أبـرزها تحوّل مـركز الثِقَـل الاقتصادي وتراجع الدور الأمريكي حسـب التقريـر الـذي أصدره المنتدى الاستراتيجي العربي

«العـالـم فـي 2030» يستشرف تداعيـات أبرز 8 أحداث متوقعة العقد المقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

توقع تقرير «العالم في 2030: اتجاهات وتحولات وفرص وتحديات» الصادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي حدوث تحول طويل الأجل في مركز الثقل الاقتصادي عالمياً، مع بروز قوى اقتصادية جديدة وانحسار النفوذ الاقتصادي للقوى التقليدية، كما رجح التقرير تقويض مؤسسات النظام الدولي القائمة وبروز مبادرة لصياغة نظام دولي جديد، متوقعاً اندلاع الثورة التكنولوجية الحيوية - الرقمية الأولى وتأثيرها على حصص الدول في اقتصاد العالم.

وأصدر المنتدى الاستراتيجي العربي التقرير بالتعاون مع «FutureWorld Foundation»، بالتزامن مع انعقاد الدورة الـ12 للمنتدى الاستراتيجي العربي لاستشراف تداعيات أبرز 8 تحولات متوقعة خلال العقد المقبل، ويشرح آثارها على مستوى العالم والمنطقة في غضون السنوات العشر المقبلة.

 

 

ويعد ظهور تحوّل طويل الأجل لمركز الثِقَل الاقتصادي عالمياً، هو الاتجاه الأبرز وفقاً للتقرير. ويُقصد بذلك النمو الاقتصادي السريع والمستدام للصين منذ عام 1979 وعلى شاكلته اقتصاد الهند منذ عام 2000 واقتصادات بلدان جنوب شرق آسيا بين عامي 1980-1998، والذي أدى إلى بدء التحوّل في مركز الثِقَل الجغرافي - الاقتصادي العالمي.

ويعد اقتصاد جمهورية الصين الشعبية أكبر اقتصاد في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية، وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية، من المرجّح أن يتجاوز اقتصادها اقتصاد الولايات المتحدة على أساس أسعار الصرف الحقيقية في غضون عشر سنوات. وبحلول عام 2050، وحسب تقديرات المؤسسة الاستشارية العالمية «برايس ووترهاوس كوبرز» (PWC)، قد تشكّل الصين وحدها 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين ستشكل الهند 15% منه، والولايات المتحدة 12%، والاتحاد الأوروبي - في حال ظل متماسكاً - 9%.

وبعد مرور ست سنوات على نهاية الأزمة الاقتصادية العالمية في 2014، يشهد اقتصاد العالم نمواً بنسبة 3% في عام 2019، وهو أدنى مستوى له منذ اندلاع الأزمة. وعلى الرغم من الانتعاش الواضح لأسواق رأس المال، نجد أن المديونية الحكومية والمؤسسية المفرطة، مقرونة بأسعار الفائدة المتدنية والسلبية، وتباطؤ أنشطة الصناعة التحويلية والتجارة العالمية، وارتفاع الرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين في السياسات، وتباطؤ وتيرة الاستثمار، تكشف جميعاً عن مكامن ضعف على امتداد منظومة العالم الاقتصادية، ما ينذر بفترات ركود أو كساد عالمي يعطل اقتصاد العالم في غضون أعوام قليلة.

ويرى التقرير أن مؤشرات التحول تلك ستؤدي إلى تقلُّص الأهمية النسبية لمجموعة الدول الصناعية السبع G7 بصفتها هيئة مسؤولة عن وضع معايير الاقتصاد العالمي. كما ستؤدي إلى ضعف المكانة المركزية للدولار الأمريكي بصفته عملة احتياطية دولية، وقد يقود ذلك إلى اعتماد سلّة عملات احتياطية تضم الدولار الأمريكي واليورو والين واليوان والجنيه الإسترليني، وبالفعل تُشكل هذه العملات في الوقت الراهن سلّة عملات «حقوق السحب الخاصة» (SDR) في صندوق النقد الدولي.

