محمـد بن راشد في ذكرى رحيل والد دبي ومهندسها: راشد بن سعيد تصدّعت برحيله القلوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عبارات تفيض رقة وعذوبة، استعاد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ذكرى رحيل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي تصادف اليوم ومضى عليها 29 عاماً.

وأكد سموه أنه برحيل والد دبي ومؤسسها تصدعت الكثير من القلوب ولم يصدق الكثيرون أن من كان أباً لهم قد رحل.

وقال سموه عبر حسابه الرسمي على «تويتر»: «في مثل هذا اليوم السابع من أكتوبر 1990، رحل راشد بن سعيد آل مكتوم.. رحل عن دبي والدها ومهندسها.. تصدعت برحيله الكثير من القلوب».

وأضاف سموه: «لم يصدق الكثيرون أن من كان أباً لهم قد رحل»، وقال: «أصعب رحيل هو رحيل الوالد.. يجعلك يتيماً لأنه كان سبباً في وجودك.. في حياتك.. في نجاحك.. سبباً في وجود وطنك».

ولا شك أن المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، يعدّ أحد العظماء الذين حملوا مشعل تطور دولة الإمارات وأسهم في بناء مسيرتها التنموية، بل هو أحد رواد وحدتها وتأسيس حاضرها ومستقبلها، فهو رفيق درب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تأسيس دولة الاتحاد وتحقيق الحلم الغالي.

ترك، رحمه الله، بصمة جلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الإمارات، امتازت بالحنكة والقيادة الاستثنائية من خلال رؤية ثاقبة وبصيرة نافذة استشرفت نهضة إمارة دبي وأسهمت في صناعة مستقبلها من خلال وضع الخطوط الرئيسة، لتصبح الإمارة مدينة عالمية يقصدها الجميع من مختلف أنحاء العالم.

كانت العفوية من أبرز سمات شخصية الشيخ راشد بن سعيد التي امتاز بها، رحمه الله، فكان بسيطاً في مأكله وملبسه ومركبه وقيامه وقعوده، واتسمت شخصيته بالقيادة وحسن تدبير الأمور، والقدرة على تولي زمامها.

لقد حملت رؤيته راية التطور والتقدم في الدولة وأسهمت في توحد وتلاحم الشعب والقيادة فيها، من خلال فكر صاغ مفردات جديدة كانت الدرب الذي أنار طريق نجاح المسيرة التنموية في إمارة دبي، ولا تزال دروسه في القيادة نبراساً ينهل منه أبناء الوطن، وفي ذلك يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه «قصتي»: «دروس راشد بن سعيد لا تنتهي.. كان مدرسة، وكان معلماً، وكان حاكماً، وكان أباً للجميع».

نشأة في بيت الورع

ولد الشيخ راشد بن سعيد في دبي عام 1912، ونشأ في بيت والده الشيخ سعيد الذي اشتهر بالورع والزهد والتقوى، والحرص على مصلحة الوطن والمواطنين، وسعة الصدر والحلم، والخلق النبيل، كما نشأ، رحمه الله، في كنف الشيخة حصة بنت المر والدته التي كانت لها مكانة خاصة في قلوب الناس لما عُرف عنها من تسامح وطيبة قلب، وقد لقبت بـ«أم دبي»، فتشرّب سموه منذ نعومة أظفاره في هذا البيت كل هذه الخصال الطيبة والسجايا الحميدة المستقاة من أصيل الثقافة العربية الإسلامية.

وفي عام 1958، عقب وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم، تسلم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، مقاليد الحكم في إمارة دبي، وشارك والده الشيخ سعيد في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939، وكان يراقب عن كثب كيفية حكم والده للناس، فتعلم أصول الحكم الرشيد الذي يستمع فيه الحاكم لجميع المحكومين، ويعطي الحرية لكل المواطنين.

