البقشيش..إكرامية تحاصرها الالتزامات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإكرامية أو البقشيش ثقافة تختلف بين بلد وآخر، وفي الإمارات التي اجتمعت فيها أكثر من 200 جنسية من أنحاء العالم، فإن هذه الثقافة تتغير بين شخص وآخر، ممن يضعون مبالغ عالية ليكرموا بها العاملين في المطاعم أو الشركات الخدمية المختلفة.

هذه الثقافة تغيرت خلال الفترة الماضية، وتحديداً بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة، إذ إن الكثير اعتقد أن ضريبة القيمة المضافة المطبقة في الدولة مع مطلع العام الجاري، والتي لا تتعدى 5%، أصبحت بديلاً للإكرامية التي كانوا يتركونها للعاملين.

وبحسب دراسة أجرتها شركة «سيرفس ماركت»، والتي تشرح عادات دفع البقشيش أو الإكرامية في دبي، والتي شملت نحو 250 شخصاً، فإن البقشيش يتراوح ما بين خمس إلى 10 دراهم، أي نحو 10% من قيمة الفاتورة النهائية.

صدقة من المعطي

وذكر الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد، كبير المفتين مدير إدارة الإفتاء، بأن "البغشيش"، أو "البقشيش" كلمة مولدة مأخوذة من البغشة وهي المطر الخفيف، والبغاشة في التركية نوع من الحلوى، فنقلت إلى ما يعطاه العامل أو النادل أو ساعي البريد أو نحوهم من قليل المال تطيباً لخاطرهم، أو صدقة عليهم لفقرهم أو مكافأة على إحسانهم.

وهي بهذه المعاني أمر لا حرج فيه، ثم إنه إن كانت بنية صالحة فهي صدقة على هؤلاء الذين أكثرهم ضعفاء، وتصح الصدقة النافلة حتى لمن كان غنياً منهم بكسبه، وإن لم تكن نية الصدقة موجودة فهو إكرام من المعطي، والكرم من أعظم مكارم الأخلاق، لاسيما مع من أحسن إليك بخدمة.

وأضاف أنه يتعين ألا يكون سبباً لضعف العمل عند عدم الحصول عليه، وحيث إنه لم يكن فيه تفويت لمصلحة الغير، ولا أخذ المرء ما لا يستحق ولم يكن في ذلك مخالفة للقانون، فإنه يعتبر أمراً طيباً، بل قد أضحى عرفاً عاماً لدى مختلف الشعوب، ونحن المسلمين أولى بذلك، لأن ديننا يندبنا إلى الكرم.

قانون يعاقب

وأكد المهندس محمد أحمد الشحي وكيل وزارة الاقتصاد للشؤون الاقتصادية، نائب رئيس اللجنة العليا لحماية المستهلك، أن قانون الدولة واضح في ما يتعلق بفرض رسوم خدمات في المطاعم، والتي تراوح ما بين 5 إلى 10 % من قيمة الفاتورة، والتي منعتها اللجنة العليا في 2010.

وأوضح أن «بعض المؤسسات وضعت هذه الرسوم أسوة بالمطاعم الموجودة في بعض دول العالم، والتي لديها قانون خاص يحدد هذه الرسوم الموحدة، لكن قانون (24) لسنة 2006، الخاص بحماية المستهلك يعدها رسوماً غير قانونية، وتعاقب المطاعم على فرضها على المستهلكين».

وأضاف أن هذه الرسوم تحتسب، بحسب القانون، مثل الزيادة في أسعار الخدمات، والتي ينطبق عليها العقوبة ذاتها بزيادة أسعار السلع من دون مبرر، موضحاً أن المطاعم الموجودة داخل الفنادق مستثناة من هذه القاعدة، بحكم أنها تخضع لرسوم محلية مختلفة، ومرخصة من دوائر محلية.

