رجالُ السيف والأمل

أ. د. محمّد عبدالرّحيم سلطان العلماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

بشموخ الصقور، وهيبة القادة الشجعان، استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، حكام الإمارات، صقور الوطن العائدين من اليمن الشقيق، المشاركين ضمن قوات التحالف العربي في صيان تلك الأرض الشقيقة، وتقديم أقصى طاقات البناء والمساعدة من خلال مشروعات ضخمة استفاد منها الشعب اليمني الشقيق، ولم يكتفِ المحمدان بهذا الاستقبال لهؤلاء المغاوير الأشاوس، بل عبّرا عن حفاوة شخصية تجلّت فيما تلطّف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بكتابة كلمة جليلة الإحساس في الترحيب بهؤلاء الرجال المنذورين لخدمة الوطن، والتضحية من أجل رفعته وكرامته، إذ قال: «تحية اعتزاز وفخر نوجّهها لجنودنا وأبناء وطننا ونحن نحتفي بمشاركتهم في المهمة الوطنية والإنسانية ضمن التحالف العربي في اليمن.

كما عهدناهم عبر تضحياتهم وشجاعتهم يزرعون الخير وينشرون الأمل... يدٌ تحمي وأخرى تبني، وبإذن الله باقون سنداً وعوناً للشقيق في صيانة أمن منطقتنا واستقرارها».

ومن دُبيّ التي لا تغيب عن أفراح الوطن جاء صوت فارسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ليكتب بمِداد الحب تغريدة وقصيدة فيهما أروع مظاهر التعبير عن حفاوة الوطن بهؤلاء الصقور المخلصين، فكتب سموّهُ في تغريدته: «تحية لأبناء الوطن العائدين من أرض اليمن، شاركوا إخوانهم في قوات التحالف مهمّةَ إعادة الأمل وترسيخ أمن المنطقة.

ساهموا في أعمال إنسانية في 22 محافظة استفاد منها ملايين الأُسر، وساهموا في بناء وتطوير مشاريع تنموية ضخمة في محافظات اليمن.... أهلاً بكم في أرض الوطن... حماةَ الاتحاد»، وأضاف سموّه قائلاً وبنبرةٍ ملؤها الفخر والاعتزاز بهؤلاء الصقور الأفذاذ: «الصقور المخلصين...بذلتُم فأخلصتم، وضحّيتم فرفعتم الرأس. فخورين بكم وبأهلكم وبعملكم. فخورين بكل ساعة بذلتموها بعيداً عن وطنكم...حفظكم الله للوطن، وحفظ الله الوطنَ بكم».

كما رحّب سموه بهم برائعة شعرية افتتحها بقوله:

الـتـحـيِّـهْ لـلـصـقـورْ الـمـخـلصينْ

أدَّوا الـــواجـــبْ وردَّوْا لــلــديــارْ

الـوطَـنْ إلـهُـمْ يـصـافِحْ بـالـيمينْ

ومنْ يصافِحهْ الوطَنْ نالْ إفتخارْ

بهذه الحفاوة البديعة الرشيقة الباهرة استقبل صاحب السموّ هذه الكوكبة الشجاعة من فرسان الوطن وصقوره الحوّامة في الأعالي، فقد عادوا بعد أداء الواجب لوطنهم الذي يحنو عليهم مثل الأمّ الرؤوم، ويقدّر تضحياتهم وما قدّموه من السهر والتعب في سبيل الوقوف مع الشقيقة اليمن التي عاث فيها المفسدون بالأذى والخراب، فكانت مهمة فرسان الإمارات هي حمايتهم، ونشر الإحساس بالأمان واستئناف دورة الحياة من خلال هذه المشاريع التنموية الرائدة التي ذكرها صاحب السموّ في تغريدته النبيلة، واختار سموّه لفظ (ردّوا للديار) ولم يقل (عادوا للديار) لأنّ في هذا الاختيار من الحفاوة وتبسيط الإحساس وأصالته وعمقه ما يشعرون معه بأنّ الذي يرحب بهم ليس قائداً لهم فحسب، بل هو يستقبلهم بإحساسٍ أبوي فريد تظهر حقائقه من خلال هذه الكلمات المفعمة بالحب الصافي، وهذه الموسيقى العذبة الفوّارة بالترحيب وكأنها إيقاع على طبل عسكري يحتفي بهؤلاء الفرسان الأبطال.

وتزداد نبرة الحب سطوعاً في البيت الثاني حين يسبك صاحب السموّ هذه الصورة البديعة بين الوطن وأبنائه الراجعين إلى حضنه وترابه، فإذا بالوطن قد أصبح شخصاً يمدّ يده اليمنى التي هي عنوان الكرامة والتكريم لمصافحة هؤلاء الأوفياء الأبرار الذي ما خيّبوا نداء الوطن حين انتخاهم، مؤكداً سموّه على قيمة أخلاقية رفيعة هي أن مَنْ صافحه الوطن فقد نال أعظم نياشين المجد والفخار، وحسبك بهذا المجد مجداً وتكريماً.

