30 عاماً على رحيل قائد التطوير وملهم الأجيال

راشد بن سعيد مسيرة حافلة بالإنجازات

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يصادف غداً، الذكرى الـ 30 لوفاة المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، القائد الذي ألهم أبناء الإمارات، وقاد حركة التغيير والبناء، تاركاً مسيرة حافلة بالإنجازات والعطاء، حيث وضع اللبنة الأولى في بناء دبي الحديثة، وأرسى ركيزة أساسية للمشاريع الكبيرة، والبنى التحتية والعمران والتجارة، وعمل على استغلال كل الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت لمصلحة بلاده، وأبناء شعبه، فكانت سيرته الذاتية، ولا تزال، نبراساً تقتدي بها الأجيال حتى يومنا هذا، حيث قضى الشيخ راشد حياته في خدمة أمته ووطنه، حتى بذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيق الخير والرخاء والاستقرار للمواطنين.

حكم المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، دبي، من 1958 م إلى 1990 م، وهو الحاكم الثامن لإمارة دبي، وكان خلفاً لوالده سعيد بن مكتوم، رحمه الله، وشهدت إمارة دبي خلال فترة حكمه، تطوراً كبيراً، شمل جميع القطاعات، من خلال رؤية ثاقبة، وبصيرة نافذة، استشرفت نهضة إمارة دبي، وهو قائد اتسم بالحنكة، فحوّل آمال أبناء الإمارة وطموحاتهم، إلى واقع ملموس، أسهم في تحقيق مستقبل واعد لدبي، عبر إنجازات يشار لها بالبنان، من كل من عاصر تلك المرحلة، واطلع على تجربة دبي في عهده، سواء داخل الدولة أو خارجها.. وكانت رؤية المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، محركاً أساسياً لدفع عجلة التنمية في دبي، وركيزة في انطلاق الإمارة نحو العالمية، إذ وضع دبي على خريطة العالم التنافسية في المجالات التنموية كافة.

رجل دولة

حمل المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، مشاعل تطور دولة الإمارات، وأسهم في بناء مسيرتها التنموية، إذ يعتبر، رحمه الله، أحد رواد وحدتها، وتأسيس حاضرها ومستقبلها، ورجل دولة، ترك بصمة جلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الإمارات، حيث امتازت شخصيته بالحنكة والقيادة الاستثنائية في مجمل الأحداث، وأجمع أبناء الوطن على محبته والالتفاف حوله قيادته، وفتح الشيخ راشد بن سعيد، جميع الحواجز بينه وبين أبناء إمارته، حيث كان يعتبرهم بمثابة أولاده.

وكانت العفوية والبساطة من أبرز سمات شخصية الشيخ راشد بن سعيد، التي امتاز بها. كما حمل الشيخ راشد بن سعيد، راية التطور والتقدم في الدولة، وأسهمت رؤيته في توحد وتلاحم الشعب والقيادة، وكانت مدرسة متميزة في القيادة، تستند إلى فكر شمولي، أساسه بناء الإنسان، والاستثمار في أبناء الوطن، وأصبحت هذه المدرسة نموذجاً يحتذى في الإدارة والقيادة، ومنارة تنهل منها الأجيال مبادئ التميز والتطوير والتغير، فأنار طريق نجاح المسيرة التنموية في إمارة دبي، ولا تزال دروسه في القيادة نبراساً ينهل منه أبناء الإمارات، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه «قصتي»: «دروس راشد بن سعيد لا تنتهي. كان مدرسة، وكان معلماً، وكان حاكماً، وكان أباً للجميع».

الولادة

ولد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، في إمارة دبي، عام 1912، ونشأ في بيت والده، الشيخ سعيد، الذي اشتهر بالورع والزهد والتقوى، والحرص على مصلحة الوطن والمواطنين، وسعة الصدر والحلم، والخلق النبيل، كما نشأ «رحمه الله»، في كنف الشيخة حصة بنت المر، والدته التي كانت لها مكانة خاصة في قلوب الناس، لما عُرف عنها من تسامح وطيبة قلب، وقد لقبت بـ «أم دبي»، فتشرّب سموه منذ نعومة أظفاره في هذا البيت، كل هذه الخصال الطيبة، والسجايا الحميدة، المستقاة من أصيل الثقافة العربية الإسلامية، وانتقل، رحمه الله، إلى جوار ربه، في السابع من شهر أكتوبر عام 1990، الموافق الثامن عشر من شهر ربيع الأول عام 1411هـ، عن عمر يناهز 78 عاماً، قضاها رحمه الله في خدمة أمته ووطنه ومواطنيه، وبذل الغالي والنفيس في سبيل إسعاد أبناء الوطن، وتحقيق الاستقرار المعيشي والرخاء لهم.

