إدارة الإفتاء في دبي تعزز مشروع «المفتي المواطن»

أحمد الحداد: نخطط لإيجاد جيل من العلماء المواطنين

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

 

جمع وسائل المعرفة الشرعية والآلية ( من نحو وصرف وما شابه)، وفهم النصوص الشرعية، واستنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المختلفة، ومعرفة دلائل النصوص القرآنية والحديثية واستحضارها عند الحاجة، وهضم نصوص الفقهاء، والعلم بمواقع الإجماع والخلاف، والمعرفة بالناسخ والمنسوخ، والمطلق من المقيد، والعام من الخاص، هذه كلها لبِنات أساسية لبناء مفتٍ متمكن مؤهل للتوقيع عن الله تبارك وتعالى.

ولأن المفتي على هذه الدرجة من العلمية والأهمية، فقد أسست دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي ما بات يعرف بمشروع "المفتي المواطن" منذ ثلاث سنوات، وما زال العمل مستمرا لترسيخ جيل من طلبة العلم من أبناء البلاد قادر على إعطاء الأحكام الشرعية بما يمكن الناس من تطبيق أحكام دينهم فعلاً ونهياً.

التقت "البيان" الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي لبيان ما آل إليه المشروع، وإلى المؤمل منه في المستقبل القريب والبعيد.

الحداد كشف عن أن الإدارة تخطط لإيجاد جيل من العلماء المواطنين القادرين على القيام بأمانة الفتوى للمسلمين، وأن هذا المشروع ربما يكون قد بدأ بطيئا، وبخطوات هادئة، لكن العمل جارٍ على توسيع قاعدة طلبة العلم من المفتين المواطنين، كاشفاً عن أن إدارة الإفتاء استقطبت ثلاثة من طلبة العلم المواطنين، وتعمل على تدريبهم منذ ثلاثة أعوام، وقد تمَّ تعيينهم كمفتين بشكل رسمي.

عُرْف البلد

ما هو الهدف من إطلاق المشروع؟

يمكن أن أوزع الإجابة على ثلاثة محاور أولها: إعداد كوادر وطنية مؤهلة للإفتاء، لحاجة المجتمع إلى ذلك، لأن أبناء هذا البلد أدرى بأعرافه وعاداته وهموم أهله. والمحور الثاني أن الساحة خالية من المفتين المواطنين الأكفاء، ولأن هذه المهمة لا يمكن أن يقوم بها متخرج عادي في الكلية، كان لا بد من دُرْبةٍ كافية على أيد العلماء الأكفاء الممارسين للإفتاء، والذين نهلوا من هذا العلم قراءة وخبرة عن مشايخ معروفين في العالم الإسلامي. وثالث المحاور أن المشايخ الفضلاء الموجودين في الدولة تقادمت بهم السنون، وذهب كثير منهم لرحمة مولاه، وانقطع بعضهم عن هذه المهمة الجُلَّةِ لكبر في السن، أو لعودة إلى الديار، فكان لزاماً إيجاد خلف صالح يقم بالمهمة، ولا أجدر لذلك من أبناء الوطن الذين يُتوخى فيهم النفع والإفادة. ولكن ذلك طبعا بعد أن يجتازوا المقابلات الشخصية شفوياً وتحريرياً، ثم التزامهم بالمنهج الذي أعدته الدائرة، مع استمرارهم في مقاعد الدراسة بكفاءة عالية.

وإلى أين وصلت جهودكم؟

تقدم لهذا العمل بضعة عشر متخرجا وست متخرجات، ولكن لم يسعف الحظ في القبول إلا ثلاثة متخرجين، وهم الآن معينون رسميا بدرجة مفتي، ويزاولون مهمة الإفتاء تحت إشراف المشايخ والعلماء، كي يزدادوا علما ودراية.

وربما تقول إن العدد قليل في خلال ثلاث سنوات، فأقول لك نعم، ومن المؤمل أن يزداد العدد في المستقبل إذا أتاحت الظروف المالية والإدارية ذلك.

ما الصفات التي ينبغي أن يتمتع بها المفتي، وما الفروق بينه وبين الدعاة والمصلحين وأهل التفسير؟

المفتي يحمل مؤهلات وخصائص علمية تختلف عن الداعية والمصلح وغيره، فالمفتي يخبر عن الأحكام الشرعية التي يتضمنها الشرع الإسلامي الشريف، نقلاً عن الأئمة، واستنباطاً من الأدلة، وهو ليس مجرد حافظ أو واعظ. وبالتالي ينبغي أن يدرس المفتي العلوم الشرعية المختلفة دراسة تحقيق وتأصيل، ويكفي لكي تعرف حجم المفتي أنه كان في السابق مجتهداً، وطبعا هذا الأمر لم يعد متاحاً الآن لأسباب عدة منها تشعب العلوم، وقلة الاهتمام. وكذلك الفتوى ليست فردية، وإنما هي نتاج تشاور وتنسيق يفضي غالبا إلى وجه الحق.

