بنية وقطاعات

الإمارات دولة قانون ترجمت الأقوال إلى أفعال

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر دولة القانون أسمى ما تصبو إليه المجتمعات المعاصرة وتحرص على توفير مقوماتها من دستور يؤسس الوجود القانوني للدولة والسلطة الحاكمة فيها، وتدرج القواعد القانونية بما يضمن سمو بعضها على بعض، وخضوع الإدارة للقانون، والاعتراف بالحقوق والحريات الفردية، والرقابة القضائية، والفصل بين السلطات الذي يعتبر أهم هذه المقومات على الإطلاق.

ورغم حرص المجتمعات الحديثة على الظهور أمام مواطنيها والمجتمع الدولي بأفضل صورة لدولة القانون، وتكتظ دساتيرها وقوانينها بالنصوص التي تدعم النظرية، إلا أن التطبيق أمر آخر، فأرض الواقع تكذب النصوص في العديد من الأحيان، وتجعلها هباءً منبثاً.

يقول المستشار الدكتور شريف محمد غنام من الأمانة العامة للجنة العليا للتشريعات إن دولة الإمارات العربية المتحدة بحق، من الدول القلائل التي ترجمت الأقوال إلى أفعال، وكرست النصوص لخدمة أفراد المجتمع على أرض الواقع، وعمل قادتها وأولياء أمورها على تعزيز شعور كل أفراد المجتمع بالأمن والأمان، وضمان كل حقوق الأفراد والمؤسسات، وذلك من خلال نظام يكفل سيادة القانون، وعلو دولة القانون قولاً وعملاً. وهكذا، جمعت الدولة بشكل متميز إقليمياً وعالمياً بين النظرية والتطبيق.

مبادرات

وآيات ذلك كثيرة، منها: أولاً: المبادرات التي تطلقها الحكومة الاتحادية، وحكومات الإمارات التي ترفع من شأن القانون، وتجعل علوه هدفًا لها. وجسد هذا الواقع مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «دولة الإمارات هي دولة المؤسسات والقانون وتمتلك منظومة قضائية متميزة تستند إلى أحدث الآليات والنظم وتلتزم باستقلالية كافة الجهات القضائية والأمنية، لضمان تحقيق العدل وإرساء أسسه بين الأفراد في وقت قياسي، دون المساس بسيادة القانون أو الإخلال بأي من أحكامه».

وتنفيذًا لرؤية سموه، اعتمدت الدورة الثانية من «الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات» ضمن محور «حكومة المستقبل»، في جلسة عقدها فريق عمل «كفاءة النظام القضائي» في نوفمبر 2018، ثلاث مبادرات استراتيجية لتعزيز سيادة القانون وثقة المجتمع بالقضاء، وصولاً إلى تطوير المنظومة القضائية التي تسهم في تسريع عملية التقاضي والتنفيذ القضائي.

مشاركة

ثانياً: مشاركة أفراد المجتمع في عملية التشريع من خلال مساهمات الجهات الاتحادية والمحلية في اقتراح القوانين، وإبداء الملاحظات عليها لكي تخرج بشكل يلبي حاجات فعلية قائمة على أرض الواقع. وفي هذا الإطار اهتمت الإمارات في تجربتها الفريدة بتخصيص جهات تهتم بأمر التشريع وحده هدفها تحديد الاحتياجات التشريعية للجهات المعنية، وإصدار التشريعات، ونشرها للكافة، بل ومتابعة تنفيذها، وتطوير نصوصها عند الحاجة، ومن بين هذه الجهات: اللجنة العليا للتشريعات بإمارة دبي.

مواكبة

ثالثاً: لا تألو الدولة جهدًا في ظل قيادتها الرشيدة في مسايرة الأحداث والتطورات العالمية، والتحديث المستمر للقوانين في شتى المجالات؛ لكي تتماشى بل وتسبق في العديد من الأحيان التطورات التقنية والقانونية والاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي؛ فبين الفينة والفينة نقرأ عن قانون جديد، وتحديث نصوص قانون آخر، وتعديل أحكام ثالث.

ولهذا، استحقت الدولة بجدارة هذه المكانة المتقدمة في تقرير التنافسية العالمية للعام 2017/2018 في العديد من المؤشرات أهمها مؤشر «مرونة الإطار القانوني في التعامل مع التشريعات» حيث قفز ترتيب الدولة عالمياً من 20 إلى 13 محققاً 7 قفزات في عام واحد.

رابعاً: وعلى التوازي لتحديث التشريعات، تتبنى الدولة تحديث المنظومة القضائية وتزويد القضاء بالآليات التي تضمن سرعة ودقة عمله، وتوفير الوقت والتكلفة، كالتحول الذكي للنظام القضائي، والمحاكمات عن بعدw، وقضية اليوم الواحد، والأمر الجزائي.

بدائل

خامساً: توفير بدائل القضاء العادي التي تضمن سرعة الفصل في القضايا المتخصصة، كمراكز التوفيق والمصالحة، وفض المنازعات الإيجاري، ومراكز التحكيم الدولي، ومركز دبي للتحكيم البحري، وغيرها من المراكز المنتشرة في إمارات الدولة

سادساً: الاهتمام المتزايد برفع مستوى الكفاءات والكوادر البشرية العاملة في مجال القانون، سواء في المحاكم أو النيابات أو اللجان القضائية والتحكيمية، وغيرها من المرافق المندرجة تحت لواء العدالة.

وإذا كانت الأمثلة السابقة تعكس بوضوح تميز الدولة في مجال سيادة القانون، ونجاحها الباهر في وضع النظرية موضع التطبيق، فإنني اختتم بما انتهى إليه الفيلسوف الإسلامي أبو نصر محمد الفارابي - الملقب بالمعلم الثاني، حينما تحدث في كتابة القيم «آراء أهل المدينة الفاضلة» عن دور الأفراد المحكومين في إرساء دولة القانون، مؤكداً أن أفراد المدينة الفاضلة لا تتحقق سعادتهم إلا إذا ساروا على نفس نهج رئيسهم، وأن يصلوا إلى مستواه الرفيع في الفكر والنهج والتطبيق.

Email