قصيدة وطنية جامعة لمعاني الولاء والتربية والمجد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أعرف كيف أبدأ في قراءة هذه القصيدة الرائعة النابعة من قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وقصائد سموه كلها نابعة من قلبه.

لكن في هذه المرة أحس بأن سموه، حفظه الله، أنشأ أكثر من قصيدة في قصيدة واحدة، وصاغها بالشعر الفصيح المقفى الموزون، فسموه أرضى وأطرب الخليل بن أحمد الفراهيدي قبل أن يرضينا ويطربنا.

فهي كما تراها قصيدة تهنئة، وقصيدة مدح، وقصيدة إرشاد وتوجيه، ومن جانب آخر قصيدة فخر واعتزاز بأمجاد الآباء، وبأبناء سموه الذين غرس فيهم أمجاد الآباء، كما أنها قصيدة تربوية مشبعة بالعواطف الأبوية.

وفي الوقت نفسه قصيدة وطنية مفعمة بالولاء والإخلاص للقائد والوطن والشعب، وأخرى اجتماعية تتناول السلوك القويم الذي يجب على كل أب أن يربي أبناءه عليه، وفي النهاية قصيدة توصوية تنضح بعطر الأمانة وطيب الوفاء، وتشع بأنوار الحقيقة لإنارة الطريق تلو الإنارة أمام أنجاله الكرام الذين سوف يقودون الوطن فيما بعد.

نعم.. فرحة سموه هي فرحة آل مكتوم جميعاً، وفرحة آل مكتوم فرحة وطن، ومن لنا نحن شعب الإمارات بعد الله غير شيوخ الإمارات أعزهم الله ونصرهم على الحاسدين والحاقدين والمغرضين.

وإذا كانت مناسبة زواج سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي وسمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي وسمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، فرحة وطن، فمن حق الليل أن ينافس النهار في نشر الضياء، ومن حق البساتين التي كانت مقبلة على الذبول في فصل الصيف أن تنتعش من جديد، وتلبس حللها الخضراء ضاربة حر الشمس عرض الحائط، وكأن الصيف لم يحل على دبي بعد.

هذا ومن شدة فرحة الشيخ محمد بأنجاله، حفظهم الله، أعلنها على الملأ، واستهل بها القصيدة قائلاً:

لــيــلُ الإمــــاراتِ أفــــراحٌ وألــحـانُ

                             وفـــي سـمـاها مــنَ الأنــوارِ ألــوانُ

بَــــدَتْ بـحُـلَّـتـها الـخـضـراءِ فـاتـنـةً

                            وقَـــــدْ تــفــتَّـحَ بــالــنُّـوَّارِ بُــســتـانُ

والــرِّيـحُ سَـجْـسَـجُ والـبـيـداءُ قـافـيَةٌ

                          ربــوعـهـا بـجـمـيـلِ الــــوَردِ تــــزدانُ

ولا يكفي أن يعلن عن فرحته بهذا العرس البهيج بأسلوب الكناية، بل ذهب سموه وأعلنها تصريحاً بأسماء أنجاله المحتفل بهم وهم فخر الإمارات فقال:

وكيفَ لا وهيَ في عُرسٍ قدِ إحتَفَلَتْ

                         بــأحــمـدٍ ثُـــــمَّ مــكـتـومٌ وحــمــدانُ

فَــكُــلُّ ركــــنٍ بــــهِ عــطــرٌ وأغــنـيَـةٌ

                         وكــــــلُّ روضٍ بـــــهِ روحٌ وريـــحــانُ

ثم انظر كيف وفق الله سموه بسرد أسماء أنجاله المحتفى بهم سرداً تصاعدياً من الأصغر إلى الأكبر، وفي هذا السرد الموفق تظهر قدرة شاعرية ولفتة بلاغية جميلة، فكأنه أعلن عن فرحته التي بدأت بالشيخ أحمد وهو الأصغر، ثم كبرت أكثر بالشيخ مكتوم، ثم بلغت ذروتها بالشيخ حمدان وهو ولي عهده ومعقد آماله.