ودعا الشحي إلى ضرورة إبلاغ وزارة الاقتصاد، إذا ما لاحظ المستهلكون وجود مطاعم تفرض مثل هذه الرسوم، موضحاً أن البقشيش الذي يتطوع المستهلك بإعطائه مختلفٌ تماماً عن رسوم الخدمة، ولديه الحرية إذا أراد الاستمرار فيه.

تغيير الثقافة

وقال المواطن عبدالعزيز الأنصاري، إن الثقافة بالفعل تغيرت على مدى السنوات الماضية، لعدد من الأسباب أهمها اعتماد الأشخاص على حمل البطاقات الائتمانية، موضحاً أن الكثيرين لا يحملون مبالغ نقدية معهم، لكي يدفعون بقشيشاً للأشخاص في أي مكان، بل في أحيان كثيرة قد لا يفكر في أن يحمل فئات صغيرة من النقد، وينسى أن يعطي البقشيش.

وأشار إلى أن الكثير من الأشخاص كانوا يعطون مبالغ كبيرة للبقشيش في المطاعم والفنادق، وتصل إلى 20% من قيمة الفاتورة، رغبة منهم في تقديم المساعدة للعمال، وتغير الأمر في 2017، إلى أن وصل الأمر بالبعض إلى تقليل هذه المبالغ أو نسيان ترك إكرامية أو بقشيش لمن يقدم لهم الخدمة.

وأكد أنه مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة، ووجود رسوم أخرى قد تضاف إلى الفاتورة، تعود البعض على دفع قيمة الفاتورة فقط، دون إضافة أي مبالغ أخرى تعود بالمنفعة على العامل نفسه ».

إحراج

ومن جانبها، قالت شيماء حسن: «أترك البقشيش ليس لأنه إلزامي عند الحصول على خدمة، لكني أخشى أن أخرج من مكان دون أعطي شيئاً في يد العامل أو العاملة، فأصاب بالحرج»، موضحة أن نسبة الإكرامية تختلف باختلاف المكان الذي زارته، وبحسب الخدمة، إذ إنها تحرص على إعطاء مبلغ يصل إلى 20 درهماً لكل عاملة في مراكز التجميل، لكن تترك 15 درهماً فقط في المطاعم.

الضريبة

ولفتت إلى أن هذه العادة اختلفت بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 5%، إذ إن الأسعار اختلفت في هذه الجهات، وتالياً اختلفت نظرتها للإكرامية، وأصبحت تقلل من المبلغ الذي تتركه، لاعتقادها أن هذه الجهات تحصل رسوماً للخدمة وبالتالي لا داعي لترك مبالغ إضافية.

هاجس الإكرامية

إلى ذلك، ذكرت سهيلة سعيد أنها تعطي الإكرامية بحسب الخدمة فقط، أي أنها تعطي البقشيش للنادل الذي يقدم خدمة متميزة، وإن لم يقدمها فإنها ترفض ترك البقشيش، لأنها تعتبرها إضافة قد لا يحتاج إليها أصحاب المطاعم، وهم يحصلون في الوقت ذاته على راتب شهري يغطي احتياجاتهم الأساسية.

رواتب قليلة

وقال حسام هاشم، المشرف على صالة مطعم في دبي، إن الإكرامية لا تعتمد على جنسية معينة أو ثقافة معينة، إذ إن عدداً من الزبائن يتركون ما قيمته أعلى من قيمة الفاتورة ذاتها كإكرامية منهم للعاملين، والبعض يحاول الوصول إلى مختلف الندل ليتمكن من إعطائهم مبلغاً بسيطاً، مؤكداً أن هذه المبادرات تفرح العاملين في المطعم، وتسهم في كسبهم مبالغ مالية .

من جانبه، أشار عماد أحمد، نادل في أحد مطاعم دبي، إلى أن هذه الثقافة تتغير بوتيرة متسارعة في الدولة، إذ إن البعض كان يترك مبالغ مالية للندل قبل أن يحصلوا على فاتورة الطعام، والبعض الآخر بعد الدفع، وفي كلا الحالتين كان المبلغ يتراوح ما بين خمسة إلى 10% من قيمة الفاتورة.

Email