أمهات أصحاب الهمم..تضحيات ناعمة

تكريم الأمهات اصحاب الهمم والرعاة والمتطوعين | تصوير: عماد علاءالدين

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمهات تجاوزن صدمة البداية.. ويعشن بين محطات الأمل ولسعات الألم التي توخز قلوبهن الدامية، فضلاً عن نظرات الشفقة في أعين المجتمع، ويحترقن كل يوم لمواجهة واقعهن بعزيمة، لا تنقصهن الصلابة ولا قوة إرادة.. تقبلن واقعهن لينرن طريق فلذات أكبادهن.

وتحسين حياة أولادهن بقلوب دامية وأرواح مؤمنة.. مسؤوليتهن كبيرة، هن أمهات أصحاب الهمم الذين لا حول لهم ولا قوة بعد الله إلا هؤلاء الأمهات، يسندنهم في الحياة ويرعينهم بحب وعطف لا مثيل لهما، استحققن التحية والاحتفال في عيد الأم، فهن أمهات فوق العادة وفوق التصور، تستمر أمومتهن وتمتد امتداد عمر أولادهن، قاسمهن المشترك المعاناة والصبر للاستمرار في رعاية أبنائهن.

«البيان» سجلت آمال وآلام عدد من الأمهات المكرمات ضمن مبادرات عام زايد وتفعيلاً للدور المجتمعي لمركز المشاعر الإنسانية لرعاية وإيواء ذوي الاحتياجات الخاصة احتفاء بيوم الأم.

تحديات

أحلام سالم التي تحملت لظى الحياة من أجل تربية ابنها «آخر العنقود» قصي الذي يعاني من إعاقة نادرة تسمى «متلازمة واجر» نتجت عن خلل في الكروموزوم الحادي عشر، شاء القدر أن يبتليه به، إذ إن عدد حالات الإصابة حول العالم بهذا المرض لا تتعدى الألف حالة بحسب ما أكد لها الطبيب المعالج.

رغم أن الأطباء أكدوا لها إصابة جنينها في شهوره الأولى أثناء الحمل بهذا الخلل تاركين لها الخيار بأن تستمر في إنجابه من عدمه، إلا أنها ووالده قررا أن ينجباه عسى أن يكذب القدر ظن الأطباء، ولكنه كان قد قال كلمته، ليولد قصي في الأسبوع الثاني والثلاثين قبل موعده وتوقع الأطباء له الوفاة المبكرة نظراً لعدم اكتمال نموه، حتى أن نوع الجنس لم يكن واضحاً.

ظل الطفل في الحضانة تحت الأجهزة 3 سنوات كاملة، ليتمكن من التلاؤم مع البيئة الخارجية، وكبر حتى بلغ الآن السابعة عشرة من عمره ليعيش بنصف جسد، إذ قدر للنصف الآخر الشلل التام .

وكادت أحلام «أحلام» تتبدد في شفاء ابنها إلا أن كلمات طبيبه المعالج وقعت في نفسها كتأثير السحر حين قال لها «إن الله ميزك عن الكثير من الأمهات ومنحك وعاء للأجر والثواب لتحملك هذا القدر من المعاناة».

الأم أحلام التي أجريت لابنها أكثر من 23 عملية منذ كان عمره شهراً ونصف الشهر، سعياً وراء بصيص الأمل أكدت أنها تتقبل الأمر برضا تام بقضاء الله وقدره، وتجد السلوى في أبنائها الثلاثة المتعافين ومساندة زوجها.

تضحية

أما مريم العماري (أخت لثلاثة من أصحاب الهمم) فأكدت كلمة «معاناة» لا تعترف بها في قاموسها وأنها تتولى بسعادة تامة عناية توأمين من أخواتها البالغات 23 عاما، تعانيان من إعاقة عقلية متقدمة نتيجة لزواج الأقارب، رغم خلو تاريخ العائلة من أي إعاقة.

وبسؤالها عن التحديات التي تواجهها أكدت أنها لا تجد أي تحديات، مشيرة إلى أن الدولة تذلل الكثير من العقبات التي تواجه ذوي أصحاب الهمم وتهيئ البنية التحتية لتلائم جميع أنواع التحديات، فضلاً عن سعيها لدمجهم في المجتمع، إلا أن شح المراكز التأهيلية لهذه الفئة خاصة بعد سن الثامنة عشرة، يعتبر التحدي الوحيد الذي تواجهه مريم بالإضافة إلى شح النوادي الخدمية والرياضية التي تخدم هذه الشريحة.

«أم حصة» صمتت قليلا ثم قالت: لدي 7 من الأبناء من ضمنهم حصة البالغة 25 سنة وتعاني من إعاقة ذهنية ألحقتها بنادي دبي للمعاقين، ومن ثم الحقتها بمركز المشاعر الذي وجدت فيه بالغ الاهتمام والترحيب والعناية أيضا.

