دعوا إلى صرف رواتب للمفرج عنهم ليتمكنوا من الاندماج بالمجتمع

قضاة ومحامون يطالبون بتعديل قانون رد الاعتبار

ت + ت - الحجم الطبيعي

دعا قضاة ومحامون إلى تعديل «قانون رد الاعتبار» من خلال تقصير المدة المطلوبة لرد الاعتبار القانوني وتخصيص رواتب للمفرج عنهم لمدة زمنية محددة تمكنهم من استعادة توازنهم واندماجهم في المجتمع وإلغاء رد الاعتبار القضائي، مقترحين إنشاء لجنة لرد الاعتبار تنظر في الطلب قبل خروج النزيل من المنشأة بمدة كافية.

وأكدوا واقعية مطالباتهم لأن شروط رد الاعتبار وفق صيغتها الحالية تثقل كاهل المحكوم عليهم وتجعلهم فريسة سهلة للخارجين عن القانون، كون المحكوم لا يمكن له الحصول على عمل في الوظائف التي تتطلب شهادة حسن سيرة وسلوك.

وأوضحوا جانباً من الصعوبات التي تعترض المحكوم عليهم بعقوبة جناية أو جنحة (من الجنح التي تتطلب رد اعتبار) هو عدم تمكنهم من الحصول على شهادة حسن سيرة وسلوك التي تعتبر شهادة إلزامية في معظم الوظائف المتاحة في سوق العمل، إلا بعد إكمال المدة المنصوص عليها قانوناً وتطبيق باقي شروط رد الاعتبار، متسائلين من أين للمفرج عنه من عقوبة جنائية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أن يجد مصدر رزق له ولأسرته منذ لحظة خروجه من المنشأة العقابية وحتى صدور رد الاعتبار القضائي أو حلول موعد رد الاعتبار القانوني إذ من السهل استدراجه إلى عالم الجريمة من خلال استغلال حاجته وإغرائه بالأموال.

أمل

وأعرب القاضي عيسى الشريف رئيس محكمة الاستئناف في دبي عن أمله في إعادة المشرع الإماراتي النظر في قانون «رد الاعتبار» للمحكوم عليهم في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة، واختصار المدة القانونية الحالية اللازمة للحصول عليه من خمس سنوات في الجناية إلى سنة واحدة، والجنحة من 3 سنوات إلى ستة شهور، رأفة بهؤلاء المحكومين، وتسريع اندماجهم في المجتمع، وتسهيل حصولهم على شهادة حسن سيرة وسلوك، ووظيفة، وتوفير مصدر رزق لأسرهم، علاوة على قطع الطريق أمام أي فرصة لعودتهم إلى الجريمة والانحراف، هروباً من واقعهم «الجديد»، أو من أجل الحصول على المال حتى لو بطريقة غير شرعية.

وحذر القاضي الشريف من خطورة بقاء الأشخاص الذين أنهوا محكومياتهم، بدون عمل أو وظيفة لمدة طويلة، مؤكداً أن «الفراغ» هو الباب الأوسع أمامهم، والمطل على عالم الجريمة، وأن بقاء المدة القانونية الحالية للحصول على رد الاعتبار بعد إنهاء عقوبة الجناية أو الجنحة المخلة بالشرف أو الأمانة، لا يخدم الأشخاص الذين كانوا محبوسين أو مسجونين على ذمة كل منهما، ولا حتى أسرهم، بل ولا مجتمعهم الذي ينتظرهم ليكونوا أشخاصاً صالحين فيه، ومساهمين في بنائه وتنميته، بدل استقطابهم من قبل رفقاء السوء، وتوريطهم بالجريمة للحصول على المال.

وقال الشريف: «إذا لم يحصل الشخص الذي أنهى محكوميته، على رد اعتبار وشهادة حسن سيرة وسلوك في زمن معقول، فإنه سيفكر بالعودة إلى الجريمة، ومرافقة المجرمين، وبالتالي فإن إعادة النظر في قانون ومضمون رد الاعتبار، لجهة تقليل المدة للحصول، أمر ملح، مع احترامنا للمشرع الذي حدد المدة الحالية لضمان عدم عودة الأشخاص الذين قضوا مدة عقوبتهم، إلى الجريمة مرة ثانية».

 

المحامي الدكتور لواء شرطة متقاعد عبد الله علي سعيد بن ساحوه السويدي أوضح أن «رد الاعتبار نظام يقصد به منح المحكوم عليه بعقوبة جنائية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة فرصة لإزالة الآثار المستقبلية للحكم الصادر بحقه، فيرد له اعتباره بعد أن يستوفي ويكمل الشروط المقررة لذلك ويأتي ذلك استجابةً للأفكار الحديثة للعقوبة وفلسفتها وتطبيقاً لفكرة الرعاية اللاحقة للمحكوم عليه، فكان لابد من إزالة الآثار المستقبلية للعقوبة ليتمكن الفرد من الاندماج في المجتمع، وهو بذلك يعتبر إحدى طرق تحفيز المحكوم عليهم لسلوك طريق قويم خلافاً للماضي»، مشيراً إلى أن «العقوبات في بعض الجرائم تؤدي إلى جملة من الآثار منها الانتقاص من شخصية المحكوم عليه بفقدان مكانته الاجتماعية اللائقة، وحرمانه من بعض حقوقه السياسية والمدنية وعدم تمكنه من الحصول على عمل في الوظائف التي تتطلب شهادة حسن سيرة وسلوك، وليستعيد المحكوم عليه كل ذلك وجد ما يسمى برد الاعتبار وهو ما يتم من خلال رد الاعتبار القضائي أو القانوني ولكل منهما شروطه ومدته».

