نجاح التجربة يمهد الطريق لاستمرارها بعد انتهاء «كورونا»

التقاضي عن بعد طفرة عدلية تسرّع الفصل بالقضايا وتختزل الوقت والنفقات

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أخذت جائحة «كورونا» العالم على حين غرّة، لتسود حالة من التخبط في أوساط العديد من القطاعات، ومنها القطاع القضائي الذي تأثر في الكثير من الدول، كما أحدثت هذه الجائحة تحولات عميقة في الكثير من مناحي الحياة التي يُمثّل القانون بتشريعاته وإجراءاته جزءاً أساسيّاً منها، إلا أن الوضع كان مختلفاً إلى حد كبير في الإمارات، حيث حولت الدولة هذه الأزمة إلى فرص متعددة لتطوير قدرات قطاعاتها كافة مستفيدة من إنجازاتها والحلول التقنية المتوفرة لديها لمواجهة هذه الأزمة وتداعياتها، وكان القطاع القضائي أبرز القطاعات التي شهدت تطوراً ملموساً بالتزامن مع مكافحة الدولة لانتشار الفيروس، حيث وفرت وزارة العدل والمحاكم والنيابات الاتحادية أنظمة إلكترونية تستهدف إتمام مختلف العمليات القضائية وإنجاز جميع المعاملات المرتبطة بها عن بُعد.

إن انتقال العمل القضائي في الدولة إلى نظام ذكي عن بعد، أبهر العالم، وما بدأ حاجةً ملحةً لاستمرار العمل، صار اليوم واقعاً، كيف لا وقد أصبح أطراف الدعوى يحضرون جلسات المحاكمة من بيوتهم ومكاتبهم وأحياناً من سياراتهم إذا لزم الأمر، ويتجولون في القاعات الافتراضية بكل سلاسة وهدوء في هذه المنظومة التقنية القضائية المذهلة، حتى إن مجتمع القضاة والمحامين والخبراء القانونيين ومعهم الغالبية العظمى من المتقاضين، صار مُصراً على التقدم إلى الأمام، والبحث عن ما بعد «كورونا»، وعدم العودة إلى زمن التقاضي التقليدي الذي يستوجب حضور جميع من ذُكِروا لقاعات المحاكم في الوقت المحدد.

وبالرغم من سهولة الولوج لتلك القاعات الافتراضية، فإن عامل الأمان عالٍ جداً من ناحية حقيقة شخصية مستخدم نظام الجلسة عن بعد، ومدى صلاحيته لحضورها بغية عدم إغراق النظام بكثرة المستخدمين، إلى جانب ضمانات السرية والخصوصية التامة أثناء تداول الجلسات.

دعاوى إلكترونية

وقال الدكتور سعيد علي بحبوح النقبي، وكيل وزارة العدل، إن تنفيذ إجراءات رفع الدعاوى الإلكترونية، أو ما يعرف اصطلاحاً «بالمحكمة الإلكترونية»، يتم عبر إنشاء منصة إلكترونية للمحكمة يتسنى من خلالها إرسال مراسلات وخطابات إلكترونية لذوي الشأن، لافتاً إلى أن إجراءات التقاضي عن بعد حصرت الأشخاص المصرح لهم بالدخول إلى نظام المعلومات، وتسجيل الدعاوى والاطلاع عليها في القضاة وموظفي المحكمة والمحامين والخبراء، وغيرهم من الأشخاص الذين لهم صلة بالدعوى، وذلك لمنع غير المرخص لهم من الاطلاع على مستندات الدعوى دون تصريح.

وأشاد بحرص الجهات المعنية على توفير الكوادر العملية والفنية المؤهلة لدعم الموظفين والعاملين في المحكمة الإلكترونية، وإنشاء محررات إلكترونية (سجلات ودفاتر ومحاضر جلسات ومستندات رسمية أخرى) تكون صالحة للتدوين عليها، مع توفير أجهزة حاسوب على أعلى تقنية، وشبكات اتصالات تسمح بالتعامل مع كافة الجهات الحكومية بعضها ببعض، مثل الربط بين المحكمة وكافة أقسامها ودوائرها، والمحكمة وأخرى، ومكاتب الخبراء، والطب الشرعي، وكافة الجهات الحكومية.

