عقود من الإنجـازات وتحقيق الطموحات

ت + ت - الحجم الطبيعي

العام في دولة الإمارات ليس شهوراً وأياماً تقطع، بل مشاريع وإنجازات وصناعة نجاحات تصنع، لذلك فإننا مواطنين ومقيمين شهدنا عام زايد، وشهدنا عام التسامح.

واليوم نشهد عام 2020 عام الاستعداد لخمسين سنة مقبلة.هكذا تريد قيادتنا الرشيدة، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

فبالأمس احتفلنا باليوم الوطني الثامن والأربعين لدولة الإمارات، وغداً نحتفل بإذن الله باليوبيل الذهبي للدولة، فيا ترى كم يكون مقدار فرحتنا آنذاك بمرور خمسين عاماً من النجاح على قيام الاتحاد المجيد الذي أسسه زايد وراشد وإخوانهما أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد.

نعم.. يملأنا الأمل ويحدونا الطموح لمواصلة المشوار، والإبحار ثم الإبحار لمواجهة التيار، كيف لا ونجاحات العقود الخمسة الماضية تملأ الآفاق وتعبر المدن والأمصار، وأصبحت نجاحات دولة الإمارات على لسان القاصي والداني في كل الأقطار.

يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «المؤسسون صمموا حياتنا اليوم، ونحن نريد تصميم أعوامنا المقبلة»، ويقول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «نجاحات العقود الخمسة الماضية تحققت بالجهد والعزيمة والتفاني».

إذاً، فليكن من شهد عام 1970 أجواء الاتحاد، هو نفسه يشرف اليوم في عام 2020 على تصميم 50 عاماً للأجيال القادمة، وليس ذلك بغريب على قيادتنا في دولة الإمارات، إذ لا ينبت الخطّي إلا وشيجه.

صف واحد

واليوم يقف المواطنون والمقيمون على أرض الإمارات صفاً واحداً، بل ويتعهدون بأن يعملوا معاً في خندق واحد وكفريق واحد، يعملون بروح الاتحاد، وبروح المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، ويعشقون الصعود إلى القمم كما عشقاه بالأمس.

أجل.. فالدولة على وشك أن تحتفل بيوبيلها الذهبي، والإمارات تستحق الذهبي، لأن إنجازاتها عبر العقود الخمسة لا تقارن بأي عقود خمسة في أي دولة أخرى، وأقل ما يقال عنها إنها إنجازات من يريد أن يأتي الأول.

ولم تكن لتتحقق كل هذه الإنجازات والطموحات وعلى رأسها الوصول إلى الفضاء، لو لم تكن من خلفها قيادة طموحة ومؤمنة بربها مثل قيادة بني ياس التي آمنت بربها ثم بقدراتها على الإبداع والابتكار.

ألا والإيمان بالله قبل كل شيء وقود النفس المحبة للعمل والشغوفة بالإنجاز، والإيمان هو أولاً وأخيراً إكسير هذا الوجود المفعم بالتفاؤل والأمل، وإذا كان المؤسسون الأوائل حملوا تلك الشعلة الإيمانية قبل خمسين سنة من الزمن، فإن من حمل الراية من بعدهم ليسوا بأقل إيماناً وجدية منهم.

استهلال

من أجل ذلك فإن الشاعر الكبير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أطل علينا اليوم بقصيدة بعنوان «بداية الخمسين»، واستهل قصيدته بقوله:

آمنتْ باللهْ ومنْ يومِنْ بهْ يكسَبْ رضاهْ

ومـنْ عـاشْ باللهْ ولـلهْ تَـصدِقْ أحلامهْ

مـتجَرهْ رابـحْ وإذا يـعطي فـيبهِرْ عطاهْ

ومــنْ حـبِّـهْ اللهْ نـصَرْهْ ورفَّـتْ أعـلامهْ

ما أجمل أن يتحلى الحاكم بالإيمان بالله، لعلمه بأنه مبعث الطمأنينة في النفس الخائفة، والإيمان بالله يجدد الثقة بالنفس الفاقدة للأمل، أمام الأنفس الحاسدة والحاقدة، ويجعلها لا تكترث بالمصائب والأحزان والمتاعب التي تحاك لها من الملل والدول، لذلك قال الشاعر:

