احتفاء القائد بعودة الرائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

كما ودّعه في ذهابه استقبله في إيابه؛ شِيمةٌ عاليةٌ وسيرةٌ حميدة ٌمن شِيم صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، الذي يسهر على بناء الإنسان في هذا الوطن الغالي، ويُسطّر بحروف العزّ والفخر إنجازات أبنائه التي أصبحت عنواناً للمجد والرفعة في عصر لا يعترف إلا بالإنجاز والتقدم.

وها هو صاحب السموّ يستقبل فارس الوطن، رائدَ الفضاء الفذّ هزاع المنصوري، بهذه القصيدة الفيّاضة بالمحبة والفخر؛ احتفاء بعودته الميمونة من الفضاء الشاسع البعيد الذي قضى فيه عدّة أيام في إنجاز مهامه العلمية، كأوّل رائد فضاءٍ عربي يصل إلى محطة الفضاء الدولية، التي سبق لنا أن قلنا إنها واحدة من أعظم الإنجازات البشرية في هذا القرن، فطوبى للوطن بهذه الكوكبة الكريمة النبيلة من الفرسان الذين تشرّف المنصوري حين توسّطت صورته البهيّة بين ذواتهم الفخيمة:

باني الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، رحمه الله، الذي بذر بذرة الطموح للوصول إلى الفضاء، ورعاها وسقاها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، فاجتمع من ذلك كله صورة عابقة بالفخر والطيب وهي تجمع شجاعة الطموح، وشجاعة الإرادة، وشجاعة الفروسية التي تجلت في هذا الإنجاز العلمي الرفيع الذي رفع رأس الوطن والعرب وأمّة الإسلام.

راجــع بـعون الله إلـى الـدار

هـــــزاع والـــــرده حــمــيـده

بـعـين الـعـرب سـويت مـقدار

لأجــل الـوطـن فـعـلك يـزيـده

وما أحلى الرجوع إلى الوطن بعد هذه الرحلة الاستثنائية، ويزداد الرجوع حلاوةً حين يكون بعون الله وحسن تدبيره، فالمسلم لا يرى علاقته بالطبيعة علاقة عداء، بل هي بحث في أسرار الملكوت الإلهي يزداد به إيماناً ويقيناً وإجلالاً وتعظيماً لخالق هذا الكون العظيم.

وهو ما عبّر عنه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، حين كتب قبل خمسة وأربعين عاماً أن رحلات الفضاء تزيد من إيمان الإنسان باكتشاف عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وهو ما يؤكده صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في هذا المطلع الجميل الذي يفيض بالترحيب والحميمية، مفتخراً بهذا الرجوع الميمون وهذه الردّة الحميدة التي رفعت رأس الوطن أمام العالم، ومنحت الإنسان العربي لحظة فريدة من لحظات الفخر والسؤدد والشعور بالكرامة الحضارية.

فليس عدلاً أن يظل العرب غائبين عن مشهد صناعة الحضارة وهم الذين كانوا بالأمس القريب سادة الفكر وحاملي مشاعل النور والهداية، فشكراً لهذا البطل الشجاع، وشكراً للدولة وقادتها الكبار الذين خلّدوا هذه المنقبة في صفحات التاريخ الإنساني الحافل بالإنجازات والإبداعات.

وأحـــلام زايــد دايــم إكـبـار

وع عـيـال زايــد مـب جـديده

تـلـبـس أكـالـيـل مــن الـغـار

مــن الـفـضا ورحـلـه سـعيده

وهذا نمطٌ من الوفاء النادر لباني الوطن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي كان شديد التوق لبلوغ الإمارات إلى أعلى المراتب الحضارية، وكان بحكمته وبساطته وجسارته في اتخاذ القرار نموذجاً يُحتذى في الإرادة والتصميم، وستظلّ هذه البلاد مدينةً له بالتخطيط وبثّ روح العزيمة وضرورة الوصول إلى المكانة اللائقة.

فقد كان، رحمه الله، عميق التأثير في الرجال الذين تشرفوا بالجلوس بين يديه، ونهلوا من ينابيع حكمته الصافية ونظراته الصائبة، وهو ما نراه ماثلاً للعيان في إنجازات أنجاله الصِّيد الميامين الذين يصونون إرثَ هذا القائد الكبير، ويستلهمون روحه الطيبة النبيلة في بناء الوطن وتكريم إنسانه.

فمكارمهم ليست غريبة ولا جديدة على فرسان نهلوا من حكمة وتجربة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وها هو الوطن يتكلّل بأكاليل الغار التي كانت عنوانا ورمزاً للفروسية والنصر في القديم، وظلت تقليداً إنسانياً يحتفي بمجد الإنسان وبسالته وشجاعته الأخلاقية والعلمية والجسدية.

