الرئيس التنفيذي لـ«فرانس برس»:

دور وكالات الأنباء مهم في عصر المعلومات المضللة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد فابريس فريس، رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لوكالة الصحافة الفرنسية «فرانس برس» أن دور وكالات الأنباء بوصفها مصدراً أساسياً للمعلومات الموثوقة بات أكثر أهمية في الوقت الحالي في ظل الموجات المتلاحقة للمعلومات المضللة والأكاذيب التي تنطلق غالباً من منصات الوسائل التواصل الاجتماعي.

وأضاف فريس، خلال الجلسة الرئيسة لمنتدى الإعلام العربي، أنه على الرغم من فقدان الميزة النسبية الكبيرة المتمثلة في احتكار وكالات الأنباء لوصف «المصدر الأول والوحيد للأخبار» على مدى قرن ونصف من الزمان وتنازلها عنه مضطرة لشركات التقنية الكبرى، فإنها لم تفقد الكثير جراء هذه المنافسة الشرسة، وذلك بفضل ميزة الموثوقية التي اكتسبتها وكالات الأنباء بفضل الآلية المتكاملة التي تتبعها للتحقق من الأخبار.

أهمية متزايدة

وأرجع فريس الأهمية المتزايدة لعنصر الموثوقية إلى موجات المد المتزايدة من الأخبار المزيفة والمضللة التي أرخت بسدولها لتغطي وجه الحقيقة في كل أرجاء العالم، حتى باتت وكأنها منظومة إعلامية متكاملة تعمل في الظل ضد الإعلام النزيه، ما حدا بوكالة الصحافة الفرنسية التي تعد أقدم وكالة أنباء في العالم - إذ تأسست في باريس في العام 1835- إلى وضع محاربة الأخبار المزيفة ضمن أولوياتها وفي قلب أهدافها الاستراتيجية، لافتاً إلى أن انتشار هذه الأخبار وتداعياتها السلبية لم تتضح بعد على النحو الأكمل، بل ظهر منها ما يمكن أن نطلق عليه «قمة جبل الجليد».

وقال فريس إن الوكالة على مدار تاريخها الطويل اعتادت نشر الأخبار والتقارير عن الحقائق فقط وليس الشائعات، ولكن ذلك لم يعد كافياً في الوقت الحالي، لذلك بدأت في بذل جهود مضاعفة للعمل على فضح الزيف ومجابهة الأكاذيب والحقائق المشوهة، ما يعد تغييراً جوهرياً في آلية عمل الوكالة بغية تلبية متطلبات المرحلة الراهنة، لافتاً إلى أن عملية التأكد من صحة المعلومات تتطلب وجود صحافيين في الميدان ومختصين في تقنية المعلومات.

وأكد فريس أن الجهد المبذول في كشف الأكاذيب والافتراءات ربما يفوق حجم العمل الصحافي نفسه، لافتاً إلى ذلك التغيير المهم في طبيعة العمل الصحافي لوكالات الأنباء التي باتت مطالبة بتحري الأخبار والحقائق وتدقيقها بدلاً من مجرد جمعها وعرضها، حيث أصبح من الضروري أن يتمتع الصحافيون بالمعرفة الأساسية حول آليات عملية التحقق من المعلومات، فضلاً عن استخدام فريق من المختصين في التقنيات المصممة لاكتشاف الصور المزيفة والمركبة.

تحديات

وأشار فريس إلى أن حجم التحديات المرتبطة بعملية التحقق من المصداقية كبير جداً، لذلك قامت وكالة الصحافة الفرنسية بعقد شراكة استراتيجية مع «فيسبوك» للتأكد من مصداقية المحتوى المنشور على موقع التواصل الاجتماعي الشهير في 20 دولة، وبأربع لغات هي: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية.

