عززت دورها النوعي بمبادرات فردية وعامة

حضور آسر للمرأة في فضاء الإبداع الثقافي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسهمت المرأة على نحو فاعل في الحراك الثقافي والفكري داخل المجتمع، سواء من خلال الإبداع الأدبي أو عن طريق الصالونات الأدبية والكتابات الصحفية، وعززت دورها داخل مؤسسات التعليم المختلفة، فضلاً عن حضورها المؤثر في منظمات المجتمع المدني.

ومن هنا، فإن حضور المرأة له دور محرك في المشهد الثقافي والفني، ويمتاز بالنوعية والديناميكية، لا سيما أن الثقافة في حياة المرأة لا تتوقف عند حدود معينة، فهي ممارسة مستمرة تتجاوز التفاعل اليومي والبحث اللحظي، وتندرج ضمن مبادرات نوعية وفردية، تصل إلى مستوى المشاركة في بناء مؤسسات ثقافية، ويحركها الإيمان بأهمية الاشتغال على تعميق التجربة الإبداعية، في الفضاء الثقافي.

صناعة المستقبل

وفى السياق، تشير نورة خمّاس، المديرة التنفيذية لمشروع «الرحالة» إلى أن دور المرأة لم يعد محصوراً في دائرة من التمايز بين الجنسين، إنما أصبح دوراً مؤثراً على نحو ملموس، لا يقبل العزل والحصر في أدوار معينة أومحدودة.

اليوم المرأة لديها متسع كبير من الفرص والدعم والحرية، ما يجعلها تصنع الواقع والمستقبل الذي تحلم به وتُخطط له، ولذلك، فإن جزءاً كبيراً من حرية المرأة في إبداعاتها هو حصادها المعرفي الواسع، وهو ما أهلّها لتحديد أولوياتها والمساحة التي تود أن تُبدع فيها.

سينما المرأة

وترى بثينة كاظم، مؤسسة سينما عقيل للأفلام المستقلة أن عطاء المرأة وقصص نجاحها كانت من أبرز المحاور التي تدعو للفخر، ولطالما كانت ضمن برنامج عروض المؤسسة، وذلك لتكريس جهود المرأة ونوافذ الإبداع، الذي تبثه في كافة القطاعات إلى جانب دورها المجتمعي. وخلال شهر مارس، احتفالاً بيوم المرأة العالمي، تحتل النساء مركز الصدارة في الأعمال التي سوف تعرض للجمهور في دبي.

ومن أهم تلك الأعمال التي توثق لدور المرأة «بنات الشمس» للمخرجة الفرنسية إيفا أوسون، في فيلمها الذي شارك في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة في مهرجان كان السينمائي.

وحاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان الفيلم السياسي في بورتور فيسينو – فرنسا 2018، إلى جانب رائعة المخرج وكاتب الرسوم المتحركة المخضرم ميشيل أوسيلوت «دي ليلى في باريس»، الذي ترشح لجائزة أفضل فيلم «أنميشن» في مهرجان كتالونيا السينمائي الدولي، كما سوف يتم عرض الفيلم الوثائقي الخاص بتجربة الفنانة يايوي كوساما التي صاغت ممارسة فريدة امتدت على مدار ستة عقود.

حيث بدأت دراستها عن اللوحة اليابانية التقليدية في عام 1948، ثم سعت بعد مدة قصيرة لخوض عمل فني أكثر تجريبية بما يتعلق باللوحات اليابانية التقليدية، وذلك بعد انتقالها إلى نيويورك في عام 1957، وقبل أن يتوسع نشاطها نحو مجالات النحت وعروض الأداء، والطباعة، والتصوير الفوتوغرافي والعمل التركيبي.

ومن جانب آخر فإن الجمهور على موعد مع فيلم «كفر ناحوم»، الذي طال انتظاره للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، وهي واحدة من أشهر الشخصيات النسائية في السينما العالمية اليوم، وهي حائزة على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي في دورته 71.

