قصيدة تنساب أبياتها مثل نهر من حرير

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه قصيدةٌ ذهبيةُ المعاني والمباني، تألّق فيها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دُبيّ، رعاه الله، على نحوٍ باهرٍ نابعٍ من فخامة شأن المناسبة، ومن كون القصيدة موجّهةً في جوهرها إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، فضلاً عن حفاوتها بواحد من أعزّ الأنشطة على قلب صاحب السموّ نائب رئيس الدولة.

وهو«سباق القدرة» الذي يمنحه سموّه من الاهتمام والعناية ما هو معروف من سيرته الاستثنائية في محبة الخيل وتجليات الفروسية، ليتشكّل من كل هذه المعاني الفريدة الجوهر البديع، لهذه القصيدة الفاخرة بكل المقاييس والتي تتأسس على مقدمة تشبه المقدمات الطللية التي كانت واحدة من أعرق التقاليد الفنية في الشعر الأصيل، مشتملةً على مطلعٍ غزليّ مرهف التركيب، وإحساس عميق بالذات الشاعرة القادرة على صياغة أجمل المعاني وأبدع القوافي وتنطلق بعد ذلك نحو غاياتها في تدفّق عجيب يسحر اللبّ، ويؤكد المكانةَ الشعرية المتميزة لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

طـابـتْ لأغـاني وإبـتدىَ عـزفْ الألـحانْ

وتـبـسِّـمَتْ حــلـوَهْ سـحـرنـي هـدَبـهـاَ

إنْ صـاغـوْا الـفـضَّهْ هَـلْ الـشِّعْرْ بـأوزانْ

فــانــا أصـــوغْ مـــنْ الـمـعـاني ذَهَـبْـهـا

هذه لحظةُ مجدٍ وطربٍ يفتتح بها صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، هذه القصيدة المُنسابة مثل نهرٍ من حرير، فالشعر في جوهره هو غناء النفس وخفقة القلب ولمعة الوجدان، ورضي الله عن شاعر رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ، حسّان بن ثابت الذي أكّد هذا التلازمَ العجيب الأكيد بين الشعر والغناء حين قال قبل أكثر من أربعةَ عَشَرَ قرناً:

تَغَنَّ بالشعر إمّا كنتَ قائلَهُ

إنّ الغناءَ لهذا الشعر مضمارُ

وهنا ينطلق صاحب السموّ نائب رئيس الدولة من هذا الحس الإنساني المرهف بروعة الغناء، وأثره على نشاط النفس الإنسانية عموماً، وعلى نفسية الشاعر وروحه على وجه الخصوص، فقد طاب وقته وبدأ بعزف اللحن الجميل البديع على ربابة الوجد، وكيف لا ينشط القلب لهذا الجمال وقد أسعفته الأقدار ببسمة تسحر الروح جادت بها ظبيةٌ فاتنةٌ الطلعة، ساجيةَ الطرف والأهداب تسيل رقةً وعذوبة.

وتمنح الروح إحساساً عميقاً بالحياة الجميلة. وبموازاة هذا الإحساس بالجمال الفاتن للمرأة الرائعة، هناك إحساس لا يقلّ فتنةً وروعة عن الإحساس بجمال المرأة هو الإحساس بقيمة الشعر وبهجته وأثره الكبير في هيبة الشاعر الفارس صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، فإذا كان الشعراء وأهل القوافي يصوغون قصائدهم من حروف الفضة فإنّ صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، يصوغ حروفه وقصيده من عروق الذهب، وشتان بين الفضة والذهب.

وآزيِّـــــنْ الــمـعـنـىَ ولا أبــنـيـهْ بــنـيـانْ

وآبـــلِّـــغ الــغــايِــهْ لــعــالـي سِــحِـبْـهـا

وإنْ كانْ قالوا الشِّعرْ منْ نَفثْ شيطانْ

فـــأنــا شــيـاطـيـنْ الــقـصـيـدْ آغَــلِـبـهـا

ويتنامى الإحساس القوي بقيمة الشعر لدى صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، وأنه ليس من ناظمي الشعر الذين يقولون الشعر بلا روح ولا موهبة بل يبنون الحروف كما يبني البنّاء طوب البيت، لكنّ صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يبني قصيدته من إحساسه ولواعج قلبه وترانيم روحه، فهو يزيّن القصيدة بهذه المعاني الرفيعة، ولا يرضى لقصيدته أن تكون حروفاً مصفوفة فارغة من لمعة الوجد ونار الحنين.