ثم بدأ سموه في شرح بدايات هذه الفرحة التي بدأت كالهلال الذي يبدو دقيقاً ثم يصبح بعد فترة بدراً عند اكتماله، وأنجاله الذين تولاهم بالرعاية منذ نعومة أظفارهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من علو الشأن، لولا أنه أشركهم معه في كل صغيرة وكبيرة، فاليوم إن سميتهم أشبال الأسد فهم كذلك، وإن سميتهم صقور الجو فهم كذلك، وإن سميتهم فرسان الميدان فهم كذلك، وإن سميتهم شعراء فحول فهم كذلك.

وقلما تجد أبناء الملوك والأمراء يجمعون بين كل هذه الخصال والمواهب، وقلما تجد أبناء العز والدلال يتربون هكذا أسود الشرى.

نعم.. نعم.. إنهم تربية فارس العرب الشيخ محمد بن راشد الذي يقول:

أنـجاليَ الـصِّيدُ أبـناءُ الـعُلا درَجـوا

                         عـلَى الـشَّهامَة مُـذْ كـانتْ ومذْ كانوا

ربٍّـيـتكمُ وســوادُ الـلـيل يـشـهَدُ لــي

                          كــمـا تُـرَبِّـي صـقـورَ الـجـوَ عـقـبانُ

وصـغـتكمْ بـيـميني صَــوغَ ذي أدَبٍ

                        فــصـرتُـم الــيــومَ لـلـعـلياءِ فــرسـانُ

أجل.. إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نال شرف التميز بين القادة، بعد أن تعهده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وسهر على صقل مواهبه ذلك الأب المعلم الذي يضرب به المثل في فهامته وكياسته وفراسته وسمو نبله.

وما يقال عن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مع أنجاله يقال اليوم عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مع أنجاله حمدان وإخوته، فصاحب السمو أراد لهم أن يكونوا قادة سادة وأصحاب ريادة، لذلك يقول:

عـلَّمتكُمْ أنْ تـكونوا فـي الـعلا شُهباً

                           تَـنْـقَضُّ إنْ عُـرِّضَـتْ لـلـظَّيمِ أوطــانُ

وكــــان كــــل مـــرادي أن أجـهـزكـم

                            لـلـمـجد إذ كـــان لــلأجـداد مـيـدان

إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ليس حاكماً فحسب، بل شاعر وأديب وحكيم ومعلم ومربي ووطني غيور ومصلح، ومحب لتاريخه وقيمه ومحب لبلاده، وقد غرس حب كل هذه الأشياء في أنجاله أيضاً، فهم اليوم العلم كله، والأدب كله، والخلق كله، والعظمة كلها، وقد لاحظنا أنجال سموه كيف يقدرون الناس في مجلس سموه، وكيف يحفظون لكل واحد مقامه، فيقدمون الأكبر والأعلم على أنفسهم، ولا يتقدمون عليهم رغم أنهم أصحاب المقال الأول دائماً.

لماذا هم كذلك؟ لأن سموه لم يدربهم على التعالي على الناس بل لقّنهم هذه المعاني السامية التي ذكرناها، ورباهم على هذه القيم وهم صغار، فلنستمع إلى سموه وهو يقول:

ومـنـهجي كـان فـي تـلقينكم وطـني

                          وحـب شـعبي فـحب الـشعب بـرهان

وكـــــان زايـــــد تــاريــخـا أدرســــه

                          لــكــم وأنــعــم بـــه لـلـمـجد عــنـوان

حـتى وصـلتم إلـى مـا كـنت أنشده

                          وأنــتـم الــيـوم لـــي فــخـر وتـيـجان

وإذ وصــلــتـم مــواصـيـل الــرجــال

                         وفـي سـن الـرجولة تـأسيس وبـنيان

نلاحظ في هذه القصيدة أنها ملحمة أدبية تربوية اجتماعية وطنية، تتدرج في قيمها من الطفولة إلى مرحلة الدراسة ثم مرحلة الشباب، وقد تولى سموه كل تلك المراحل بالرعاية والمراقبة والتوجيه والإرشاد.

