كبير الباحثين في معهد الاستشراق الروسي:

الإمارات تمتلك تجربة سياسية وتنموية رائدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد المحلل السياسي الروسي قسطنطين ترويفتسيف، الخبير في الشؤون الدولية، وكبير الباحثين في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن دولة الإمارات تمتلك تجربة تنموية وسياسية رائدة ومتطورة في الانتقال السياسي والاقتصادي التدريجي، إذ تعد من أفضل التجارب في العالم العربي.

وقال قسطنطين، خلال لقائه مع وسائل الإعلام الإماراتية بمقر المعهد في موسكو قبل أيام من الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الدولة 15 أكتوبر الجاري، إن الباحثين في المعهد يتابعون عن كثب ما يحدث في الإمارات داخلياً وخارجياً، ويؤكدون نجاح تلك التجربة الاستثنائية.

تطور تكنولوجي

وأوضح قسطنطين أن سياسة الإمارات الخارجية تتفق مع روسيا في العديد من النقاط، ولدينا انطباع بأن ما يحدث في سياسة الإمارات الداخلية والخارجية يلاقي ارتياحاً كبيراً في روسيا بشكل عام، وهو ما يتضح جلياً من مواقف الخارجية الروسية.

وقال إن الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي بدأت دخول اقتصاد القرن الواحد والعشرين في ظل التطور التكنولوجي المختلف نوعياً عن باقي البدان الأخرى، فهناك تطور تكنولوجي في العديد من الدول العربية الأخرى، لكن في الإمارات نجد تكاملاً من ناحية التطوير التكنولوجي.

وذكر قسطنطين أن الزيارة التاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإمارات جرى التخطيط لها منذ عدة أشهر، ومن المقرر أن تتناول العديد من الملفات والقضايا في كل المجالات، بما فيها الاقتصادية والتجارية والسياسية، خصوصاً القضايا التي تخص منطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي في ظل الأحداث الأخيرة، ومنها استهداف منشأتي نفط تابعتين لشركة «أرامكو» في محافظة بقيق بالمنطقة الشرقية في السعودية منتصف الشهر الماضي.

وأوضح أن توقيت الزيارة يأتي في ظل التطورات المتصاعدة في المنطقة، حيث سيكون على رأس أجندة المباحثات بين زعماء البلدين القضايا في اليمن وسوريا، وبحث سبل تخفيف التوتر في المنطقة وإيجاد الحلول لإنهاء الأزمات القائمة.

تهنئة

وهنّأ كبير الباحثين في معهد الاستشراق الروسي دولة الإمارات على الإنجاز الذي تحقق بنجاح مهمة هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية، مشيداً بالجهود التي تبذلها دولة الإمارات في كل المجالات وعلى كل الأصعدة بما يعزز التطور السريع الذي تشهده الدولة من الناحية التكنولوجية والعلمية.

وأكد أن الإمارات تتبوأ مكانة رائدة بين كل بلدان المنطقة من الناحية التكنولوجية والتعليمية والثقافية، مضيفاً: «كل زائر يذهب إلى الإمارات يعرف جيداً هذه المكانة ويرى بعينه التطور التكنولوجي والتعليمي المتسارع».

مصالح متشابكة

وفيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في المنطقة، قال كبير الباحثين في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إن بلاده تولي أهمية بالغة في سياستها الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط، التي زادت أهميتها بالنسبة للسياسة الروسية، مشيراً إلى أن موقف روسيا السياسي في المنطقة معقد جداً خصوصاً في ظل وجود مصالح متشابكة مع مختلف القوى المحلية والإقليمية والعالمية، إذ تحاول روسيا في هذا الوضع أن تكون محايدة.

وأكد قسطنطين أن روسيا كانت لا ترغب في وقوع أي عمليات عسكرية من جانب تركيا في شمال العراق، لكن الأتراك بدأوا بالفعل هجمتهم، موضحاً أن هناك مصالح روسية تركية مشتركة، وأيضاً مصالح روسية سورية مشتركة، والسياسية الروسية لا تريد إفساد هذه العلاقات.