تعليمه

اشتهر الشيخ راشد بن سعيد منذ صغره، بسمو الأخلاق وطيب النفس ولين المعشر، ومنذ صغره، اتصف بنضجه وفكره السابق لعصره، وعُرف بأنه شاب مثابر ومحبّ للبحث والاطلاع، ومن أهم هواياته، الصيد بالصقور، وركوب الهجن والخيل، والرماية، وتعلم مبادئ اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم على يد المطاوعة، وبعدها التحق بالمدرسة الأحمدية في ديرة، ومنذ صغره اتصف بنضجه وفكره السابق لعصره، وعُرف بأنه شابٌّ مثابرٌ ومحبٌّ للبحث والاطلاع، وكان يتميز بالجد والاجتهاد وحب العلم والمعرفة، ولما بلغ، رحمه الله، الثامنة عشرة من العمر، حرص على حضور اجتماعات والده ومجالسه، وأخذ ينهل من خبرته الطويلة، ويقتات على سيرته العطرة بين حكام الساحل الخليجي، حيث اشتهر والده بعروبته الأصيلة، وحرصه على القضايا العربية العالقة، وكرهه للاستعمار، وحلمه بالوحدة والأمن والاستقرار وخير المنطقة، فأحبه الجميع واحترموه.

كما كان الشيخ راشد بن سعيد، يرافق والده في رحلات الصيد بالصقور، ما وطد العلاقة بينهما، وأغنى حواراتهما، الأمر الذي أسهم في تعزيز الأثر الكبير الذي تركه الشيخ سعيد في نفس ابنه الشاب، وأفادت هذه الرياضة، الحاكم القادم، وشدّت من عزمه، فتعلم الاستيقاظ باكراً، وركوب المخاطر، والصبر والتحمل، والإحساس بقسوة العيش وحر الصحراء.

الحكم

تولى الشيخ راشد بن سعيد، مقاليد الحكم في إمارة دبي عام 1958، عقب وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم، رحمه الله، وشارك والده الشيخ سعيد في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939، وكان يراقب عن كثب كيفية حكم والده للناس، فتعلم أصول الحكم الرشيد، الذي يستمع فيه الحاكم لجميع المحكومين، ويعطي الحرية لكل المواطنين، وارتبط الشيخ راشد بمجلس أبيه، واستفاد منه الكثير، وتعلم كيفية إدارة المنطقة، وتسيير أمورها، وكان مطّلعاً على كل ما يحدث في هذا المجلس، ليتعرف إلى أمور الحكم، ويتدرب على تحمل المسؤولية من بعد والده، وساند والده في تسيير شؤون المنطقة، وأثبت جدارته في تحمل المسؤولية، وامتدت سنوات حكمه 32 عاماً، تطورت فيها دبي، ونمت نمواً سريعاً في كل المجالات.

مكانة دبي

وشهدت الإمارة خلال مسيرته، رحمه الله، إنشاء الطرق والجسور التي تربط شطري الإمارة. وانتقل الشيخ راشد بن سعيد مع عائلته، للإقامة في قصره بمنطقة زعبيل، بعد وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم عام 1958 م، ومنذ توليه الحكم.

وكان راشد بن سعيد، رجلاً سياسياً، تربطه علاقات أخوية مميزة مع جميع حكام منطقة الخليج العربي، وقام بوضع حجر الأساس الحقيقي لمدينة دبي الحديثة.

وفي عهد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، شهدت دبي طفرة تنموية، فخلال فترة حكمه المليئة بالإنجازات، تحولت دبي من منطقة بسيطة، إلى منطقة تجارية مهمة.

حلم الاتحاد

ويعتبر الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، من الشخصيات المؤثرة في دولة الإمارات، إذ توافقت رؤيته مع رؤية إخوانه حكام الإمارات، في ضرورة قيام اتحاد بين الإمارات، التي تجمعها سمات مشتركة، تمثلت في وحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد والملامح السياسية، وعمل مع رفيق دربه، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانهما حكام الإمارات، على تأسيس الدولة، فخلال الفترة ما قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، عمل المغفور لهما، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراهما، يداً بيد، لتحقيق حلم الوحدة، الذي صار حقيقة واقعة، بالإعلان عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتّحدة، في عام 1971.

ويعتبر دوره الكبير، مع المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في تأسيس دولة الإمارات العربية المتّحدة، في عام 1971 م، من أعظم الإنجازات التاريخية في مسيرة الدولة، حيث رحب «راشد بدعوة زايد»، وآمنا سوياً بفكرة الوحدة بين الإمارات، وكانت المبادرة الأولى في 1968 م، عندما اجتمع القائدان في منطقة سيح السديرة، الواقعة بين أبوظبي ودبي، وعقدا اجتماعاً ثنائياً، تمخض عنه إعلان اتحاد يضم إمارتي أبوظبي ودبي، كنواة، وبداية لاتحاد أكبر وأشمل، وتعتبر هذه الخطوة، رأس الجسر، الذي اتسع في ما بعد، ليستوعب بقية الإمارات الأخرى، وتمكّن المغفور لهما، الشيخ راشد، والشيخ زايد، في 1965، من الدعوة إلى اجتماع لحكام الإمارات السبع، في قصر الضيافة في دبي، وعمل مع المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، على إصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبوظبي، في فبراير 1968.

