البيئة الإيجابية للموظفين تدعم الصحة النفسية

تعزيز الصحة النفسية للموظفين يرتقي بالإبداع ويزيد الإنتاجية | من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحرص العديد من المؤسسات وجهات العمل في الإمارات على إيجاد بيئة عمل إيجابية للموظفين، انطلاقاً من مساهمتها في دعم صحتهم النفسية وتعزيز إنتاجيتهم والارتقاء بقدراتهم.

وتحيي الدولة اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يصادف 10 أكتوبر من كل عام، في وقت تبرز فيه أهمية الدعم النفسي والمجتمعي أمام العديد من التحديات التي نعيشها اليوم.

«البيان» استطلعت نخبة من الاستشاريين والمتخصصين النفسيين الذين أكدوا أهمية دعم الصحة النفسية للموظفين، وإسعاد الموظفين والمتعاملين.

وقال الدكتور عادل سجواني، طبيب أسرة في وزارة الصحة ووقاية المجتمع: تشير الإحصائيات الصادرة عن الجهات المتخصصة في الدول ولا سيما في فترة التحديات الصحية إلى ازدياد الأمراض النفسية بنسبة أكثر من 60% في كثير من دول العالم، إزاء فقد الغالبية لوظائفها، وغير ذلك من الأسباب الأخرى. منوها بأن الموظفين معرضون للإنهاك الوظيفي بشكل كبير.

وهذا الإنهاك في حد ذاته سيصنف كظاهرة مهنية تسبب الاكتئاب والقلق في تصنيف الأمراض الجديدة التي ستصدر في عام 2022، بمعنى حصول الموظف على إجازة مرضية إذا ما أصيب بإنهاك وظيفي.

وأضاف: «من علامات الإنهاك الوظيفي هو ضعف ارتباط الشخص مع جهة عمله، وكثرة السخرية من جهة العمل، وقلة الإنتاجية في مقابل كثرة تغيبه بحصوله على الإجازات المرضية. ويحصل ذلك لعدة أسباب تتمثل في عدم حصول الموظف على مقابل أو تقدير إزاء بذله لجهود كبيرة في عمله، أو أن رئيسه المباشر غير داعم، ولا يوجد له سلم وظيفي».

مهارات

وأوضحت موزة مبارك القبيسي، مستشارة نفسية ومدربة معتمدة في مجال المهارات الحياتية والأسرية أن جهات العمل تستطيع الاهتمام بالصحة النفسية لموظفيها وذلك بمراعاة التوصيف الوظيفي وفق ما يمتلكه الموظف من إمكانيات وقدرات وتطلعات، ووضع إجراءات وتنظيمات منظمة وقنوات تواصل واتصال تجعل الموظف يعمل في إطار منظومة مريحة تساعد على الإنتاجية وتحقيق الأهداف.

والتركيز على الإدارة الإنسانية بطريقة العلاقات الاجتماعية وهذا سيخفف الضغوط والانفعالات، ودعم الموظفين بأسلوب التحفيز والتشجيع أيضاً بالفرص التدريبية والارتقاء بالمستوى المهني وتشجيع الابتكار والإبداع الذي يحقق ذات الموظف ويشبع لديه حاجة التقدير والشكر والامتنان، وإتاحة فرصة الاسترخاء والراحة الذاتية وتوفير الخدمات المساندة للموظف لأداء عمله بأريحية.

وتشجيع ودعم العلاقات بين الموظفين ومعايشة الأحداث الشخصية ومشاركته في السراء والضراء وتقديم العون دائماً وفق ما تقتضيه حاجة الموظف.

وأضافت: «إن من أهم مؤشرات التميز الإداري في الأداء الحكومي لدولة الإمارات تحقيق السعادة والرضا لكل الأطراف في عملية تقديم الخدمات والتنمية سواء كان الموظف أو المتعامل. فمؤشر الأداء يشترط وجود إجراءات واشتراطات معمول بها في تنفيذ الخطة الاستراتيجية لأي مؤسسة لحصولها على التميز في الأداء والنجاح.

وأيضاً الحرص على وجود مؤشر رضا المتعاملين مع المؤسسة ومؤشر إسعاد الموظفين الذي سيضمن سرعة الاستجابة لطلب المتعامل وجودة الإجراءات التي تضمن تقديم الخدمة على أكمل وجه».

اضطرابات

وأشارت الاستشارية النفسية موزة النعيمي إلى أن المؤسسات التي تهمل التعامل مع الصحة النفسية لموظفيها فإن ذلك يؤدي إلى تفاقم سوء حالتهم ولا سيما الذين لديهم اضطرابات نفسية سابقة. أما المؤسسات الداعمة للصحة النفسية لموظفيها فسيكون هناك انخفاض في شدة تأثير الاضطرابات النفسية، كما سيكون الموظفون أكثر سعادة وصحة، الأمر الذي سينعكس على أدائهم وإنتاجيتهم.

ويكون ذلك أيضاً عن طريق التحفيز المستمر لهم، ودعمهم بالدورات والورش التطويرية وتقديم الحوافز المادية والترقية وشهادات الشكر والتقدير لما يبذلونه من أعمال، وكلها أمور تشعر الموظف بالانتماء والولاء لما يقوم به، وسينعكس ذلك إيجاباً على صحته النفسية داخل المؤسسات والمنظمات وجهات العمل.