النور في قلبي وبين جوانحي

فعلامَ أخشى السير في الظلماء

إن لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نظرته الفلسفية في هذا الوجود، لذلك نلاحظ في هذين البيتين أن سموه يلفت نظرنا إلى أن الإيمان حياة روحية يعيشها الإنسان الإماراتي بين نفسه وبين خالقه، ولن يكون للإيمان أثر في حياة الإنسان ما لم يكن صادقاً مع الله، فهو إذاً يؤمن بالله، أي يعتقد بأنه المسيطر على هذا العالم، ولن يقع في هذه الحياة إلا ما شاء ربنا ومتى شاء.

فكن أنت أيها العبد مع الله دائماً، يكن الله معك دائماً، وتوجه إليه بكل طلباتك ولا تملّ، فإن الله لا يمل السائلين، وصدق الشاعر الذي قال:

لا تسألنّ بُنيّ آدم حاجة

وسل الذي أبوابه لا تُحجبُ

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبُنيّ آدم حين يُسأل يغضب

ويلفت الشاعر الكبير نظرنا إلى أمر آخر في غاية الأهمية، ألا وهو الوقت، والوقت أقسم الله به في القرآن الكريم في أكثر من موضع، قال تعالى: «والعصر إن الإنسان لفي خسر»، وقال جلّ من قائل: «والفجر وليال عشر»، وقال سبحانه: «والضحى والليل إذا سجى»، وقال تعالى: «والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها»، وقال جلّ جلاله: «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى».

فلو لم يكن احترام الوقت مهمّاً في حياة الإنسان لما أقسم الله به، وفي الحديث الشريف: «اغتنم خمساً قبل خمس، شبابَك قبل هرمك، وصحتَك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شغلك، وحياتَك قبل موتك».. رواه المنذري في الترغيب والترهيب.

مصلحة الوطن

وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو شاعر الحكمة والبيان عندما يقول:

والـوقتْ يـجري مـا يتوَقَّفْ ومِـبعِدْ مداهْ

وعـنـدي الـوِطَنْ سـيِّدٍ والـكلْ خِـدَّامِهْ

وفـي كِلْ عامٍ هدَفْ نوصَلْ لهْ ونحظاهْ

وبــدايَـةْ الـخـمسين بـاكـرْ أوَّلْ أيَّـامـهْ

فسموه يريد بهذا القول أن يوضح لنا أن الأعوام تجري شئنا أم أبينا، وقد رأينا كيف مضت الخمسون سنة الماضية في غمضة عين، وأن واجبنا أن نستثمر كل عام وكل شهر وكل ساعة لمصلحة الوطن والإنسان، وإلا فإننا نحاسب على التبذير والتقصير، والوطن باعتباره مهد الإنسان فإن له حقاً عليه، وليس بإنسان من يأكل من خيرات الوطن ثم لا يرد جميله.

وإن المؤسسين الأوائل كانوا مؤمنين بهذه النظرية، لذلك فإنهم بنوا لنا الاتحاد العظيم وأخلصوا لله النية فدام لنا الاتحاد، فلنستعد نحن اليوم وقد أشرفنا على نهاية خمسين سنة وقاربنا على بداية خمسين مقبلة لإنجاز أكبر من إنجازهم.

فلنضع لنا خطة واضحة المعالم تعيننا على الإنجاز وتحقيق الطموح، ونحن نعلم أن أول سبب لتحقيق المراد والنجاح في المهمة هو العمل وفق خطة زمنية مدروسة ومبنية على سمو الأهداف ونبل الغايات.

