المطالبة بقوانين رادعة تضع حداً لغير المبالين

المهن النبيلة يحاصرها تهاون المقصّرين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينبغي الإدراك أن أصحاب المهن النبيلة بشرٌ يخطئون ويصيبون، ولكن ليس إلى حد ارتكابهم أفعالاً تخالف قواعد العمل والرسالة التي من المفترض أن يؤدوها على أكمل وجه.

ولا يمكن التصدي لمخالفات هؤلاء إلا بالقانون الذي يعتبر خير رادع لهم، وهناك ضوابط قانونية لمحاسبتهم بشكل عام. لذا يتحتم اختيار الموظف المناسب للمكان المناسب، فلا تكفي الإجراءات والمقابلات التي تعتمد بالدرجة الأولى على المظهر الخارجي. فإن لم يستوعب الموظف بأن يعمل في إطار مهنة نبيلة فلن يؤدي المهام والواجبات الموكلة إليه على أكمل وجه، وإنما ستبدر منه مخالفات سيعاقب عليها حتماً.

مخالفة صحية

قال المحامي والمستشار القانوني حسن المرزوقي: «لا تزال بين يدي قضية رفعها زوجان ضد أحد المستشفيات الخاصة في الدولة إزاء ارتكاب الطبيبة التي قامت بتوليد الزوجة لمخالفة تتمثل في أنها لم تبذل أي جهد في تقديم العناية اللازمة، الأمر الذي أدى إلى وفاة الجنين أثناء الولادة. وتمت إدانة الطبيبة من قبل اللجنة العليا للمسؤولية الطبية.

وأضاف: أنّ الزوجة لم تحمل بجنينها إلا بعد رحلة علاج استمرت 5 سنوات، ودفعت وزوجها مبالغ طائلة من أجل أن يتوجا بلقب «الوالدين». إلا إنها لم تكتمل الفرحة. وتطالب هي وزوجها اليوم بتعويض قدره مليونا درهم». وأضاف المرزوقي: «هناك أيضاً مخالفة طبية أخرى ارتكبها أحد المستشفيات بحق مريضة مواطنة مُصابة أساساً بسرطان في القولون.

إلا أن الطبيب المباشر على علاجها لم يكلّف نفسه عناء بذل الجهد لإجراء التشخيص اللازم لعلاجها، واكتفى فقط بإعطائها مسكنات. والمخالفة هنا أيضاً تدخل في إطار أنه لم يبذل عناية الطبيب المعتاد. متجاهلاً وغيره من الأطباء ضرورة أن يلتزموا في تأديتهم لعملهم بالأخلاق السامية، والإنسانية العالية، من حيث معاودة المرضى بدقة، وكفاءة، ورحمة.

ومنهم من يستسهل إجراء العمليات الجراحية عالية المخاطر، من دون حسابات طبية دقيقة ومتأنية». كما نوّه المرزوقي إلى أنه نظراً لضعف الوازع الديني لدى بعض الأشخاص العاملين في المؤسسات والجمعيات والهيئات الخيرية قاموا بسرقة نسبة من التبرعات التي قُدمت من المحسنين بحيث لم تذهب إلى مستحقيها، وهناك قضايا تؤكد على ذلك، لذا الأمر ينبغي محاسبة هؤلاء.

تناقض

من جهته أوضح عمر محمد الكعبي، مدرب معتمد في التنمية البشرية وخبير في مجال تطوير الذات بأن هناك الكثير من المهن النبيلة التي يرتكب أصحابها مخالفات لا تغتفر أحياناً، ومنها بعض القضايا الواقعية التي تداولتها وسائل الإعلام باختلافها، وعلى سبيل المثال لا الحصر قيام محفظ القرآن بالتحرش بطفلة.

والعبث ببراءتها، أثناء تحفيظها، في صورة تبرز حجم التناقض بين الهدف الذي أُحضر من أجله، والسموم المخزنة في أحشاء تفكيره. وقال الكعبي: «تعتبر مهنة تحفيظ كتاب الله من أسمى المهن النبيلة أيضاً، وينبغي على المحفظ عموماً أن يتمتع بحصانة ضد أفعال الشيطان، والحرص التام على رداء العفة والأمانة، وبل يفترض أن يتحلى بأخلاق سامية كونه مسلماً ومعلماً لكتاب ودين الله».

وأضاف الكعبي: «وهناك أيضاً وللأسف الشديد مخالفة سابقة ارتكبتها معلمة دخلت الصف في إحدى المدارس في أبوظبي وهي مخمورة! الأمر الذي ينبغي ضرورة مراقبة المعلمين عموماً من إدارات المدارس والمناطق التعليمية»، منوهاً إلى أنه ينبغي على المعلم ممارسة كل السلوكيات التي تجعله قدوة لطلابه.