وها هم اليوم بعد أن بلغوا سن النضج والكمال، وتحلوا بجميل الخصال، رآهم سموه وقد استعدوا لمرحلة جديدة ألا وهي الزواج، وقد عبر سموه عن تلك بأسلوب أبوي جميل، مفعم بالحب والإيمان والفخر فقال:

والــيـوم أكـمـل جـهـدي إذ أزوجـكـم

                        وبــالــزواج يــتــم الــديــن والــشـان

فـأكـرموا مــن لـهن الـحق واحـترموا

                        زوجـاتـكـم فـالـهـدى بـــر وإحـسـان

وفي هذين البيتين نرى التفاتة عجيبة وبراعة سامية الهدف جداً، حيث إنني أرى لأول مرة حاكماً في مستوى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يوجه أبناءه إلى احترام زوجاتهم، ولو كان غيره لوجّه هذا الطلب إلى الزوجات وآبائهن أن يحترموا أبناء سموه لأنهم أبناء شيوخ وحكام البلاد.

لاحظ كيف يختزن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المعنى الإيماني العظيم والسامي جداً في نفسه وفي مخيلته، وكيف يتواضع وهو حاكم، ويعلنه على الملأ بأنه وأنجاله أمام القيم يتساوون مع عامة الشعب.

وفي الوقت نفسه هناك معنى لطيف آخر ودقيق جداً، كأنه يريد بهذا أن يوجه أبناءه إلى رفع مقام المرأة أينما وجدت، فهؤلاء هن اليوم زوجات، ولكن في الوقت نفسه نساء كسائر النساء اللاتي أصدر بشأنهن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بصفته رئيس الحكومة، قانوناً يقرر تمكين المرأة، فهي من حقها أن تطالب بحقوقها ولا سلطة تستطيع أن تنزع منها هذا الحق.

ولم يكتفِ سموه بذلك بل وجه أبناءه وهم اليوم يتأهلون ويقودون الأسرة بأن يعاملوا الناس عموماً بالحسنى، وأن يختاروا الخيرين أعواناً لهم.

وطلب منهم هذا النهج لأنه نهج سلفه من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، وإلى الآباء الأولين جميعاً، ولا خير فيمن تخلّى عن نهج أجداده الخيرين، لذا قال سموه:

ولـتـلـزموا نــهـج آبـــاء لــكـم سـلـفو

                         فــجـدكـم راشــــد والــمـجـد أقــــران

وعـــامــلــوا الــــنـــاس بــالــمـعـروف

                         واخذوا بطانة الخير إذ للخير أعوان

لـكـم أبــارك مــن قـلـبي وأنـصحكم

                         نـصـيـحة مـــن أب يــحـدوه إيــمـان

بـــأن تـكـونـوا بـقـلـب واحـــد أبـــدا

                        بــذاك يـمـتد طــول الـدهـر سـلطان

أقول ما أجمل المطلع وما أجمل المختتم الذي دعاهم كإخوة أشقاء أن لا يختلفوا، وأن يستخدموا العقل قبل العاطفة، وأن يتذكروا أنهم يجمعهم أب واحد وأم واحدة، فمثلما كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عظيماً في تربيتهم، فإن سمو الشيخة هند بنت جمعة بن مكتوم كانت عظيمة في تربيتهم.

وإنني إذ أبارك وأشارك سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم اليوم في فرحته وهو اليوم مصدر السعادات والابتسامات في بيوتنا، أبارك وأشارك أم الشيوخ أيضاً في فرحتها، ولعمري لا تعادل فرحة فرحة الأم أيّ أم بولدها، فكيف لو كانت هذه الأم هي سمو الشيخة هند بنت مكتوم، وهذا الابن هو حمدان بن محمد وإخوته، اللهم احفظ الوالد والولد، واحفظ شيوخنا عموماً لقيادة البلد.

Email