تطوير برنامج إلكتروني للرقابة على الوصفات.. وعقوبات مشددة على «الكريستال » قريباً

الأدوية المراقبة بدائل قاتلة لمدمني المخدرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة ملف"الأدوية المراقبة بدائل قاتلة لمدمني المخدرات" بصيغة الــ pdf اضغط هنا

 

«عندما انفض الجميع.. علمت أن الأمر حقيقة، فكم هو صعب أن أصلي صلاة الغائب على روح والدي الذي رحل عن هذه الدنيا، وأنا خلف القضبان، كنت أتساءل حينها.. هل هو راضٍ عني؟.. كل ما أتمناه أن يرجع الزمن إلى الوراء، ويرى أبي ما حققته، كم هو صعب أن يرحل وأنا مقيد بأغلال المخدرات 17 عاماً، تحت وطأة الألم، وأسوار الندم على شبابي الذي ضاع هدراً، باختصار لقد عدت من الجحيم». بهذه الكلمات وصف الشاب المواطن خالد ل«البيان» رحلته المريرة مع المخدرات، التي كان يظنها بادئ ذي بدء مسكناً لألم صداع ألم به، حتى أدرك في نهاية المطاف أنه أسير مخدر «الترامادول» وسموم الظلمة في أوكار رفقاء السوء.

اليوم خالد متعافٍ من الإدمان منذ أربع سنوات، بعد فترة علاج طويلة قضاها في المركز الوطني للتأهيل، أصبح يعيش حياة طبيعية، متزوج ويكمل دراسته الجامعية، يردم ثغور الحرمان والألم في نفسه، يلم شتات أحلامه التي وئدت تحت ركام «السم الأبيض».. والتي بدأت بتذكرة ثمنها «خلني أجرب».

يروي خالد قصة كفاحه ويقول: القصة كلها بدأت من سيجارة كانت ترفاً لابد منه في فترة المراهقة، ثم بتعاطي الخمور بأوكار رفقاء السوء، ولم أتوقع يوماً أن أكون حبيساً لحبة ستقلب حياتي رأساً على عقب، كنت أعمل وأجني المال، لذلك كنت صيداً ثميناً لمن حولي، ابتعدت عن البيت، أصبحت لا أرجع إلا نادراً، شكوت ذات مرة من ألم برأسي، كان صداعاً حاداً، فأعطاني أحد زملائي حبة قال لي إنها ستريحني، أخذتها بلا هوادة لأسكت الألم، حسبتها «بنادول» ولكنها كانت «ترامادول»، وقتها لم أكن أعرف أنني مدمن، فكلما شعرت بصداع أطلب منه أن يعطيني، لكنه كان يطلب نقوداً بالمقابل، كنت أدفع لأعيش «بمزاج عالٍ»، ظهرت علي بوادر الإدمان، طردت من عملي ومن المنزل، أصبحت هائماً، أصبحت بلا وجهة غير أوكار السوء.

يتنهد خالد ثم يكمل حديثه من جديد: كنت أحتاج للمال، فبعد طردي من عملي هجرني من كان يعتقد أنني ثري، فأنا مفلس، وما حاجتهم لشخص مثلي، أصبحت سارقاً، أسرق كل ثمين حولي، فالآلام لم تكن تحتمل، وحاجتي للسم أصبحت شيئاً لا مفر منه، عرفت أسرار المهنة، فأصبحت أغوي الشباب ليدمنوا، أصبحت أخلط حبوباً طبية مخدرة متنوعة وأبيعها للشباب، وأجني المال، سجنت مرات عديدة، لكن بلا جدوى، فالسم نخر روحي وجسدي ومستقبلي، وبعدها بفترة، علمت أن أحد المراهقين ممكن اشترى من بضاعتي المغشوشة قد مات بسبب تعاطيه جرعة زائدة، لم أحتمل أنني أصبحت تاجراً «للموت»، تبت وعدت للتجارة السوداء من جديد، ثم قررت أنه لا عودة، وبدأت العلاج في عام 2014 في المركز الوطني للتأهيل بإمارة أبوظبي، كان أفضل قرار في حياتي، تم تأهيلي ومعالجتي جسدياً ونفسياً، لاسيما بعد وفاة والدي، الذي توفي قبل أن يعلم أنني قررت أن أعود من الموت إلى الجادة، 17 عاماً قضيتها في الإدمان على الترامادول والهيروين وغيرها، و4 سنوات ونيف من التعافي التام.

