الحرق والعبث والإتلاف أبرز أشكالها

قانونيون يحذرون من الإساءة إلى العملة الوطنية والنيابة العامة تجرّم مرتكبيها

ت + ت - الحجم الطبيعي

حذر قانونيون من الإساءة للعملة الوطنية، معتبرين احترامها «مسؤولية وطنية»، وقيمة أخلاقية عليا، فيما اعتبرت النيابة العامة بالدولة إتلاف العملة أو تصويرها بقصد السخرية أو الإهانة أو استخدامها فيما لم تطبع أو تصنع العملة من أجله بشكل مهين أياً كانت قيمة تلك العملة؛ «أفعال غير مسؤولة» وغير مقبولة وتؤدي إلى التقليل من مكانة ورمزية العملة، بالإضافة إلى أنها تشكل جرائم يعاقب عليها القانون وبالتالي تقود مرتكبيها إلى المحاكم لنيل الجزاء العادل.

علي الحمادي

 

جاء ذلك عقب ظهور فيديوهات لبعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يصورون العملة بطريقة مسيئة ويقومون بنشرها على صفحاتهم، حيث تم رصد عدد منها وملاحقة أصحابها بالقانون.

واستعرض محامون أبرز أشكال الإساءة إلى العملة كالحرق والإتلاف والعبث بها أو تغيير شكلها أو طلائها أو إنقاص معدنها أو أي فعل آخر من شأنه الانتقاص من هيبتها، لافتين إلى عقوبات مشددة سنها المشرع الإماراتي طالت كافة صور الاعتداء كونها تؤدي للإخلال بالثقة العامة تصل إلى السجن والغرامة المالية.

واعتبر المستشار القانوني غسان الداية وجود عقوبات مغلظة أمر يُحسب للمشرع الإماراتي الذي أراد تحقيق غاية الردع لبعض الفئات التي تصور العملة الوطنية، وهو ما شهدناه في الآونة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي واستعراضها بطريقة مسيئة، حيث تم رصد العديد من المقاطع المصورة التي تجسد هذه الأفعال، علاوة على تلقي مجموعة بلاغات عبر تطبيق «مجتمعي آمن» الخاص بالنيابة العامة للدولة، متضمنة المقاطع استعراضاً للعملة الوطنية بوضعيات غير لائقة من قبل من يصورها، والذي يشكل سوء استخدام فيما ما لم تطبع العملة من أجله، كما تمثل هذه الظاهرة استهانة بالعملة التي تتضمن شعار الدولة.

وأفاد بأن أي سلوك يمكن أن يسيء للعملة الوطنية مُجرم وفق القانون الإماراتي، حيث نص المشرع في المادة 176مكرر من قانون العقوبات الاتحادي بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد على 25 سنة والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف لكل من سخر أو أهان أو أضر بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة، أو علمها أو شعارها الوطني أو رموزها الوطنية أو أي من مؤسساتها.

كما نصت المادة 141 من القانون الاتحادي بمرسوم 14 لسنة 2018 بشأن المصرف المركزي وتنظيم المنشآت والأنشطة المالية على معاقبة كل من يشوّه أو يتلف أو يمزق النقد عمداً متى كان ذلك علناً بغرامة قدرها عشرة آلاف درهم أو عشرة أضعاف قيمة النقد الممزق أو المتلف أو المشوه أيهما أعلى، كما أن إتلاف العملة قد يؤدي أيضاً إلى عدم صلاحيتها للتداول، وبالتالي تفقد قيمتها مما يعرض الجاني للمساءلة حسب قانون العقوبات الاتحادي.

أفعال مجرّمة

وذكر أن نشر مقاطع عبر وسائل التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي بصورة مهينة للعملة وشعار الدولة يشكل فعلاً مجرماً، حيث نصت المادة (29) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، على أنه يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تجاوز مليون درهم كل من نشر معلومات أو أخباراً أو بيانات أو إشاعات على موقع إلكتروني أو أي شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو أيٍّ من مؤسساتها، أو رئيسها أو نائبه أو حكام الإمارات أو أولياء عهودهم أو نواب حكام الإمارات أو علم الدولة أو السلام الوطني أو شعارها أو نشيدها الوطني أو رموزها، وتحكم المحكمة أيضاً على المدان بمنعه من الظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمدة معينة.

هيبة الدولة

وعد المحامي راشد الكيتوب الاعتداء على عملة الدولة الورقية أو النقدية اعتداء على هيبة الدولة وإضراراً باقتصادها، فهو لا يؤدي للاستهانة بشعار الدولة وعملتها الرسمية فقط، بل يؤدي إلى تقليل قيمتها وعدم قبولها بشكل مباشر أو غير مباشر فيؤثر سلباً على تداولها، ومن ثم فقد قيمتها وقوتها السوقية.