رفعة وتألق

ومن جهتها، قالت نائب مدير مركز «تشكيل»، ليسا باليتشغار: «من المهم ‏أن نعي تماماً، ونحن نسلّط الضوء على إنجازات المرأة في الحراك الثقافي النسوي، الأثر الذي يتركه دور المرأة في الحياة المهنية والعملية على مدار العام، لا في يوم المرأة العالمي وحده. ‏لقد لعبت المرأة دوراً حيوياً في تنمية مختلف المجالات الحياة، لا سيما في التعليم والمجتمع والثقافة والفنون، حتى قبل قيام الاتحاد.

‏فمن معلمات الفن الأوليات إلى الفنانات المبدعات اللواتي كن مشاعل إلهام لأبناء الأمة، برزت ‏أسماء لامعة مثل مايلة أتاسي والعنود الورشو وأليسون كولينز اللواتي أقمن المعارض الفنية في أنحاء الدولة، ونجاة مكي التي اشتهرت بأعمال فنية إبداعية، فضلاً عن شخصيات نسوية بارزة كنّ قيّمات على الفنّ كالشيخة حور القاسمي».

ومنذ أن افتتح مركز «تشكيل» أبوابه قبل 11 عاماً، شهدنا نمو المشاركة الفنية النسوية لفنانات أصررن، بروح عالية وعزيمة لا تلين، على اتخاذ الإبداع منهجاً ظلّ يُغذي الحراك الثقافي والمجتمعي حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من رفعة وتألق.

 

مواجهة التحديات

وبمناسبة يوم المرأة العالمي، وجهت إيمان ميرزا المدير العام لأول صالة عرض سينيبولس في الشرق الأوسط رسالة للنساء اللواتي يرغبن بالدخول إلى صناعة السينما، حيث قالت: «يعد تخطيط وتحديد الأهداف من الخطوات الرئيسية والأولى لضمان الوصول إلى النجاح والتميز.

لا بد من مواجهات الكثير من التحديات خلال المسيرة المهينة والإخفاق هو أمر صعب، ولكن الأمر الأهم هو عدم الإحباط والمحاولة مجدداً، ومتابعة الطريق بالمثابرة نصل إلى النجاح».

وأضافت: «لا أعتقد أن هناك ما يمكن قوله بشأن دور المرأة على مستوى المؤسسات والشركات، وخاصة أننا نشهد اليوم ازدياداً كبيراً في أدوراهن في مختلف المجالات بمنطقة الشرق الأوسط، لذا لا بد من تغير النظرة التقليدية للمرأة في مختلف المجتمعات.

كان المجتمع الذكوري يحظى بأهمية كبيرة في مجال الأعمال، أما النساء فيعتبرن أقل كفاءة، ومكانهن في البيت ودورهن الرئيسي هو تربية الأولاد، لذا كان لا بد من تغير هذه النظرة السائدة، وتمكين المرأة في مجال الأعمال لتنال المرأة حقوقها بشكل طبيعي».

إنجازات مؤثرة

وفى السياق، تؤكد شيماء راشد السويدي، مديرة إدارة التسويق والاتصال المؤسسي في دبي للثقافة، أن النجاحات الكثيرة والإنجازات المتميزة التي حققتها المرأة الإماراتية، والمكانة المرموقة التي وصلت إليها في غضون أقل من خمسة عقود، هي مصدر فخر واعتزاز في نفس كل فتاة في دولة الإمارات.

حيث ترى أن الفضل في ذلك يعزى إلى الدعم الكبير الذي حظيت به من القيادة الرشيدة، وتبرز تجربة بنت الإمارات على نظيراتها من نساء العالم، ليس من حيث التطور المحرز في غضون زمن قياسي، وإنما لكفاءتها في تحمل المسؤوليات الجسام، وإظهار جدارة فائقة لا تقل عن الرجل، حتى عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا المعاصرة والفضاء والذكاء الاصطناعي، وغيرها الكثير.

