لوحة فنية وأدبية وتراثية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعجبني العنوان: «تناغم»، لأنه عبّر عن الانسجام الكلي بين الضيف الزائر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وبين المستضيف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية.نعم وما أحوجنا نحن اليوم إلى التناغم والتلاحم والتوافق والتفاهم، في زمن تأزمت فيه المواقف.

وتعددت فيه المذاهب، وصار ما يفرقنا أكثر مما يجمعنا، فبالتناغم تتحقق الأمنيات، وتنقضي الحاجات، وبالتناغم يتم الإنجاز والبناء والتعمير، وبه نتفادى منزلقات التخريب والتدمير، وبالتناغم أيضاً يستمر الود والإخاء، وتقوى أواصر الألفة بين الأصدقاء.

ولكن عندما يحل التنافر والاختلاف محل التناغم، تتباعد القلوب بعضها عن بعض، وتكثر الأحقاد ويسود سوء الظن، وتموت الأمنيات في النفوس، كما تموت الأجنة في بطون الأمهات، وما أصعب جمع القلوب بعد تنافرها، وصدق الشاعر إذ يقول:

إن القلوب إذا تنافر ودها

مثل الزجاجة كسرها لا يُجبرُ

التقت الشقيقتان الإمارات بالسعودية، فكان التناغم سيد الموقف، والتقت الهوايات والروايات (حب الخيل والشعر) فكان التناغم زينة الملتقى، والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فكان الحزم والعزم رابطي الوصل بينهما، والتقى المحمدان محمد بن راشد ومحمد بن سلمان.

فكانت وحدة الهدف والمصير والغاية النبيلة نقطة الالتقاء والالتفاف من أجل المصالح الوطنية المشتركة.وقصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد استهلها ببداية شبه غزلية، توحي بأن الشاعر صاغ أبياته في جو شاعري غير عادي، مليء بالبهجة والانشراح، بعيداً عن التكلف اللفظي والمعنوي.

طـابـتْ لأغـاني وإبـتدىَ عـزفْ الألـحانْ

وتـبـسِّـمَتْ حــلـوَهْ سـحـرنـي هـدَبـهـا

وقد كشف فيها صاحب السمو نائب رئيس الدولة عن أكثر من لوحة فنية وأدبية وتراثية، وفيها إشارة إلى أجواء جديدة قد انفتحت واستجدت في المملكة، وصارت تلك النجود والسهول بيئة جاذبة، وموحية بأشياء كانت حبيسة فيما مضى من الزمن.

وفي القصيدة نلمس مدى اعتزاز صاحب السمو نائب رئيس الدولة بمواهبه وقدراته على التعبير، وثقته بنفسه الملهمة والمبدعة لدرجة أنه يقابل الفضة بالذهب، ويتحدى من حوله من أصحاب القدرات والمواهب حتى إنه يأتي بخوارق العادات، وما أجمل قوله:

إنْ صـاغـوْا الـفـضَّهْ هَـلْ الـشِّعْرْ بـأوزانْ

فــانــا أصـــوغْ مـــنْ الـمـعـاني ذَهَـبْـهـا

وآزيِّـــــنْ الــمـعـنـىَ ولا أبــنـيـهْ بــنـيـانْ

وآبـــلِّـــغ الــغــايِــهْ لــعــالـي سِــحِـبْـهـا

ويقول أيضاً:

وإنْ كانْ قالوا الشِّعرْ منْ نَفثْ شيطانْ

فـــأنــا شــيـاطـيـنْ الــقـصـيـدْ آغَــلِـبـهـا

هذا البيت ينبئ عن شخصية صاحب السمو نائب رئيس الدولة الاستثنائية، فهو هكذا تراه يقهر (بفتح الياء) ولا يُقهر (بضم الياء)، ويُعجز (بضم الياء) الآخرين ولا يعجز (بفتح الياء)، وله قدرة على الابتكار والكشف عن المستور، والوصول إلى الهدف قبل الآخرين في وقت أسرع من الضوء والبرق.

