نشروا مقاطع للتوعية صُنفت دعائية

مشاهير في «التواصل» متهمون بترويج المخدرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

توعية المجتمع بشأن قضية ما تتطلب قدراً كبيراً من المعرفة والثقافة والقدرة على الإقناع، حتى لا تخطئ الرسالة هدفها وتنتج عنها آثار سلبية تحوّلها من الترهيب إلى الترغيب، وهو ما حدث بالضبط مع بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين نشروا مقاطع فيديو عبر حساباتهم المتنوعة للتوعية بمخاطر المخدرات، لكنها صُنفت ترويجية بسبب المحتوى الضعيف وطريقة التناول.

وأكد عدد من المحامين والمستشارين القانونيين أن ترويج نجوم «السوشيال ميديا» للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية واستعراضها لمتابعيهم شجعا أفراداً على التعاطي، لا سيما أن ترويجهم يحتوي على معلومات مغلوطة، فهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم نجوماً لا هَمّ لهم سوى جمع المال والشهرة.

تثقيف

وقال علي مصبح ضاحي، المحامي والمستشار القانوني، إن مشاهير السوشيال ميديا نصبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع، وأنهم الناصح الأمين على كل أمور الحياة، والواقع مخالف تماماً، فليس كل من جمع عدداً من المتابعين وأعلن عن وجبة أو وجبتين من الطعام يكون محل ثقة ويؤخذ منه الغث والسمين، ويجب أن نثقف المجتمع بماهية هؤلاء الأشخاص المتطفلين على المجتمع، وإن كانت فئة منهم تقدم معلومات مفيدة في مجالات متنوعة، تبقى الفئة الأخرى متمادية في تقديم الإعلانات التي هدفها الربح المادي فقط، وقد تكون فعلياً معلومات مزيفة تقود بصاحبها للوقوع في جريمة يعاقب عليها القانون.

وأضاف: «يجب أن نقف في وجه هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أولياء للمجتمع، ومحاسبتهم في حال أعلنوا عن أي منتج أو تقديمهم لإعلان متعلق بالجانب الأمني، فذلك من شأنه أن يمس مجتمعنا وخاصة المخدرات، فالجهة الرسمية والمعتمدة في الدولة هي إدارة مكافحة المخدرات ولها إداراتها الإعلامية المدروسة لمناصحة المجتمع والأفراد لمكافحة المواد المخدرة، وعلى مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي عدم الانجراف أو الانسياق خلف هؤلاء الذين يقدمون محتوى قد يعاقب عليه القانون».

خطورة

وأكدت ريما بن جرش، المحامية والمستشارة القانونية، أن كثيراً من أفراد المجتمع غير مدركين خطورة الترويج للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وهم على فهم ووعي خاطئ بأنها تُعد مصدراً مُلهماً لسعادة متعاطيها، ولا يعلمون بمدى خطورة هذا الترويج الذي أطلقنا عليه «الترويج حَسِن النية» وتأثيره في المجتمع، وهناك من يقوم بهذا الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حاملين في معتقداتهم أنهم يقدمون النصيحة دون علم بمدى صحتها، ومن ضمنهم مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي الذين من المفترض فيهم القدوة والصلاح، إلا أنهم لا يفقهون مدى صحة نصائحهم وانقلابها للترويج دون الشعور بمدى خطورة ذلك على صحة الفرد، وأنها تُعدّ في نظر القانون ترويجاً للمادة المخدرة، فهو أمرٌ حددته نص المادة 36 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في العقوبة الصادرة ضد مروجي المواد المخدرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل تقنية المعلومات بأن يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم ولا تجاوز مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشـرف عليه أو نشر معلومات على الشـبكة المعلوماتية، أو وسيلة تقنية معلومات، للاتجــار أو الترويج للمخدرات أو المؤثرات العقلية وما في حكمها، أو كيفية تعاطيها أو لتسهيل التعامل فيها في غيـر الأحــوال المصــرح بهــا قانونـاً.

أحكام

وقالت: «إن المحكمة الاتحادية العليا في إحدى القضايا المنظورة ، اعتبرت تصوير فيديو يوضح كيفية التعاطي ترويجاً للمواد المخدرة وتعليماً للأطفال كيفية تعاطيها، وهو ما يُمثل خطورة بالغة على أطفالنا إزاء تعليمهم مثل هذه الأمور ومن أُناس غير مختصين بالنصيحة وليسوا أهلاً لها، وإذ كان ذلك من دافع حُسن نيتهم فقد يُعرّضون أنفسهم للعقوبة المذكورة بالقانون ما داموا ليسوا أطباء أو مُخولين من جانب السلطات بنشر مثل تلك المقاطع»، ونصحت أولياء الأمور وكل المواطنين والمقيمين في الدولة بعدم الانصياع وراء كل ما يقدم من مشاهير السوشيال ميديا غير المُختصين بمثل تلك النصائح حفاظاً على سلامتهم وأمنهم.