يتابع خالد: لست خجولاً من هذا الاعتراف؛ لأني قررت ألا ألتفت إلى الوراء، قررت أن أجعل أسرتي فخورة بي، تزوجت وأكمل دراستي العليا، وجاري البحث عن وظيفة مناسبة، الحياة جميلة بعيداً عن الأوكار، كنت في السابق حزيناً على شبابي الذي ضاع هدراً، لكني أصبحت أنظر للحياة بنظرة مختلفة، وأن كل ما مررت به كان أكبر تجربة أتعلم منها، أن الصحة والعافية وقبل كل هذا رضا الله سبحانه وتعالى والوالدين أعظم هدف يجب أن يكون نصب أعيننا.

موت بطيء

دهاليز مظلمة، ظاهرها نشوة وراحة ورجولة، وباطنها موت بطيء، بطرق تعاطٍ عصرية، مغلفة في إطار صحي، وقابلة للإدمان المباشر، دون حقن أو طحن، حبة واحدة تتجلى في سلوك انتقامي لتحطيم الذات كردّة فعل لواقع مؤلم أو محاكاة لعادات رفقاء السوء، فهذا الخطر الذي يهدد مجتمعنا ويقتل شبابنا أصبح جلياً في طرق كثيرة، إذ بات تزوير الوصفات الطبية، أوسرقتها في بعض الأحيان، هاجساً جديداً للمدمنين، وتحايلاً على الصحة والعقل لنيل «السم الأبيض».

تجريم

«البيان» نسجت الخيوط المترابطة للوقوف على حلول لإنقاذ المجتمع من هذا الغزو الأبيض، وفي ذلك يقول العميد سعيد السويدي، المدير العام للإدارة العامة لمكافحة المخدرات في وزارة الداخلية: في إطار التشريع القانوني ثمة قانون للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية يتضمن 8 جداول، وكل مادة مذكورة في هذه الجداول تأتي مكافحتها في إطار الوزارة، كما أن أي مواد أخرى غير مذكورة ويساء استخدامها وذات تأثير مخدر تندرج تحت القانون، لافتاً إلى ارتفاع نسبة الإدمان على العقاقير الطبية مقارنة بالمواد المخدرة الأخرى، وهو ما دفع الجهات المعنية إلى تطوير برنامج إلكتروني أحدث للرقابة على الوصفات الطبية، يشمل جميع المؤسسات والعيادات الطبية الحكومية والخاصة على مستوى الدولة والسعي لنقل مخدر «الكريستال» إلى العقوبات المشددة قريباً.

وقال: «لاحظنا أنه خلال السنوات الخمس الماضية، ارتفعت نسبة الإدمان على العقاقير الطبية مقارنة بالمواد المخدرة الأخرى، وتبعاً لذلك انطلقت العديد من الحملات، بالتعاون مع وزارة الصحة، ومن خلال هذا التعاون المشترك تم خفض نسبة تعاطي العقاقير المخدرة إلى 30% عام 2017، من خلال تطبيق الرقابة الإلكترونية على الوصفات الطبية للأدوية المراقبة، كما يجري حالياً تطوير برنامج إلكتروني أحدث ليشمل جميع المؤسسات والعيادات الطبية الحكومية والخاصة على مستوى الدولة».

مبادرة «سراج»

وأضاف السويدي: «تم استحداث لجنة وطنية عليا للوقاية من المخدرات تحت مظلة مجلس مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية عام 2016، للإشراف المباشر على جهود الوقاية من خطر المخدرات، وكان من بين الفئات التي تم التركيز عليها الطلبة، واستطعنا بفضل تضافر المؤسسات التعليمية والصحية مع وزارة الداخلية إلى خفض نسب الطلبة المتورطين في قضايا المخدرات وتعزيز السبل الوقائية، من خلال إطلاق العديد من المبادرات مثل مبادرة «سراج»، كم يجري حالياً العمل على سياسات جديدة لمشاريع رقابية وتوعوية مستحدثة لحماية الطلبة من المخدرات وتجفيف منابعها».