وبين أن النظام مربوط مع بصمة صوتية محفوظة بملف الدعوى الإلكترونية، وذلك كضمانة عندما ترغب المحكمة في سماع أقوال أي من الخصوم وكذا ضمانة للقاضي والمحكمة في التثبت من شخصية وبيانات المتعامل.

مميزات

وأضاف النقبي: يسهل العمل بنظام المحكمة الإلكترونية إنجاز إجراءات التقاضي أمام المحاكم، وذلك من خلال تحويل الإجراءات الاعتيادية (الورقية) إلى إجراءات إلكترونية، فملفات الدعاوى الإلكترونية تختلف بالضرورة عما هو موجود حالياً، حيث تزول الآلية التقليدية في التدوين لإجراءات التقاضي، وتحل محلها آليات برمجية تختلف من حيث الشكل والمضمون، ما يؤدي إلى سرعة البت في الدعاوى من جهة، وتوفير الجهد والمال على المتقاضين ومحاميهم من جهة أخرى.

رؤية مستقبلية

من جانبه أكد المستشار جاسم سيف بوعصيبة، مدير دائرة التفتيش القضائي في وزارة العدل، أن الإنجازات الكبيرة التي حققتها المحاكم الاتحادية خلال جائحة كورونا، جاءت بفضل الرؤية المستقبلية الثاقبة لحكومة الإمارات، ومبادراتها الرشيدة في مواكبة التطورات التقنية والتحول الذكي الذي بدأت مؤسسات الدولة العمل عليه ومنها وزارة العدل منذ أعوام طويلة، وها هو اليوم يأتي بثماره في الوقت المناسب وفي ظل الظروف التي يمر بها العالم حالياً، لافتاً إلى حرص جميع العاملين في الوزارة على بذل كل الجهود لضمان استمرارية تقديم الخدمات وفقاً لأفضل الممارسات بما يوفر على المتعاملين عناء الحضور إلى مقر المحاكم.

وأوضح أن المحاكم الاتحادية على اختلاف درجاتها الابتدائية والاستئنافية والشرعية، ومراكز التوفيق والمصالحة، ولجان التوجيه الأسري، ومكاتب إدارة الدعاوى، قد باشرت فور تطبيق الإجراءات الاحترازية من جائحة كورونا، أعمالها باستخدام الوسائل الإلكترونية والاتصال عن بُعد وذلك وفقاً للضوابط الواردة في قرار معالي سلطان بن سعيد البادي، وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الاتحادي، رقم (5) لسنة 2020 بشأن ضوابط استمرارية عمل المحاكم والخدمات القضائية باستخدام الوسائل الإلكترونية والاتصال عن بعد، والقرار الوزاري رقم (260) لسنة 2019 في شأن الدليل الإجرائي لتنظيم التقاضي باستخدام الوسائل الإلكترونية والاتصال عن بعد في الإجراءات المدنية، واللذين تضمنا ضوابط حضور الخصوم وغيابهم وتبادل المذكرات والمستندات ومحاضر الجلسات وإثبات الاتفاق والمداولة والتحقيق والاستجواب والاستعانة بمترجم وإصدار الأحكام ونظر طلبات تنفيذ الأحكام حسب الإجراءات القانونية المقررة.

أفضل الممارسات

وأفاد القاضي الدكتور محمد محمود الكمالي، مدير عام معهد التدريب والدراسات القضائية في وزارة العدل، بأن جائحة كورونا كانت حافزاً ودافعاً لإدارة المعهد في مواصلة خطط العمل عن طريق البحث عن أفضل الممارسات العالمية وتقديم أفضل ما لديه من وسائل وطرق حديثة، للحيلولة دون تأثر تنفيذ البرامج التدريبية والحرص على استمرارها على أكمل وجه، الأمر الذي جعلنا نتجه إلى أسلوب «التعلم عن بعد».