وستؤثر التوترات الحاصلة بين الصين والولايات المتحدة، في مضمار التجارة والتقنية، مباشرةً على نمو اقتصاد الصين بشكل أكبر من الولايات المتحدة، فالصادرات تُشكّل قرابة 20% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، مقارنةً بنسبة 12% لا أكثر من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

وعلى الصعيد الإقليمي، يتوقع التقرير أن تُحدث مشاريع مبادرة «الحزام والطريق» الصينية تغييرات واسعة في الساحة الإقليمية الأوسع نطاقاً وستنخرط بكين وواشنطن فيما يشبه عطاءات تنافسية في المعايير التجارية والتقنية، وقد تُخيَّر الدول الإقليمية بين هذا وذاك، كما ستواجه الاقتصادات المثقلة بالديون في المنطقة، وهي اقتصادات لبنان والأردن ومصر والعراق، ضغوطاً كبيرة في حال حدوث كساد اقتصادي عالمي.

تراجع دور الولايات المتحدة

وتحدّث التقرير عن تراجع الحضور الأمريكي على الساحة الدولية. وقال إننا خلال العقد المقبل، سنشاهد الولايات المتحدة وقد نَأَت بنفسها عن أن تتحمل المزيد من الالتزامات الأمنية العالمية الجديدة، بل سَتَعمَد إلى احتواء التزاماتها الراهنة أو ربما الحد منها. وستحدد «استراتيجية الأمن القومي» للولايات المتحدة أهم المصالح الأمريكية ضمن نطاق ضيق، وستحد من المشاركة العسكرية الأمريكية وتكتفي بمحاربة التهديدات الجوهرية، وستسعى الولايات المتحدة للتصدي لمعظم المشكلات من خلال الشراكات، وتسخير قدراتها الإلكترونية وأسلحتها ذاتية التشغيل، دون الانخراط في عمليات قتالية فتاكة بمشاركة القوات الأمريكية التقليدية.

وتوقع التقرير أن انكماش دور الولايات المتحدة سيتيح لروسيا فرصة توطيد سيطرتها على «بلدان الجوار القريب»، وهي اثنتا عشرة دولة ذات سيادة، بخلاف جمهوريات البلطيق، انبثقت عن انهيار الاتحاد السوفييتي بعد عام 1991، مع تجنُّب الجانب الروسي للمواجهة مع الناتو.

ووفقاً للتقرير، ستواصل روسيا بناء منتجاتها العسكرية وتعزيز قدراتها في مضمار القيادة والسيطرة والاتصالات والحواسيب والاستخبارات، وستنشر قدرات الحرب الهجينة في جوارها وخارجها سعياً منها لتحقيق مصالحها، وستتواصل سياسات بوتين بعد تنحيه عن منصبه في عام 2024، بعدما يحل محله على الأغلب الجنرال سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي الحالي.

وستعزز الصين قدراتها العسكرية وستوطد مكانتها البحرية في منطقة المحيط الهادئ، خاصة في بحر الصين الجنوبي، بينما تسعى إلى تجنُّب أي مواجهة مع الدول الآسيوية الأخرى.

وأفاد التقرير بأن التزام الولايات المتحدة بسياسة النأي بالنفس سيشجع روسيا على إظهار نفوذها، مدعومةً بمبيعات الأسلحة وإظهار محدود لقوتها بمنطقة بلاد الشام، ومحافظةً على علاقاتٍ جيّدة مع إيران، وموثّقةً في الوقت نفسه صِلاتها بـدول الخليج، وبما أن أوضاعها الاقتصادية الداخلية لن تسمح لها بالإبقاء على قوات ضخمة في المنطقة، أو القيام بعمليات عسكرية مكثفة، ستشجّع روسيا على إجراء حوارات أمنية إقليمية بهدف إبرام اتفاقات من شأنها تعزيز نفوذها والحدّ من خطر المواجهة.

وستتجنَّب الصين المشاركة العسكرية، وستدعم جهود موسكو كوسيط في إبرام اتفاقات إقليمية، وسينصب تركيزها على مشاريع البنية التحتية المنفّذة في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، وعلى تعزيز روابطها الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة.

وستعزز الدول العربية، وخاصةً دول الخليج، قدراتها الأمنية الداخلية، وستستكشف آفاق تخفيف التوترات مع إيران من خلال الاتفاق على ترتيبات أمنية إقليمية.