نهج متفرد

تميز الشيخ راشد خلال فترة حكمه بنهج متفرد في العمل تمثل في متابعة الأعمال والمشاريع ضمن جدول يومي، فكان يقوم بجولتين في مدينة دبي يومياً يتابع فيهما المشاريع. ويتابع أدق التفاصيل لأي مشروع قيد التنفيذ في دبي، ويتابع كل شيء بنفسه خطوة خطوة، وشكلت هذه الجولات فرصة للالتقاء بعامة الناس عن قرب والاستماع إليهم وتلبية مطالبهم، وبعد عودته من جولاته اليومية كان يمضي كثيراً من الوقت في أعماله الرسمية من خلال مجلسه ويلتقي بالناس ويشاركهم قضاياهم ويصغي لمطالبهم ويعمل على تلبيتها، ويروي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في كتاب «قصتي»، طرفاً من هذه القيم الإنسانية، ويقول: «أحد أهم أسرار تفوق دبي هي القيم التي أرساها الشيخ راشد بن سعيد في منظومة الحكم».

لقد كان الشيخ راشد بن سعيد يمثل حجر الأساس في بناء دبي، ويتذكر الذين عاصروه واحتكوا به الجهد والنشاط والعزيمة والإصرار التي امتاز بها، وعمل على جعل دبي رائدة في كل مجال عمراني وتنموي، والمكان الذي يحبه كل زائر وسائح وتاجر، وباتت دبي واجهة للجميع يقصدها الزوار من مختلف أنحاء العالم، وحققت دبي تحت حكم الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، طفرة تنموية شملت إنشاء الطرق والجسور التي تربط شطري الإمارة وتوسيع خور دبي وتعزيز موقعها التجاري بإنشاء مزيد من الموانئ حول الإمارة، وأصبحت دبي مركزاً تجارياً بين الشرق والغرب، ولم ينقصها سوى أن تصبح جزءاً من كيان عربي أكبر له ثقله السياسي إقليمياً وعالمياً.

تحصيل العلم

تعلّم الشيخ راشد بن سعيد مبادئ اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم على يد المطاوعة، ثم التحق بالمدرسة الأحمدية في ديرة، وكان يتميز بالجد والاجتهاد وحب العلم والمعرفة، واشتهر منذ صغره بسمو الأخلاق وطيب النفس ولين المعشر، وقد رأى مدرسوه وصحبه في عينيه دوماً لهيباً من الحماس يكتنف مقلتيه، ويقوده نحو الأمام لتحقيق أحلامه، ولما بلغ الشيخ راشد، رحمه الله، الثامنة عشرة من العمر دأب على حضور اجتماعات والده ومجالسه، وأخذ ينهل من خبرته الطويلة، ويقتات على سيرته العطرة بين حكام الساحل الخليجي، حيث اشتهر والده بعروبته الأصيلة، وحرصه على القضايا العربية العالقة، وكرهه للاستعمار وحلمه بالوحدة والأمن والاستقرار وخير المنطقة، فأحبه الجميع واحترموه.

وكان يرافق والده في رحلات الصيد بالصقور، مما وطد العلاقة بينهما وأغنى حواراتهما، وأدى ذلك إلى تعزيز الأثر الكبير الذي تركه الشيخ سعيد في نفس ابنه الشاب، وأفادت هذه الرياضة الحاكم القادم وشدت من عزمه، فتعلم الاستيقاظ باكراً، وركوب المخاطر، والصبر والتحمل، والإحساس بقسوة العيش وحر الصحراء القاحلة.

قيادة

كان الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، عوناً لأبيه في شتى المجالات، وخصوصاً في الشؤون الاقتصادية، إذ أسهم في تحسين المعيشة، وهو الأمر الذي أكسبه شعبية وحباً من المواطنين، وتولى، رحمه الله، منصب ولي العهد في الإمارة من عام 1928، وفي 10 سبتمبر عام 1958 أسلم المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم الروح إلى بارئها، وشاع الحزن في دبي، بل في الساحل كله حزناً على الفقيد الغالي، وقد ملك الحزن قلب الشيخ راشد على رحيل والده الذي ربطته به علاقة مميزة وكان قريباً منه دوماً، وانتقل الحكم بسلاسة إلى الحاكم الجديد ولي العهد الشيخ راشد رحمه الله في 4 أكتوبر من العام نفسه في حفل تنصيب رسمي، واستمر في نهجه الذي اتبعه منذ تعيينه ولياً للعهد في الإصلاح والتطوير وتحسين ظروف الحياة.