وتابع: شهدت الدورات التدريبية زيادة وإقبالاً كبيرين من المتدربين والمنتسبين، حتى وصل عدد الحضور في إحدى البرامج التدريبية إلى أكثر من 90 متدرباً في آن واحد.وبين أن المعهد يعكف على وضع خطة لمواصلة اعتماد نظام التعليم عن بعد الذي أقره المعهد منذ بدء جائحة «كورونا»، وتطويره بحيث يتم اعتماده بشكل كلي أو جزئي حال انتهاء الجائحة.

وأضاف: أن المعهد قدم تجربة ناجحة في التدريب عن بعد مع الحرص على تدريب الموظفين ومنسقي البرامج والمدرسين على تطوير إمكانيات استخدام تطبيقات التدريب عن بعد.



محاكم دبي: لا عودة للتقاضي التقليدي

أكدت محاكم دبي استمرارها في تقديم خدماتها وعقد الجلسات القضائية عن بعد، مشيرة إلى أنه لا عودة للتقاضي التقليدي حتى بعد زوال جائحة «كورونا» التي رأت فيها «فرصة للانتقال إلى مستويات أكثر تطوراً وتميزاً في الأداء والخدمات، ورفع الكفاءة والإنتاجية وتعزيز بيئة عمل محفزة تحقق السعادة للموظفين والمتعاملين».

وقال محمد عبد الرحمن، مدير إدارة الاستراتيجية واستشراف المستقبل في محاكم دبي، «إنه لا عودة إلى الوراء بعد نجاح تجربة التقاضي الإلكتروني، ورغبة جميع الأطراف بمن فيهم القضاة في مواصلة العمل بهذا النظام»، مستحضراً عدة عوامل أسهمت بشكل كبير في تحقيق هذا النجاح، لا سيما الممارسات الاختبارية التي أعدت لها الدائرة بشكل جيد، وتهيئة الممكنات التي تدعم استمرار الأعمال في أوقات الأزمات والطوارئ، ووجود سياسة استباقية لدى المحاكم وحصولها على شهادة معتمدة من المنظمة الدولية للمعايير حول استمرار الأعمال.

وتابع: فعلت محاكم دبي السيناريوهات البديلة الموضوعة على أهم عملياتها بناء على خطط وإجراءات استمرارية الأعمال، وهو ما سرع استجابتها وقت الإعلان عن البدء في اتخاذ الإجراءات الاحترازية نتيجة جائحة كورونا، إذ حللت درجة الحيوية والأهمية للأعمال، وصنفت العمليات والخدمات، وحددت الكادر الوظيفي المطلوب لمواصلة تقديم خدماتها عن بعد، مثلما حددت الأدوات والأنظمة والممكنات اللازمة لضمان تقديم الخدمات بالجودة نفسها.

وأضاف: وفرت الدائرة، أهم المتطلبات لبدء العمل عن بعد، كزيادة سعة الشبكة وتوفير اسم مستخدم وكلمة مرور لجميع الموظفين على الأنظمة، كل حسب صلاحياته واختصاصاته لتمكينهم من العمل عن بعد، علاوة على توفير أجهزة وهواتف محمولة للموظفين، وإتاحة أهم التطبيقات الإلكترونية والذكية للتقاضي عن بعد دون وجود أي تكلفة مادية أو أي مشقة على المتعامل أثناء استخدامها والاستفادة من مزاياها.

وبشأن العوامل والممكنات التي عززت نجاح تجربة التقاضي عن بعد، ومواصلة العمل بها قال محمد عبد الرحمن: حصلت محاكم دبي في عام 2018 على اعتماد المواصفات الدولية لإدارة استمرارية الأعمال ايزو ISO 2012: 22301 من المنظمة البريطانية للمواصفات لتكون بذلك الأولى على مستوى العالم في القطاع القضائي، نظراً لخدماتها المختلفة المطابقة لمتطلبات الشهادة، ويأتي هذا الاعتماد كقيمة مضافة لتحقيق رؤية القيادة بالارتقاء بالعمل الحكومي ونقلة إلى مستويات متقدمة، وتحقيق التميز في توفير الخدمات الحكومية.