وقالت: «ولا يخفى على الجميع الجهود التي تبذلها دولة الإمارات بقيادتها الرشيدة من أجل إسعاد الموظفين المواطنين والمقيمين حيث وفرت البيئة الصحية الإيجابية في العمل من كل الجهات سواء كانت للموظف أو المتعامل. كما أن التحفيزات المالية والمعنوية التي يحصل عليها الموظف.

بالإضافة إلى الجهود المبذولة للدعم العلمي من خلال الورش والبرامج المقدمة للموظف وقياس رضا الموظفين المستمر يدعم ويقوي انتماءه لمكان العمل. أما بالنسبة للمتعامل فإن إسعاده من أولويات الدولة بتسهيل كل معاملاته. كما قامت الدولة في عام 2016 بتقديم دليل إرشادي للبيانات المفتوحة للجهات الحكومية حيث تكون متاحة للمشاركة على نطاق دولي وليس محلياً فقط وهي مجانية.

وتهدف لزيادة كفاءة وفعالية الخدمات الحكومية ورفع مستوى الأداء الحكومي من خلال متابعة ورصد السياسات التي تم تطبيقها وتشجيع الاستثمار الخارجي ما يؤدي إلى تحقيق التقدم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وتعزز الشفافية».

ونوهت بأنه يمكن للمجتمعات الأخرى الاستفادة من تجربة دولة الإمارات بالربط الإلكتروني للتسهيل على الموظفين والمتعاملين، فسهولة إنجاز المعاملات تخفف الضغط على الموظف وتيسر الأمور على المتعامل ما يؤدي إلى الراحة النفسية.

برامج

وقالت الدكتورة نعيمة عبداللطيف قاسم، مستشارة نفسية وتربوية: «تحرص القيادات والإدارات الناجحة على تخصص برامج تساهم في تحسين الصحة النفسية لدى العاملين لديها، وتوفر سبل الراحة لهم وتمنحهم المكافآت التي تساهم في إسعادهم بما ينعكس إيجاباً على الإنتاجية. فدولة الإمارات من الدول الرائدة السباقة في هذا المجال حيث خصصت وزارة للسعادة وسلطت الضوء على القوة الناعمة.

وفرضت تعيين اختصاصيين نفسيين في أكاديميات ومدارس الدولة حرصاً على التنشئة السليمة والتخلص والتحلل من الضغوط والكبت وهذا انعكس على مجتمعها حباً وولاء وانتماء ونماء جعلتها تحتل مؤشرات عالمية في المحافل الدولية والدور ملقى على أصحاب القرار لعرض هذه التجارب الناجحة في المؤتمرات الدولية لتكون نهجاً ومنهجاً يستفاد منه.

وتشير الدراسات إلى أن الدولة وضعت مقاييس للمؤسسات لقياس رضا العملاء والمراجعين ورصد انطباعهم وسهلت هذه الدراسات الوصول لمعايير ومقاييس استفاد منها الجميع برفع كفاءة وجودة مؤسساتهم سواء بالاستبانات أو المقابلات أو الأجهزة الذكية أو صناديق الاقتراحات أو الخط الساخن أو عبر مواقع التواصل، كل ذلك منح الجميع راحة نفسية وأماناً واطمئناناً بأن حقوقه محفوظة ودولتها تضع الإنسان في أولويات استراتيجياتها».

وأكدت عائشة جاسم الحوسني، مدربة معتمدة في تنمية الموارد البشرية والتطوير المؤسسي، أن الصحة النفسية تعد بعداً أساسياً من الأبعاد الخاصة بشخصية كل فرد.

فهي التي تحدد مدى الاتزان أو الاضطراب عنده، وهي التي تحقق السعادة والراحة لديه، والتهيئة لجوّ العمل المنتج في أي مجال من مجالاته. وأضافت: «لا بد من تكاتف جهود الجهات المعنية وحتى مؤسسات وجهات العمل بالتوعية حول الصحة النفسية باستخدام وسائل جاذبة، وضرورة الإيمان بأهمية الانسجام والتناغم بين الصحة النفسية والصحة الجسدية ليكون الفرد منتجاً ومبدعاً».

إسعاد الموظفين

أكد الدكتورعادل سجواني أن تجربة الإمارات رائدة في إسعاد الموظفين، حيث أصدر مجلس الوزراء خطاً ساخناً لصحة الموظفين وخاصة في فترة الجائحة.

كما أصدرت العديد من الجهات الاتحادية والمحلية خطوطاً ساخنة لتقديم الدعم النفسي للموظفين. ولفت سجواني إلى أن الإمارات حريصة دائماً على دعم الصحة النفسية للموظفين بضخ برامج تأهيل للموظف بوجود صحة مهنية في أغلب دوائر العمل بحيث تهتم بصحة الموظف الجسدية والنفسية.

قياس

أكد الدكتور عادل سجواني وجود عدة وسائل حديثة يمكن من خلالها قياس الصحة النفسية للموظفين وذلك من خلال الذكاء الاصطناعي، وقياس معالم الوجه. وتستطيع المجتمعات الأخرى تحقيق الاستفادة من تجربة دولة الإمارات في دعم الصحة النفسية للموظفين بحيث إنها تعامل الناس على حد سواء، وألا يكون استثمارها في العمل فقط وإنما في الإنسان أيضاً، فبذلك ستحصل على إنتاجية أكثر، وموظفين مخلصين.

Email