رقائق

بذكر الله تطمئن القلوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أكثر الملهيات التي تحيط بالإنسان في هذه الحياة فتغرقه في الشواغل وتصرفه عن مهمات الأمور وفضائل الأعمال، والعاقل من يوازن بين الاهتمامات اليومية المتعلقة بمطالب العيش وحاجات الأهل والأولاد وبين معالي الأمور مما يختص بتهذيب النفس وتزكيتها وترقيتها في مدارج التقوى والقرب من الله عز وجل.

ذلك أن النفس الإنسانية بحاجة مستمرة إلى تهذيب وتزكية وتطهير وصقل وتدريب، حتى تنتظم على طريق الحق وتستقيم على نهج الطاعة والعبادة والصلة بالله عز وجل، لأنها لو تركت مع هموم الحياة وشواغلها فسرعان ما تزيغ بها الأهواء وتجتذبها الشهوات.

وليس غير ذكر الله عز وجل وسيلة لدوام الصلة به والاستقامة على طاعته، لأن العبد إذا ذكر ربه بقلبه ولسانه، أحاطه الله عز وجل بعنايته ورعايته وهدايته ومغفرته ورضوانه، قال عز من قائل: (فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ). أما إذا غفل عن ذكر الله وانشغل عنه بالدنيا وهمومها فإن الله عز وجل يتخلى عنه ويتركه لما شغل به قلبه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). ولذلك جاء الأمر بالذكر مقرونا بالتحذير من الغفلة والنهي عنها: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعَاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ).

وفرْقُ ما بين المؤمنين والمنافقين؛ فالمؤمنون: (يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). بينما المنافقون لا يهتمون بذكر ولا بصلاة: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً). والمؤمن إذا داوم على ذكر الله؛ اطمأن قلبه وهدأت نفسه وعمر الإيمان واليقين كيانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). أما غير المؤمنين ممن ينسون الله ويتعلقون بالدنيا وشهواتها، فهؤلاء مهددون بمصير رهيب: (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ. أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلاً للتمييز بين الذاكرين والغافلين، روى البخاري عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ".

فلنحرص على ذكر الله عز وجل، بقلوبنا وألسنتنا، لعل الله عز وجل أن يرزقنا بذلك السعادة والطمأنينة في الدنيا والنجاة والنعيم في الآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً. تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً). خفيفتان وثقيلتان

وفي سنة رسول الله صلى الله عليه، فقد علمنا عليه الصلاة والسلام من الأذكار ما يقربنا إلى ربنا عز وجل ويحفظ لنا صلتنا الدائمة به، من ذلك ما جاء عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ). وعنه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ؛ وَالحَمْدُ للهِ؛ وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ). وعنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَالَ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ؛ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِي، وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ).

Email