والحال أن مواجهة المستقبل فيها تحدّ كبير وتنافس أكبر، لأننا لا نريد أن نكرر المجترّ، بل كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «إننا نحتاج خلال العقود الخمسة المقبلة إلى مضاعفة الجهد ومواصلة العمل والكفاح، لأن الطموح أكبر والتحدي أصعب، والمنافسة أشد وأقوى، والتحولات حولنا أسرع وأعمق، لأننا نمر عبر تهيئة كل قطاعات الدولة لمرحلة ما بعد النفط»، ولذلك يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد:

هـدَفْ نـحِطَّهْ ونجِدِّ ونشتِغِلْ في لقَاهْ

بـالـجِدْ والـجـهدْ حَــزَّةَ وافــقْ بـعـامِهْ

لأجـلْ الإمـاراتْ لـي نالتْ مكانِهْ وجاهْ

والـعالمْ أهـدىَ لأجـلها أرفَـعْ وسـامِهْ

ويقصد سموه أنه لا يكفي إصدار قرار وراء قرار، وإطلاق شعارات رنانة، من غير تبني مشروعات ضخمة، وتنفيذها على أرض الواقع، ومتابعة جادة من المسؤولين في القطاعين العام والخاص، علماً أن الإنجاز ليس بعدد السنوات، بل بقدر جدّيتك في العمل ووضوحك في الرؤية والاستراتيجية، وإلا فرُبّ ساعة إنجاز ضيعتها سنوات إهمال، ورُبّ عمل سنة جدّ أعطى نتيجة سنوات من العمل.

إن التفاني في خدمة دولة الإمارات جهد مقدّر من العباد ومن ربّ العباد، فالإمارات أرض المحبة والسلام وبيئة التسامح الفذّ، تستوعب أكثر من 220 جنسية ولغة، ويلتقي على أرضها كل شعوب العالم ليعبروا عن آمالهم وتطلعاتهم بلغات عدة، ولعل ما شاهده العالم ليلة الاحتفال برأس السنة الجديدة 2020 من التفاف الكتل البشرية حول برج خليفة في دبي، لأكبر دليل على احترام العالم لمن يعمل بجدّ.

دور قيادي

نعم.. إنها الإمارات التي فتحت أكثر من 160 دولة في العالم أبوابها، ليدخل أجواءها أبناءُ الإمارات من غير تأشيرة دخول، وما كان العالم ليمنحها هذه الثقة لولا أنه اعترف بدورها القيادي والريادي ودورها الإنساني قبل كل شيء، ثم يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم:

شـبابها هـمْ أمَلها ودومهمْ في إنتباهْ

هُــمْ لـلـوطَنْ عـدِّتِهْ ورجـواهْ وحـزامِهْ

أدعـي بها العامْ يبلِغْ شَعبنا لي رجاهْ

فـي الـصَّفْ الأوَّلْ ودومَـهْ رافِـعْ الهامِهْ

يوجه سموه في ختام القصيدة أبناء الإمارات إلى المثابرة على الجهد البنّاء والمثمر، ثم المحافظة على هذا الاتحاد الذي غرسه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كشجرة مثمرة وتمنى لها البقاء، مع مضاعفة الجهد واستفراغ الطاقة الإيجابية فيما ينفع.

فيقول: حافظوا على مكتسبات الدولة، وخذوا حذركم من الذين يظهرون لكم المودة، وفي الباطن يحملون الشر ويريدون زوالكم، فأنتم اليوم الرجال والعتاد، وأنتم العيون الساهرة، وقوة الدفاع الرادعة، فكونوا حماة الوطن وحزام الأمن والأمان.

عاش العلم

شكراً لدولة الإمارات قيادة وشعباً، شكراً لمن أداروا كل هذه التجمعات بنجاح، ليلة الاحتفال برأس السنة، ووفروا الراحة للمقيمين والقادمين إلى الدولة من كل مكان، وبرج خليفة أصبح الرمز الذي ينتظر إشعاعاته ليلة رأس السنة ملايين البشر في العالم، ولا تكتمل فرحتهم إلا بالحضور شخصياً أو المتابعة عبر قنوات التلفاز في كل مكان.

وإنني إذ أبارك لدولة الإمارات هذا النجاح، أشكر القيادة على الترقيات التي منحتها لشريحة كبيرة من رجال الأمن، تزامناً مع الاحتفال برأس السنة الجديدة، فهم يستحقون ذلك، وفي مثل هذه المناسبة تتضاعف فرحتهم، دام الأمان وعاش العلم يا إماراتنا، رمز العروبة، كلنا نفديك، بالدما نرويك، نفديك بالأرواح يا وطن.

 

Email