المعاهدة تفتح الباب أمام حلول مغايرة ذات عائد إيجابي على شعوب المنطقة

معاهدة السلام.. تحول جيوسياسي ورؤية لتحديث النظام الإقليمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقدم معاهدة السلام بين دولة الإمارات وإسرائيل، بعداً جيوسياسياً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، وتحولاً في معادلات السياسات الإقليمية وتوازنات المنطقة، فالدينامية الجديدة القائمة على اختراق أزمة مستعصية منذ عقود تفتح الباب أمام حلول جديدة ورؤى مغايرة أكثر حيوية وواقعية، وذات عائد إيجابي على شعوب المنطقة التي ترزح تحت حروب وصراعات أنهكت البنى الاجتماعية والاقتصادية، وأدت إلى تفشي خطاب الكراهية والتحريض من جانب الأطراف الداعمة للإرهاب والتطرف.


وتساهم معاهدة السلام، في إعادة بناء رؤية سياسية جديدة، ليس فقط ضمن العلاقات الثنائية لطرفي المعاهدة، إنما على مستوى المنطقة ككل، ومقدمة تسمح بالتفكير في نظام إقليمي جديد، قائم على تحويل مكامن الاستنزاف التاريخي إلى فرص تنموية، وذلك وفق ما يرى عدد من المحللين الاستراتيجيين.


تحول غير مسبوق


ضمن هذا الإطار، توقع الأكاديمي الأمريكي، وليد فارس، أن تحقق معاهدة السلام بين دولة الإمارات وإسرائيل نتائج لم تشهدها المنطقة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأكد الأستاذ الجامعي والمستشار لعدد من أعضاء الكونغرس، أن دولة الإمارات شيّدت محطة تاريخية مهمة في تاريخ المنطقة الحديث، وفي تطور آلية السلام بين الدول العربية وإسرائيل.


وأضاف: «كمستشار سابق للرئيس ترامب وخلال اجتماعنا معه في منتصف ديسمبر 2015 قال لي إنه يفكر جدياً في أن يكون عراباً لمعاهدة سلام جديدة بعد تأخر معاهدات السلام نحو ربع قرن بين الدول العربية وإسرائيل».


وأعرب فارس عن اعتقاده أنه بعد تشكيل إدارة ترامب كان القرار موجوداً ولكن الظروف الداخلية على البيت الأبيض أخرت هذا الإنجاز حتى هذه الأسابيع الأخيرة إلا أنه يجب الاعتراف بأن فريق العمل الثلاثي: الأمريكي من البيت الأبيض وقيادة الإمارات ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي كافحوا لإنجاز هذه المعاهدة التاريخية.


وشدد أن أهمية هذه المعاهدة تكمن أولاً في أنها لم تعقد ما بين دولة عربية خسرت أراضي وتريد استردادها كما حصل مع مصر أو الأردن، أو بالنسبة لوضع الضفة أو السلطة الفلسطينية، ولكن هذا الاتفاق هو بين دولتين لم تتواجها في ساحة المعركة وتريدان تخطي المواجهة للاهتمام بالمسائل الأكبر والأخطر وهي التهديدات الخارجية للمنطقة والتطرف.


وقال: الآن هنالك طريق وهذا الطريق يمر عبر حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولنكن واضحين حل المشكلة الفلسطينية يكون بقيام دولة فلسطينية. وأردف: «على هذا الصعيد كان من الواضح أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل سمحت للفلسطينيين بأن يربحوا وقتاً سيستفاد منه الآن للتفاوض ولكنه تفاوض دقيق واستراتيجي يصل إلى نتائج فعلية، وبطلب من الإمارات قبلت إسرائيل أن توقف ضم الأراضي الفلسطينية، والباب مفتوح الآن للتفاوض».


وشدد أن إبرام معاهدة سلام بين الإمارات وإسرائيل سوف ينتج أموراً لم تشهدها المنطقة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية من تقنيات سوف تترابط سوياً، وكل الملفات سوف تفتح أبوابها بشكل واسع جداً نتيجة لمعاهدة إبراهيم، وهو اسم رمزي له دلالته.


