وثيقة الرابع من يناير.. حفاوةٌ وإضاءة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه وثيقة نادرةٌ تجمع بين ثنائية الحب والواجب، كتبها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تجديداً لعهد قديمٍ نجد جذوره الأولى في تلكم الصفحات الرائعة التي كتبها سموّه في سيرته الذاتية البديعة «قصتي» عن مدينته الساكنة في أعماق قلبه «دبيّ»، حيث كتب فصلين رائعين عن هذه المدينة الباهرة، وكيف كانت حُلماً يراود جده الشيخ سعيد بن مكتوم، رحمه الله، ثم تسلّل هذا الحلم إلى قلب والده الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، ليكون بو راشد هو الرجل الذي يصون الحلم والأمانة، ويحقق من الإنجازات ما يكاد يشبه المستحيل من خلال فكرة تعكس التصميم والإرادة خلاصتها: «إنّ مستقبل دبيّ أن تكون وجهةً»، تماماً مثل لندن التي بهرت صاحب السموّ في بواكير حياته، ولا سيما مطارها الشهير هيثرو الذي كان يعجّ بالحياة، وغرس في وجدان ذلك الشاب المحتدم بالعزم رغبة وإرادةً لا يعرفان النكوص في سبيل تحقيق الأحلام.

في الرابع من يناير عام 2006 وعلى غير موعدٍ مسبق، تسلّم صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد مقاليد الحكم في إمارة دبيّ بعد الرحيل المفاجئ لسموّ الشيخ مكتوم بن راشد، رحمه الله، فانخرط صاحب السموّ بقلب جسور في تنفيذ جميع ما كان يحلم به حين كان يمارس مسؤولياته الجسيمة قبل ذلك، وفي عام 2007 عقد صاحب السموّ فعالية كبرى حضرها رئيس الدولة وكل رجال الدولة ممّن يتحملون مسؤولية الإدارة مباشرة، وأعلن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد عن الرؤية القادمة للإمارات التي تلخصت في أن تكون الدولة الأولى عالمياً في محاور العمل الحكومي بنهاية عام 2021م اليوبيل الذهبي لإنشاء الاتحاد.

في هذا السياق التاريخي المتواصل من العمل والإنجاز والتطوير جاءت «وثيقة 4 يناير 2020» لتضخّ الجديد من الدماء، وترسخ المزيد من التقاليد، وتستنهض الهمم، وتضع الخطة الكبرى لتحقيق الأهداف الكبرى التي ستجعل من دبيّ مدينة تعشق التقدم وتُحققه بكل كفاءة وعزيمة واقتدار.

ضمن عشرة من المحاور المتمايزة، تحدد هذه الوثيقة الكبرى الرؤية والمنهج والأفق الذي يتغيّاه صاحب السموّ من خلال هذه الوثيقة التي تسعى إلى تطوير الإمارة، وترسيخ العدالة، وتحسين نمط الحياة للأجيال الحاضرة والقادمة رغم كل العوائق التي تتمثل في الكسل والكيد والتراخي، لتكون الوثيقة خطوة ضرورية لتجديد الدماء، وتأكيد الثقة بالنفس، وابتكار الرؤى التي تضمن سلامة المسيرة أولاً، والانتقال إلى مسارات جديدة في الإبداع والإنجاز والتقدم.

بإنشاء «مجلس دبيّ»، يضع صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد فريق العمل المتمرس أمامَ مسؤولياته التاريخية في تحقيق الأهداف، ويُحمّله المسؤوليات التي يعرف أنه قادر على إنجازها إذا توافرت الإرادة والتصميم، وتأكيداً لعُمق الإحساس بالمسؤولية، ترأس صاحب السموّ هذا المجلس لضمان أكبر قدر من المتابعة والتوجيه والمحاسبة، مستعيناً بخيرة الخيرة من أبناء الوطن، وفي طليعتهم سموّ الشيخ حمدان بن محمد، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، كنائب أول لصاحب السموّ، وسموّ الشيخ مكتوم بن محمد، نائب الحاكم، نائباً ثانياً لرئيس المجلس، مع كوكبة لامعة من رجالات دبيّ الذين تفرّس فيهم صاحب السموّ ثنائية القوة والأمانة في أداء الواجب، لكي تنطلق هذه الوثيقة وتُحقق من خلال المجلس قيادة مشروع التحول في الإمارة وذلك بالإشراف على مسار الحوكمة في المنظومة الاقتصادية للإمارة، وضمان قدرتها على التنافس الدولي، فضلاً عن الريادة وامتلاك الجاذبية القادرة على تحقيق النفع العام، والارتقاء بالإمارة إلى مكانتها التي يطمح إليها صاحب السموّ ويسعى بكل عزيمة وإصرار إلى تحقيقها.