وأوضح أن رد الاعتبار في القانون الإماراتي كسائر مضمون رد الاعتبار في كل الدول وتشريعاتها حيث إنه إجراء لرد الاعتبار للمحكوم عليه بمحو الآثار الجنائية للحكم وقد نظم المشرع الإماراتي رد الاعتبار القانوني والقضائي من خلال القانون رقم 36 لسنة 1992.

وأضاف «على سبيل المثال فقد اشترط القانون المذكور على المحكوم عليه لرد اعتباره أن يقوم بالوفاء بكل ما حكم به من التزامات مالية للدولة أو للأفراد إلا إذا انقضت أو أثبت المحكوم عليه عدم قدرته على السداد وأن تمضي المدة المقررة حسب نوع العقوبة جناية كانت أو جنحة، ومن خلال المقارنة بين هدف رد الاعتبار وواقع المحكوم عليهم الذين ينفذون أحكام سالبة للحرية في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة نجد أن شروط رد الاعتبار وفق صيغتها الحالية إنما تثقل كاهل المحكوم عليهم وتجعلهم فريسة سهلة للخارجين عن القانون».

تعديل مضمون

واقترح السويدي تطوير قانون رد الاعتبار أو تعديل مضمونه من خلال جملة من الأفكار منها تقصير المدة المطلوبة لرد الاعتبار القانوني وتخصيص رواتب للمفرج عنهم لمدة زمنية محددة تمكنهم من استعادة توازنهم واندماجهم مع المجتمع وإلغاء رد الاعتبار القضائي وإعادة تنظيم الورش وأدوات التأهيل بالمؤسسات العقابية، مقترحاً تخصيص رواتب للمفرج عنهم لمدة زمنية محددة تمكنهم من استعادة توازنهم واندماجهم مع المجتمع وتوظيف المفرج عنهم في وظائف عامة محددة لمدة زمنية معينة يتم بعدها وفي ظل التقييم والفحص السماح لهم بالعمل بكافة المؤسسات والقطاعات وإلغاء رد الاعتبار القضائي وتقصير المدة المطلوبة لرد الاعتبار القانوني، كما اقترح إنشاء لجنة لرد الاعتبار تنظر في الطلب قبل خروج النزيل من المنشأة بمدة كافية، وتطبيق التصنيف العقابي وبناء مؤسسات عقابية تسمح بالتصنيف والتفريد العقابي ومنع الاختلاط الضار وفحص النزيل عقلياً ونفسياً واجتماعياً وعضوياً لتحديد مسببات الإجرام للعمل على استئصالها وتكليف مراكز بحوث الشرطة والجامعات للمساهمة في دراسة اتجاهات الجريمة ومسببات الإجرام للعمل على وضع ضوابط وإجراءات للحد منها وتقليلها.

 

ويرى المستشار القانوني رواد الحلبي أن الإدانة القضائية تجرد المدان من بعض حقوقه المدنية وأهمها حرمانه من العمل في الوظائف التي تتطلب شهادة حسن سيرة وسلوك والتي تشكل في يومنا هذا أغلبية عظمى، لافتا إلى أن «المشرع الإماراتي أوجد من خلال القانون الخاص برد الاعتبار والإجراءات الكفيلة بمنح الذين انزلقوا إلى ذلك المأزق منفذاً للعودة للحياة الطبيعية مرة أخرى. إلا أن القانون لا يلزم جهة العمل بإعادة أصحاب تلك الحالات إلى وظائفهم، ولم يسد الثغرة المتعلقة بالنظرة السلبية التي تلاحق المنزلقين إلى عالم الجريمة على الصعيد الاجتماعي»، داعياً إلى سن تشريع جديد يلزم جهات العمل سواء كانت حكومية أو خاصة بإعادة أصحاب تلك الحالات إلى وظائفهم وهي كفيلة بمسح الآثار الجنائية على الصعيد الاجتماع وتشكل حصانة لأصحاب تلك الحالات من العودة إلى الجريمة، حيث إنه ليس من العدل أن يحرم شخص اقترف جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة من أن يستعيد مكانه اللائق في المجتمع بعد أن يثبت استقامته، وليس من محصلة المجتمع أن يعود هذا الإنسان إلى عالم الجريمة إذا ما سدت أمامه الأبواب.