رسالة سامية

في حين أشار إسحاق محمد البلوشي مدير الاتصال المؤسسي في دار زايد للرعاية الأسرية في منطقة العين إلى أن هناك فئة من المعلمين يرتكبون فعلاً مخالفات كالتلفظ بألفاظ خارجة مع الطلاب، وهنا ينبغي مساءلتهم ومحاسبتهم.

وأضاف البلوشي: «لا أدري إن كان المعلم يتناسى أحياناً أن دوره يتمثل في تنشئة أجيال صالحة في المجتمع. فالمعلم كالنجم داخل المدرسة كل الأضواء مسلطة عليه، لكن ماذا يفيد إذا كانت هناك أخطاء أو مخالفات يرتكبها المعلم ولا يستطيع مدير المدرسة أو أي مسؤول مواجهتها؟».

كما قال الإعلامي الإماراتي الشاب محمد الكعبي: «تعتبر المحاماة رسالة قبل أن تكون مهنة، فهي رسالة إنسانية سامية ونبيلة تسهم في حماية الحقوق والحفاظ على العدالة التي تعلي شأن القانون وتسمو بالوطن. وللأسف الشديد أستغرب من وجود محامية حاصلة على شهادة الدكتوراه في جرائم تقنية المعلومات بالقيام ليل نهار بالإساءة إلى الناس عن طريق التلميح وذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وهذا ما حدث معي شخصياً». وأضاف الكعبي: «إن كل صاحب مهنة نبيلة يعتبر قدوة لغيره وذلك في تصرفاته وسلوكه، وحرصه على تنفيذ رسالة المهنة بما فيها من مبادئ ورؤية وقيم وبما تتطلب الأخلاق والضمير والثقة».

فيما أوضحت سمية الكثيري رئيس مجلس إدارة فريق أبشر يا وطن التطوعي بأن المتطوع يعتبر غالباً موظفاً حينما يقضي قرابة 6 إلى 7 ساعات في مكان الحدث. وبعضهم يرتكب مخالفات حينما يجهل بآلية مهام التطوع، وماهية الإجراءات، وعدم الإلمام بالشروط والتعليمات. وبعضهم من يكون مستهتراً بحيث لا يلتزم بتاتاً بساعات التطوع.

رؤية نفسية

وأشارت موزة النعيمي، استشارية نفسية وطالبة دكتوراه في علم الجريمة إلى أن أصحاب المهن النبيلة معرضين للضغوطات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية قد تدفعهم إلى ارتكاب مخالفة أو جريمة. ومنهم من يكون على قدر من العلم والخبرة والذكاء بحيث يستعملون تلك القدرات في أعمال مخالفة لطبيعة مهنتهم، ويصعب أحياناً كشفها كونها تمت بطريقه محكمة.

وأضافت النعيمي: «لذا تعتبر المخالفات من أصحاب المهن النبيلة جريمة، وهذا السلوك الإجرامي مركب لا يخضع للتجزئة. فالجريمة ظاهرة اجتماعية وخلقية وسياسية واقتصادية قبل أن تكون حالة قانونية.

ومن الناحية النفسية تمثل مشكلات اضطرابات الشخصية السبب الأكبر في اندفاع بعض المرضى في ارتكاب الجرائم حتى وإن كان ذا مهنة نبيلة، وبعض هذه الاضطرابات تدفع الأشخاص إلى العدوانية، وتميل إلى كسر القواعد والأعراف الاجتماعية».

خبرات سلبية

وأشارت إلى أن الشخص المرتكب للمخالفات المهنية قد يكون هو بنفسه تعرّض لخبرات حياتية سلبية في مرحلة من مراحل عمره أدت به إلى اضطراب السلوك. وقد يكون نقص الوازع الديني من الأسباب التي تؤدي بهم إلى المخالفات أو الجرائم.

وقال عبدالله العطر خبير في التنمية البشرية وتطوير الذات: «لا يصح مهنياً وعلمياً تصنيف الوظائف إلى نبيلة وأخرى أقل نبلاً، لأن كل وظيفة محكومة بالقيم والأخلاق. ولكن هناك ملاحظة أن بعض الوظائف تكون القيمة هي المهمة التي تعمل لها، مثل جمع التبرعات، التعليم، الخدمات الإنسانية وغيرها. لذلك يعتبر الخطأ في هذه الوظائف غير مقبول».

Email