وتضيف شيماء: إن خطط التنمية والتطوير التي وضعها، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع قيام الاتحاد، كانت تستلزم انخراط رجال الوطن ونسائه في كافة القطاعات الحيوية، للنهوض بالبلاد في جميع المجالات التربوية والإعلامية والثقافية والفنية والإدارية، وكل ما يمس الحاجات اليومية للمواطن والمقيم.

واستلزمت هذه الرؤية تأهيل أجيال متعاقبة من بنات الإمارات من خلال استقطابهن في كافة المراحل التعليمية، وتوفير كافة الحوافز لهن للحصول على أعلى المؤهلات.

واليوم، يواصل الخلف الصالح بمشاركة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، تطبيق رؤية زايد على أرض الواقع.

وكان لهم ما أرادوا، بعد أن تمكنت بنات الإمارات من إثبات جدارتهن في كافة المناصب التي تبوأنها، سواء كان في العمل الحكومي والدبلوماسي والعسكري، وقدرتهن على المنافسة في القطاع الخاص، وحتى إطلاق المشاريع الريادية المبتكرة.

شغف الفنون

وقالت هالة خياط، مديرة إدارة الفنون الشرق أوسطية الحديثة والمعاصرة وكبيرة الاختصاصيين لدى كريستيز دبي، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إنها استطاعت قبل 11 عاماً أن تحوّل شغفها إلى مهنة بانضمامها إلى إدارة الفنون في دار «كريستيز» للمزادات في دبي، مضيفة أنها لم تكن يوماً تتخيل الإمكانيات التي قد تتاح أمامها في هذه المسيرة المهنية، فضلاً عن التقدير الذي لقيته وتلقاه السيدات المبدعات في مختلف حقول الفنون بالمنطقة.

وأشارت خياط إلى أنه لم يكن هناك سوى بضع زميلات يعملن في مضمار الفنون عندما بدأت عملها مع «كريستيز» في العام 2008 كاختصاصية.

مواهب نسائية

وترتسم في سوق الفنون الشرق أوسطية اليوم صورة متجددة تحضر فيها العديد من الشخصيات النسائية البارزة في المشهد الفني والتصميمي وحتى التعليمي، وفقاً لخياط، التي لا يغيب عن بالها أن «أول كتالوج لأي فنّان من المنطقة تمّت كتابته بمشاركة نسائية»، وتتذكّر أنه في العام 2006 عندما أقامت «كريستيز» أول مزاد فني في الشرق الأوسط «لم يتم تمثيل أية فنانة فيه».

وتابعت تقول: «في مزادنا المقبل يوم 23 مارس، نقدّم أعمالاً لفنانات من جميع أنحاء المنطقة بينهنّ خمس فنانات من لبنان، واثنتان من فلسطين، واثنتان من مصر، وفنانة واحدة من كل من العراق وإيران».

وأضافت: «نشأنا على مر السنين سجلاّت بالأرقام العالمية المحققة في المزادات على أعمال فنية لفنانات من تركيا وإيران وسوريا والأردن ومصر، وإنني أتطلع إلى مواصلة مساهمتي في نشر المعرفة ونقل الخبرة وإلهام الأجيال الشابة، لا سيما الفتيات، الإعجاب بتراثنا الفني والإقبال على العمل في هذا المجال الحيوي، الذي ينطوي على العديد من الفرص الحقيقية السانحة لإحراز النمو والتقدّم المهني».

ذائقة مبتكرة

وتشير أوريلا سوكو مديرة صالة «ارتيسيما» لعرض الأعمال الفنية إلى أن الفن لا يحمل أي جنسية، بل يحمل هوية كل شخصية مبدعة ومبتكرة تستطيع أن تقنع المتلقي في كل مرة أنها هي من فكرت وأنتجت.

وهو كذلك الحال مع السيدات في المجتمع الإماراتي اللواتي يسعين إلى تأسيس قاعدة جماهيرية تحمل اسمهن برصيد من الإبداعات في هذا المجال، التي تسهم في الوقت نفسه في زيادة رقعة التواصل الحضاري وفهم الآخر. وبالتالي النهوض بالذائقة الفنية للمتلقي أينما كان، وخلق جيل متميز يحافظ على الفن، لأن هذا الجيل ثروة مهمة لإرساء الإبداع في مجتمعاتنا.