تأثير

وقالت بخيتة الظاهري، اختصاصية اجتماعية: «يمثل مشاهير التواصل الاجتماعي قدوة لآلاف المتابعين، خصوصاً صغار السن، إذ باتوا يؤدون دوراً مؤثراً في تشكيل عقولهم ووجدانهم، لكن للأسف كثير من هؤلاء المشاهير يشكّلون قدوة سلبية، من خلال ما يظهرون به بصورة غير لائقة، أو من خلال ما ينشرونه من مقاطع فيديو تنافي الذوق العام، وسلوكيات وتصرفات غريبة على مجتمع الإمارات، ومخالفة لتقاليده وأعرافه، وما شهدناه أخيراً من قيام بعضهم بنشر توعية للشباب والمراهقين بخصوص المواد المخدرة بشكل غير مدروس وهم غير متخصصين في مسائل التعاطي ومكافحة المواد المخدرة».

وأضافت: «نحن كمجتمع يجب أن نكون على وعي تام بما يُنشر من قبل أشخاص لا نعلم مستواهم المعرفي والثقافي والتعليمي، همهم الشهرة والحصول على أكبر عدد من المشاهدين، وليس تقديم المعلومة الصحيحة المبنية عن دراسات وأبحاث وتجارب من المختصين».

وأوضحت أن بعض المشاهير لم يضعوا معايير صحيحة للاختيار والتسويق، وأصبح هاجسهم الربح المادي بغض النظر عن الأخلاقيات والأمانة وجودة المنتج، مستغلين ثقة الناس بهم.

ثقة

وأكد منذر المزكي، إعلامي نشط على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه ليس من مصلحة مشاهير السوشيال ميديا مناقشة أمور تعتبر في حد ذاتها آفات تضر بهم وبأفراد مجتمعهم ومؤسسات دولتهم، من خلال الترويج لمنتجات مقلدة أومغشوشة، أو الترويج لأقراص مخدرة، فهذا من شأنه أن يوقعهم تحت طائلة القانون، وليس هذا فحسب، فهناك أيضاً من يروّج لمنتجات لم يتم التوثق من مصداقيتها، أو الترويج لعيادات طبية خارجية رديئة، وأصبحت الإعلانات الطبية والتجميلية والغذائية غير الموثوق بها مصدراً خطراً وتهديداً على الصحة العامة.

دوريات إلكترونية لرصد ترويج المواد المخدرة

أكد حمد الغافري، مدير المركز الوطني للتأهيل، أن الجهات المعنية بالدولة لديها كافة الإمكانيات والقدرة والكفاءة على رصد كافة ممارسات ترويج المواد المخدرة والمؤثرات العقلية عبر مواقع وحسابات التواصل الاجتماعي، والتي تشمل تشكيل دوريات إلكترونية تجوب «فضاء الإنترنت» مستهدفة المواقع والحسابات التي تزداد فيها احتمالات الترويج للمواد المخدرة، داعياً أولياء الأمور إلى متابعة أبنائهم عن قرب والتواصل مع المركز الوطني لاستفسار أو الإجابة عن أسئلتهم المتعلقة بهذا الشأن.

وقال إن خطورة الممارسات المتعلقة بالترويج للمواد المخدرة على الشبكة العنكبوتية وحسابات التواصل الاجتماعي، لا تقتصر على البيع والإيصال عبر طرود بريدية إلى منزل المشتري فقط، وإنما تتعدى ذلك إلى عمليات تصنيعها وتوفير البيئة والمناخ المناسبين، لزراعتها وإنتاجها بكميات كبيرة والوصول في بعض الأحيان إلى الإتجار.

وحول الأسباب التي تدفع المتعاطي إلى التوجه للشبكة العنكبوتية بهدف الحصول على المواد المخدرة، أفاد بأن سهولة تنظيم عملية الترويج والتوزيع والنقل تعد الميزة الرئيسية لدى مستخدمي هذا النوع، فالمدمن يشعر بالأمان والسهولة والسرعة المضاعفة للحصول على المخدرات أكثر من الطرق الأخرى، وهذا وهم وخطأ كبير، حيث يتناسون أن هذا العام الافتراضي، يخضع إلى قوانين وإجراءات متابعة كالعالم الواقعي، تجعل مستخدميه تحت طائلة العقوبات القانونية.

ولفت إلى أن استقاء معلومات حول آفة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية من بعض حسابات نجوم ومشاهير التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» وتحديداً التي تدار من أشخاص عاديين، وليسوا أطباء أو مختصين في العلاج من الإدمان، قد يكون له مفعول عكسي ويتسبب صاحب الحساب، بشكل غير مقصود في تشجيع متابعيه ودفعهم إلى تجربة المواد المخدرة، ما يشكل خطورة على صحتهم.