لؤي بالهول: المنظومة القانونية بدبي أثبتت جاهزيتها للتعامل مع التغيرات الطارئة

أوضح الدكتور لؤي محمد بالهول، مدير عام دائرة الشؤون القانونية لحكومة دبي، أن ما فرضته أزمة «كوفيد 19» من ظروف وتداعيات، قد وضع الجميع أمام تحدٍ حقيقي في مدى القدرة على التعامل مع تلك الجائحة وتداعياتها على المجتمع القانوني، وضرورة الاستعداد- وفق منهجيات وخطط استباقية واضحة وشاملة في الاستجابة الفورية- لتلك الظروف الاستثنائية، والتكيف مع التحولات العالمية؛ وهو ما أبرز معه جاهزية حكومة دبي التي يرتسم طريقها برؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله».

وأكد قدرة المنظومة القانونية بإمارة دبي على مواكبة التحولات، وجاهزيتها للتعامل مع التغيرات الطارئة، بما تتسم به من مرونة وشفافية تلبي احتياجات متعامليها، وتضمن استمرارية الأعمال في ظل تلك الظروف التي نالت من المجتمع العالمي كله.

وأشار د. بالهول إلى أن قطاع العمل القانوني، كغيره من القطاعات الحيوية، قد تأثر بتداعيات تلك الجائحة التي فرضت ظروفاً استثنائية على الأفراد والمجتمعات، بما أحدثته من تحولات عميقة في الكثير من مناحي الحياة التي يُمثّل القانون بتشريعاته وإجراءاته جزءاً أساسيّاً منها، لاسيما أنه يرتبط ارتباطاً مباشراً بالحقوق والالتزامات التعاقدية، ويمثل أحد مقومات تهيئة المناخ الاستثماري.

وتابع د. بالهول بقوله: لقد حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، وإمارة دبي بشكل خاص، على سن التشريعات، ووضع الإجراءات، وإقرار السياسات التي تسهم في احتواء تبعات تلك الظروف التي فرضتها طبيعة المرحلة والتكيف معها، نهوضاً بمسؤوليتها في حماية حقوق الجميع، كما أن التكامل بين جهات العمل القانوني الحكومي بالإمارة والربط بين أنظمتها قد أسهم في تقديم الخدمات لمتعامليها بسهولة وكفاءة.

وعن الفرص التي أتاحتها أزمة «كوفيد 19» في العمل القانوني، لفت د. بالهول إلى أن الجائحة أكدت حتمية التحول الرقمي في تقديم الخدمات القانونية، وإمكانية تقديم جميع تلك الخدمات عبر الوسائل التقنية، وأن تلك التحديات تخلق أساليب عمل مستدامة، وتجعل من توظيف تقنيات وتكنولوجيا المستقبل ضرورة يقتضيها الواقع الجديد في كافة قطاعات العمل القانوني، تشريعيّاً وقضائيّاً ومهنيّاً.

«دبي القضائي» يعكف على تطوير برامجه وإدخال خدمات عالية التقنية

قال القاضي الدكتور جمال حسين السميطي المدير العام لمعهد دبي القضائي: «إن المتخصصين القانونيين وخبراء التقنية يعكفون على تطوير برامجنا القضائية المطبقة حالياً، وإدخال المزيد من الخدمات عالية التقنية، بالتعاون مع شركائنا في القطاع الخاص من داخل الدولة وخارجها»، مضيفاً: «ليس هذا فحسب، بل إن نجاح تجربة التقاضي عن بعد أثناء تطبيق برنامج التعقيم الوطني، حفزنا على مواصلة العمل بها، والاستغناء عن التقاضي التقليدي في الكثير من القضايا، للحد من كثافة العمل الملقى على عاتق القضاة والمؤسسات العدلية في الدولة».

وذكر أن الإمارات أثبتت للعالم مدى قوة بنيتها التحتية القضائية، لا سيما بعد انتشار جائحة «كورونا»، كما أنها رسخت مكانتها وقدراتها في التعامل مع المتغيرات والأزمات، وخصوصاً تلك التي تتسبب في تعطل سبل الحياة مثل هذه الجائحة.