إننا إن لم نسهم اليوم في الاهتمام بالفن المبتكر، الذي لا بد له أن يعكس صورة بالغة التعبير عن المجتمع، فلن يزدهر هذا الفن ولا ذاك المجتمع، ولن نجد شيئاً ثميناً نسلمه للأجيال التي تأتي بعدنا، ونكون حينها قد أعدمنا مفهوم الفن والابتكار واكتفينا باقتباس الأفكار، وهذا لن يعود علينا إلا بالتبعية للآخرين، لذا يجب أن نهتم بالفنان، ومسؤولية الاهتمام به تقع على عاتق المجتمع ككل.

الكتابة المتخصصة

وتقول أنطونيا كارفر، المديرة التنفيذية لمؤسسة فن جميل: إن «الكتابة والبحوث مجهود لافت له كل التقدير في أي مكان من العالم، وربما في الشرق الأوسط على وجه الخصوص.

وذلك لصعوبة نشر وتوزيع الكتب المتخصصة في الفنون سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، وللمرأة بشكل خاص جهودها المثمرة في هذا المجال، ويسر فن جميل أن يدشن أول جائزة للكتابة، ويسعدنا أن تفوز ناديا كريستيدي بالإقامة الفنية والتكليف الجديد، بموضوع شديد الأهمية والمتمثل في مستقبل أزمة المياه، وانعكاس ذلك على حياتنا الثقافية واليومية».

ومن الجدير بالذكر أن برنامج «فن جميل للتكليفات الفنية» هو برنامج سنوي، وإحدى أهم ركائز برامج مركز جميل للفنون بدبي، حيث يعكس أهداف المؤسسة في أن يصبح المركز مساحة استكشافية متعددة التخصصات ويجسّد رسالة فن جميل في دعم تطوير الأبحاث والمشاريع المبتكرة. وتشهد النسخة الثالثة للبرنامج في عام 2020 التركيز على فنون الرسم.

والبرنامج مفتوح للفنانين المواطنين أو المقيمين في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى الفنانين من بقية أرجاء العالم المهتمين بالمنطقة وتراثها وفنونها وتنوعها.

قدرات إبداعية

وتوضح الدكتورة كتورة زينب فرح، مؤسسة مشروع «بيت القنديل» الفني والثقافي، إن المقدرة على الإبداع والمشاركة الثقافية تكاد تبدو من الفطرة الإنسانية إذا ما توفرت الظروف الملائمة والتشجيع من الأقارب والأصحاب والدعم من المؤسسات المعنية.

وهذا ما نراه في الحراك الكبير الذي نجده في مجتمعنا في كثير من المجالات الإبداعية والثقافية والفنية، وذلك بفضل تشجيع أولياء الأمور للمبدعات والمثقفات، فهذا التشجيع فجر الزخم الذي نشاهده وتبرز فيه كثير من المبدعات والمثقفات.

وتقول الدكتورة زينب: المميز في هذا المشروع أنه يقدم أساسيات هذا الفن للمبدعين من مختلف الجنسيات والمجالات، وهم يقومون بتطبيقها بطريقتهم.

وتضيف: هناك تجارب كثيرة مثيرة للاهتمام عايشها هذا المشروع، فهناك سيدة كانت تقوم بتطبيق المبادئ التي تتعلمها في الورشة على المخبوزات، وأخرى قامت بتطبيقها على المجوهرات.

وأيضاً هناك من طبقها على العباءات، وحتى الحدائق، فهناك مهندسة مختصة بتصميم الحدائق والمرافق العامة، قصدت الورش لتتعلم أساسيات الفن الإسلامي لتطبقها على تصاميمها، فمعظم الباحثين عن هذه الورش هم من المصممين، والمهندسين، والفنانين، الذين يرغبون في تعلم أساسياته لتطبيقها في مجالات أعمالهم.

Email