وتأكيداً لجسامة المسؤوليات، تُحمّل وثيقة الرابع من يناير «مجلس دبيّ» مهمة رسم الرؤية القادمة للأعوام الخمسين المقبلة من خلال تطوير الأجندة التنموية، والتأكد من توفير الحياة الأفضل للمواطنين ضمن معلومات موثّقة وقابلة للفحص والتحقق.

ومن المسؤوليات المباشرة للمجلس أيضاً إطلاق المشروعات الكبرى للإمارة، وفتح القطاعات التنموية الجديدة التي تنهض بحياة المواطنين، وتحقق التوازن الاقتصادي من خلال تسريع عجلة النموّ، فضلاً عن استشراف الآفاق الجديدة لدبيّ مدينة النشاط والحيوية ذات الطابع العالمي التي لم تعد قادرة على البقاء، في إطار التفكير المحلي، بل والإقليمي، فهي طامحة إلى خوض غمار الحوكمة من خلال المعايير العالمية التي تضمن النزاهة والموضوعية في التقييم والمحاسبة، وذلك بالإشراف على حوكمة جميع الشركات: الحكومية وشبه الحكومية لضمان تعميم المعايير، وتنسيق إيقاع التقدم في جميع مسارات الإمارة وعدم حدوث خلل في معادلة التنمية في جميع المؤسسات.

وتوضيحاً للصورة، وتوزيعاً للمهام، تؤكد الوثيقة المسارات الستة التالية التي ستكون ميداناً للعمل والإنجاز، وهي: اقتصاد دبي، خدمات المواطنين، التطوير الحكومي، البنية التحتية، الأمن والعدل، والصحة والمعرفة، حيث نلاحظ النظرة التكاملية في صياغة الوثيقة، وتوزيع المهام على جميع مرافق الحياة لضمان مسيرة شاملة يشعر معها المواطن أنّ هناك إنجازاً يتحقق على الأرض، وليس مجرد مقترحات غير قابلة للتحقق، فضلاً عن المحاسبة والمتابعة المباشرة التي تصل إلى درجة إعفاء كل من لم يحقق الأهداف المرسومة بدقة ووضوح في هذه الوثيقة الواضحة الحاسمة.

ولضمان المسيرة الراشدة الواثقة لتنفيذ الخطة التي اشتملت عليها الوثيقة، سيعقد «مجلس دبيّ» اجتماعاً واحداً على الأقل في كل شهر، وهو اجتماع مشروط بأن تضمّ أحد أجندته إطلاقاً لمشروع من المشاريع الرئيسة للإمارة كنوع من التحفيز والتأكد من الدخول في مدار الإنجاز والعمل، فصاحب السمو، كما صرّح في سيرته الذاتية «قصتي»، يحبّ مفهوم فريق العمل، ويفضله على مفهوم اللجان، وذلك بسبب ما توحي به كلمة الفريق من معالم الجد والإنجاز والانخراط المباشر في الميدان، وهو ما تفتقر إليه فكرة اللجان في معظم الأحيان.

وتلخيصاً لكل ما تقدّم، يؤكد صاحب السموّ بنبرة واثقة أن الهدف من هذه الوثيقة التي اشتملت على هذه المنظومة الجديدة من الرؤى والأهداف هو صناعة تحوّلات جديدة، والتغلب على تحديات مستمرة، وتجديد الدماء، وضمان مستقبل أفضل للإمارة وساكنيها ومحبيها الذين يرون في مدينتهم مدينة عالمية تسعى إلى مزيد من التفوق والريادة والاستقرار ضمن معادلة التقدم والتطور والإبداع.

بهذه الوثيقة الرصينة الواضحة المُفعمة بالأمل والثقة والتحدي، تضع دبيّ قدمها بكل ثقة على طريق الأمان، وترسم المستقبل بعين مفتوحة وبصيرة متوهجة وروح مُشرقة، ويتحمل أبناؤها شرف المسؤولية نحو مدينتهم التي أعطتهم كل شيءٍ، وتنتظر منهم أن يعطوها من حبّة القلب، وهم يسيرون إلى جنب قائد جسور مقدام هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، الذي قال ذات يوم: «إنّ أكبر إنجاز يُمكن أن نُحققه في بناء الإنسان هو بناء ثقافة اللامستحيل».

 

Email