واستعرض أشكال الاعتداء على العملة كحرقها أو إتلافها أو العبث بها أو تغيير شكلها أو طلائها أو إنقاص معدنها أو أي فعل آخر من شأنه الانتقاص من هيبتها، وقد عاقب المشرع كافة صور الاعتداء كونها تؤدي للإخلال بالثقة العامة وتهدد الكيان الاقتصادي بالدولة، وتعمل على المساس بهيبة الدولة وسلطانها، فقد نص قانون العقوبات الاتحادي (3) لسنة 1987 والمعدل بالمرسوم بقانون اتحادي (7) لسنة 2016 على أن يعاقب بحسب المادة 204 بالسجن المؤبد أو المؤقت وبالغرامة التي لا تقل عن مئتي ألف درهم كل من قلد أو زيف أو زور بأية كيفية كانت سواء بنفسه أو بوساطة غيره عملة ورقية أو معدنية متداولة قانوناً في الدولة أو في دولة أخرى أو سنداً مالياً حكومياً، ويعتبر تزييفاً في العملة المعدنية إنقاص شيء من معدنها أو طلائها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة، فيما نصت المادة 208 على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز 5000 درهم من أبى قبول عملة وطنية صحيحة بالقيمة المحددة لها قانوناً، ونصت المادة 176 مكرر على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 10 سنوات ولا تزيد على 25 سنة والغرامة التي لا تقل عن خمسمئة ألف درهم من أهان أو أضر بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو علمها أو شعارها الوطني.

حادثة

كان نشطاء التواصل الاجتماعي، قد تداولوا مقطع فيديو، لأحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يقوم بوضع «عملة إماراتية» على النار ومن ثم وضع «البخور» عليها.

وقد أيدت محكمة استئناف أبوظبي، تغريمه 300 ألف درهم ومنعه من الظهور العام وغلق حساباته الإلكترونية كافة.

كما قررت مصادرة الهواتف المستخدمة في نشره مواد من شأنها المساس بالآداب العامة وتشويه العملة الوطنية.

 

رابطة اجتماعية ذات وجهين

يرى المستشار القانوني معتز فانوس أن العملة بمثابة «سفير الدولة الماهر بامتياز»، والناطق الرسمي عن دولة الإمارات وعن ماضي المنطقة وحاضرها، وتتيح لأي شخص يطلع عليها أو يتداولها أن يشكّل فكرة عن ماضيها وحاضرها، فقد أضحت العملات أسلوباً مبتكراً لتبادل الثقافات والمعارف الخاصة بالشعوب وتراثها، فيما يعتبرها علماء الاقتصاد عقداً اجتماعياً ويبرهنون على ذلك من خلال مراقبة المراحل التاريخية التي تمتد عبر آلاف السنوات منذ ظهور مفهوم العملة بأشكالها الأولى حتى الوقت الراهن ليصلوا إلى نتيجة مفادها أن هناك ترابطاً عضوياً بين العملة وبين مفهوم السيادة الوطنية.

وأشار إلى أن العملة في جميع الحالات تعبير عن «رابطة اجتماعية ذات وجهين»، فمن جهة هي «ضرورة وواجب»، ومن جهة أخرى هي «انفتاح على التبادل على الآخر والثقة فيه»، وفي جميع الحالات تكون الثقة بعملة ما تعبيراً عن «الانضواء في إطار مشروع جماعي» وتعتمد في أساسها على قاعدة «السيادة الوطنية» وهي تستمدّ قوتها من هذه السيادة.

ونوّه بأن أي سلوك يمكن أن يسيء للعملة الوطنية هو سلوك مُجرم وفق القانون، حيث اعتبرت النيابة العامة أن إتلاف العملة أو تصويرها بقصد السخرية أو الإهانة أو استخدامها فيما لم تطبع أو تصنع العملة من أجله بشكل مهين أياً كانت قيمة تلك العملة هي أفعال غير مسؤولة وغير مقبولة وتؤدي إلى التقليل من مكانة ورمزية العملة، بالإضافة إلى أنها تشكل جرائم يعاقب عليها القانون، وبالتالي تقود مرتبكها إلى المحاكم لنيل جزائه العادل.

وأهاب فانوس بأفراد المجتمع الالتزام بالقوانين وعدم التهاون بأي شكل من الأشكال في التعامل مع العملة الوطنية، كونها تحمل اسم وشعار الدولة، وتعبر عن هويتها وتاريخها وحضارتها، كما أن قيمتها المعنوية أكبر من قيمتها المادية، وأي سلوك يمكن أن يسيء للعملة هو مجرم وفق القانون الإماراتي.

Email