رقائق

خصائص اقتصاديات البيت المسلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأسرة هي الدعامة الأساسية في بناء مجتمع متماسك ودولة قوية؛ وحتى يسود فيها المودة والرحمة وترفرف عليها مظلة الأمن والعدل وتخلو من شبح الجوع والخوف والأثرة، يجب العودة إلى الاقتصاد الأسري قال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" (النحل:97).

من هنا تبدو أهمية بناء اقتصاد أسري يحمي البيوت من شر الخلافات ويحقق لها الأمن الروحي والمادي وفيما يلي أول حلقة في سلسلة اقتصاديات البيت المسلم.

البيت شركة بين طرفين هما الرجل والمرأة ومن بديهيات نجاح أي شركة حسن اختيار الشريك، ولذلك اعتنى الإسلام عناية بالغة بمسألة اختيار الزوج الصالح على أساس الدين والقيم السامية وليس المال والجمال والجاه، قال الله تعالى: الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]. فحسن اختيار الشريك في الحياة الزوجية من أهم عوامل نجاح البيت اقتصادياً. والمقصود باقتصاديات البيت القواعد الأساسية المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية والتي تحكم المعاملات الاقتصادية للأسرة، وغايتها أن يحيا هؤلاء حياة طيبة رغيدة في الدنيا والفوز برضاء الله في الآخرة.

يتسم اقتصاد البيت المسلم بخصائص من أهمها:

1 - يقوم على قيم عقدية أهمها عبادة الله سبحانه وتنشئة الذرية على ذلك، والإيمان بأن المال الذي معهم ملك لله تعالى، ولذلك يجب على أفراد البيت أن يكسبوه وينفقوه طبقا لشريعة الله، وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7]. كما يؤمنون أن لهم وقفة مع الله سبحانه وتعالى يحاسبهم عن مالهم، ولقد أوضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع عن عمره.. وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه» (الترمذي).

2 - ويقوم على القيم الأخلاقية كالأمانة والصدق والقناعة والصبر، أمانة الزوج تجاه هذا البيت وعلى المال الذي رزقه الله إياه، وأن لزوجته ولأولاده حقاً في هذا المال، وأمانة الزوجة في مال زوجها فلا يجب أن تُبذره أو تبدده فهي مسؤولة عنه، ولقد أكد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «...والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» كما يجب أن تتحلى بالقناعة وأن تلتزم بالصبر والتقشف وقت الأزمات المالية وأساس ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافاً وقنعه الله» (الترمذي).

3 - ويقوم على الكسب الحلال الطيب حتى يتسق ذلك مع الجوانب العقدية الروحية والأخلاقية لأفراده، ولقد أكد على ذلك القرآن فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172]، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يوضح فيقول: «إن الله طيب لا يقبل إلاّ طيبا»، وتأسيسا على ما سبق يجب أن يحرص البيت المسلم على تجنب الخبائث وما يسبب الأضرار، يقول عز وجل: إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة: 173]

4 - ويقوم على الالتزام بالأولويات الإسلامية عند الإنفاق، والتي تتمثل في الضروريات فالحاجيات فالتحسينيات لتحقيق المقاصد الخمسة للشريعة الإسلامية وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

5 - وعلى الاعتدال في النفقات، لا إسراف ولا تقتير، يقول تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل ما شئت والبس ما شئت دون سرف أو مخيلة» (البخاري). كما يقوم اقتصاد البيت المسلم على التوازن بين الإشباع المادي والإشباع الروحي، وبين متطلبات الحياة الدنيا والعمل للآخرة، كما في قوله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها» (البخاري).

6 - ويقوم على فصل الذمة المالية للرجل عن الذمة المالية للمرأة فلها حق تملك الصداق ولها الحق في الميراث الشرعي وحق تملك الضياع، فيقول الله عز وجل: لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء:32].

Email