وأضاف: أخذت جائحة «كورونا» العالم على حين غرّة، وسادت حالة من التخبط في أوساط العديد من القطاعات حول العالم، خصوصاً في الدول التي تعاني ضعف بنيتها التحتية في مختلف المجالات، لكن الوضع كان مختلفاً إلى حد كبير في الإمارات، لا سيما أنها كانت منذ فترة طويلة قد استكشفت الذكاء الاصطناعي وسبل توظيفه في وزاراتها ومؤسساتها الحكومية، وحققت نجاحات متقدمة صاغت من خلالها تجربتها الفريدة، وبذلك جعلت من هذه الأزمة فرصاً متعددة، للاستفادة من قدراتها وإنجازاتها والحلول التقنية المتوفرة لديها لمواجهة هذه الأزمة وتداعياتها، التي أثقلت كاهل الكثير من الدول.

وأشار السميطي إلى أن القطاع القضائي المحلي من أكبر القطاعات، التي أثبتت قوة ومتانة بنيتها التحتية، بعد أن تم تطوير الكثير من الحلول والتطبيقات المتعلقة بالتقاضي عن بعد، وظهر جلياً أن جهود الدولة واستثمارها في هذا القطاع طرحت ثماراً يانعة، حيث أظهرت للعالم متانة ورسوخ منظومتنا القضائية، وساعدت جميع المتعاملين من داخل الدولة وخارجها على التعامل القضائي بكل يسر وسهولة وعدالة، وبمستويات راقية أشاد بها الجميع.

«قضاء أبوظبي»: 150 مشروعاً تطويرياً في التحول الرقمي

طبقت دائرة القضاء في أبوظبي نحو 150 مشروعاً وفكرة تطويرية في التحول الرقمي، مما كان له دور كبير في إنجاح التقاضي عن بعد، بما يرسخ جاهزية بنيتها التحتية لاستمرارية تطبيق هذا التقاضي، الأمر الذي جعلها قادرة على استيعاب ما يقارب 10 آلاف مستخدم من القضاة والمتعاملين والموظفين والمتقاضين في آن واحد.

وأكدت الدائرة، أن إيجابيات تطبيق نظام التقاضي عن بعد في ظل جائحة «كورونا»، لم تقتصر على تسهيل وسرعة إنجاز المعاملات فقط، وإنما تعدى ذلك ليحقق خلال الأشهر الأولى وفرة مالية في مجال ترشيد الطاقة والطاقة البديلة، وصلت إلى نحو مليون 907 آلاف دولار.

وكانت الدائرة قد شرعت منذ بداية جائحة «كورونا» في اتخاذ حزمة من الإجراءات تهدف إلى ضمان استمرارية الأعمال، وتحقيق الاستدامة التشغيلية للخدمات القضائية والإدارية والمحافظة على السلامة والصحة العامة من خلال مراعاة التدابير الاحترازية، وتسهيل وتسريع الإجراءات على الموظفين والمتعاملين والموردين.

واشتملت الإجراءات التي اتخذت للمتعاملين، إضافة العديد من التحسينات على بوابة الدائرة الإلكترونية، وإنشاء بريد إلكتروني خاص بالمتعاملين، وإطلاق برنامج «واتساب التحضير»، واستحداث خدمتي طلبات التنفيذ لوكيل قانوني وطلبات المحاكم لوكيل قانوني إلكترونياً، وغيرها الكثير من الخدمات.

قانونيون: النظام وفّر مزايا عدة لقطاع المحاماة

ثمّن محامون، المجهودات الكبيرة التي حققتها الدوائر والمؤسسات القضائية، في تحويل تحديات جائحة «كورونا» إلى فرص، تمثلت في تقديمها لحزمة خدماتها عبر الأنظمة الذكية «عن بعد»، وهو ما عزز المنظومة القضائية، وسهل وسرع عملية إنجاز المعاملات، وأعربوا عن أملهم بالتوسع في تطبيق نظام التقاضي عن بعد، حتى بعد انتهاء الجائحة، مشيرين إلى أن هذا النظام وفر العديد من المزايا، لا سيما في قطاع المحاماة، إلى جانب تسهيل وتسريع عملية التقاضي.

