فنون وضوابط إعداد مذكرة الرأي القانوني

ت + ت - الحجم الطبيعي

تخضع عملية صياغة مذكرات الرأي القانوني لأصول وقواعد، ينبغي على مُعدّها الإحاطة بها والإلمام بفنونها وضوابطها، وامتلاك المهارات اللازمة على نحو يؤدي إلى حسن سبكها، وفقاً لمنهجية علمية سليمة وأسلوب تعبيري واضح بعيد عن الغموض على نحو يحقق الغاية المنشودة منها. ويمكن تعريف مذكرة الرأي القانوني بأنها «الوثيقة الصادرة عن الجهة القانونية المختصة، التي تتضمن بيان حكم القانون في الحالة أو الواقعة المطلوب إبداء الرأي بشأنها، التي يتم إعدادها وفقاً لمنهجية علمية محددة وأصول وقواعد معيّنة»، ووفقاً لهذا التعريف تتميز مذكرات الرأي القانوني عن غيرها من المذكرات القانونية الأخرى بسمات عدة، أهمها: «أن الاستشارة القانونية تكون بناء على طلب يقدّم إلى الجهة القانونية المختصة، للتعرف على حكم القانون بشكل واضح ودقيق في حالة أو مسألة معينة، وذلك بهدف تجنب مخالفة القانون، وكفالة مبدأ المشروعية، لذلك يجب أن يرد طلب المشورة القانونية في صيغة سؤال سواء كان هذا السؤال بسيطاً أو مركباً، وقد يكون هذا السؤال متعلقاً بحالة واقعية طرأت لدى السائل ويريد معرفة الرأي القانوني بشأنها، أو قد يكون بشأن حالة مفترضة يريد السائل معرفة كيفية التعامل القانوني السليم معها في حال حدوثها، كما ينبغي أن تصدر الاستشارة القانونية بصورة مكتوبة، حتى يكون الرأي القانوني موثقاً، ويمكن الاحتجاج به والاعتماد عليه لاتخاذ القرار الصحيح أو القيام بالإجراء المطلوب، كما لابد لاعتبار المذكرة مذكرة رأي قانوني، أن تكون صادرة عن جهة ذات اختصاص قانوني أنيط بها مهمة إصدار مذكرات الرأي القانوني».

سمات

وإذا كانت السمات السابقة هي ما يميز مذكرة الرأي القانوني عن غيرها من المذكرات القانونية الأخرى، فإنه لابد كذلك من توفر مجموعة من السمات التي يجب أن تتوفر فيمن يتولى إعداد مذكرة الرأي القانوني ومن أهمها، الإلمام بالنظام القانوني السائد وما يتضمنه من تشريعات سارية، والقدرة على فهم الواقعة المطلوب بيان الرأي القانوني بشأنها وحصر كافة الأسانيد القانونية المتعلقة بها، وتحليلها واستنباط الأحكام منها وتطبيقها على الواقعة المعروضة تطبيقاً سليماً من خلال إعمال العقل والفكر القانوني العميق وصولاً إلى استخلاص النتيجة النهائية باعتبارها خلاصة الرأي والجواب على الاستفسار المطروح.

الموضوعية

ويجب على من يتصدى للرأي القانوني أن يتصف بالتجرد والموضوعية والحياد، وأن يبتعد عن تغليب الأهواء الشخصية، كما يجب عليه أن يتحرى الدقة في البحث عن الأدلة والبراهين من خلال المستندات والوقائع التي تعرض عليه، وأن يخضعها للفحص والدراسة المتأنية، إذ كثيراً ما تكشف الدراسة المتعمقة عند إعداد مذكرة الرأي القانوني عن عدم صحة تلك الأدلة أو بطلانها أو وجود أدلة وقرائن مضادة تدحضها، ومن واجب معدّ مذكرة الرأي القانوني كذلك عدم إصدار الرأي القانوني المتعلق بالحالة المعروضة عليه في معزل عن الأدلة والحجج والأسانيد القانونية التي تثبت صحة هذا الرأي وتبرهن سلامته، ولضمان تحقيق ذلك عليه أن يتناول الموضوع المطروح للرأي من كافة جوانبه وأن يناقش كافة الأفكار المرتبطة به من أجل الوصول إلى رؤية واضحة تقوم على شمولية التفكير والمعالجة الوافية للواقعة المعروضة عليه، وأن يأخذ بعين الاعتبار على الدوام أن الرأي القانوني السليم هو الذي يتفق مع أحكام التشريعات السارية وينسجم مع المبادئ العامة الثابتة، وهو الأمر الذي يتحتم معه أن تتوفر لديه المعرفة والثقافة القانونية الواسعة التي تعد الأساس الذي ينطلق منه في إعداد الرأي القانوني، فكلما كان المخزون المعرفي لديه أكبر، اتسمت كتابته القانونية بالعمق والتميز والابتكار.

الدقة

وينبغي على معدّ مذكرة الرأي القانوني مراعاة الدقة في توثيق مصادره ومستنداته وأدلته التي اعتمد عليها في إعداد المذكرة، وأن يراعي أيضاً أن تكون الوقائع والمستندات والأسباب والأسانيد الواقعية التي يستند إليها في مذكرته مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها في تسلسل سائغ ومنطقي ومعقول.

ومن السمات الأخرى التي يجب توفرها في معدّ مذكرة الرأي القانوني أن يكون ملماً بقواعد اللغة العربية الفصحى، ولديه المهارة التي تمكنه من اختيار الألفاظ والتراكيب اللغوية اللازمة للتعبير عن وجهة نظره وعرض أفكاره بوضوح وباختصار غير مخل أو إسهاب ممل، وتلعب اللغة المستخدمة في إعداد مذكرة الرأي القانوني دوراً حاسماً في إيصال الرسالة المطلوبة من هذه المذكرة، فالتمكن من اللغة وصرفها ونحوها وبلاغتها تعزز من فن الصياغة القانونية للمذكرة واختيار الألفاظ والتراكيب القانونية المنضبطة والواضحة فيها، ولذلك يتعين أن تكون مذكرة الرأي القانوني خالية من الأخطاء النحوية والصرفية والإملائية والطباعية وأن تتميز كتابتها بوضوح العبارة واستخدام الجمل غير المعقدة وأن تكون التعابير الواردة فيها خالية من الغموض والإبهام، فلا تثير الالتباس بحيث لا تحتمل الكلمات الواردة في المذكرة تأويلات أو تفسيرات متعددة، بل ينبغي أن تكون واضحة ودقيقة توصل المعنى المقصود بكل سهولة، كما ينبغي على معد المذكرة الإيجاز واستخدام الجمل القصيرة والتعبير عن الأفكار بشكل مباشر، إضافة إلى معالجة كل فكرة بفقرة مستقلة من أجل رفع مستوى الوضوح في المذكرة، وإلى جانب ذلك ينبغي أيضاً التدرج في عرض الأفكار واستخدام المصطلحات القانونية المتخصصة، مع الابتعاد عن الأسلوب السردي أو النثري لأن لغة الخطاب القانوني هي لغة صارمة ودقيقة ومتزنة.

Email