سن التقاعد في الإسلام ‬1-‬2

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك كثير من الأسئلة ترد على ذهن البعض وتحتاج إلى إجابة واضحة، حتى يرتاح باله وترتاح نفسه للإجابة الصحيحة، ومن الأسئلة التي تراودنا جميعا سؤال مهم وهو: هل هناك سن معينة يجب على الإنسان أن يرتاح فيها ويجنب نفسه عناء العمل، ويقوم بالترفيه عن نفسه بالرحلات والجولات السياحية أو الجلوس مع أسرته أو مع نفسه أمام القنوات الفضائية لمشاهدة الأفلام والمسلسلات وقراءة الجريدة الصباحية؟، أم أن سن التقاعد اختراع إنساني بحت جاء في وقت معين ولأسباب معينة ولا محل له من الإعراب؟.

للإجابة على هذا السؤال قرأت دراسة وافية للباحث عبد الدائم الكحيل وهو من الباحثين المحبين والمهتمين بدراسة الإعجاز في القرآن والسنة النبوية وله كثير من الدراسات في مجالات متعددة، فماذا يقول الباحث عن هذه المسألة ومن وحي القرآن والسنة ومن وحي العلوم الطبية والاجتماعية والإنسانية.

يقول الباحث: عندما بدأ الغرب ثورته العلمية أراد أن يضع تشريعاً يضمن سلامة ورفاهية الناس فحدّد سناً للتقاعد عن العمل (ستين سنة مثلاً)، ظناً منه أن هذا القانون يخدم البشرية ويضمن لها السعادة والوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية. ولكن هل يتفق هذا التشريع مع الإسلام؟ طبعاً لا؟

أولاً: الإسلام ليس فيه سن تقاعد عن العمل! بل يبقى المسلم يعمل حتى آخر لحظة، فيقول تعالى: «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» [الحجر: ‬99]، واليقين هو الموت، إذاً العبادة مستمرة حتى ولو كنتَ على فراش الموت.

والنبي صلى الله عليه وسلم بقي يعمل ويمارس جميع نشاطاته في الدعوة إلى الله وقتال المشركين ويعمل كقائد سياسي وعسكري ومرشد اجتماعي للأمة حتى لحق بالرفيق الأعلى، ولم يتوقف لحظة عن العمل، لأن الله تعالى أمرنا بالعمل فقال: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» [التوبة: ‬105]، إذاً فالعمل مستمر حتى لقاء الله عالم الغيب والشهادة.

ولكن الغرب خالف هذه السنَّة الإلهية، وقال بأنه ينبغي على الإنسان أن يستريح من العمل بعد سن محددة، وسبحان الله، رجعوا إلى تشريع القرآن واعترفوا بأن سن التقاعد خطأ، وأن هذا القانون سبب الخرف للكثيرين ممن تقاعدوا عن العمل بعد سن الستين، كما سبب لهم العزلة الاجتماعية والكآبة وبعض الأمراض الجسدية... وإليكم يا أحبتي الإثبات العلمي من أفواه علماء الغرب أنفسهم!

وتؤكد دراسة أميركية جديدة نشرتها «الدورية الدولية للصحة المهنية» أن الأشخاص الذين يعملون بعد سن التقاعد يتمتعون بصحَة أفضل مقارنة مع غيرهم من المتقاعدين. وتقول الدراسة التي صدرت عن الرابطة النفسية الأميركية إن الأفراد الذين يعملون بعد بلوغ سن التقاعد في مهن مؤقتة أو وظائف تتطلب العمل بدوام جزئي يعانون، بدرجة أقل، من المشكلات الصحية ويتمتعون بحيوية أكبر مقارنة مع المتقاعدين الآخرين. وعلى ذكر سن التقاعد كان لي صديق خبير تعليم كبار في هيئة اليونسكو، وفي جلسة جمعتني أنا وهو، تطرق الحوار إلى العمل طوال العمر فقال لي: إنني كنت أتمنى أن أعمل في المحاماة أو الصحافة ، فقلت له: لماذا يا أستاذ محمد؟ رد علي: الذين يعملون في المحاماة وفي الصحافة عملهم يدوم إلى نهاية عمرهم وهذه ميزة على عكس الموظف الذي ينتهي عمله بسن التقاعد.

Email