تقويض النظام الدولي

ويقول التقرير إن النظام الدولي القائم ومؤسساته الأساسية، المتمثلة في الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ستتعَّرض للضغوط طوال العقد المقبل. وعلى الرغم من الحاجة إلى تدابير جماعية متعددة الأطراف للتصدي للتهديدات المشتركة المحيقة بالجميع، ابتداءً من تغير المناخ، ومروراً بالجرائم والإرهاب، وانتهاءً بالكساد الاقتصادي العالمي المتوقع، إلا أننا نجد الأحادية في تصاعُد، مثلما نجد أنّ العالم متعدد الأقطاب يزداد استقطاباً. وأما القضايا المحالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فيتم التوصل إلى حلول لقلّة قليلة منها، وفي حال لم تحقق القرارات الصادرة عن المجلس الحد الأدنى للقواسم المشتركة، يمارس الأعضاء الخمسة الدائمون حق النقض (الفيتو).

لذا توقع التقرير أن يشهد العالم ضعف سلطة منظمة التجارة العالمية وتعطل التجارة وسلاسل القيمة العالمية للصناعات التحويلية، وهذه التوترات تجعل مبادرة حوار «UN@75 and Beyond» ذات أهمية حاسمة، فهي تتيح للدول الصغرى والجهات الفاعلة من غير الحكومات، فرصة ممارسة تأثير بنّاء في إعادة تشكيل النظام الدولي.

وستُفضي الحوارات والمناقشات التي تتيحها المبادرة إلى حدوث تغييرات مؤسسية من شأنها تحقيق تحوُّل ملموس في أركان الهيكلية العالمية ونظم التفاعل فيما بين الدول والجهات الفاعلة المألوفة من غير الحكومات. ولن يكون التغيير تدريجياً ولكن سيحدث تحولاً واضحاً بحيث ستكون الحكومات معنيّة بأن تكفل تمثيل أصواتها وآرائها بشكل كافٍ خلال المناقشات بما يضمن لها الاضطلاع بأدوار مسؤولة وفعّالة في صَوْغ معالم النظام الدولي الجديد.

وستنخرط الدول المسؤولة بمنطقة الخليج بشكل نشط مع جيرانها والقوى الكبرى ذات المصالح الإقليمية بغيّة تسوية النزاعات وإيجاد هيكلية أمنية واقتصادية إقليمية مرنة تحترم الحدود الوطنية وتحفز التعاون الاقتصادي بين بلدان المنطقة. وستعمل دولة الإمارات جنباً إلى جنب مع أبرز الدول الإقليمية والأمم المتحدة للإسهام في صَوْغ النظام الدولي الناشئ الملائم للعقود المقبلة.

التوترات الأمنية الإقليمية

وتظل شرعية النظام العالمي المستند إلى قواعد موضع نزاع، وليس من دولة لديها القدرة أو الإرادة لفرض نظام معين بالقوة. وتم إرساء دعائم الهيكلية الأمنية العالمية بعد الحرب العالمية الثانية لاحتواء الاتحاد السوفييتي، واتضحت الثغرات مع مرور الوقت، في المناطق التالية: بين البحر الأبيض المتوسط وآسيا الوسطى، وفي «بلدان الجوار القريب» من روسيا، وفي المنطقة البحرية المحيطة بالصين. ومن دون الوصول إلى اتفاق بشأن الترتيبات الأمنية الإقليمية في هذه المناطق، مدعومة بفرص حقيقية لتعميق التعاون اقتصادياً، سيتواصل تحوّل التوترات إلى صراعات. وستسود حالة عدم اليقين إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد النظام الجديد.

وعلى مستوى العالم، ستتفاقم التوترات العالمية بفعل استمرار حالة عدم اليقين بشأن نوايا وأفعال القوى الكبرى في كل منطقة من العالم، وستؤدي التوترات الجيوسياسية المحلية، المتفاقمة بفعل الانتماءات الطائفية، إلى نشر قوات بالوكالة ووحدات عسكرية وطنية في منطقة بلاد الشام، مما سيؤثر على مبادرة «الحزام والطريق». وستتواصل الحرب الهجينة بما في ذلك العمليات السيبرانية، والعقوبات الاقتصادية، وحشد القوات من جانب روسيا والناتو عند الحدود الروسية مع أوكرانيا. بينما ستظل التوترات بين الصين واليابان والولايات المتحدة دون المرحلة الحرجة في منطقة المحيط الهادئ، ولكن يظل الاحتمال قائماً بوقوع حادثة بحرية بين السفن الحربية والأمريكية والصينية.