المذاهب الأربعة

هل يتوجب على المفتي حفظ القرآن وعدد كبير من الأحاديث النبوية الشريفة؟

ليس بالضرورة حفظ القرآن كاملاً، ولا عدد كبير من الأحاديث، بل المهم أن يكون حافظا لآيات الأحكام، وكذلك لأكبر عدد ممكن من أحاديث الأحكام، لكن الأمر المهم في المسألة هو قدرته على الاستنباط والاستدلال في النصوص الشرعية، وقدرته على استرجاعها عند الحاجة.

كيف توفقون في تدريب المفتي المواطن بين مذاهب المسلمين الأربعة؟

لا ريب أن التأصيل الفقهي عندنا مؤسس على مذهب الإمام مالك رحمه الله، ثم يأتي بعده المذاهب الثلاثة: الحنفي والشافعي والحنبلي. ولكن في العموم، فإن منهج الإفتاء في الدائرة لا يخرج عن فقه الأئمة الأربعة، فهذه المذاهب هي المكوِّن للتشريع الإسلامي، لأنها مستنبطة من الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وعليها المعوَّل لدى السواد الأعظم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في العالم كله.

أضف إلى ذلك أن هؤلاء الأئمة استوعبوا في مذاهبهم، من خلال العلماء اللاحقين بهم، كافة النوازل القديمة والجديدة، فما من مسألة يُظنّ أنها من حوادث الدهر، إلا ولها تأصيل في فقه الأئمة الأربعة. أما المسائل المستجدة فيرجع فيها إلى المعاصرين الذين بتّوا في أحكامها وتفصيلاتها ككثير من المعاملات المالية في المصارف والأسواق والشركات، وكذلك في الطب والهندسة الوراثية والبصمات ومسائل كثيرة.

هذه المسائل كلها تدخل في تعليم وتدريب المفتي المواطن، مع ضرورة تعريفه بمنهج إفتائي نعتمده يقوم على التالي: إذا أراد السائل الفتوى على مذهب بعينه أجيب بنحو ما طلب، وإن لم يرد مذهبا بذاته أجيب بحسب حاله: فإن كانت المسألة واقعة متحققة أُفتيَ بالأيسر، وإن لم تكن وقعت أُفتيَ بالأحوط.

كيف يمكن للمفتي المواطن أن يتعامل مع المستفتين غير الناطقين بالعربية؟

المفتي المواطن في المرحلة الأولى من الإعداد يقوم بمهمة الفتوى بالنسبة لأهل البلد على وجه الخصوص، وللناطقين باللغة العربية على وجه العموم. أما نحن في الدائرة، فلدينا علماء يفتون على مذاهب المسلمين الأربعة، وبلغات مختلفة: العربية والإنجليزية والأوردية والفرنسية والفارسية. ونقدم الإجابات على طلبات الاستفتاء بوسائل مختلفة: مشافهة، ومراسلة، وهاتفيا، وإلكترونيا، ولدينا خط مباشر يعمل على تقديم الفتاوى الشرعية للمسلمين على مدى ثماني عشرة ساعة يوميا دون عطلة، وذلك حرصا على تطبيق المسلمين لأحكام شريعتهم، سواء كانوا في الدولة أو خارجها. ويوجد عندنا في دائرة الإفتاء سبعة عشر مجلداً في الفتاوى الشرعية بمختلف أبواب الشرع، وهي متوفرة لمن يرغب في الاطلاع والمعرفة والاستفتاء.

أكثر الأسئلة

 

كشف الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي أن أكثر الأبواب التي يتم الاستفتاء فيها من الجمهور تتصل بالجوانب المتعلقة بالأسرة من نكاح وطلاق وحقوق زوجية، ويأتي بعدها في المرتبة الثانية فقه العبادات من صلاة وزكاة وصيام ونحو ذلك، ثم ثالثا المعاملات وهذه الأخيرة من الكثرة بمكان، فهي تضم المعاملات المالية المختلفة، ثم تتوسع دائرة الأسئلة في كافة جوانب الفقه، وكذلك في الحديث والتفسير والعقائد.

 

تسخير التقنية

 

ما يميز العمل في إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، أنها لا تكتفي بتوسيع القاعدة العلمية الشرعية للمفتي المواطن فحسب، بل هي توسع مداركه نحو الاستفادة من التقنيات الحديثة، وهو ما كشف عنه الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد الذي قال: نسعى إلى أن يستفيد المفتي من وسائل التقنية الحديثة غاية الاستفادة، فيتم التعامل مع المستفتين من خلال برامج الإفتاء الإلكتروني، والإبحار في المواقع الإلكترونية، والتعامل مع جهاز الحاسوب بحنكة.

Email