إنجازات نوعية

وتعددت إنجازاته قبل توليه إمارة دبي، وبرز كشخصية قيادية في العائلة، قادرة على تسيير أمور المواطنين وتحقيق النهضة الاقتصادية المأمولة، لتسهيل مصاعب الحياة التي كانت تحيط بدبي آنذاك، وخصوصاً في أواخر الثلاثينيات لمّا فرضت الإدارة البريطانية قيداً على استيراد وتصدير المواد الغذائية من المنطقة، مما زاد الحياة الصعبة صعوبة! فاستطاع بحنكته الالتفاف على هذا القرار الجائر بكل دبلوماسية وذكاء، وأثبت للجميع أنه الشخص الذي سيحقق «حلم دبي».

يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، عن والده في كتاب «قصتي»: «بدأ الشيخ راشد حكمه بطاقة كبيرة وحماسة عالية وروح متقدة.. كل يوم في حكم راشد كان مدرسة بالنسبة لي.. في كل يوم فكرة، ومشروع، وحكمة».

وأسهمت رؤية الشيخ راشد بن سعيد في رسم ملامح إمارة دبي الحديثة وكانت اللبنة الأساسية في انتقال دبي إلى قلب المدن العالمية الأكثر تطوراً، ويذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن والده قوله: «إنني أبني ميناء راشد، لأنه يمكن أن يأتي يوم لا تقدرون على بنائه، لم يفكر أحد قبل والدي في تنفيذ مشروع كهذا، ولكن والدي فكر فيه ونفذه فكيف اهتدى إليه؟! هذا السؤال لا أعرف جواباً مختصراً له، لكن لو حصرت إجابتي بكلمة واحدة لقلت إنها الرؤية».

تأسيس الاتحاد

توافقت رؤية الشيخ راشد بن سعيد مع رؤية إخوانه حكام الإمارات في ضرورة قيام اتحاد بين الإمارات التي تجمعها سمات مشتركة تمثلت في وحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد والملامح السياسية، وعمل ورفيق دربه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانهما حكام الإمارات على تأسيس الدولة، فكان الإعلان رسمياً عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر 1971 برئاسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ونائبه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، كما شارك الشيخ راشد بن سعيد في قيادة دولة الإمارات مع أخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مساهماً بشكل فعّال في بناء الدولة وتدعيم الاتحاد يداً بيد مع إخوته حكام الإمارات، للعمل على دفع عجلة التقدم والتنمية وتحقيق الرخاء للمواطنين.

وكان اتحاد الإمارات لبنة من لبنات أفكاره العظام التي امتزجت بطموحات أخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله. وبنى الشيخ راشد علاقات أخوية وثيقة مع حكام العرب والعالم في الظروف والأزمنة كافة، وكان لمشاركة الشيخ راشد بن سعيد في مجلس الإمارات المتصالحة دور في التمهيد للاتحاد، فقد كان على قناعة حقيقية بأن مستقبل إمارات الساحل المتصالحة سيكون أفضل إذا توحدت وأمسكت هي بزمام الأمور، وعمل مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على إقناع حكام الإمارات من أجل إيجاد كيان وحدوي، فكان يعرض خطته على الحكام في اجتماعات ثنائية.

قضايا عادلة

وفيما يخص مصالح الإمارات وقضايا الأمة العربية والإسلامية آمن الشيخ راشد بن سعيد إيماناً منه بعدالة قضاياها، فقد عارض بقوة احتلال إيران لجزر الإمارات العربية المتحدة الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وقدم مذكرات عديدة للمسؤولين الإيرانيين وأصدر بيانات بانتظام بهدف إبقاء هذه القضية حية في أجهزة الإعلام والمحافل الدولية ولدى الجماهير. وكان الشيخ راشد داعماً للعديد من المشروعات فقدم المساعدات المالية لبناء المستشفيات والمساكن في الضفة الغربية وقطاع غزة وإفريقيا وآسيا.