وكعادته، فإن صاحب السمو نائب رئيس الدولة شغوف بالخيل وولوع بحبها لدرجة أنه كان ينام في بدايات ممارسته لهذه الهواية في إسطبل الخيل معجباً بها ومراقباً حركاتها وسكناتها عن كثب، ومداوياً إياها من المرض والعطب، لذلك كلما سنحت الفرصة عاوده الشوق والحنين فأثنى على الخيل بما هي أهلها. وقد قال سموه عنها في هذه القصيدة:

ولـلخيلْ عـندي شـوقْ يـجري بشريانْ

الــلّٰــهْ غــلاهـا فـــي ضـمـيـري وهَـبْـهـا

وما عبّر به صاحب السمو نائب رئيس الدولة عن خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز يؤكد ما للملك سلمان بن عبد العزيز في نفس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من مقام ومعزة.

وفي الوقت نفسه لجلالته الأوّلية في كل شيء، في الصدارة والندرة والغلاء، فهو الجوهر الأندر، وقد عبّر سموه عن ذلك بقوله:

شـيخْ الـشيوخْ الـلِّي شبيهِهْ فما كانْ

مــاتـغـلِـبِـهْ حـــاجِــهْ إذا هـــــوُ رَغَــبْــهـا

ونلاحظ أيضاً أنه بقدر إعجاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بسباق القدرة الذي أنشأه هو أصلاً في دبي، جاء إعجابه بالسباق الذي أقيم في محافظة العُلا بالسعودية، وفي اعتقادي أن المحمدين قد تعمّدا إبراز اسم العُلا، لأنها أصبحت المستقبل الواعد، ففيها أقيم هذا السباق، ومنها كان الانطلاق إلى الأماكن الأثرية والتاريخية في المملكة، كمدائن صالح التي لأول مرة تطأها أقدام المتعطشين إلى رؤية الآثار فيها، وما أكثر الآثار عبر مناطق السعودية.

وحسناً فعل الأمير محمد بن سلمان عندما فتح مثل هذا الباب الذي ينم عن خير كثير وفكر مستنير، ويبشر بمستقبل أكثر انفتاحاً على العالم وتفهماً للواقع، لذلك فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عندما زارها قال عنها: حضارة جديدة يبنيها أخي سلمان وولي عهده على أرض المملكة.

و«مدائن صالح» قال عنها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، الذي كان يرافق والده في هذه الرحلة: «مدائن صالح مكان ساحر بكل ما تعنيه الكلمة من معنى».

وبالمناسبة فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، المحب للآثار والأماكن التاريخية، يهتم اليوم بمنطقة حتا التابعة لدبي، لذا فهو يحب أن يعيش تلك الأجواء الجبلية، ويعلم كم هي جاذبة للسياح والنفوس ومنعشة للأرواح.

ومن شدة إعجابه بما رأى في هذه الزيارة من أريحية ملكية، ومن ارتياحه لما يحققه الأمير الشاب من تقدم حضاري في المملكة عبر المرحلة السعودية الرابعة، فإن صاحب السمو نائب رئيس الدولة يخصه بالشكر، فيقول:

نــلـنـا الــشــرف وآقـــدر بــكـل عــرفـان

أخــــويـــه مــحــمــد ونــــــاس نــدبــهــا

وأما عن «مدائن صالح» فقال سموه:

وزرنــــا مــدايــن صــالـح الــلـي بقرآن

الله ذكـــــر ســبـحـانـه أنـــــه عــطـبـهـا

تــاريــخ حــافــل مـــا بـحـاجـة لـبـرهـان

مــــن الـلـيـالـي عــبـرت عـــن عـجـبـها

وكلمة «عطبها» تحمل إشارة إلى الحديث الوارد أن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، لما مر بالحجر (مدائن صالح)، قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين»، ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى أجاز الوادي. أقول وبعد قرون من الزمن أو بعد أعوام من الامتناع عن زيارة «مدائن صالح» كما ورد في صحيفة «الوطن» السعودية، دعا رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، الأمير سلطان بن سلمان، إلى زيارة الموقع الأثري، وقد استند إلى فتوى الشيخ بن منيع الذي زار مدائن صالح والعُلا مع اللجنة الدائمة للإفتاء، لتحديد موقع «مدائن صالح» لتكون مصدر رزق للفقراء منهم.

في النهاية، تمنى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للبلدين الشقيقين الإمارات والسعودية دوام الإزهار، وهو كذلك بفضل الله ثم بفضل القيادتين الرشيدتين في البلدين، فقال:

الله يــديــم الــــود ويــديــم الإحــســان

وتــحـيـا الـسـعـوديـة ويــحـيـا شـعـبـهـا

 

 

Email