قيادة الأطفال للمركبات.. سلوك طائش يخطف الأرواح على الطرق

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مع تحسن الأجواء في الدولة، وبدء موسم «الكشتات» والنزهات البرية، بدأت تطفو من جديد بعض الممارسات الخاطئة على السطح، ليشار إليها بالبنان، راسمة علامات استفهام كثيرة حول تساهل أولياء الأمور مع أطفالهم ممن لم يتجاوزوا الـ 15 بقيادة السيارات، لاسيما من باب المغامرة، الأمر الذي أصبح عادة، فأصبح هؤلاء الأطفال يجازفون بحياتهم على الطرق، تحت ذريعة الفضول وبمباركة من أولياء أمورهم، لاسيما أن الحوادث والتجاوزات باتت تطفو على السطح بشكل مستشرٍ، حيث أعلنت شرطة دبي أخيراً القبض على حدثين لم يتجاوزا الـ 15 عاماً لقيادتهما السيارة بطيش وتهور، وكانت إمارة رأس الخيمة فقدت أخيراً حدثاً في الـ 12 من عمره، وأصيب معه آخران بإصابات بليغة بسبب تدهور السيارة، كما أصيب حدث مواطن يبلغ من العمر 15 عاماً في إمارة الفجيرة بحادث بليغ جراء قيادة السيارة أسفر عنه بتر قدميه بعد إصابته البليغة، هذه الحوادث هي غيض للأسف من فيض من الحوادث التي جعلت دماء الطفولة تنزف على الأرصفة والإسفلت، لنتساءل من المسؤول..؟

«البيان» التقت خبراء في السلامة المرورية والتنمية الأسرية، لتشخيص هذه الممارسات الخاطئة، والوقوف على حلول ناجعة، ترسم مساراً قويماً لحماية الأطفال من مخاطر الطريق وما قد يسببونه من أضرار للمجتمع والصالح العام.

خطورة أم بطولة؟

ومن جهته أكد جمال العامري، الخبير المروري والمدير التنفيذي لجمعية ساعد للحد من الحوادث المرورية، أن نزوع الأحداث إلى قيادة السيارات موضوع سلوكي بحت، لابد أن يتم النظر إليه من خلال 4 أضلاع مهمة وهي: «الأسرة والإعلام والمدرسة والوعي بالقانون»، حيث يتجلى الاتجاه الأول من خلال نظرة فاحصة على علم الاجتماع التطبيقي، إذ لا يعي «الحدث» أو الطفل خطورة ما يُقدم عليه من تصرف، وما قد يتسبب به من أخطار لنفسه وعلى غيره والمجتمع، حيث يغزو عقله الباطن روح الفضول والتجربة، فيقدم على هذا الفعل على أنها مغامرة وبطولة، كما أن في علم السلوك، لا يستطيع أغلب الأحداث الوصول إلى السيارة وقيادتها دون علم ولي الأمر، وفي أحيان كثيرة يقودون السيارة بمباركة أهاليهم، حيث إن بعض الأسر تعتمد على أبنائهم القُصّر في تلبية الاحتياجات اليومية، والقيام بنزهات لساعات بالسيارة، وهنا يتضح أن الجانب الأول لتقليل تفشي هذه الممارسات هو التوعية الأسرية، وقرب الآباء من أبنائهم، وإرشادهم لما هو صواب أو خطأ، إذ إن انعدام حلقة الوصل بين المراهقين وأسرهم، تعتبر الخطوة الأولى للقيام بممارسات متهورة لا تحمد عقباها، وهنا على الأسرة أن تشدد على هذا الجانب، وتساءل، ما الرادع.. أهي الحوادث الجسيمة بعد فوات الأوان..؟

توعية

وحول جرعة التوعية التي لابد أن نحصّن بها المجتمع بشكل دؤوب، تحدث العامري عن الحاجة الماسة لرسائل إعلامية فعّالة ومتواصلة وليس بشكل وقتي فقط، وأن تتولى وسائل الإعلام التقليدية والتفاعلية زمام المبادرة في طرح برامج لتوعية النشء بالمخاطر والأضرار التي قد تنتج عن هذه الممارسات السلبية، والحيلولة دون تفشيها أكثر.