دور رقابي

وحول دور وزارة الداخلية في الرقابة على الأنواع الحديثة من المخدرات، قال السويدي: «نواجه تحديات جديدة كل يوم، وتظهر مواد مخدرة غير مدرجة في جداول المواد المخدرة المعتمدة، لذلك نقوم بتحديث الجداول بشكل دوري، لضمان الإحاطة بكل هذه المواد المخدرة الجديدة ومكافحتها، كما أن العقاقير الطبية من أكثر المواد التي يزيد عليها الطلب لسهولة الحصول عليها، وبعد فرض الرقابة المشددة على الوصفات الطبية للأدوية المراقبة، اتجه المروجون والمتعاطون إلى مخدر «الكريستال»، الذي يتم تهريبه من خارج الدولة، وانتشر كثيراً بسبب التهاون بفترة العقوبة، لذلك في هذا الصدد نقوم حالياً بنقل مخدر «الكريستال» إلى العقوبات المشددة.

حصن أسري

يؤكد الدكتور سامر مخول، استشاري الأمراض النفسية أن إدمان المواد الطبية المخدرة لها تأثير سلبي شديد على من يتناولها، حيث تؤثر هذه المواد على الجهاز العصبي، والشائع في المنطقة العربية تعاطي الترامادول واللاريكا والمهدئات مثل الزاناكاس والزانوم، والمحفزات العصبية.

وقال: «المشكلة في الإدمان تكمن في عدة أمور، فليس الأمر متعلقاً فقط بتعود الجسم على المادة المخدرة، فالتعود هو جزء من الإدمان، والمشاكل الأخرى تكمن في احتياج الجسم لجرعات أكبر ليأخذ نفس التأثير، يصبح الشخص غير فاعل وغير منتج في المجتمع وكل تفكيره في الحصول على جرعة من المخدر لتعديل مزاجه، وإهمال حياته وأسرته، ويعاني من المشاكل المادية والسرقة والجرائم ليشتري المواد المخدرة، ويكون عرضة للمشاكل ويؤثر عليه الإدمان وعلى سلوكه ولذا يميل إلى العنف في أغلب الأوقات، ويعاني البعض من ظروف قاسية في الحياة، فيلجأون للمخدر لكي يتناسوا ظروفهم».

 

تشريعات تنظيمية

إدمان يستشري في العروق، يروي «الكيف» لكنه يُظمِئ الصحة والروح، إذ لم تخلُ أروقة المحاكم من ملفات قضايا حول أطباء وعيادات خاصة وصيادلة يصفون الأدوية الطبية المخدرة لفترات طويلة، وقد تكون منتهية الصلاحية في بعض الحالات للحصول على ثروة غير مشروعة على شفير خيانة المهنة والتحايل والتزوير، وحول هذا الجانب تحدث الدكتور خالد الجابري، مدير دائرة تراخيص الرعاية الصحية والتعليم الطبي، عن الدور الرقابي الذي تنتهجه دائرة الصحة في أبوظبي على الوصفات الطبية لصرف الأدوية الطبية، إذ أكد أن عملية وصف وصرف الأدوية المراقبة تخضع لتشريعات تنظيمية من قبل الدولة، وقد وضعت وزارة الصحة بالتعاون مع دائرة الصحة أبوظبي والدوائر المحلية الأخرى معايير وشروط خاصة لوصف وصرف وتخزين الأدوية المراقبة وذلك لمنع سوء استخدامها وحرصاً على صحة المرضى، إذ من المعروف أن الأدوية المراقبة هي أدوية تحتاج إلى رقابة شديدة لخطورة النتائج، التي تترتب على سوء استخدامها، لهذا فإن هناك نماذج خاصة لصرف هذه الأدوية والتي يتم فيها تحديد الدواء والجرعة الموصوفة التي يجب صرفها من قبل الصيدلي بعد التدقيق على الوصفة عند استلامها، حيث يقوم الصيدلي بتسجيل البيانات الخاصة بالدواء والبيانات الكاملة للمريض في سجل الأدوية المراقبة قبل صرفها للمريض.

أرقام متسلسلة

وأكد الجابري أن الدائرة تقوم بتزويد المنشآت الصحية بالدفاتر الخاصة بالوصفات ويتم تسجيل الأرقام المتسلسلة الخاصة بالدفاتر في النظام الإلكتروني الخاص بالدائرة، وذلك لمعرفة المنشأة المسؤولة عن الدفتر وضمان تتبع الوصفة المراقبة في حال فقدانها، ويجب على المنشآت الصحية إبلاغ دائرة الصحة أبوظبي وأقرب مركز شرطة فور حدوث فقدان لأي من هذه الوصفات.