تحالفات جديدة


في السياق، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سعيد عكاشة، إن «المسار الذي اتخذته دولة الإمارات مؤخراً في عملية السلام يجب أن يتم تقديره بشكل جيد، وتتبعه خطوات من عديد من دول المنطقة، ولا سيما أن المنطقة شهدت تغيرات عديدة خلال السنوات الماضية، وأصبح هنالك خطر أكبر على القضية الفلسطينية نفسها».


وشدد في تصريح لـ«البيان»، على البعد الجيوسياسي لمعاهدة السلام على مستقبل المنطقة، على أن «منطقة الشرق الأوسط على مدى عقود مضت في أزمة شديدة، بينما الآن يتم التعامل بشكل مغاير، بما يحفظ الدولة الوطنية والقضية الفلسطينية».


ولفت عكاشة إلى أن مسار السلام يحفظ الدولة الوطنية، ويحفظ القضية الفلسطينية، ويعزل معسكر الإرهاب وتفكيك الدول الوطنية. وأفاد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بأن هناك تحالفات إقليمية سياسية واقتصادية وحتى عسكرية جديدة، وأن كل هذه الأمور تجعل عملية السلام متعددة الأطراف يمكن أن تخلق مظلة لمواجهة التحديات التي تواجه الدولة الوطنية، وهي الإرهاب والأوضاع الاقتصادية الداخلية والتدخلات الخارجية.


فرصة فلسطينية


أما الخبير الاستراتيجي د. عامر السبايلة فأكد أنّ معاهدة السلام الإماراتية – الإسرائيلية تشكل فرصة لخلق مناخ أفضل من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، فالإمارات كان بإمكانها أن تقيم عملية السلام من دون أن تضطر إلى ربطها بالقضية الفلسطينية، كون هذه العملية تأخذ أشكالاً اقتصادية وتنموية وغيرها، إلا أنها ربطت هذا المنجز بوقف ضم الأراضي الفلسطينية، وهذه إشارة لوقف التحرك الإسرائيلي وضرورة العودة إلى الحوار وإلى مبادرة السلام كأساس مرجعي.

وأضاف في تصريح لـ«البيان»: «الكرة الآن في ملعب الإسرائيليين وعليهم تقديم التنازلات للعرب حتى يتم إنعاش الحوار. في الواقع فإن رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشارت إلى وجود دولة فلسطينية ولكن الخلاف كان على شكل هذه الدولة، اليوم عبر هذه المعاهدة هنالك إمكان للحديث عن شكل الدولة وتوظيف جميع الأوراق التي نملكها للحصول على أفضل شكل والقيام بتثبيته، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هنالك واقعاً على الأرض لا يمكن إنكاره». 

وختم قائلاً: «الإمارات ليست على تماس مباشر مع إسرائيل، ولكنها رغم ذلك أكدت على فكرة الإبقاء على عملية السلام وكسر الجمود، وأيضاً أكدت أهمية الدولة الفلسطينية، ووجود مرجعية عربية، على القيادات في فلسطين أن تقتنص الفرصة وأن تنتهج تحركات أكثر براغماتية ودينامكية للحصول على أكبر قدر ممكن من المكتسبات للحفاظ على الدولة الفلسطينية، وإنهاء حالة التقوقع».


إعادة تموضع عربي


قال وزير الإعلام الأردني الأسبق د. محمد المومني، إن المعاهدة لقيت ترحيباً دولياً واسعاً. وأضاف: الحدث متسق مع ضرورة إعادة التموضع العربي الاستراتيجي الذي بدأ منذ مؤتمر مدريد في تسعينيات القرن الماضي، والإمارات تجد من خلال هذه المعاهدة نافذة وطريقة لتحقيق قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية كحل عادل قابل للحياة يحقق الأمن والاستقرار، فمن دون هذا الحل ستبقى مشكلات الإقليم مستمرة، إضافة إلى أن المعاهدة مرتبطة بالأبعاد السياسية الدولية والعلاقات مع الولايات المتحدة وبمنظومة توازن القوى الإقليمية.

Email