شــرِّفــونــا ولـفـعـايـلـهُمْ نــعــيـنْ

ونـحنْ نـخدِمهِ الـوطَنْ لـيلْ ونهارْ

نــحـمِـدْ اللهْ يـــومْ ردَّوْا سـالـمـينْ

بـالـغـنـايِمْ والــعــلا والإنـتـصـارْ

وتأكيدا على إحساس الفخر بهؤلاء الجنود البواسل يؤكد صاحب السموّ أنّ الوطن قد تشرّف بإنجازاتهم وبسالتهم في تقديم الصورة الناصعة للإنسان الإماراتي الذي لا يخذل شقيقه، وأنّ القيادة لن تتوانى عن الوقوف صفّاً واحداً في هذا الخيار الوطني الذي يعبّر في جوهره عن رؤية القيادة وموقف الشعب الذي يعرف قيمة الإخاء ويقدر شعب اليمن الشقيق، ليكون ذلك كله خدمة للوطن الذي يتشرف أبناؤه بخدمته في جميع الظروف والأحوال: ليلاً ونهاراً، سِلماً وحرباً، صيفاً وشتاء، فالوطن فوق الظروف، وخدمته دَين في الأعناق لا مجال فيها للنكوص والخذلان، معبّراً سموّه عن مشاعر الفرح برجوعهم سالمين إلى أرض الوطن وقد ارتفعت فوق جباههم الحرة أكاليل الغار وبشائر العزّ والانتصار.

دومْ لــلــرايِــهْ بـــعـــزِّهْ رافــعــيـنْ

والإمــاراتــي عــلـىَ دارَهْ يــغـارْ

مـجـدْ دولـتـنا وأهـلـنا الـسَّـالفينْ

بـالـتِّوحِّدْ مـنـهْ شـفـنا الإزدهــارْ

وللعَلم في وجدان صاحب السموّ حضور باهرٌ عجيب، وستظل الأجيال تذكر تلكم القصيدة الهادرة بمجد العلم والتي تؤكد عمق الإحساس بقيمة هذا الرمز الفريد في وجدان الإنسان الإماراتي والذي عبّر عنه صاحب السمو أبدع تعبير حين قال في لحظة فخر جليلة:

العَلَمْ لي كانْ زايدْ رافعنِّهْ

هوُ أمانتنا نعيشْ ونرفعَهْ

وههنا يستعيد صاحب السموّ تلك اللحظة الوطنية الرائعة حين يؤكد أن أبناء الوطن وفرسانه هم الرافعون دائماً لراية الوطن، وهم الذين يقفون صفاً واحداً متراصّاً في سبيل أن يظل هذا اللواء خفّاقاً في الأعالي، فالإماراتي غيورٌ على وطنه ولا يسمح لرايته أن تهزّها الرياح، وأما ما عدا ذلك فهو الشجاع الذي يعرف كيف يحمي رايته من العواصف مهما اشتدّ زئيرها، وهذا المجد ليس طارئاً على هذا الوجدان الوطني، بل هو عميق التجذر منذ عهد الآباء والأجداد الذين زرعوا شجرة الكرامة في حديقة الوطن، وعهدوا للأبناء برعايتها والحفاظ عليها.

ثم كان البيت الأخير هو خاتمة المسك حين خصّ به صاحب السموّ أخاه وعضيده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حيث جاءت هذه الخاتمة الرائعة التي تليق بهذين الفارسين اللذين يضيئان سماء الوطن، وينثران الأمن والسلام بين ربوعه وجنباته:

وخـلفْ بوخالدْ هوْ الشَّهمْ الأمينْ

كـلِّـنا نـمضي عـلىَ نـهجْ الـكبارْ

وهذا هو قَدَرُ الإمارات بل هو أجمل أقدارها: أن تظل شامخة مرفوعة الرأس بهذا الإخاء الفريد الذي رسّخ أساسه الشيخان الجليلان المغفور لهما: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، اللذان سلّما هذه الأمانة لهؤلاء الشجعان الذين كانوا امتداداً صادقاً لأولئك الأشياخ الذين كانوا مدرسة في التضحية وحب الوطن، وبناء ثقافة الحب والسلام والإنجاز.

فطوبى للوطن بهؤلاء الرجال الأوفياء الذين يعرفون قيمة وطنهم، وينشرون روح المحبة بين أبنائه، ويفعلون المستحيل في سبيل رفعته وتقدمه وازدهاره.

Email