وأوضح أن بلاده بذلت جهوداً كبيرة لعدم وقوع اصطدام بين سوريا وتركيا، موضحاً أن ما يحدث الآن قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة في المنطقة، مؤكداً أن المطلوب من روسيا الآن هو بذل مزيد من الجهود لعدم توسع الحرب.

وحول الأزمة اليمنية، قال إن روسيا تريد مساعدة الشعب اليمني لوقف وإنهاء الحرب والعودة إلى البناء من جديد، مؤكداً أن بلاده لا تدعم الانفصال في اليمن بين الشمال والجنوب، وترى أن الأمر يرجع بشكل أساسي للشعب اليمني الذي سيقرر مصيره بيده.

تعاون مثمر

وأوضح قسطنطين أن هناك تعاوناً مثمراً بين معهد الاستشراق ومختلف معاهد الأبحاث في الإمارات بما في ذلك المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بأبوظبي، حيث يرتبط المعهد بعلاقات متينة مع دولة الإمارات على المستوى وأيضا على المستوى البحثي.

وأعرب قسطنطين عن أمله في زيادة التعاون بين معهد الاستشراق الروسي والمراكز البحثية في الإمارات، مشيراً إلى أن هناك تطلعاً كبيراً لزيادة التعاون مع الإمارات خلال الفترة المقبلة، خصوصاً في ظل التطور السريع للعلاقات بين البلدين.

وقال: «نحن نلتقي بالباحثين من الإمارات وهناك العديد من مشاريع التعاون وأيضاً إمكانات وخطط لتطوير العلاقات مع المراكز البحثية هناك، خصوصاً وأن الإمارات وضعت نفسها في مكانة الصدارة فيما يتعلق بفهم الآخر وتقبل التعايش مع الثقافات الأخرى».

خبرات مشتركة

ولفت قسطنطين إلى إبرام معهد الاستشراق مؤخراً اتفاقية تعاون مع المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، الذي يتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً له، بهدف تبادل الخبرات المشتركة في مجال ترسيخ السلم المجتمعي والسلام والتسامح والعيش المشترك في المجتمعات المسلمة وتحصيل معارف جديدة في مجال الدراسات الشرقية والإسلامية.

وقال: تهدف الاتفاقية إلى دراسة تاريخ الإسلام في روسيا والتراث الديني والفقهي للعلماء المسلمين الروس وتحقيق مؤلفاتهم، وكذلك تحويل إسهاماتهم العلمية إلى مناهج تعليمية في المؤسسات التعليمية الإسلامية في مختلف مناطق روسيا الاتحادية وتنفيذ مشاريع مشروعات تعليمية وبحثية وتنظيم المعارض ونشر الكتب والبحوث والمجلات فيما يتعلق بميدان هذه الاتفاقية.

تدريس العربية

وأضاف: كما تسعى الاتفاقية إلى تطوير مناهج تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها ودعم الاهتمام بها في مختلف مناطق روسيا الاتحادية وتنفيذ مبادرات ومشروعات مشتركة من مؤتمرات علمية وندوات ومحاضرات مفتوحة، وحلقات نقاش ومعارض وغيرها من الأنشطة العلمية والتعليمية والثقافية، بالإضافة إلى تبادل الدعوات والزيارات للمشاركة في الأنشطة التي يقوم بها كل من الطرفين.

وقال إنه بموجب الاتفاقية، يشكل الطرفان لجنة متابعة لوضع خطة سنوية معتمدة تتضمن برامج العمل في إطار مجالات التعاون المشترك، وآليات تنفيذها، وترفع تقريراً مفصلاً عن ذلك إلى الهيئات القيادية في المجلس والمعهد، علماً بأن هذه الاتفاقية سارية المفعول بدءاً من تاريخ التوقيع عليها ولمدة خمس سنوات تتجدد تلقائياً لمدة مماثلة.

خبرة 200 عام

يعد معهد الاستشراق الروسي من أشهر المؤسسات الاستشراقية الأكاديمية حول العالم، وله مواقف من الإسلام محايدةٌ ومنصفةٌ، ويمتلك خبرة تتجاوز 200 عام، جعلت له مكانةً رفيعة أهّلت أساتذته لتسنّم مناصبَ عليا في إدارة روسيا.

