الظاهرة في إطارها الاجتماعي والتاريخي، كونها الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها إصلاح العقل وإدراك أسباب الإرهاب وصياغة الأساليب التي يمكن بواسطتها مواجهته. وأضاف أن الناس يلجأون إلى الخيار الإرهابي في المجتمعات والمواقف التي يولد فيها الإحباط من الظلم السياسي والاجتماعي، وتغيب عنها الديمقراطية واحترام الحقوق الأساسية للإنسان، وحيثما يشعرون أنهم لا يستطيعون العيش دون كرامة ودون المستويات الضرورية للحياة الكريمة. ودعا إلى أن مواجهة الإرهاب لا يمكن أن تكون قاصرة على العمليات العسكرية العقابية خاصة من جانب الدول القوية، ذلك أن مثل هذه العمليات وهي تتعامل مع تحديات الإرهاب التي تواجهها فإنها تكون مدفوعة بأهداف استراتيجية وسياسية واقتصادية أكبر قد لا تكون متصلة بمصالح الشعوب في المناطق التي تتخذ فيها هذه الإجراءات العقابية، كما لا ينبغي أن تستند الإجراءات العقابية على الأحكام والقرارات الأحادية التي تتخذها الدول الكبرى. ورأى أن الاتجاه الأساسي ينبغي أيضا أن يكون في مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والاحباطات الثقافية لأولئك الذين يلجأون للإرهاب، وهو ما لا يتطلب فقط اتجاهاً عقلانياً بل اتجاهاً إنسانياً شاملاً يخترق هذه المشكلات التي تؤدي إلى الإرهاب، وحلها بالصبر والأناة. ومن جانبه ألقى البروفيسور مراد وهبة أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس كلمة مقتضبة نيابة عن المشاركين، أكد فيها أهمية هذا المؤتمر واعتباره مؤتمرا تاريخيا كونه يتناول ظاهرة كوكبية مهددة للحضارة الإنسانية ولأنه يعقد في مركز زايد إضافة إلى معاصرته لبدايات الإرهاب. وقال إن تدمير مركز التجارة العالمي هو أعلى مراحل الإرهاب، ذلك انه بعد هذا الحادث بدأت تأويلات عديدة تسهم في الكشف عن جذور هذه الظاهرة لافتا إلى ان الغاية من عقد هذا المؤتمر الذي يضم قمم الفلاسفة والمفكرين هي القاء الضوء على هذه الجذور. وأكد أن أهم جذور الارهاب هو ما قد أصاب العقل الانساني في بنيته الذهنية حيث أصبح أداة لتدمير الحضارة الإنسانية بدل أن يكون أداة لتطويرها والارتقاء بها لافتا الى ان الإشكال الذي يطرحه المؤتمر هو ماهية البنية الذهنية للإرهاب. وكانت جلسة العمل الأولى للمؤتمر قد بدأت بورقة عمل قدمتها الدكتورة كيكي كنيدي داي أستاذ بجامعة روتجرز في نيوجيرسي بالولايات المتحدة تحت عنوان «فشل المبادرات المستندة إلى العقيدة» دعت فيها الولايات المتحدة إلى العمل على استقرار الأوضاع على الساحة العربية الإسرائيلية، وذلك تحقيقاً للسلام في المنطقة. وأضافت أنه حان الوقت لتطبيق الضغط الحقيقي على الحكومة الإسرائيلية لتتوقف عن عزل الفلسطينيين، وأن يتوقف الإسرائيليون عن إنشاء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، واصطياد الفلسطينيين إلى الصراع المسلح. وأوضحت أن السياسة التي تروج لها الولايات المتحدة والقائلة «ما عليكم إلاّ أن تثقوا بنا» لم تعد سياسة خارجية ناجحة، لافتة أن أعمال اميركا تمثل إرهاباً متزايداً أدت إلى الانتقام من الاميركيين بالخارج وتنفيذ حكم الإعدام فيهم فقط لأنهم اميركيون، مضيفة أن إدارة الرئيس جورج بوش تدمر قضيتها بهذا الأسلوب وهي غير قادرة على أن تفهم أنها حوّلت نفسها إلى ما يشبه تنظيم القاعدة.