عبرة

تَرْك المحبوب إرضاءً للأحبِّ

ت + ت - الحجم الطبيعي

لله درُّ الصحابة، ويا لنفوسهم الطيبة، وسماتهم العظيمة، ومناقبهم النادرة، وخصالهم الفذّة. كانت حياتهم مضبوطة بإيقاع الشرع، فما وافق الشرعَ أخذوه، وما خالف الشرع رفضوه. ولم يكن يشغلهم عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم شاغل.

 فالمؤشر في معايشهم اليومية هو الطاعة التامة الكاملة لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فها هو عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يتزوج إحدى الصحابيات ممن عرفت بحسنها وجمالها، فشعرَ الصدِّيق العظيم أبو بكر رضي الله عنه أن ابنه انشغل عن واجب الجهاد، فأمر ابنه بتسريحها، وما كان من الابن البار المؤمن التقي إلا أن استجاب لنداء الأب، ولداعي الإسلام، فآثر خدمة الدين عن التمتع بالدنيا، ونفذ أمر والده. وذلك قبل أن يرق قلب الأب العطوف بعدما رأى من حب ومودة بين الزوجين الصالحين، فيطلب من ابنه مراجعتها.

وما كان فعل عبد الله من مفارقة الحبيبة إلا إرضاء لمن هو أحبُّ إليه منها.

في هذه القصة القصيرة التي أوردها الإمام ابن الجوزي في كتاب "أخبار الظراف والمتماجنين" يتمثل الانقياد الكامل لشرع الله، ويظهر بجلاء أن هم الدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى، والعمل من أجل خدمة الإسلام العظيم، كان الشغلَ الشاغل لسائر الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وها هي القصة التي يرويها عبد الله بن عاصم بن المنذر، قائلا: تزوج عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما عاتكةَ بنت زيد بن عمرو بن نُفَيْل رضي الله عنها، وكانت حسناء، ذات خلق بارع، فشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها، فطلقها؛ وقال:

ولم أرَ مِثْلِي طلَّق اليوم مثلها

                     ولا مثلها في غيرِ جُرْمٍ تُطلَّقُ

فرقَّ له أبوه، وأمره فراجعها، ثم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غُزاةَ الطائف، فأصابه سهمٌ، فمات منه، فقالت عاتكة رضي الله عنها وأرضاها:

رُزِيتُ بخير الناس بعد نبيهـم

                   وبعـد أبي بكرٍ وما كان قصَّرا

وآليتُ لا تنفـكُّ عيني حزينـةً

                  عليــك ولا ينفـكُّ جلدي أغبرا

فلله عينا من رأى مثله فتــىً

                 أكرَّ وأحمى في الهياج وأصبرا

إذا شُرِّعتْ فيه الأسنَّة خاضها

                 إلى الموت حتى يترك الرُّمح أحمرا

Email