ويتولى المؤرخ والمستشرق الروسي، فيتالي ناومكين، منصب مدير المعهد منذ انتخابه في مايو 2009، وهو يعد أحد الوجوه اللامعة في مدرسة الاستعراب الروسية المعاصرة.

واستحق ناومكين التقدير في روسيا والعالم العربي بصورة خاصة لتجاوبه مع الأحداث الحالية في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى بحوثه العديدة حول قضايا العرب والإسلام، ولهذا غالباً ما تراه معلقاً من شاشة التلفزيون على الأحداث الساخنة، أو متحدثاً في المؤتمرات والندوات الدولية التي تتناول قضايا العالم العربي والإسلامي.

ويتبع المعهد لأكاديمية العلوم الروسية التي تضم المعاهد العلمية من كل أرجاء روسيا الاتحادية. ويعتبر الانتخاب لعضوية الأكاديمية مسألة تشريفية. وفي يناير 2019 كانت الأكاديمية تضم 858 من أصحاب العضوية الكاملة. وفي زمن الاتحاد السوفييتي كانت الأكاديمية تعرف باسم أكاديمية العلوم للاتحاد السوفييتي وكانت تضم كل معاهد الاتحاد.

واطلعت «البيان» خلال لقائها مع مسؤولي المعهد على تمثال للزعيم المصري الأسبق جمال عبد الناصر، ثاني رؤساء جمهورية مصر العربية، تم إزاحة الستار عنه في فبراير 2018 خلال الاحتفالات بالذكرى المئوية لميلاد عبد الناصر، وهو من أعمال النحات أسامة السروي، ويعد التمثال الثاني لعبد الناصر في روسيا بعد إزاحة الستار عن أول تمثال في الشهر نفسه بمدينة سان بطرسبورغ المشهورة عالمياً بدراساتها في علوم الاستشراق.

ويستضيف المعهد أيضاً تمثالاً لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والذي تم إزاحة الستار عنه في ديسمبر 2013 احتفالاً بمرور 70 عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين مصر وروسيا.

مؤتمر إماراتي- روسي العام المقبل

أعرب فاسيلي كوزنيتسوف، رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، عن تطلعه لزيادة أوجه التعاون بين المعهد ومراكز الأبحاث في الإمارات خلال الفترة المقبلة.

وأضاف في تصريحات لـ«البيان» أن هناك بالفعل تعاوناً كبيراً بين المعهد ومراكز الأبحاث في الإمارات في الوقت الراهن، من خلال مشاركات رسمية في الندوات التي تعقد بالإمارات، وأيضاً مشاركة واسعة من الإماراتيين للندوات والمؤتمرات التي تعقد في موسكو.

وشدد على أهمية تعزيز أواصر التعاون وتعميق العلاقات بين الإمارات وروسيا في الفترة المقبلة عبر استضافة مختلف ممثلي الجهات المعنية بدولة الإمارات، للتعرف على فرص التعاون والتنسيق المشترك التي من الممكن تعزيزها، مشيراً إلى أنه من المقرر عقد مؤتمر إماراتي- روسي في موسكو خلال العام المقبل من أجل تعزيز العلاقات.

من جهته، قال نيكولاي سوخوف، الباحث الروسي في معهد الاستشراق ونائب رئيس مركز الدراسات الشرق أوسطية، إن الإمارات من أكثر الدول العربية ارتباطاً في علاقتها مع روسيا خصوصاً في المجال الاقتصادي، مع نمو حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل ملحوظ خلال الأعوام الماضية، والتوقعات بمزيد من الازدياد في السنوات المقبلة.

وأضاف سوخوف أن الموافق الإماراتية والروسية تشهد تقارباً واضحاً في كل الملفات والقضايا الإقليمية والعالمية، مشيراً إلى وجود زيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين بشكل مستمر للتباحث والتشاور بشأن الأوضاع في المنطقة. وذكر أن أهم الملفات المقرر طرحها خلال زيارة الرئيس الروسي ستشمل المشاريع الاقتصادية الحالية وأيضاً الجديدة والمستقبلية.

Email