وأشار الجابري إلى أنه يتم تعيين شخص مسؤول من ممارسي الرعاية الصحية من قبل المنشأة لمراقبة عملية تداول وتخزين وصرف الأدوية المراقبة لديها، وبما أن تخزين الأدوية المراقبة يخضع لقوانين تنظيمية صادرة على مستوى الدولة يتم تخزينها في خزانه معدنية (شبيهة بالخزنة) مثُبتة على الجدار وبعيداً عن مرأى المرضى، كما يتم وضع كاميرات مراقبة لسلامة وحفظ الأدوية المراقبة ومنع أي شخص غير مخول له من الوصول إليها.

تدقيق

وأوضح أن إدارة التدقيق الصحي التابعة لدائرة الصحة أبوظبي تختص بمراقبة مدى التزام المنشآت الصحية والصيدلانية في إمارة أبوظبي بالقوانين والتشريعات المعمول بها، حيث يقوم فريق من مدققي الجودة الصحية بزيارة المنشآت الطبية والصيدلانية في الإمارة بشكل دوري، وفيما يخص الأدوية المراقبة يتم التدقيق عليها بشكل خاص، حيث يتم مراجعة سجلات تلك الأدوية ومطابقتها بأوامر الشراء والمخزون الفعلي للتأكد من عدم وجود أي مخالفة تخص الوصف والصرف.

ونوه بأن الدائرة قامت بالتعاون مع الشركة الوطنية للضمان الصحي «ضمان» بتطبيق نظام يستوجب الحصول على الموافقة المبدئية لشركة التأمين قبل صرف الدواء المراقب للمرضى، بعد التأكد من صحة الوصفة وتطابق الدواء الموصوف والجرعات المحددة مع التشخيص المرضي.

وحول الشكاوى عن فقدان أو سرقة وصفات طبية لأدوية مراقبة، قال الجابري: إن دائرة الصحة أبو ظبي تفرض على جميع المنشآت الصيدلانية الإبلاغ الفوري في حال فقدان أي من الوصفات الطبية المراقبة وذلك للمتابعة وإجراء التحقيقات اللازمة، كما يتم التنبيه على جميع الصيدليات من خلال التعاميم الصادرة والمتوفرة على موقع الدائرة، وذلك لضمان عدم صرف تلك الوصفات.

منصة إلكترونية

وأكد الجابري أن دائرة الصحة تطبق نظام الوصف والصرف الإلكتروني للأدوية المراقبة في بعض المنشآت الصحية المرخصة لدى الدائرة، حيث تم اعتماد هذه الأنظمة الخاصة بهم من قبل الدائرة، وذلك بعد دراسة كفاءته وموائمته لكافة المتطلبات والقوانين المعمول بها في هذا المجال.

وأفاد بأنه يتم حالياً إنشاء منصة إلكترونية لوصف وصرف الأدوية المراقبة والمخدرة على مستوى الدولة كمبادرة من وزارة الداخلية، بالتعاون مع وزارة الصحة والهيئات المحلية وبمشاركة فعالة من الدائرة لزيادة الرقابة والحد من استخدامها بطرق غير مشروعة وتعزيز سلامة استخدام الأدوية، ولوقاية المجتمع من الآثار السلبية الناتجة عن سوء استخدامها، وللقضاء على ظاهرة فقدان الوصفات الطبية الورقية نهائياً.

 

القول الفصل

رغم العقوبات المفروضة، وتضافر الجهود لتضييق الخناق على تفشي الأدوية الطبية المراقبة كمخدر لتعديل «المزاج» في مجتمعنا، نحتاج لوقفة جادة، فالخطر محدق والأرقام مستترة والترويج منعدم الضمير آخذ في التطور «تحت الطاولة»، والعقوبات أيضاً أصبحت غير رادعة لمروّجي السم الأبيض، فـ «البيان» في رحلتها للبحث عن خيوط الموضوع، تفاجأت بصد بعض الجهات عن الإدلاء بالمعلومات، أو إعطاء أرقام أو نسب للبدء بتشخيص دقيق وتحرٍ واسع للموضوع، حتى أهالي المرضى كانوا ينظرون للأمر بأنه «عيب» و«عار» منوهين في نهاية كل حديث مقتضب عن حالة أبنائهم، بجملة: «الرجاء عدم ذكر الاسم» وكأنهم يتحدثون عن نكرة، وينتهي اللقاء معهم برفضهم لنشر الحوار!، هل هكذا نتعامل مع مشاكل قائمة في مجتمعنا المترابط، فالمعطيات الحديثة ليست جلداً للمجتمع، إنما بدء علاج لإبادة الإدمان بشتى أشكاله، وتظافر مجتمعي يبدأ من الأسرة والمدرسة والمحيط المجتمعي وصولاً إلى الجهات المختصة، وهنا نطرح تساؤلاً: ألم يحن الأوان لمعالجة الوعي الغائب؟.