وإقليمياً، عززت «فيلق القدس»، وهي الهيئة الخاصة في الحرس الثوري الإيراني التي تضطلع بمسؤولية تنفيذ العمليات العسكرية والاستخباراتية خارج الأراضي الإيراني، موقعها بالنسبة للحكومة المدنية في طهران التي فقدت هيبتها بسبب العقوبات الأمريكية، وستواصل الهيئة العمل على زعزعة استقرار الدول في المنطقة وشنّ المزيد من الهجمات السيبرانية. وفي هذه الأثناء، سيواجه اقتصاد إيران ضغوطاً شديدة بسبب العقوبات الأمريكية، إلا أن التقرير يرى أنها ستتمسك بمواقفها لأطول مدة ممكنة لأنها تنظر إلى المنافسة الاستراتيجية من منظور بعيد الأمد.

ويفيد التقرير بأن إبرام اتفاق حول الترتيبات الأمنية الإقليمية بين بلدان الخليج كافة من شأنه أن يحُول دون تصعيد الصراع والتكاليف المترتبة عليه مع إمكانية بحث آفاق لحلول استراتيجية مشتركة.

الثورة الحيوية - الرقمية الأولى

وعلى الصعيد الاقتصادي، أحدثت الروبوتات تحولات فارقة، ومثلها أيضاً الطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات الكهربائية من دون سائق، ومصادر الطاقة الجديدة، والمواد المركَّبة. وتستغل الشركات المرنة الفرص السانحة أمامها للارتقاء بالأداء إلى الحد الأمثل وتسخير التقنية المتوفرة. ويؤدي تسارُع الكفاءة الحاسوبية والخوارزميات إلى تخلخل المجتمعات بسبب التحولات المتلاحقة في الطلب على العمالة.

وتطرح التحولات التكنولوجية الكبرى احتمال استبدال البشر في جميع الأعمال الروتينية كمجالات دراسة الأسواق والمحاسبة وتدقيق الحسابات، والاستطلاعات القانونية والبحث في السابقات القانونية، والعديد من مجالات الطب.

وبالإضافة إلى التخلخل الناجم عن التقنية الرقمية، ثمة تطورات ثورية في التقنية الحيوية والتقنية النانوية والتقنية العصبية، وإذا ما تقاطعت تلك التقنيات فإن ذلك بمثابة اختبار لآفاق ما وراء الإنسانية.

ويتوقع التقرير أن تتنافس الصين والولايات المتحدة على امتداد الساحة التقنية برّمتها، ما يفرض تحدياتٍ أمام حوكمة بروتوكولات الإنترنت، ومعايير منصات الاتصالات المتنقلة - منصات الجيل الخامس 5G، وربما منصات الجيل السادس6G، والأسلحة ذاتية التشغيل، والهندسة الحيوية.

وستوطد بلدان أخرى متقدمة تقنياً، كاليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والهند، أوجه تفوقها بمقاييس مختلفة. وستتبنى المجتمعات وجهات نظر ثقافية مختلفة بشأن اعتماد وتطوير تكنولوجيات معينة، خاصةً تلك الواقعة عند نقطة التقاء التقنية الحيوية والتقنية النانوية والتقنية العصبية، ما يتسبب بمنازعات أخلاقية وقانونية وتنظيمية.

وعلى المستوى الإقليمي، تملك الإمارات والسعودية وقطر وإيران ومصر القدرات التقنية والموارد المالية اللازمة للمشاركة التنافسية في جوانب من هذه الثورة العلمية والتقنية، وليس ثمة بلد آخر في المنطقة العربية لديه قدرات مماثلة. اضطرابات اجتماعية واسعة

وفي مرحلة تتزايد فيها الشكوك، وتتشتت فيها القوى، وتمنَح فيها الثورة التقنية الأفضلية لأولئك القادرين على تسخيرها واستغلالها وإن كان على حساب من هم أقل حظاً منهم، ستتفاقم حالة عدم المساواة في الدخل والثروة، وستكون المجتمعات كافة بحاجة إلى مرونة مؤسسية استثنائية ومستويات فائقة من تماسك المجتمع لإدارة الاضطرابات التي ستقع جرّاء ما سبق، ومثل هذا الاتجاه لا مفر منه على مدار العقد.

ويتنبأ التقرير باندلاع الاحتجاجات وأعمال الشغب في جميع أنحاء العالم، وفي حين تتفاوت الظروف الفردية، إلا أن الشعور بالحرمان غير العادل، أو وجود شريحة محرومة نسبياً، أمر شائع عند الجميع. ويعزى ذلك، في الغالب، إلى سياسات حكومية أدت إلى منح امتيازات لعدد محدود على حساب الكثيرين. وقد ظهرت بالفعل قوى اجتماعية مختلفة لحشدِ غضب المواطنين، يسعى بعضها إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، فيما يضم بعضها الآخر متطرفين يسعون إلى تدمير المؤسسات القائمة.