كما أسهم الشيخ راشد، بعد توليه منصب نائب رئيس الدولة ورئاسة مجلس الوزراء، في التطوير العمراني والنهضة الشاملة التي شهدتها الإمارات في بداياتها من بناء المرافق العامة والبنى التحتية، وحرص على تقوية العلاقات مع دول الخليج والدول الأخرى وبرزت اهتماماته في مناقشة قضايا أمته وشعبه العربي والإسلامي، وأبرزها قضية احتلال الجزر الثلاث «طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى»، والقضية الفلسطينية والحرب العراقية الإيرانية، ودعا إلى إنشاء مجلس يضم دول الخليج العربي.

وسجل التاريخ للمغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مواقف وطنية اتجاه القضايا العربية، ومن أقواله في ذلك: «سنستمر في تقديم المساعدات للفلسطينيين، وذلك لأننا نؤمن بأن قضيتهم عادلة، وهذا من واجبنا».

ومن أقواله أيضاً: «نتابع باهتمام كبير أنباء القتال الذي يخوضه إخوان لنا على الجبهتين المصرية والسورية في سبيل تحرير أرضنا المحتلة وكرامة أمتنا وعزتها، ودولة الإمارات تضع كل طاقاتها وكل مواردها في خدمة هذه المعركة».

انتقل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، إلى جوار ربه في السابع من شهر أكتوبر عام 1990 الموافق الثامن عشر من شهر ربيع الأول عام 1411هـ عن عمر يناهز 78 عاماً، قضاها، رحمه الله، في خدمة أمته ووطنه ومواطنيه، وبذل الغالي والنفيس في سبيل إسعاد أبناء الوطن تحقيق الاستقرار المعيشي والرخاء لهم.

زايد يرثي أخاه: راشد فارس مغوار

قال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في عزاء المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله: «كان رجلاً باراً من رجالات هذا الوطن، وفارساً مغواراً من فرسانه، ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وإذا كان قد انتقل إلى مثواه الأخير فإن ذلك لا يعني أن يغادر ذاكرتنا أو حياتنا، بل سيبقى - رحمه الله - خالداً في القلوب وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال، بالأمس كان المغفور له أباً للشيخ مكتوم وإخوانه، واليوم أنا أبوهم وعوضهم فيه وهم عوضي أنا في أبيهم، كما أنهم عوض شعب دولة الإمارات العربية المتحدة بما عرفته وعرفه هذا الشعب منهم من حب وحرص وتفانٍ في خدمة هذا الوطن.

1965

تمكن الشيخ راشد بالتعاون مع المغفور له الشيخ زايد في 1965 من الدعوة إلى اجتماع لحكام الإمارات السبع في قصر الضيافة في دبي، وعمل مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على إصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبوظبي في فبراير 1968.

وجّه الشيخ راشد دعوة في العاشر من يوليو 1971 من أجل المضي قدماً على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد حتى أعلن عنه رسمياً في الثاني من ديسمبر 1971، وتم تكليف المغفور له الشيخ راشد بن سعيد بقرار من المجلس الأعلى للاتحاد، بتشكيل مجلس الوزراء الجديد في الثلاثين من أبريل 1979، وأعلن سموه عقب تشكيل الحكومة في الأول من يوليو 1979 الخطوط العريضة للسياسة التي تنتهجها الحكومة.

1982

كان الشيخ راشد سبّاقاً لفعل الخير، ومن المشروعات التي رعاها وكان فخوراً بها؛ إنشاء جناح للطوارئ ومجمع لغرف العمليات في مستشفى مدينة بوالبور الباكستانية في البنجاب، كما قام بدعم مشاريع بناء عشرات المساجد والمدارس في أنحاء باكستان وبناء دار للأيتام، ومجمع بوالبور الطبي. وعلى المستوى الشخصي كان الشيخ راشد داعماً للعديد من المشروعات بتقديمه المساعدات المالية لبناء المستشفيات والمساكن في الضفة الغربية وقطاع غزة وأفريقيا وآسيا ودونما ضوضاء أو دعاية.