 

انتصار ذاتي

منتصراً ومبتسماً كمحارب عائد من حرب ضروس، بدأ علي برواية قصته: «يقال إنك لو أضعت ثروتك فإنك لم تخسر شيئاً، ولكنك إن أضعت صحتك خسرت كل شيء».

بدأت التعاطي بعمر 17 عاماً، حتى أصبح عمري 24 عاماً، إذ كنت أتعاطى الترامادول، الذي كان سهل الحصول عليه من مروجين أخفياء، وبعد شهر تقريباً، وصلت لمرحلة الإدمان، كنت أمر بمرحلة نفسية صعبة فترة المراهقة، كنت في البداية أشعر بالسعادة والفرح، وبعد فترة قصيرة جداً، بدأت الأعراض السلبية النفسية والجسدية بالاستحواذ علي، وبدأت تؤثر على أدائي وشخصيتي وتصرفاتي، وأصبحت أنفعل لأتفه الأسباب، وأنفعل لمجرد حديث أحدهم معي، مثلاً إن قال لي أحد: «شكلك متغير وعيونك حمرا» أبدأ بالصراخ، وكنت أحسد أهلي عندما أراهم غارقين في النوم وأنا لا أستطيع النوم.

يكمل قصته قائلاً: «كنت ذات يوم عائداً من جلسة تعاطٍ، وحصلت مشاجرة بيني وبين أهلي وفقدت السيطرة على نفسي، لأنني تحت تأثير المخدر، واعتديت على والدي وأخي، ثم توجهت إلى أعلى المنزل وربطت عنقي بـ «سلك كهربائي»، كنت أريد الانتحار ورميت نفسي، لكني لم أصب بأذى، كنت مغيب العقل».

يقول علي: «لم أفكر في التوقف، لكن بعد دخولي في عدة قضايا لجأت إلى برنامج الـ 12 خطوة لعلاج الإدمان، واستمريت لمدة بسيطة ولم أكمل، ولكن بعد آخر قضية مررت بها تعبت نفسيتي وتحطمت، كذلك خسرت الكثير، خسرت عملي ونفسي وصحتي». ويكمل: «في يوم من الأيام أتى إلي شخص وطلب أن يشتري مني حبوباً مخدرة «الترامادول»، فأرسلته إلى شخص آخر ليشتري منه، فقبضت عليه شرطة مكافحة المخدرات وأخبرهم عني، كانت هذه آخر قضية قبل العلاج، وأنا في طريقي إلى السجن، قلت لشخص في شرطة مكافحة المخدرات: أريد أن أتعالج ماذا أفعل؟ ومن هنا بدأ قراري للتخلص من هذا القاتل المدمر، وفور خروجي من السجن اتصلت بوالدتي وأخبرتها أنني قررت العلاج والتعافي، وسأتجه إلى المركز الوطني للتأهيل، لأجد نفسي وأحب ذاتي وأعوض هدر عمري المنصرم».

 

مريم الشامسي: مطرقة القانون لا تكفي

ترى المحامية مريم أحمد الشامسي أن جريمة تعاطي الأدوية الطبية المخدرة باتت تستشري في المجتمع بطريقة غير مسبوقة، فمن عام 2017 وحتى بداية 2019 تداولت حوالي 202 قضية مخدرات في أروقة المحاكم لمدمنين في أعمار مختلفة بدأت من المراهقة وتجاوزت سن التقاعد للبعض، حيث باتت هذه المواد المخدرة تنافس بشراسة أشكال المخدرات المعروفة، والتي كانت تحتل قصب السبق في السوق السوداء، ولم تعد حبة الدواء المخدرة مجرد مخدر عادي، بل ترفاً ومزاجاً من خليط أدوية أخرى توصلهم إلى النشوة المنشودة.

