خبراء يتوقعون عشرية تتداخل فيها أدوار القوى الإقليمية في المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال خبراء دوليون مشاركون في جلسة «سباق القوة والتأثير في المنطقة خلال العقد القادم» ضمن أعمال الدورة الثانية عشرة من المنتدى الاستراتيجي العربي الذي تستضيفه دبي لاستشراف التوجّهات الدولية في السنوات العشر القادمة، إن المنطقة مقبلة على عشرية تتفاعل فيها أربع قوى إقليمية رئيسية على ساحة الشرق الأوسط هي دول الخليج وتركيا وإيران وروسيا.

واستكشفت الجلسة أدوار القوى الإقليمية الأربع في المنطقة خلال العقد القادم في حوار شاركت فيه الدكتورة إلينا سوبونينا، مستشارة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، وكريم سجادبور، خبير في الشؤون الإيرانية وزميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وحسين باجي، أستاذ ورئيس قسم العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط التقنية ونائب مدير معهد السياسة الخارجية في أنقرة، والدكتور عبد العزيز بن صقر، مؤسّس ورئيس مركز الخليج للأبحاث، وأدارته بيكي أندرسون من قناة «سي إن إن».

روسيا..

براغماتية لا تلغي «المبادئ الأساسية

حول اتجاهات السياسة الروسية في المنطقة خلال العقد القادم، توقعت الدكتورة إلينا سوبونينا أن يكون لروسيا دور أساسي في دعم استقرار دول المنطقة ومجتمعاتها بالتعاون مع مختلف دول العالم المؤثرة، بما في ذلك الصين وأوروبا لما فيه حل المشكلات الدولية والحفاظ على استقرار الدول والمجتمعات. وتوقعت المستشارة في الدراسات الاستراتيجية دوراً إقليمياً رئيسياً لروسيا بالتعاون مع دول العالم، معتبرة أنه ورغم كل التحديات يمكننا العمل معاً لحل المشكلات الإقليمية بدل الانتظار لسنوات حتى التوصل إلى هذه القناعة، مستشهدةً بمثال اقتراح روسيا على الولايات المتحدة تضافر جهودهما لمحاربة الإرهاب في سوريا عند بداية الأزمة السورية.

واعتبرت سوبونينا أن مخاطر العقد القادم من الإرهاب والأزمات الاقتصادية والتصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية قابلة للحل إذا ما توفرت أطر عمل مشتركة بين مختلف الدول الفاعلة.

وقالت إن زيارتها إلى سوريا مؤخراً ولقاءاتها مع المواطنين العاديين أقنعتها أكثر بالحاجة إلى تعاون دولي شامل لحل مشكلات المنطقة والعالم والاستجابة لتطلعات الشعوب والمجتمعات الإنسانية وتوفير المناخ الملائم لاستعادة أسباب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.

ورأت سوبونينا أن حضور روسيا الخارجي ينطلق من مشروع روسي وطني لتعزيز حضورها دولياً. ورغم أن هذا الحضور قائم على «البراغماتية» في الرؤية، إلا أن ذلك لا يلغي بالضرورة الدفاع عن مبادئ أساسية بالنسبة لروسيا، وفي مقدمتها سيادة الدول وصيانة تماسك مؤسساتها، كما فعل التدخل الروسي في سوريا على حد تعبيرها.

وأكدت سوبونينا وجوب عدم احتكار العمل على حل قضايا دولية كالقضية الفلسطينية من قبل دول بعينها، مطالبة بتشكيل تحالفات دولية مع أوروبا والصين مثلاً للمساهمة في حل مشاكل المنطقة والعالم. وأشارت في هذا الصدد إلى مثال العلاقات المضطربة في الستينات في آسيا، والتي تم حلها بتحاور جميع الأطراف وتعاون دول العالم لحل المشكلات فيما بين تلك الدول.

وحول ليبيا، قالت سوبونينا إن تغيير النظام وترك ليبيا للفوضى يعكس مدى عدم مسؤولية بعض الأطراف الدولية في التعامل مع هذه الحالات، مؤكدة أن روسيا تتواصل مع جميع الأطراف الفاعلة على الأرض والأطراف الداعمة لها في الخارج للوصول إلى حلول ترضي الجميع.