كما وجّه الشيخ راشد، دعوة في العاشر من يوليو 1971، من أجل المضي قدماً على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد، حتى أعلن عنه رسمياً في الثاني من ديسمبر 1971، وتولى منصب نائب رئيس الدولة، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء.

وتم تكليف المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، بقرار من المجلس الأعلى للاتحاد، لتشكيل مجلس الوزراء الجديد، في الثلاثين من أبريل 1979، وأعلن سموه، عقب تشكيل الحكومة، في الأول من يوليو 1979، الخطوط العريضة للسياسة التي تنتهجها الحكومة.

كما شارك الشيخ راشد بن سعيد، في قيادة دولة الإمارات، مع أخيه المغفور له، الشيخ زايد، مساهماً بشكل فعال في بناء الدولة. كما أسهم الشيخ راشد، بعد توليه منصب نائب رئيس الدولة، ورئاسة مجلس الوزراء، في التطوير العمراني، والنهضة الشاملة التي شهدتها الإمارات في بداياتها، من بناء المرافق العامة والبنى التحتية، والحرص على تقوية العلاقات مع دول الخليج والدول الأخرى.

العمل الخيري

وكانت الأعمال الإنسانية، حاضرة في فكر ونهج الشيخ راشد بن سعيد، ويسجل التاريخ، العديد من الأعمال الإنسانية التي قام بها، كما رعى المغفور له بإذن الله العديد من المشروعات الخيرية.

مهندس دبي

انتقل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى رحمة الله، في السابع من أكتوبر عام 1990 م ، بعد فترة حكم مليئة بالإنجازات، وشيعته جموع المحبين إلى مثواه الأخير.

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إنه برحيل الوالد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، تصدعت كثير من القلوب، وأنه في السابع من أكتوبر 1990، رحل عن دبي والدها ومهندسها، والذي كان سبباً في وجود الوطن.

وذكر سموه في تغريدة، عبر حسابه في «تويتر»: «في مثل هذا اليوم، السابع من أكتوبر 1990، رحل راشد بن سعيد آل مكتوم.. رحل عن دبي والدها ومهندسها.. تصدعت برحيله الكثير من القلوب، لم يصدق الكثيرون أن من كان أباً لهم قد رحل.. أصعب رحيل، هو رحيل الوالد.. يجعلك يتيماً.. لأنه كان سبباً في وجودك.. في حياتك.. في نجاحك.. سبباً في وجود وطنك».

فارس

وتحدث المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في عزاء الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله: كان رجلاً باراً، من رجالات هذا الوطن، وفارساً مغواراً من فرسانه، ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وإذا كان قد انتقل إلى مثواه الأخير، فإن ذلك لا يعني أن يغادر ذاكرتنا أو حياتنا، بل سيبقى - رحمه الله - خالداً في القلوب، وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال، بالأمس، كان المغفور له أباً للشيخ مكتوم وإخوانه، واليوم، أنا أبوهم، وعوضهم فيه، وهم عوضي أنا في أبيهم، كما أنهم عوض شعب دولة الإمارات العربية المتحدة، بما عرفته وعرفه هذا الشعب منهم، من حب وحرص وتفانٍ في خدمة هذا الوطن.

أيضاً، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في كتاب «قصتي»: «تعلمت من راشد، منذ نعومة أظفاري، بأن القائد هو الشخص الأكثر نشاطاً، والأقدر على تنفيذ المشاريع بكل كفاءة، تعلمت من راشد، بأن كل درهم في دبي، له قيمة كبرى، ولا يتم صرفه إلا في مكانه الصحيح. ثقافة الحكم التي رسخها راشد بن سعيد، هي ثقافة تقوم على صرف المال بحكمة، والابتعاد عن التبذير الحكومي، أياً كان شكله».

قدرات

كما يذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في كتابه «قصتي.. خمسون قصة في 50 عاماً»: «في يوم آخر من أيام الشيخ راشد، وفي مجلس آخر من مجالسه، تعلّمتُ أيضاً شيئاً عظيماً، ما زلت أطبِّقه حتى اليوم.

كان الشيخ راشد يحدّث أحد الرجال في المجلس، ويقول له: «أعتقد أنك نشيط، ولديك قدرات قيادية، هل تستطيع إطلاقَ المشروع الفلاني، ومتابعته حتى النهاية؟»، كنت أبدي تبرّمي لاحقاً، وأهمس له: «لماذا قلتَ لفلان إنه قائد.. هو قليل الكفاءة، ولا يستحق هذه الكلمة»، فيأخذ نفساً عميقاً، ويرد عليّ بأن من أهم صفات الحاكم الناجح، أن يحيط نفسه بقادة أقوياء، ونحن نبحث عنهم دائماً، ولكن عندما لا نجدهم، نصنع نحن القادة. مسؤوليتنا أن نصنع قادة، نعطيهم المسؤولية، ونشجّعهم، حتى يصبحوا قادةً حقيقيين».

 

Email