 

أما المستشار القانوني أشرف صقر فتمنى على المشرع الإماراتي - والذي وصفه بالمشرع المرن والمتطور - بأن يسن من التشريع ما يضمن لمثل هؤلاء الأشخاص والذي صلحت سريرتهم وعلانيتهم بأن يعودوا لما كانوا يتقلدون من الوظائف، على أن يقصر ذلك في حالات رد الاعتبار القضائي دون القانوني والتي تتطلب تدخل القاضي للتحقق من صلاحية المدان للعودة وممارسة حياته الوظيفية مرة أخرى، على أن يكون ذلك مشروطاً بأن يعود لوظيفة لا تساعده طبيعتها إلى الرجوع لمثل ما اقترف من إثم، فلا يجوز مثلاً أن نعيد مرتشٍ إلى سابق وظيفته التي كان يتقلدها وسهلت له ارتكاب جريمة الرشوة، فيكون العودة لعمل له طبيعة مغايرة، على أن يتم تقييد ذلك ببعض الشروط التي تجعل من القاضي متأكداً من سلامة انخراط المدان مرة أخرى في عمله وبشكل صحي، فعل سبيل المثال يمكن أن يكون هناك بحث حالة نفسي واجتماعي يوضع أمام القاضي ليتمكن من تقييم الموقف بشكل كامل أو على شاكلة الشروط الواردة بنص المادة 10، 12، 15 من قانون رد الاعتبار نفسه.

وأضاف: «إنه على الرغم من تبني غاية نبيلة يستهدفها هذا القانون وهي دمج المجرم مرة أخرى في المجتمع بعد نفاذ العقوبة، إلا أنه لم تتم معالجة كل الآثار التي قد تترتب على الحكم الجزائي بهذا القانون إذ إن بعض من أدينوا بأحكام قضائية قد كانوا يشغلون وظائف عامة يترتب على إدانتهم فصلهم من العمل بما يعني فقدانهم لمصدر رزقهم ورزق أبنائهم الذي يكفيهم العوز وسؤال الناس ويمنع أسرهم من التردي والوقوع أيضاً في براثن الجريمة بل إن في بعض الأحيان يكون عدم توافر مصدر للرزق سبباً لاستكمال مجال الجريمة بشكل أو بآخر، ويؤدي إلى عدم القدرة على الانخراط في الحياة الاجتماعية السليمة مجدداً، بل إنه يولد حالة من الحقد ومن النقمة على المجتمع والرغبة في الانتقام منه، وتحميله المسؤولية كونه لم يعمل على انخراط أحد أعضائه فيه ونبذه بشكل كامل ونهائي على الرغم من توافر أسباب الإصلاح له».

وطالب المستشار القانوني أيهم المغربي الجهات الحكومية والخاصة المباشرة بتعيين المواطنين المحكوم عليهم وعدم مطالبتهم بشرط رد الاعتبار، عملاً بالقانون الاتحادي رقم (7) لسنة 2001 والذي ينص على إعفاء المواطنين المحكوم عليهم من شرط رد الاعتبار عند تعيينهم في الجهات الحكومية أو الخاصة وذلك بعد تنفيذ العقوبة أو العفو عنهم أو سقوطها بمضي المدة، حيث إن القانون مازال ساريا وملزما ولم يلغَ صراحة أو ضمنا وذلك وفق الاستشارة رقم 3884 سـنة 2012 الصادرة بتاريخ 4 أبريل 2012 عن إدارة الفتوى والتشريع في دولة الإمارات العربية المتحدة..

 

نافذة أمل لعودة المدان «إنساناً»

يعتبر المحامي يوسف البحر رد الاعتبار «نافذة أمل» لعودة المدان في جرائم محددة إلى المجتمع إنساناً سوياً ويقفل الباب أمام خطأ أو جريمة ارتكبها، كما يمثل أسمى معاني «الروح القانونية» التي تعيد إحياء الإنسان فلا يفترض معاقبته طيلة عمره وإنما إعادة دمجه في المجتمع ليكون سوياً بشكل فعال وهذا الغرض من القانون، وأوضح أنه إذا توافرت الشروط يمكن تقديم طلب رد الاعتبار بعريضة إلى النيابة العامة يتضمن بياناته وتاريخ الحكم الصادر بحقه، فيما تجري النيابة العامة تحقيقاً بشأن الطلب للاستيثاق من تاريخ إقامة الطالب في كل مكان نزله من وقت الحكم عليه ومدة تلك الإقامة وللوقوف على سلوكه ومصادر ارتزاقه وبوجه عام تتقصى كل ما تراه لازماً من المعلومات .

يشار إلى أن رد الاعتبار هو مصطلح قانوني يراد به إزالة الآثار الجنائية من الصحيفة الجنائية للمحكوم عليه حال توافر شروط قانونية معينة، والغاية الأساسية من رد الاعتبار تخفيف الآثار الاجتماعية للأحكام الجنائية والتي قد تحول دون تمكن المحكوم عليه من العودة إلى المجتمع والانخراط به، وقد نظم المشرع الإماراتي رد الاعتبار بالقانون الاتحادي رقم (36) لسنه 1992 وقرر نوعين من رد الاعتبار وهي رد الاعتبار القانوني الذي يتم بقوة القانون دون حاجة لتدخل قضائي ورد الاعتبار القضائي: وهو بناء على طلب يقدم للنيابة العامة ويحتاج إلى حكم قضائي وكل منهما له شروط أعماله..

Email