وقال المحامي عبد الله يوسف آل ناصر: إن حضور جلسات المحاكمة عن بعد، وفر علينا- نحن المحامين- الكثير من الوقت المهدور، والجهد المبذول للتنقل بين المحاكم، وبتنا على استعداد لحضور عدة جلسات في عدة محاكم، بل في عدة إمارات في ذات الوقت، أو على الأقل، في وقت قصير، كما ساهم ذلك في إعادة تقييمنا لحاجات تسيير مكاتبنا من التدفقات المالية والقوى العاملة.

متابعة مباشرة

وأضاف آل ناصر «كما أن الحضور عن بعد، أتاح لعملائنا في الكثير من الحالات، متابعة أعمالهم مباشرة، عن طريق حضور الجلسة من مقار إقاماتهم وأعمالهم، عوضاً عن التفرغ لحضور الجلسات شخصياً، فغدا التكامل في أعمالنا مع عملائنا، أمراً أكثر حتمية، كون العميل أصبح يعيش أجواء قضيته، ويعلم مستجداتها».

وقالت كل من المحامية عبير الدهماني والمحامية ربيعة عبد الرحمن: إن المؤسسات القضائية، شرعت منذ بدء الإجراءات الاحترازية للحد من فيروس «كورونا»، في إطلاق مبادرات نوعية، تستهدف تسريع عملية إنجاز المعاملات، مع الحفاظ على صحة وسلامة كافة المتعاملين، مضيفتين: إن من تلك الخدمات، توفير خدمة تحديث رقم الحساب المصرفي (IBAN) في ملف التنفيذ، عبر منظومة الخدمات الإلكترونية «عن بعد»، وتمديد صلاحية العمل ببطاقات الهوية الإماراتية المنتهية للمواطنين والمقيمين، في الأول من مارس 2020، لمدة 3 أشهر، حيث سمح قرار تمديد العمل ببطاقة الهوية لحامليها، بالاعتداد بها عند قيد الدعاوى، والأوامر على عرائض، وكذا عند قيد قضايا التنفيذ، وغيرها من الإجراءات والمعاملات التي تتم أمام المحاكم والنيابات والقطاعات والإدارات التابعة لدائرة القضاء.

دراسة

من جانبهما، أوضح كل من المحامي علي المنصوري وعلي الحمادي، أن توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بدراسة ملف الخدمات القضائية، سيسهم في رفع كفاءة المنظومة القضائية، عبر الاستفادة من الدروس والخبرات التي تراكمت لدى الجهات القضائية، خاصة في ظل الظروف الحالية.

خدمات

وأشارا إلى أن منظومة الخدمات القضائية للجهات المحلية والاتحادية، أثبتت نجاحاً وتميزاً كبيراً، الأمر الذي يرجع إلى قوة وجاهزية الأجهزة المعنية، وبُعد رؤيتها، عبر وضع كافة السيناريوهات والظروف الطارئة تحت البحث والدراسة، ووضع الحلول الخاصة بها.

5555

أظهر تقرير إحصائي أصدرته النيابة العامة الاتحادية، استمرارية عمل النيابات بنظام التحقيقات عن بعد، رافعةً بذلك إجمالي عدد التحقيقات التي أجرتها منذ إقرار حزمة الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة ضد جائحة «كورونا» إلى 5555 تحقيقاً، عبر استخدام خاصية «الفيديو كونفرنس».

وتبين الإنجازات قوة ومتانة البنية التكنولوجية التي تمتلكها النيابة العامة الاتحادية، الأمر الذي ساهم في مواصلة أداء عملها بكفاءة ودقة وسرعة خلال جائحة «كورونا» بما يرسخ دورها الحيوي في شأن مواصلة وتعزيز دورها في الحفاظ على حقوق الأفراد، وتحقيق الطمأنينة وإشاعة جو الثقافة القانونية واحترام الآخر في المجتمع، من خلال تطبيقها لنظام عصري وفعال وعادل في العمل القضائي، تمثلت في تطبيق إجراءات التحقيق «عن بعد» في الدعوى الواردة إليها.

وأشارت الإحصائيات إلى أن عدد الطلبات المنجزة «عن بعد» خلال الفترة ذاتها من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالنيابة الاتحادية، أو مركز الاتصال، أو عبر التطبيقات الذكية، بلغ 40 ألفاً و230 طلباً، فيما وصل عدد الإجراءات القضائية إلى 34 ألفاً و577 إجراء.

