خبراء ومختصون لـ «البيان»:

الرصد الاجتماعي أداة لصياغة الرؤى والاستراتيجيات

أزمة «كورونا» أثبتت الحاجة للبحوث الاستقصائية في المجتمع | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مرور أكثر من 9 أشهر على جائحة «كوفيد19»، بات رصد الرأي العام وفهم المجتمع خريطة الطريق للوصول للاستراتيجيات الهادفة التي من شأنها تجاوز الأزمة، وأداة تصيغ الرؤى على مستوى العالم، وتساهم في اكتساب فهم أفضل لتصورات الناس وسلوكهم، حتى تتمكن الحكومات من معالجة الممارسات غير الصحية بشكل أفضل، كما دعمت استبيانات الرأي العام المجتمعات للتحدث عن القضايا التي تؤثر عليهم للتأثير على صنّاع القرار وصانعي السياسات على مدى سنوات.

وحسب خبراء ومختصين فإن الرصد الاجتماعي بات أداة لصياغة ورسم الاستراتيجيات الوطنية، وهو ليس مشروعاً قائماً بذاته، إنما نهج يحتاج إلى التكامل عبر جميع برامج وقطاعات المجتمع، لتكون أكثر فاعلية واستدامة، وتعد المشاركة المجتمعية ضرورية في جميع مراحل الاستعداد والاستجابة للوباء، للحصول على نظرة ثاقبة لتصورات وسلوكيات المجموعات المختلفة، وتطوير رسائل فعّالة.

«البيان» بدورها، التقت مجموعة من الخبراء والمختصين بعلم الاجتماع، للوقوف على الموضوع، والتأكيد على أهمية دراسة المجتمعات باعتبارها راصداً أساسياً لقياس ثقافة المجتمع ومسببات قلقه، ورسم الاستراتيجيات التي تسهم في تضافر الحكومة مع الشعب لتجاوز الأزمة.

 

منهج علمي

وتعقيباً على ذلك، أكدت الدكتورة منى البحر، مستشار رئيس دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، أهمية تخصص علم الاجتماع باعتباره الأداة الأساسية لدراسة المجتمع، وأوضحت أن علم الاجتماع من العلوم المهمة التي تقرأ المجتمع وتوفر قراءة قريبة من الواقع، ولا يوجد تخصص آخر قادر على هذا الرصد العميق، وفي دائرة تنمية المجتمع تقوم مسؤوليتنا على وضع السياسات والاستراتيجيات في المجال الاجتماعي، وهذه السياسات مبنية على دراسة سليمة متكاملة حول واقع المجتمع، ووضع استراتيجيات بناء على إشباع الاحتياجات المختلفة لشرائح المجتمع، وهذا ما يدعمه الدكتور مغير الخييلي، مدير دائرة تنمية المجتمع، لاهتمامه بالبحث العلمي الاجتماعي، فكل دراسة نقوم بنشرها يكون أساسها علمياً بحت للوصول إلى الغايات المجتمعية، والرقي باحتياجات المجتمع، كما أن استبانة جودة الحياة منحتنا العديد من التوجهات الرئيسة التي من الممكن العمل عليها لتعزيز جودة الحياة في إمارة أبوظبي، انطلاقاً من نتائجه التي أوضحت مدى ثقة المجتمع من مواطنين ومقيمين بالحكومة بوجود نسبة ثقة تصل إلى 90% حول كيفية إدارة الحكومة بجهاتها ومؤسساتها المعنية للظروف الراهنة، وهو يجسد التماسك والتلاحم المجتمعي الذي يربط المجتمع بمختلف مكوناته.

جودة

وأوضحت البحر أنه من خلال نتائج الاستبانة تم رصد مستوى جودة الحياة، بوجود الثقة في المؤسسات الصحية والتعليمية والتي تقدم خدمات مباشرة للمواطن، حيث وجدنا أن الثقة في القطاع الحكومي عالية جداً، وتعد نتاجاً لعمل هذه المؤسسات وإدارتها الناجحة للظروف والتحديات التي نواجهها، والحرص على توفير كافة الاحتياجات والمستلزمات للأفراد خلال فترات زمنية وجيزة بوجود تكاتف الجهات المعنية التي تولي المواطن والمقيم كل اهتمامها.

وأشارت البحر إلى أن تخصص علم الاجتماع قد مر بمرحلة من الركود في الدولة، إلا أنه على النقيض يعتبر أحد أهم العلوم في الدول الغربية، حيث إن المراكز البحثية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والتي تضم علماء ومختصين في علم الاجتماع والسياسة والاقتصاد، تساهم في دعم سياسات الدول بناء على نتائج الأبحاث الاجتماعية التي تقوم بها، فما قمنا به من استبيانات ساهمت في قياس ورصد مجتمعنا ووعيه، ودراسته في كيفية تلقي المعلومة وأسباب قلقه، فالأزمة اليوم علمتنا أن النجاح المطلق يكمن في الاستثمار بالبحث العلمي ودعمه، وتوسيع آفاق الاستثمار في التكنولوجيا.