وتابع: تسلك المواضيع، التي تُعالِج في جزء منها مضامين يتمّ تداولها على «فيسبوك»، المسار نفسه في التحرير والنشر الذي تعتمده وكالة «فرانس برس» في كل إنتاجها، وتقوم الوكالة باختيار المواضيع بهدف التحقّق منها بشكل مستقلّ تماماً، إذ يقوم فريق العمل عبر التعاون مع صحافيي فرانس برس الميدانيين للتحقّق من الأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي توجد شكوك في صحتها، فضلاً عن تقديم الخلفيات الإضافية الضرورية في بعض الأحيان، ومن ثم يقوم «فيسبوك» من خلال خوارزمية إدارة الأزمات المطورة للتعامل مع المحتوى المشكوك به بتقليل تقييم الأخبار والقصص التي تتأكد الوكالة من عدم صحتها، ومن ثم يتم حذفها أو على الأقل الحد من انتشارها بنسبة تصل إلى 80%.

وانطلاقاً من هذه النقطة، أوضح الرئيس التنفيذي لوكالة الصحافة الفرنسية أن دور وكالات الأنباء على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي مهم ولا غنى عنه، ما يعد أرضاً جديدة وفضاءً رحباً للولوج بقوة في طوفان الإعلام الرقمي والقيام بدور فاعل لضبط إيقاع ما بات يعرف باسم إعلام الجماهير، منوهاً بقدرة الوكالات الصحافية الرائدة على تقديم دعم قوي لكبرى شركات تقنية المعلومات في هذا المجال.

أبعاد

ولفت فريس إلى وجود أبعاد مختلفة للعلاقة بين وكالات الأنباء والشركات التقنية العملاقة، لا سيما في الجانب المالي والتمويلي، حيث تقوم منصات تجميع الأخبار في جوجل و«فيسبوك» بوصفها منصة تواصل اجتماعي، باستخدام كم كبير من المحتوى الإخباري المنتج من خلال وكالات الأنباء من دون أي تصريح، لجذب الجمهور والمعلنين، ومع الأخذ في الاعتبار أن ثلثي المستخدمين عالمياً يتابعون الأخبار عبر المنصات المطورة من قبل شركات التقنية الكبرى، معرباً عن أسفه أن يقوم 50% من هؤلاء المستخدمين بالاكتفاء بقراءة العناوين من دون زيارة الموقع الأصلي الذي تم نقل الخبر منه، ونتيجة لذلك تستحوذ شركات التقنية الكبرى على 90% من الإعلانات الرقمية، ما يعنى أن استثمارات وكالات الأنباء لتطوير منصاتها الرقمية لن تكلل بالنجاح، ما يوضح سبب الأزمات المالية التي تعاني منها المؤسسات الإعلامية حول العالم، والتي ينتج عنها تطبيق سياسات تقليل النفقات.

وأعلن فريس أن البرلمان الأوربي أقرّ قانوناً يُشكّل بداية مبشرة لإصلاح وتنظيم عملية حقوق الملكية الفكرية للنصوص الصحافية، حيث سيفرض على شركات تقنية المعلومات دفع جزء من العوائد المتحققة نتيجة لاستخدام المحتوى الخبري، مشدداً على عدم قدرة وكالات الأبناء على القيام بواجباتها في ظل الضغوط المالية التي تفرضها عمليات إعادة الهيكلة وسياسات ترشيد النفقات.

وعن الضغوط المالية التي تواجه وكالات الأنباء، والتي ترجع في الأساس إلى كبر حجم العمل، قال فريس إن وكالة الصحافة الفرنسية على سبيل المثال تنتج نحو 5000 نص، و3000 صورة، و250 مقطع فيديو في اليوم، وأكثر من 600 ساعة من التغطية الحية في الشهر، وهو ما يتطلب موارد مالية كبيرة، مشدداً على أن الوكالة نظراً لما تحظى به من شهرة كبيرة في مجال الصور الصحافية عالية الجودة تستثمر في الوقت الراهن في هذا المجال، إضافة إلى عوائد بيع مقاطع الفيديو.

وفي نهاية الجلسة، شدد رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لوكالة الصحافة الفرنسية على أن مستقبل وكالات الأنباء يكمن في مقدرتها على تبني آليات قوية ومتكاملة للتحقق من صحة الأخبار كي تعزز موقعها الحالي بوصفها مصدراً موثوقاً وعالي المصداقية بين فيض كبير من المستخدمين، علاوة على الاستثمار في نشر الثقافة الإعلامية بين الشباب والطلاب، لا سيما عبر تطوير الشراكة مع المؤسسات التربوية والتعليمية.

Email