وفيما يتعلق بالمدرسة كمنصة مهمة لتوعية النشء، شدد المدير التنفيذي لجمعية ساعد للحد من الحوادث المرورية، على أن دور المدرسة محوري جداً، فالفكرة ليست بالكم المقدم من المعلومات، بل هي مسألة تنضوي على الكيف، إذ كيف أردع الطالب الذي يأتي للمدرسة بسيارة دون رخصة، كيف أجعل في نفسه حساً وطنياً أن الالتزام جزء من المسؤولية المجتمعية، كيف أجعل فيهم حساً باستشعار خطر هذه السلوكيات الخاطئة، والتعاون مع الجهات المختصة والقيادات العامة للشرطة وجمعيات المجتمع المدني، على مستوى الدولة لتقديم المحاضرات وبرامج التوعية بشكل مستمر.

قانون وعقوبات

وفي سياق متصل، فإن إدراك القانون والعقوبات حلقة مهمة، ترسم مساراً لدرء هذا الخطر المحدق، وهذا ما يؤكد عليه العامري، حيث تنص القوانين أن قانون السير والمرور وهيئات التأمين لا تعوض الضرر الذي يقوم به الحدث، من التسبب بالوفاة لشخص آخر أو الإضرار بالمرافق العامة وغيرها، فالوعي بالقانون والتضافر المجتمعي والمؤسساتي مهم لخلق الشعور بالمسؤولية لدى النشء، وهي المسار الصحيح لحمايتهم من أخطار الطريق والسلوك غير المسؤول.

منهجيات

وبدوره أوضح الدكتور شافع النيادي، خبير التنمية البشرية ومدرب ومستشار في تنمية الموارد البشرية والعلاقات الأسرية، أن الممارسات الخاطئة المتمثلة في قيام الأطفال والمراهقين بقيادة السيارة أصبحت في ازدياد وارتفاع مستمر، مؤكداً على 4 منهجيات أساسية لابد من فهمها والعمل على أساسها في اجتثاث هذا الخطر المحدق الذي يحيط بالأطفال والنشء.

وتتمثل المنهجية الأولى في عدم وعي الأسرة بالمخاطر المحيطة بالأبناء من جراء هذا العمل، فالأبناء والمراهقين قد يكون لديهم قصر نظر بالموضوع، لمحدودية خبرتهم، ويتساءل النيادي قائلاً: «ألم تكن التجارب والحوادث التي راح ضحيتها شباب في مقبل العمر خير رادع ليمنعوا أبناءهم من هذا الفعل؟»، وأوضح أن هذا التغافل قد تكون عواقبه وخيمة.

خلط

وأوضح النيادي «أن المنهجية الثانية تتمثل في الخلط بين العقلانية والعاطفة، وهذه مشكلة أخرى تحتاج للوقوف عليها، فالتفكير العاطفي البحت يجعل الآباء يميلون إلى الاعتقاد أن حرمان الأبناء من متطلباتهم كالقيادة في وقت مبكر دون رخصة، يحرمهم من الاستمتاع بما يقوم به أقرانهم من العمر نفسه، فالنظرة المحدودة والتفكير بالوقت الحالي، أن الابن يقود السيارة ويستمتع بفترة ضرورية من حياته وهي المراهقة أو الطفولة، لكن تجاهلوا أن التفكير بالمستقبل أمر مهم، حيث كيف أهيئ هذا الحدث وأوجهه في الطريق الصحيح، وأن القيادة سيحين دورها بالوصول إلى السن القانونية حسب قوانين الدولة.

ويشير النيادي أن تعوّد الأبناء على هذه الممارسات غير القانونية يعتبر المنهجية الثالثة، التي قد تأخذ بيده للإضرار بالآخرين والمجتمع، وقد يدخل الأحداث لارتكابه جنحة من وراء هذا الفعل، كما أن الوهم بزرع الثقة عند الحدث أو الطفل في هذا الصدد، ما هو إلا جرعة مميتة له، بدءاً من تعليمه كيف يخالف القوانين. وأما المنهجية الرابعة فتدور حول الجانب الرقابي.

Email