ألغيت أم حصة كل برامج حياتها لتمد يد المساعدة لابنتها، وسكبت دموعاً كثيرة وهي تقف على معاناة ابنتها التي تعاني كثيرا جراء إعاقتها، خنقها عباراتها، ودموعها تواصل صوت نحيبها المكلوم.

معاناة

«أم عمر» لم تختلف كثيراً عن نظيرتيها إلا أنها أصبحت تتجنب زيارة موطنها بسبب التعليقات التي تسمعها من الأقارب والمحيطين بها حول ابنها الذي يعاني من التوحد منذ الولادة، كانت تعمل مدرسة في مرحلة ناجحة في حياتها من الناحية العملية، وفي الجانب الشخصي كانت تقاتل من أجل تحقيق التوازن النفسي والجسدي.

وتضيف: كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي، لم أستفق منها إلا بعد سنوات، فقلبي نزف دماً، قاتلت من أجل علاجه، وحين أخبرني الطبيب بنتيجة الفحوصات أول مرة شعرت بذلك المبنى الضخم «المستشفى» يكاد يسقط على رأسي، ويكسرني ويرميني أشلاء، تثاقلت خطاي وأنا أنظر لطفلي.

ودمعي ينساب فوق جسده الصغير، وحين بلغ الرابعة عشرة من عمره أصبحت أتعايش مع حالته، لكن قلبي لازال يقطر دماً كلما نظرت له، كلما شعرت أنه يعزل نفسه عن المجتمع، كلما رأيت الأولاد في سنه يتمتعون بالنشاط والحيوية.

تقاسمها المعاناة ذاتها «أم جاسم» التي ولد ابنها معافى سليماً يقرأ ويحفظ القرآن مثله مثل أقرانه في المدرسة حتى سن الرابعة، لتبدأ أعراض مرض التوحد تظهر عليه جلية حين بدأ يفقد النطق تدريجياً ويعاني من عدم التركيز والنرفزة المبالغ فيها، فجالت به عدة دول من أنحاء العالم في رحلة العلاج من مرض التوحد الذي شوه ابتسامة وجهه.

تكريم

كرّم مركز المشاعر الإنسانية لرعاية وإيواء أصحاب الهمم 10 من أمهات أصحاب الهمم ضمن مبادرات عام زايد وتفعيلاً للدور المجتمعي في دولتنا الحبيبة واحتفالاً بيوم الأم عرفاناً لعطاء أمهات العمل الإنساني وأصحاب الهمم اللواتي يبعثن الأمل في قلوب أطفالهن بعطائهن ويعلمن أفراد المجتمع معنى الحب الحقيقي.

ومن ناحيتها ثمّنت الدكتورة نادية الصايغ مؤسس ومدير عام المركز، الدور البارز والخالد للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، في العطاء والعمل الإنساني الخيري في الإمارات وفي العالم أجمع وأياديه البيضاء التي لم تميز بين الأعراق أو الأديان، لتخفف من معاناه الآخرين، وترسم الابتسامة على وجوههم وتزرع السعادة في قلوبهم.

خدمات

أكدت الدكتورة نادية الصايغ أن المركز يخدم جميع الفئات من ذوي الإعاقة منها المتوسط والشديدة ومتعددو الإعاقات وخاصة الجسدية والصحية فئة الشلل الدماغي، والتصلب الحدبى الجنف وغيرها من الإعاقات العقلية بأنواعها منها اضطراب طيف التوحد والاضطرابات السلوكية والانفعالية، ويركز على قبول الأيتام من أصحاب الهمم كونهم أحوج للدعم النفسي والرعاية.

ويوفر المركز برامج التدخل المبكر والبرامج العلاجية والتأهيلية التي تمكنهم من الاستقلال الذاتي والتكيف ضمن المجتمع الأكبر، حيث بلغ عدد الحالات الملتحقة بالمركز 105 حالات يتلقون كافة الخدمات.

مبادرة

حرص المواطن محمد إبراهيم متطوع ومنسق إعلامي وناشط مجتمعي ضمن فريق مركز المشاعر على المبادرة والمشاركة في تكريم الأمهات ضمن مبادرات عام زايد 2018 الإنسانية في مركز المشاعر، كما أنه يساهم في تنفيذ البرامج الإنسانية والمجتمعية التي تجسد رؤى حكومتنا الرشيدة، من أجل إسعاد أمهات أصحاب الهمم وتقديم العرفان لما يقمن به من رعاية ابنائهن، مؤكداً شغفه بالقيام بالأعمال التطوعية.

 

Email