وبالعودة إلى إحصائيات شهر سبتمبر الماضي، حققت النيابة نسب تصرف وصلت إلى 99%، بواقع 2225 قضية متصرفاً فيها، كما أشارت الإحصائيات إلى أن عدد التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة «عن بعد» باستخدام الوسائل الإلكترونية بلغ 970 تحقيقاً.

«نيابة دبي»: ضوابط لضمان السرية والخصوصية أثناء تداول الجلسات

أكدت فاطمة أحمد بن حيدر مدير إدارة تقنية المعلومات في النيابة العامة بدبي، أن نظام الربط الإلكتروني، وعقد الجلسات والتحقيقات عن بعد في الدائرة، كانا جاهزيْن ومجربيْن، ويعملان بالكفاءة المطلوبة، مع مراعاة كاملة لسياسات الأمن الإلكتروني، مشيرة إلى أن أزمة «كورونا» ساهمت في الإسراع لاستخدام تلك الأنظمة لعقد جلسات التقاضي عن بعد في جميع القضايا.

وقالت: «أثبتت هذه الأنظمة جاهزيتها الكاملة للعمل بالكفاءة المطلوبة، حيث تم تجهيز المنظومة بالكامل في فترة قياسية جداً في أقل من 48 ساعة».

وتطرقت فاطمة بن حيدر إلى ضمانات السرية والخصوصية أثناء تداول الجلسات، إذ بإمكان أعضاء النيابة تفعيل خاصية «الحجب الإلكتروني» التي تسمح لهم بالاتصال بالطرف المعني فقط وحجب الأطراف الأخرى، ما يحقق الأريحية في التحدث مع عضو النيابة ويحفظ الحقوق، ثم تجهيز قاعات معزولة الصوت لضمان السرية والخصوصية التامة.

وأشارت إلى أن النيابة العامة بادرت منذ فترة طويلة إلى تطوير بنيتها التحتية التقنية لضمان إسعاد المتعاملين، وضمان جاهزية أنظمتها الإدارية والقضائية والتقنية لأي طارئ أو أزمة من خلال تجهيز عدة أنظمة إلكترونية مثل صلاحيات الدخول على النظام القضائي والمستندات عن بعد، وإدارة الطلبات الذكية، وإدارة الأحكام عن بعد، وتطوير نظام إدارة الأداء ووضع مؤشرات لقياس ومتابعة نتائج العمليات والخدمات إلكترونياً وغيرها العديد من الخدمات الذكية.

وذكرت أن ثمة عوامل أخرى عززت نجاح التقاضي عن بعد، وأسهمت في التوسع فيه، مثل الجاهزية المسبقة، وإجراء الاختبارات المطلوبة، وتهيئة آليات العمل والتقنيات التي ضمنت استمرار العمل في أوقات الأزمات، عطفاً عن الربط الشبكي بين الدائرة ومختلف الجهات الخارجية التي بدأت العمل بهذا النظام، إضافة إلى تهيئة بيئة عمل متكاملة لموظفي وأعضاء النيابات من المنزل.

وأشارت إلى بعض التحديات التي واجهت التجربة و«كانت منحصرة فقط في بداية عملية التحول الإلكتروني من حيث تأقلم المتعاملين مع الأنظمة والتقنيات وسياسات العمل الجديدة، وضمان توافر المتطلبات والأجهزة اللازمة للحفاظ على توفير أساليب مبسطة لدى المتعاملين».

توصيات «البيان»

01 التوسع في تطبيق التقاضي عن بعد واستمراره بعد انتهاء «كورونا»

02 تعزيز التكامل مع شركاء المحاكم سواء في تقديم الخدمات والتداول القضائي

03 استثمار الذكاء الاصطناعي والاستمرار في تطوير الخيارات التقنية

04 تطوير قدرات كوادر الهيئات القضائية لتقديم أفضـل مـا لديهـم

05 إعادة صياغة الخطة الدراسـية لطلبة التخصصات القانونية لتتناسب مع الواقـــع الجديد

06 المحافظـة علـى المكتسبات التـي حققتهـا الهيئات القضائية ومشاركتها فيما بينها




 

Email