وستؤدي الثورة التكنولوجية التي بدأت بالفعل إلى تفاقم هذه التوترات، حيث باتت المهامّ الروتينية لبعض الطبقات العاملة تؤول إلى الروبوتات والخوارزميات والذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى استبدال العمال ذوي المهارات الضعيفة، وسيكون الأمر أكثر حدّة في الاقتصادات النامية متوسطة الدخل ذات القطاعات التصنيعية الكبيرة نسبياً، فمثل هذه الاقتصادات لن تتمكن من إعادة توزيع العمال الفائضين إلى قطاعات أخرى.

وتتضمن التبعات الإقليمية الخاصة بهذا الاتجاه انتشار عدم المساواة في الدخل والثروة والفرص على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة، ووجود قلّة قليلة من الحكومات التي لديها الدراية الكافية لتنفيذ تحوّل في أنظمة التعليم الوطنية بما يكفل تزويد مواطنيها بالمهارات اللازمة لتحقيق التقدم والازدهار في العقد المقبل.

وستتزايد أعداد الشباب الذين ينقطعون عن التعليم بحثاً عن عمل أو فرص اقتصادية أخرى وسيصابون بالإحباط عند فشل جهودهم، مما سيؤدي إلى خروجهم بإحباطهم إلى الشوارع، وستنتشر الاضطرابات الاجتماعية، وسيشكل ذلك تحديات حادة في بلدان مثل الجزائر والعراق.

ضعف الحكومات

وأدت التحولات الجيو- اقتصادية والتوترات الجيوسياسية المتتالية منذ أمد بعيد إلى تقويض سيادة الدولة وسلطتها، ما قلل من ثقة المواطنين في حكوماتهم. والمساءلة أمام المواطنين والأطراف المعنية، أضعفتها العولمة والاعتماد على آليات السوق الحر بغية تعزيز الرفاه.

وفي عالم معقد ومترابط الأطراف، تبدو الحكومات غير متأكدة من السياسات الكفيلة بتحقيق أهدافها. وبعد أن اعتاد العديد من الشباب على حشد مصادر متعددة للمعلومات وللحلول وللتمويل، بالاستعانة بمنصات رقمية، باتوا يضيقون ذرعاً من تباطؤ عملية اتخاذ القرارات السياسية. وحملات الشبكات الاجتماعية القائمة على احتجاجات جماعية في الشوارع آخذة في تغيير معالم السياسة، ونجد الحكومات والطبقة السياسية تقاوم مثل هذه التغيرات، بينما تتزايد أعداد المحتجين في الشوارع. وسيتواصل هذا الاتجاه طوال العقد المقبل.

وأفاد التقرير بأن تبعات ضعف الحكومات ستظهر نتائجها على العلاقات بين الطبقات الحاكمة والسكان خلال العقد المقبل، بحيث ستصبح أقل هرمية لأن الثقة في القيادات السياسية وقبول السلطة لم يعودا تحصيل حاصل، بل لا بد من اكتسابهما. وسيزيد التحول نحو الأحادية من ذلك، فقد باتت الحكومات تتبنى سرداً بسيطاً، من قبيل «أمريكا أولاً» و«بريكست»، في إطار دفاعها عن امتيازاتها وسعيها لتلبية احتياجات مواطنيها، ولكن في عالم مترابط الأطراف بدرجة عالية، لا يمكن للسياسات أحادية الجانب أن تحقق نتائج إيجابية ثابتة.

ومع اتضاح عجز الحكومات الضعيفة في المنطقة عن تلبية احتياجات مواطنيها، ستصبح الثورات والاضطرابات الشعبية أكثر تواتراً، وهذا يفتح الباب أمام قوى طائفية دون وطنية وعابرة للحدود تغتنم فرصة ضعف الحكومة لتقوم بتلبية الاحتياجات الاجتماعية، وإشعال فتيل الثورة من خلال تقديم سرديات بديلة. سوريا والعراق ولبنان عُرضة لذلك أكثر من غيرها لأن الانتماءات الأخرى كالطائفية وغيرها قد تطغى يوماً على الاعتبارات الوطنية.