ونوه الغافري بأن بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي يديرها أشخاص غير متخصصين، يظهرون في مقاطع مصورة «حسنة النية»، وهم يستعرضون مخاطر المواد المخدرة، مشيرين في عروضهم المصورة بأن المتعاطين للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، سيجدون فيها سعادة مؤقتة وزائلة، والأصل أنه لا يوجد سعادة في المخدرات بل تدمير لصحة الفرد، وهذه مفاهيم يجب تصحيحها لدى الناس.

تجاوزات

وأكد المحامي سعود بالحاج أن القضايا المعروضة أمام المحاكم المحلية توضح أن مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت تشهد توسعاً في بعض التجاوزات غير القانونية التي تستهدف المتابعين خاصة جيل المراهقين عن طريق استغلال هوسهم بهذه التكنولوجيا المتسارعة، للتوعية بشكل خاطئ عن مخاطر المواد المخدرة، الأمر الذي يحول الفيديو المصور إلى مقطع للترويج عنها.

وقال: «ليس كل مؤثر أو مشهور في «السوشيال ميديا» يجب علينا كمجتمع أن نأخذ بالمعلومة التي يعرضها على أنها صحيحة خاصة وأن معظمهم غير مختصين في هذا الشأن، إلا في حالة واحدة وهي أن يكون المتحدث متخصصاً في هذا المجال، فإذا كان الموضوع طبياً والمتحدث طبيباً معروفاً ومتخصصاً فهنا يمكن الأخذ بنصائحه والاستفادة من المعلومة التي يقدمها.

مراقبة

وقالت المحامية هدية حماد إن المتعاطين للمخدرات يعتقدون أن الطريقة الإلكترونية للحصول على المخدرات تعد أكثر أماناً لهم من الطرق التقليدية التي تتم بصفة مباشرة على أرض الواقع وتكون عرضة لمراقبة الشرطة، لكن قضايا المحاكم، أثبتت عكس هذا الاعتقاد، إذ إن عملية رصد المروجين أو المشترين تتم بطريقة أسرع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتسهل على الشرطة الإيقاع بهذه الفئة بسهولة تامة.

وأضافت: إن نشر مقاطع فيديو تعمل على التحسين والتحريض على ارتكاب جريمة التعاطي في مقاطع توعية من دون الحصول على ترخيص من الجهات المعنية، يضع مرتكبيه تحت طائلة العقاب وفقاً للمواد 17/‏‏‏1، 35/‏‏‏4، 36، 41، 42 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 5 لسنة 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات وتعديلاته.

قضية

وأيدت المحكمة الاتحادية العليا، حكماً بتخفيض مدة سجن 3 من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي من عامين إلى 4 أشهر، وذلك بعد إدانتهم بالترويج للمواد المخدرة عبر مقطع فيديو يشرح كيفية التعاطي.

وخلال جلسة محاكمتهم اعترف المتهمون بأنهم اتفقوا حول مسألة إيصال رسالة إلى المجتمع عن أضرار تعاطي المخدرات عن طريق إعداد فيديو تثقيفي مكون من ثلاثة مشاهد متقطعة وتم تجهيز الأدوات اللازمة (مسدسان، وولاعة، ورشاشان «لعبة»، وبودرة أطفال، وكاميرا) وتم توزيع الأدوار بينهم، بحيث قام المتهمان الأول والثاني بالتمثيل وتولى الثالث التصوير، مستخدمين جهاز «لاب توب» لإجراء المونتاج والدبلجة.

وتضمن المشهد الأول وجود عصابات تبيع المخدرات ومشاجرة بين فريقين، وكذا ظهور المتهمين الأول والثاني بالغناء وترديد كلمة (كوكا) كناية عن مخدر الكوكايين، ووضع الأول البودرة على يده واستنشقها، فيما تضمن المشهد الثاني ظهور المتهمين يغنيان ويردّدان كلمتي (حشيش و‏‏‏ماريغوانا)، في حين كان الأول يدخن سيجارة.

وقام المتهم الأول بإنشاء قناة عن طريق الموقع الإلكتروني «يوتيوب»، ونشر المشهدين الأول والثاني على الموقع ومدة كل مشهد ثلاث دقائق تقريباً، وأظهرت التحقيقات أنهم لا يحوزون ترخيصاً بالنشر من قبل السلطة المختصة.

ليتم إحالتهم إلى المحاكمة موجهة إليهم جريمة نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية، على برنامج «يوتيوب»، والترويج للمخدرات وكيفية تعاطيها.

وقضت المحكمة الابتدائية، بحبس المتهمين لمدة سنتين عما هو منسوب إليهم ومصادرة الأجهزة والوسائل المستخدمة في ارتكاب الجريمة، وإلزام المحكوم عليهم بأداء الرسم المستحق.

وقضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم الأول والاكتفاء بمعاقبة المتهمين بالحبس 4 أشهر عن التهم المسندة إليهم وتأييد الحكم في ما عدا ذلك، وإلزامهم بسداد الرسوم القضائية، وهو ما ثبتته بعد ذلك المحكمة الاتحادية العليا.

 

Email