تشخيص

وتتساءل الشامسي، من أين يجب أن تمسك العصا للبحث عن المعقل الرئيسي لتفشي هذه الظاهرة وما هي الحلول الناجعة لردم ثغورها، قائلةً: «هذا يجعلنا نطرح عدة أسئلة للوصول لحقيقة هذه الظاهرة وأبعادها والحلول المناسبة للقضاء عليها، فمن سَبب تفاقم هذه الظاهرة؟ وكيف يتم الحد منها؟ ومن أين يجب أن يبدأ هذا التصرف؟ هل على الأسرة التي لابد أن توعي أطفالها بمخاطر هذه الأدوية وعدم قبول أي دواء من شخص لا يعرفونه؟، أم على ذمة بعض الأطباء والصيادلة، الذين يتاجرون بصحة أبنائنا بإهمال ولغايات بعيدة عن معاني الطب الشريفة التي يحملها الرداء الابيض النقي؟ أم القوانين ذات الاختصاص التي يجب أن تطبق بشكل صارم يبعد كل من سولت له نفسه الاقتراب من هذه الآفة الخطيرة؟»

عقوبات رادعة

وأضاف: تتجلى الحلول في فرض عقوبات رادعة لأصحاب السوابق من تعاطٍ وإدمان بحيث يخاف بقية المدمنين من العقوبة فيبتعدون عن الإدمان قدر الإمكان، وإن كان ذلك خوفاً فهو أفضل من الدخول والخروج من السجن، وهو ما يخالف مفهوم العقوبة التي يفترض أنها تهدف إلى الردع ومنع الجريمة خاصة وأننا نتحدث عن فئة كبيرة في المجتمع، والكثير منهم وقع في هذا الفخ بدون إدراك، وهو ما يستوجب التدخل من جميع من هم حول المدمن ابتداءً بأسرته وانتهاءً بالجهات المعنية للوصول لعلاج كامل لهذه الفئة، فنحن نتحدث عن هوس طال القُصر قبل الشباب، عن وباء نال من النساء قبل الرجال، نتحدث عن جيل قاب قوسين أو أدنى من الموت، نتحدث عن قضايا يشيب لها الرأس وينكسر لها القلب، فمطرقة القانون بدون سندان الرقابة وتعاون المجتمع لن تكون ذات جدوى، ولن يكون لها صدى، إنه عمل يقوم على تضافر المؤسسات قاطبة والأسرة أولها، فالمدمنون يحتاجون لاحتضان أسرهم ومجتمعهم لأنهم مرضى لا يكونون مسؤولين عن تصرفاتهم تحت تأثير المخدر، وما إن يبدأوا بالعلاج، حتى يعودوا كما كانوا، فإما أن يقف الجميع لعلاج هذه الظاهرة، وإلا لن نحصل على التغيير المنشود.

 

«ص.أ» العائدة من الموت

تمتلِئُ جيوب كلماتها بملامح مبهمة، تركض الهموم خلفها كالضباع الجائعة، تنهش ما بقي لديها من صحة وانفتاح ذهن، المواطنة «ص. أ» فتاة في العقد الثالث تحكي لـ«البيان» قصتها وهي تنقب عن وجهها في مرايا حياتها المبعثرة، تمزق وجوه الخيبات التي تسترق النظر إليها، حينما كُشف أمرها، وهي فاقدة للوعي في أحد الشوارع العامة بسبب جرعة «كيف» زائدة، تحشر نفسها في ألف سؤال، تتبعثر بصمت، ثم تسرد قصتها بجرعة مفرطة من اليأس: «أنا حامل، وبكل بساطة، هربت من كل شيء، من كل عثرات حياتي وطلاقي من زوجي الأول، الذي تركني بعد أن اكتشف أني مدمنة، كنت وقتها أريد أن أثبت له أنني أستطيع النجاة، كنت أريد ألا أخذله، فانتسبت لمركز التأهيل، ثم تعافيت، لكني مررت بانتكاسة وعدت للوكر المظلم مرة أخرى بعد زاوجي الثاني، فأنا مدمنة على «الترامادول واللاريكا»، توفيت أمي وهي تحاول جادة أن أعود إلى الجادة، فقدت كل الدعم، أقولها بألم لا أحد يدعمني، وكان الملاذ الوحيد هو زوجي المدمن» تضحك ثم تكمل: «إذا كان رب البيت بالدف ضارباً.. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص»، أحاول أن أنجو، أحاول أن أعود للصواب، أحاول أن أكون أماً صالحة لطفلٍ منتظر».