وأكدت في ختام كلامها محورية القضية الفلسطينية في العقد القادم، وضرورة تخفيف التوتر في المنطقة، بما فيه سحب فتيل الأزمة مع إيران، وحل الوضع في سوريا في المستقبل القريب.

إيران..

عليها أن تقرر إذا ما كانت أمّة أم قضية

وقدم كريم سجادبور، الخبير في الشؤون الإيرانية، أربعة اتجاهات رئيسية في العقد القادم على مستوى المنطقة والمشهد في إيران، أولها تحول إيران إلى نظام عسكري يحكمه الحرس الثوري بدلاً من النظام الديني الذي يملك فيه رجال الدين الكلمة العليا، وتنامي القومية الفارسية بدل الأنظمة المذهبية التي شجعها النظام منذ الثورة الإيرانية عام 1979.

أما التوجه الثاني فهو تطور هوية العرب الشيعة إلى شكل جديد مستقل، وهو ما تعكسه اليوم تظاهرات العرب الشيعة في كل من العراق ولبنان ضد التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لأوطانهم، وهو ما يتطلب بالمقابل بحسب سجادبور دوراً عربياً لاحتضان هؤلاء.

واعتبر سجادبور أن التوجه الثالث يجب أن يكون التركيز على تعزيز الصحة النفسية للملايين من العرب الذين عانوا من الآثار المدمرة للاضطرابات والصراعات التي شهدتها العديد من المجتمعات العربية في العقد الماضي، داعياً إلى إحلال منظومة إعادة تأهيل شاملة في العالم العربي للتعامل مع حالات الملايين ممن عانوا الآثار النفسية العميقة الناجمة عن النزاعات الطائفية والحروب الأهلية وموجات اللجوء والنزوح المتكررة خلال السنوات العشر الماضية.

أما التوجه الرابع في العقد القادم بحسب سجادبور فهو بروز تحول بنيوي في آليات وتجليات الدور الأمريكي حول العالم، وتحوله إلى شكل جديد من الحضور الجيوسياسي غير المقترن بالضرورة بالتواجد العسكري على الأرض.

وأكد سجادبور أهمية عدم تحويل إيران إلى كوريا شمالية جديدة، مؤكداً ضرورة ظهور قيادات إيرانية أكثر براغماتية، معتبراً أن النموذج الأنسب للتعامل مع النظام الإيراني في العقد القادم، يجب أن يشابه طريقة تعامل الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان مع الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي، داعياً لممارسة ما سماه «سياسة الصبر الاستراتيجي» مع النظام الإيراني في المدى المنظور.

وختم سجادبور بالتذكير بمقولة وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر الذي قال إن على إيران أن تقرر إذا ما كانت أمّة أم قضية، لافتاً إلى أن الإجابة عن هذا السؤال ستسهم بشكل كبير في تحديد مستقبلها في العقد القادم.

تركيا..

عليها التخلي عن «الطموحات العثمانية الجديدة»

وعن الدور التركي في المنطقة، توقّع حسين باجي، الأستاذ ورئيس قسم العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط التقنية ونائب مدير معهد السياسة الخارجية في أنقرة، مواصلة تركيا لعب دور محوري في المنطقة مستقبلاً، انطلاقاً من كونها لاعباً دولياً وإقليمياً.

وأكد أن تركيا اختارت طريقاً خاطئاً بدعمها أطرافاً على حساب أطراف أخرى في عدد من الدول العربية التي شهدت تأثيرات ما عرف بالربيع العربي، معتبراً أن تلك التدخلات أفشلت ما كان يسمى بالنموذج التركي، وذلك كنتيجة مباشرة لتدخلاتها غير الناجحة في أحداث الربيع العربي.

وحول توقعات المشهد التركي الداخلي في العقد القادم، قال باجي إن السياسة التركية الداخلية تشهد تغيرات هامة ستنعكس على سياستها الخارجية، وقد تنعكس على حضور الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان في المشهد السياسي بعد انتهاء ولايته الرئاسية الحالية عام 2024.