 

بنية تحتية

وباعتبار أن البحوث الاجتماعية مرفأ تهتدي إليه الحكومات للرسو على استراتيجيات وسياسات ناجعة فهي بحاجة إلى بنية تحتية علمية ودعم مادي مستدام لتحقق الأهداف المرجوة، وهذا ما يؤكد عليه الدكتور أحمد العموش، الأستاذ في علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة، الذي أوضح أن دولة الإمارات تزخر بجامعات وطنية مرموقة يشهد لها، ويتوفر بها مراكز للبحوث والدراسات، وهذه المراكز موجهة لدراسة المشكلات الاجتماعية والرأي العام والظواهر المستجدة، وظهرت قوة هذه المراكز في جائحة «كورونا»، وتصدت لهذه الظاهرة بالبحث، وقامت بدراسة آثار هذه الجائحة الاجتماعية والنفسية، هذا بالإضافة إلى دراسة وعي وإدراك الناس لمخاطر جائحة «كورونا».

4 أسس محورية

وحدد العموش أربعة أسس قيمة لديمومة البحث العلمي ورصده للمجتمع، لا سيما أن هناك جهوداً حثيثة وواضحة لدولة الإمارات في المجال البحثي الاجتماعي، القائمة على بنية تحتية علمية متطورة لرصد الرأي العام، ولا بد حتى يتم تعزيز جهود هذه المراكز البحثية من توفير أولاً الدعم المادي اللازم من مؤسسات المجتمع المدني والشركات والقطاع الخاص والعام، لدعم جهود هذه المراكز، ووضع ميزانيات لضمان ديمومتها، فمعهد البحوث الاجتماعية والإنسانية في جامعة الشارقة، من المراكز المشهود لها على مستوى الدولة لدراسة العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية، وهذه المراكز تحتاج لدعم مجتمعي، فالمجتمع الآمن في جائحة «كورونا» يدرك مخاطر هذه الجائحة، وعليه تحتاج هذه المراكز لدعم مادي واسع مستدام.

وثانياً وضع خطة استراتيجية للتصور المستقبلي لطبيعة الظواهر التي نعيشها الآن، وما سنعيشه بعد انجلاء الأزمة، وتبدل الحياة والرؤى والأنماط المعيشية على كافة الأصعدة، وثالثاً وضع أولويات وخطط ورؤى مستقبلية من خلال الرصد السنوي المستمر والذي من خلاله سنقف على تحديات تحتاج لخطط ليتم تحليلها ودراستها، وهذا أمر بالغ الأهمية، فما أفرزته الأزمة من تحديات يجعلنا نؤمن بأهمية وضع مسوح سنوية لقياس الرأي العام والآثار النفسية، هذا بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدؤوب بين الجامعات الممثلة بمراكز البحوث والدراسات الاجتماعية والنفسية ومؤسسات المجتمع المدني، ورابعاً أن يكون استشراف المستقبل محوراً جوهرياً نضعه نصب أعيينا في البحث والرصد.

 

من جهته، أكد الدكتور فاكر غرايبة، أستاذ العمل الاجتماعي في جامعة الشارقة، أهمية الرصد المجتمعي بشكل عام وفي كل وقت، للوقوف على أبرز وأهم القضايا المجتمعية ليس فقط في وقت الأزمات، والذي أكد أن البحث العلمي هو وسيلة أساسية في تنمية وتطوير المجتمع في كافة المجالات، وهو الأداة المهمة للعمل في كافة المؤسسات، وقال: من خبرتي في التعاون العلمي والبحثي مع العديد من المؤسسات في الدولة فقد تم تنفيذ العديد من الدراسات المهمة لهذه المؤسسات بالتعاون في جامعة الشارقة وهنا أتحدث بشكل محدد في قضايا تخص الأسرة والأطفال والزواج والطلاق ومشكلات الطلبة في المدارس وغيرها.

وأشار غرايبة إلى أن معظم المؤسسات لديها أقسام للبحوث والدراسات تقوم بهذه المهمة إما من خلال رصد الظواهر والمشكلات الاجتماعية والأسرية، والعمل على دراستها ووضع الحلول لها أو من خلال التعاون مع الجامعات كجامعة الشارقة، في تنفيذ خطط الدراسات والاعتماد على نتائجها في تطوير البرامج والخطط المستقبلية لهذه المؤسسات.

Email