فخر العرب وإسمك بهم طار

ف أكـــوان وأجـــرام بـعـيـده

عــرف بـوخـالد كـيـف يـختار

قـــايــد ونــظــراتـه ســديــده

وأشهد أنّ الإنسان العربي غمره الفخر وهو يقرأ هذا الاسم العربي بين فرسان الفضاء ورواده الشجعان، فقد أوشك أن يشعر العربي بالإحباط وهو ينظر بعين الحسرة إلى هذا الغياب غير المفهوم للعرب عن ساحات العلوم وميادين الإبداع، فجاءت رحلة هزّاع المنصوري لتنعش الروح العربية وهم ينظرون إلى شاب عربي مسلم باسل شجاع يجتاز الفضاء ويستقر بين الأجرام الضخمة في مهمة لا ينهض بأعبائها إلا فارس جسور القلب، شديد المِراس عميق الانتماء لوطنه الذي أحبه وأعطاه أجمل فرصة في سياق الحياة.

وبأخلاقه الراقية الحميدة يُعيد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الفضل لأهله فيثني على بصيرة فارس البلاد وقيدومها الشجاع صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي اختار ببصيرته الثاقبة هذا النسر الإماراتي الذي رفع رأس الوطن وغرس لواءه في السماء العالية، وكتب حرف الهجاء العربي في مدوّنة الفضاء التي كانت لا تعرف عربياً إلا في حالات نادرة، فجاء هذا الاختيار من هذا القائد السديد النظرات المتمرس بالمهمّات التي هي جزءٌ من طبيعة عمله كعسكري مقدام يعرف كيف يختار الرجال ويزجّ بهم في ميادين المجد والشرف والعطاء.

فــارس عـلـى الـعادين كـرار

عـــســـاه أيـــامـــه مـــديــده

لــه نـظـرة تـبـعد ع الأنـظـار

والــعــلــم مـــنــه نـسـتـفـيـده

وبمحبة صافية يثني صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على مناقب عضيده صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، فارس الديرة الكرار على أعداء الوطن، الساهر على الحدود متمنياً له العمر المديد في حماية البلاد والسهر على أمنها وصيانتها من كل عابثٍ تسول له نفسه الاقتراب من هذا الحمى المنيع، فهو صاحب نظرة بعيدة المدى، ويفكر بمصلحة الوطن أولاً وأخيراً، فضلاً عن متابعته الحثيثة للحركة العلمية في البلاد لتشكل شخصيته نموذجاً للقائد الذي يرعى الوطن ويقدّم الغالي والنفيس في سبيل سعادته ومجده وعنفوانه.

شـعـبه يـحـبه كـبـار وصـغار

وكـــل الـعـرب حـكـمه تـريـده

وخـوانـه لــي زاكـيـن وخـيـار

ذخـــري لــلأوقـات الـشـديده

وهذه واحدة من أجمل ملامح التوفيق والسيادة حين يكون الشعب راضياً وسعيداً بحاكمه بسبب ما يراه من حسن أخلاقه وطيبة قلبه ورحمة عاطفته، ومَنْ أولى بذلك من «بو خالد»، الذي تربّى في مدرسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وورث عنه مكارم الأخلاق يشاركه في ذلك إخوته الكرام الصناديد الذين يسهرون على راحة الوطن والمواطن ويبادلهم الشعب حباً بحب، كامتدادٍ لذلك الباني العظيم والحاني بقلبه العطوف على شعبه الكريم، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي كان كلمة إجماع عند العرب، وها هم «أنجال زايد» يحملون الأمانة ويقبضون على جمر الوفاء ويظلون سنداً للوطن ولصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في أوقات الشدة والظروف الصعيبة.

طـمـوحـنـا عــالــي ونــخـتـار

نـمـضي إلــى الـمريخ سـيده

وشــبـابـنـا بــاســل ومــغــوار

عــن الـهـدف مـاشي يـحيده

بهذه الروح المتفائلة وهذه الهمة العالية يختتم سموّه هذه القصيدة الفوّاحة بعطر الترحيب وشذى المجد والمحبة، مؤكداً أنّ الهدف التالي هو الوصول إلى المريخ في طريق مستقيم (سِيْدَه) لا يعرف التردد ولا النكوص، وكيف لا يكون ذلك كذلك وشباب الوطن كالنسور المحلّقة لا تعرف الخوف ولا التردد بل تمضي ببسالة وشجاعة نحو أهدافها المرسومة لها بكل كفاءة وانتماء واقتدار.

سيدي صاحب السمو: نهنئك من أعماق القلب، ونهنئ صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ونتذكر بجليل الوفاء والرحمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله.. المُلهم الذي غرس فيكم الإرادة القوية والعزيمة الماضية فكنتم سيوف الوطن ومشاعله التي تضيء الطريق.

 

Email