«ص.أ» قصة ضمن مئات القصص المستترة خلف «العيب» في مجتمعنا، إذ إن إحصائيات تفشي ظاهرة الإدمان على المواد الطبية المخدرة تظهر للعيان بحضور خجول، إذ امتنعت العديد من الجهات المعنية تقديم إحصائيات حديثة لـ «البيان» خلال السعي الحثيث لإيجاد حل لهذه المشكلة، فخلف جدران مراكز التأهيل حكايات كثيرة لابد أن تروى، لتصل إلى شذرات النور المُلوِحةِ من بعيد خلال نفق مظلم من الآلام والحسرات، يتجرع كأسها المسموم أبناؤهم وعائلاتهم، إذ حكت لـ«البيان» نساء كثيرات قصصهن ورفضن الإفصاح عن أسمائهن لأنه «عيب» ولأن عائلاتهن التي تخلت عنهن ترفض أن يظهرن للعلن لأنهن «عار»، وهنا ترتسم خطوط عريضة لابد أن نوجد لها حلولاً تتعلق في إعادة تأهيل أسر ضحايا «المؤثرات العقلية» من النساء، وكيفية تعاملهن مع المريضة «الضحية»، وتقبلها وإعادتهن إلى كنف العائلة بروح جديدة، فهذا الجزء الأكبر من العلاج والذي يغفل عنه الكثير!

 

علي المرزوقي: الإدمان مرض مزمن ومنتكس ويحتاج المواظبة على العلاج والمتابعة

أكد الدكتور علي المرزوقي، مدير إدارة الصحة العامة والبحوث في المركز الوطني للتأهيل بأبوظبي، على أهمية التركيز على المتابعة الطبية المستمرة للمريض، فالإدمان مرض مزمن كمرض الربو والسكري وغيرها من الأمراض التي تحتاج لمواظبة على العلاج والمتابعة، والانتكاسة واردة عندما نتحدث عن الإدمان، فيمكن للمريض المدمن أن ينتسب لمركز التأهيل وتتحسن حالته، ومن ثم يخرج ويمارس حياته بشكل طبيعي، لكن- وهذا وارد جداً- أن يمر بمرحلة انتكاسية، ولدينا الكثير من المرضى تم علاجهم لسنوات ومروا بمراحل انتكاسية، وتكون لأي سبب بسيط يتعرض إليه المدمن، ومعظم المرضى ملتزمون بمتابعة البرامج العلاجية، وهذا يدحض الاعتقاد السائد بأن مرور مريض الإدمان بحالة انتكاسة بعد العلاج هو بسبب ضعف إرادته في العلاج والعودة للجادة، لكن الأمر طبي بحت وله علاقة بجسمه وتأثير المرض على دماغ المدمن، ولذلك نؤكد على المرضى في حالة التعرض لانتكاسة أن يعودوا للمركز لتلقي العلاج اللازم.

وتابع المرزوقي: مركز التأهيل يوفر كافة مراحل العلاج اللازمة، بدءاً برامج إزالة السمية التي تستمر من 5 إلى 10 أيام وقد تصل في بعض الأحيان إلى أسبوعين، وهذا يعتمد على مدة التعاطي ونوع المادة المخدرة وعمر المدمن وغيرها من العوامل، وصولاً إلى برامج التأهيل والسلوكية والحياتية والنفسية، وخلال الفترة هذه نركز على بناء شخصية المريض، وإعادة نظرته للحياة، والتعمق في الأسباب التي دفعته للإدمان، والتعامل مع هذه الأسباب بطريقة مدروسة، إذ تتم الجلسات الفردية بادئ ذي بدء مع الأخصائي النفسي والاجتماعي، لفترة تستمر من 3 إلى 4 أشهر حسب طبيعة كل مريض وتقبله للعلاج.

وتتلخص المرحلة الأخيرة في دمج المريض مع غيره من المرضى في جلسات جماعية لمشاركة تجاربهم ومشاكلهم.

ومن ناحية أخرى، لفت المرزوقي إلى أن مركز التأهيل يقدم العديد من الدورات مثل دورات الكمبيوتر واللغات وغيرها لتأهيلهم لسوق العمل لاحقاً، وحالياً تم التواصل مع بعض الجهات التعليمية لتقديم برامج تدريبية معتمدة، بحيث يحصل المريض على شهادة جامعية أو شهادات معتمدة تفيده عند تقديمه لوظيفة، ونأمل خلال الفترة القادمة بإطلاق هذا البرنامج بشكل رسمي.

 

Email