واعتبر باجي أن تركيا ستلعب دورها إلى جانب دول الإقليم في العقد القادم، لكنها مضطرة أيضاً للتعامل مع أزمة ملايين اللاجئين لديها، مؤكداً في الوقت نفسه أن سخونة الحدود الشرقية والجنوبية لتركيا تملي عليها التحرك بدل الوقوف مكتوفة الأيدي، مؤكداً أن قضية الهجرة التي ليست مشكلة تركية بل مشكلة أوروبية ودولية أيضاً، لافتاً إلى أن وجود أربعة ملايين لاجئ في تركيا هو ما يحفز تدخلها في شمال سوريا.

وشدد باجي على أهمية التقاء تركيا مع الدول العربية لمناقشة المسائل العالقة وإعادة العلاقات الإقليمية إلى مجراها الطبيعي بعد حالات خيبة الأمل بين تركيا والدول العربية.

وختم باجي بأن الشرق الأوسط سيبقى منطقة حيوية للسياسة التركية، لكن عليها في العقد القادم التخلي عن «الطموحات العثمانية الجديدة»، لتقدم نموذجها بإمكانية التعاون مع جيرانها.

الخليج ..

منطقة حيوية ترفض التدخّلات

وعن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج، توقّع الدكتور عبد العزيز بن صقر أن تسهم رؤية المملكة العربية السعودية 2030 على المديين القصير والبعيد في ترسيخ موقعها وتعزيز الأهمية الاستراتيجية للمنطقة على الساحة الدولية من خلال تنويع الاقتصاد وتمكين الطاقات البشرية الشابة فيها.

واستعرض الدكتور بن صقر الآليات المتاحة أمام دول منطقة الخليج للتعامل مع الأحداث الإقليمية والدولية بموازاة أجندات القوى الإقليمية الأخرى.

وقال بن صقر إن هناك فهماً مغلوطاً يعيق بناء الثقة بين كل من السعودية وإيران، خاصة مع اقتناع النظام الإيراني الحالي بأن المملكة تعمل ضده، في حين أن المملكة ترفض تدخلات هذا النظام في شؤون المنطقة العربية، لافتاً إلى أن الهجوم على أرامكو أوضح أهمية تعزيز القدرات الدفاعية للمنطقة.

واعتبر بن صقر أن المملكة وجيرانها اليوم هم في حالة دفاع عن النفس ضد التدخلات الإقليمية في دول مثل اليمن، حيث جرى الانقلاب على حكومة شرعية بقوة السلاح وبدعم خارجي واضح، مؤكداً أن التحالف العربي يسهم في تعزيز استقرار اليمن واستقرار المنطقة. ورفض بن صقر التدخلات غير العربية في الشأن العربي، سواء من إسرائيل أو إيران أو تركيا، معتبراً أن استخدام الأيديولوجيا من قبل القيادة التركية للتدخل في المنطقة اتجاه خاطئ تماماً كما هو توجه إيران في هذا المجال.

ولفت إلى أن المبادرة الإيرانية لأمن الخليج التي أعلنها الرئيس الإيراني روحاني من على منبر الأمم المتحدة تنص على بندين أساسيين هما عدم الاعتداء وعدم التدخل، وهو تماماً ما يشكو منه جيران إيران منذ عقود. وختم بن صقر بأهمية التركيز في العقد القادم على تعزيز التنمية الاقتصادية النابعة من تنويع الاقتصاد وتعزيز مصادر الدخل، بالتزامن مع رفض التدخلات الخارجية في المنطقة العربية من مختلف الأطراف.

روسيا وأمريكا

قال الدكتور عبد العزيز بن صقر إن علاقات العرب الاقتصادية مع روسيا ما زالت مقتصرة إلى حد كبير على القطاع الدفاعي وتصدير السلاح الروسي لعدد من الدول العربية، لافتاً إلى أن روسيا تدعم تدخلاً تركياً على الحدود الشمالية لبلد عربي هو سوريا، وهو ما لا يمكن دعمه من قبل الجانب العربي، لأنه يشابه الدعم الإيراني للحوثيين حتى يتواجدوا على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية. وحول الحضور الأمريكي في المنطقة، قال إن الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت الداعم الأكبر لتوفير ضمانات أمنية فعلية وحقيقية في المنطقة، كما فعلت إبان تدخلها لقيادة جهود تحرير الكويت عام 1990.

Email