 

خبرة

ستقود الحكومات الأكثر قوة وقدرة، لا سيما دول الخليج ذات الخبرة الطويلة في المجتمعات متعددة الجنسيات، تقدماً اجتماعياً على امتداد مسارات تحولات اقتصادية وسياسية متوائمة ومحددة تحديداً واضحاً، ما يمكّنها من بناء الثقة وتعزيز التضامن، وسيتطلب ذلك إيلاء اهتمام وثيق للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الناشئة والتكيّف البناء بالسرعة اللازمة.

 

شعبوية

تُضعف التبادلات الاستقطابية بين الأحزاب السياسية ثقة المواطنين بقدرة السياسيين على مواجهة التحديات المتزايدة. ويتزايد الخطاب السياسي ذا الطبيعة الشعبوية والقومية والطائفية، ويبدو ذلك واضحاً للعيان في بلدان في جميع قارات العالم، وسيفرض ذلك تحديات متزايدة إلى حين تطوير أشكال حكم جديدة تسمح تحقق نتائج أكثر فعالية.

 

 

توقع ارتفاع النمو السكاني وتخوف من تغيّر المناخ

ومِن المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم، إلى 8.5 مليارات نسمة في عام 2030، منهم 5.1 مليارات نسمة في البيئات الحضرية، ومع ارتفاع الدخل المتاح للإنفاق بينهم سيزيد استهلاكهم، ما سيسرّع عجلة الإنتاج ويرفع كمية النفايات الناجمة.

وحالة الشدّ القائمة بين تزايد تعداد سكان العالم في المناطق الحضرية وتراجع كميات المياه الجوفية والحياة البحرية والتنوع البيولوجي والأجواء الصحية، ليست بالمستدامة. فتغيُّر المناخ يخلق من الآثار السلبية ما يهدد بقاء الإنسان. وسنجد أنفسنا تحت وطأة ضغوط لتقليص استخدام الوقود الأحفوري لأغراض الطاقة، وتغيير السلوكيات من أجل فصل انبعاثات غازات الدفيئة عن مسار التنمية، والثني عن الإنتاج المفرط والتراكم والاستهلاك والنفايات. ومن دون وجود حوافز اجتماعية لتغيير السلوكيات، وتطوير مسارات لنقل الطاقة تمكن من إزالة الكربون العميق، ستتعطل بشكل كبير جوانب عدّة من حياتنا بحلول عام 2030.

وحذّر التقرير من أن المخاطر المترتبة على تغيُّر المناخ والمؤثرة في النمو وسبل العيش والصحة وأمن الغذاء وإمدادات المياه ستزداد على نحو حاد مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات عام 2010، بل وستتسارع بشكل هائل مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين.

وللحد من الاحتباس عند 1.5 درجة مئوية، نحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 وإزالة 1000 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بحلول عام 2100، وشيء بهذا الحجم لم ينفَّذ من قبل، لذا الأمر بحاجة إلى ابتكارات استثنائية والتزام صارم. كما يحتاج العالم إلى إزالة الكربون العميق من إمدادات الطاقة الحالية والتحوُّل بسرعة إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة والاستثمار اللازم لتحقيق ذلك يقارب تريليون دولار سنوياً حتى عام 2050.

وستنتقل دول الخليج تدريجياً نحو إزالة الكربون من مصادر الطاقة، بما في ذلك حلول التنقُّل والبيئة المبنية، وتوسيع نطاق استخدام الطاقة المتجددة.

وتمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقل من 2 في المئة من المياه المتجددة في العالم وتضم بعض أسوأ البلدان مرتبةً من حيث شُحّ المياه. وسيعزز تغير المناخ التنافس على الموارد الشحيحة وسيفاقِم الفقر وسيزيد الهجرة القسرية خاصة في منطقة بلاد الشام. وسيتقلص توافر المياه في معظم أنحاء المنطقة، وسيزداد الاعتماد على محطات تحلية المياه.

ويوصي التقرير بإعداد المزيد من سياسات وخطط وتشريعات إدارة مخاطر الكوارث بما يمكّن من مواجهة الصدمات وتمكين التأقلم الفعّال، ولا بد من إدماج وحدات إدارة مخاطر الكوارث في الحكومات لتعزيز التنسيق القائم على تقييمات المخاطر وقدرات الإنذار المبكر وأنظمة إدارة المخاطر ومراكز البيانات الفعالة.

Email