واستجاب، رحمه الله، للمناشدات الدولية من وكالات الإغاثة عندما أجبرت الحرب في أفغانستان عام 1982 مئات الآلاف من المدنيين الأفغان على هجر ديارهم والنزوح إلى مناطق أخرى، وأمر الشيخ راشد حكومته بالتصرف فتحركت الطائرات محمّلة بأطنان من الأغذية والبطانيات والخيام والملابس الشتوية لإغاثة أولئك اللاجئين والمحرومين.

وعندما كانت المجاعة تقضي على ملايين البشر في أفريقيا أمر الشيخ راشد في يوليو 1985، بتقديم المعونات العاجلة للقارة السمراء، ومنحت حكومة دبي مليون جنيه إسترليني لمشروع خط الحياة الذي كان يديره نجم الموسيقى العالمي بوب غلدوف.

ثقافة حكم أساسها الحكمة ونبراس مضيء في فنون القيادة

ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب «قصتي»: «تعلمت من راشد منذ نعومة أظفاري بأن القائد هو الشخص الأكثر نشاطاً والأقدر على تنفيذ المشاريع بكل كفاءة، تعلمت من راشد بأن كل درهم في دبي له قيمة كبرى ولا يتم صرفه إلا في مكانه الصحيح. ثقافة الحكم التي رسخها راشد بن سعيد هي ثقافة تقوم على صرف المال بحكمة والابتعاد عن التبذير الحكومي أياً كان شكله».

واهتم الشيخ راشد، رحمه الله، بمجلسه اهتماماً كبيراً، فكان نبراساً مضيئاً في فنون القيادة وعوناً للناس ضامناً للجميع أفضل الحلول للقضايا والمشكلات، وحظي بإعجاب الجميع لما تحلى به من حلم وصبر، إذ كان يصغي لكل رأي أو مظلمة، وكان المجلس يضم أشخاصاً من جنسيات متعددة وفر لهم قاعدة للحوار البناء، ورجالاً يعتد برأيهم، وكانت تتم في المجلس دراسة المشاريع دراسة وافية والنظر إليها وإلى مراحل تطورها، مما يؤدي إلى تفهمها التام من قبل أعضاء المجلس.

وقد عمل الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، على مواصلة مسيرة البناء بكل إرادة وعزم منطلقاً من إيمانه بكل ما يفعل، وبأن حلمه الذي رفده بكل ما يملك من عزيمة لم يكن ضرباً من المستحيل، بل جعل المستحيل تحدياً يجب مواجهته والتغلب عليه، وهذا النهج هو نبراس يضيء الدرب أمام قيادة دبي تسير على نفس الدرب في تحقيق سعادة المواطنين وتعزيز مكانة دبي عالمياً.

ويذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في كتابه «قصتي» أحد الدروس التي تعلمها من والده، فيقول: «هو سؤال سألته للشيخ راشد عندما كنت صغيراً أيضاً، وهو عن القيادة أيضاً سألته: من هم القادة الحقيقيون في هذا العالم؟ أجاب: القادة الحقيقيون اليوم ليسوا كالماضي لقد تغير العالم.. القادة الحقيقيون هم العمالقة الصامتون الذين يمتلكون الأموال، وليسوا الساسة الذين يصدرون الكثير من الضوضاء».

استشراف المستقبل

كان استشراف المستقبل حاضراً في فكر ورؤية الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، حيث عمل على استشراف المستقبل والتخطيط له بجميع أشكاله في بناء نهضته الشاملة وسيرته الخيرة، سواء كان ذلك يتعلق بتطوير إمارة دبي، أو فيما يتعلق بالمسيرة الاتحادية التي كان أحد أبرز أقطابها. واستخدم «رحمه الله» التخطيط طويل المدى وقصير المدى، فكان إذا ارتأى أن الحاجة تدعو إلى خطة قصيرة، شرع في تنفيذها، وفي حال أراد أن يضع خطة طويلة الأجل، فإن تخطيطه يكون مثاراً للإعجاب والدهشة، وكان الشيخ راشد يملك القدرة على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ عمل ما، فلم ينفذ أية خطة من خطط التنمية بكافة أشكالها، إلا واختار لها الوقت المناسب.

Email