بل يكتب قصائده من ذَوْبِ قلبه وجمرة حنينه لذلك كان شعره عميق التأثير في القُرّاء بسبب هذه الطبيعة الروحانية الفاتنة والتي لا يستطيع الإمساك بها إلا كبار الشعراء، فهو يبلغ بتجويد شعره أعلى الغايات حتى لو امتدّ به الأفق إلى السماوات العالية والسحاب الرفيع.

وإذا كان معروفاً لدى العرب منذ جاهليتها أن الشعر العظيم هو من «نفث الشيطان» ومن وحي الجنّ في وادي عبقر، فإن صاحب السموّ نائب رئيس الدولة يؤكد مقدرته الفائقة على ترويض القوافي دون استعانة بهؤلاء الشياطين الأسطوريين بل هو يتحدّاهم ويغلبهم ويتفوقُ عليهم.

حـــاشــا وكـــــلاَّ مــالـهـا عــنــدي آذانْ

وتـقـرانيْ أهــلْ الـكِـتْبْ مـا أقـرا كِـتِبْها

رزتْ الــزِّمَـنْ وأدري تـصـاريـفْ الأزمـــانْ

وآعـــــرفْ دقَّـــــاتْ الــقـلـوبْ وعِـجَـبْـهـا

إنّ شخصية صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، واضحة المعالم نزيهة المنابع فهو لا يستمع لكلمةٍ لا يرضاها لا في الشعر ولا في النثر، ولذلك يؤكد هنا على أن الشياطين ونفثها لا مكان لها في القاموس الأخلاقي، وهذا تعبير مجازي في هذا الموطن والمراد به كل إنسان يخرج عن سياق الأخلاق الفاضلة.

فالمعروف من سيرة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الطيبة، وكما ذكر في غير واحد من كتبه أنه لا يحبّ أخلاق النميمة ولا يستمع إلى نمّام، وهو نافذ النظرة في قراءة أحداث الحياة فقد راز زمانه واختبره بما فيه الكفاية، وتدرّب على مواجهة تصاريف الزمان وواجه من الأحداث ما جعل منه قائداً مقداماً لا يعرف التردد، خبيراً بدقات القلوب وخفقاتها بحيث يعرف عجائبها ومكنوناتها.

ولـلخيلْ عـندي شـوقْ يـجري بشريانْ

الــلّٰــهْ غــلاهـا فـــي ضـمـيـري وهَـبْـهـا

وعلاقة صاحب السموّ نائب رئيس الدولة بالخيل، مما لا يكفي فيه السطر والسطران ولا الصفحة والصفحتان، بل تحتاج إلى دراسة كاملة تبحث في أسرارها وتجلياتها وتغوص إلى أعمق نقطة من بحارها، فالخيل تجري من سموّه مجرى الدم من الوريد، ومن أراد أن يعرف مبلغ حبه لها فليرجع إلى قصائده العذبة في حبّ الخيل، وإلى ما كتبه في سيرته الذاتية الرائعة «قصّتي».

حيث تغلغلت قصة الخيل في معظم فصول الكتاب على نحوٍ لافت خلّاب، وها هو يؤكد في هذا البيت على الحب الراسخ للخيل في قلبه وشرايين دمه، ثم يكشف عن بعض السرّ في ذلك فإذا هو عطاءٌ إلهيّ منحه المولى سبحانه لقلب صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، في محبة الخيل وإعلاء شأنها، ومن منّا ينسى قصيدته الباهرة في محبة الخيل والتي وسمها بعالم الخيل والتي يقول في بعض أبياتها تعبيراً عن غلاوة الخيل في قلبه السامي:

من علّم الخيل أن باسمي تناديني

وأني إذا جيت مِ البِعد إتلقاني

إن جيتها بعد غيبة لي تحيّيني

ويضجّ الاسطبل بالترحيب حيّاني

يا كنّها تقول يا منوة العيني

طوّلت غيبتك واللي يحبّْ ولهاني

بعد هذا المقطع الذي يتحدث عن الذات الإنسانية كما يحسّ بها الشاعر تنعطف القصيدة نحو موضوعها الأساسي وهو الحفاوة بخادم الحرمين الشريفين، حيث تندفع حروفها محبة وتبجيلاً من قلب صادق وحفاوة مستحقّة لسيد الجزيرة:

وسـاعَـةْ دعـانا حـاكمْ الـوَقتْ سـلمانْ

ودايـــــــمْ تـــرانـــا دعْـــوتِـــهْ نــرتـقِـبْـهـا

دعـوَةْ مـلِكْ لـهْ في سما العزْ سلطانْ

قـــلــوبــنــا بـــغـــالــي ودادِهْ نَــهَــبْــهــا

شـيخْ الـشيوخْ الـلِّي شبيهِهْ فما كانْ

مــاتـغـلِـبِـهْ حـــاجِــهْ إذا هـــــوُ رَغَــبْــهـا

لـــهْ عـنـدنا مـقـدارْ عـالـي ولــه شــان

وجــيــنـا نــلـبـي دعــوتــه وإنـحـسـبـها

في هذا المقطع يفصح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد عن سرّ القصيدة وسبب إنشائها، فإذا هي موجّهة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي يحلّ من قلب صاحب السموّ نائب رئيس الدولة في مكانة جليلة تليق بمقامه السامي، فهو زعيم الأمة، ودعوته شرف وفخر يرتقبها صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، بقلب المُحبّ الصافي، وكيف لا يكون ذلك كذلك وهو ينظر إلى جلالة الملك سلمان على أنّه شيخ الشيوخ الذي لا يشبهه أحد من ملوك وقته، وقد جاء ملبياً لدعوته الفخمة، لأن له مقداراً عالي الشأن في نفس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يعرف أقدار الرجال وطيب الفرسان.

ســـبــاق لــلـقـدره لــخـيـل وفــرســان

وريــس الـعـلا فـرصـه لـمـن هــو لـعبها

وتـجـمـعـت لــخـيـار مــــن ذات لــعـنـان

تـــجــري بــنـامـوس ولا حــــد ضــربـهـا

ســبــاق قــــدره لـــه لـهـايـب ودخـــان

فـي نـفوس من ساس الخيول وركبها

فهذه هي المناسبة السعيدة التي كانت سبباً في كتابة هذه القصيدة، حيث زار صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، المملكة العربية السعودية تلبية لدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين، لحضور سباق القدرة الذي هو واحدٌ من أشهر سباقات الخيل في العالم العربي، ويمنحه صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، من الاهتمام ما يعكس محبته الطافحة للخيل.

وقد صوّر لنا مجريات السباق أبدع تصوير، رسم فيه ملامح الصورة عن خبرة واقتدار، فهو يعرف نفسيات الخيل والفرسان، وأن هذا السباق هو فرصة ثمينة لمن يستحق الفوز، وكيف أنّ الخيل الأصيلة تجمعت وانطلقت مثل السهام دون ضرب بل هي جارية مع ناموس تكوينها وطبيعة تدريبها، فكان هذا السباق المحتدم الذي يثير الغبار والدخان واللهيب ولا يصمد فيه إلا أشجع الفرسان وأكثرهم صبراً وخبرة في معترك النزال.

ولــنــا تــبــدى الــفــوز ظــاهـر بـعـنـوان

ومــاكــل مــــن راد الـمـعـالي كـسـبـها

إلا بــصــبـر وعـــــزم وإصـــــرار وإيــمــان

ونــفــوس تــتـحـدى صــعـايـب صـعـبـها

نــلـنـا الــشــرف وآقـــدر بــكـل عــرفـان

أخــــويـــه مــحــمــد ونــــــاس نــدبــهــا

بـــــه الـسـعـوديـة لــهــا زاد حــسـبـان

وفـــوق الــصـداره تـقـدمت فــي رتـبـها

ثم كانت لحظة الفوز وتحقيق الحلم، حيث ظهر واضحاً تفوق الفريق الصبور صاحب العزيمة والإرادة، فإن المعالي ليست سهلة المنال «وما نَيل المطالب بالتمني /‏‏ ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا» فكان هذا الفوز هو ثمرة التحدي وقبول التحدي وتحقيق المراد والارتقاء إلى رتبة الشرف العالية، مع تقدير صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لأخيه الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية.

ثم كانت خاتمة القصيدة، حيث توجّه صاحب السمو نائب رئيس الدولة، بالثناء على المملكة العربية السعودية وحكامها الكرام وشعبها الأصيل أهل الكرم والضيافة والنخوة العربية المتوارثة:

مـاقـصـروا فـــي شـــي ربـــع وإخـــوان

وديــــرة هــــل الـعـوجـا أهـلـنـا عـربـهـا

وزرنــــا مــدايــن صــالـح الــلـي بقرآن

الله ذكـــــر ســبـحـانـه أنـــــه عــطـبـهـا

تــاريــخ حــافــل مـــا بـحـاجـة لـبـرهـان

مــــن الـلـيـالـي عــبـرت عـــن عـجـبـها

فهذه هي أخلاق الكرام من أشقائنا السعوديين الذين هم أهلنا، ثم ذكر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، زيارته إلى مدائن النبي صالح ــ عليه السلام ــ الذين جعلهم الله تعالى عبرة لكل معتبر بعد أن كذّبوا نبيّهم وأسرفوا في البغي والصد عن سبيل الله فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.

وهو ما قصّه الله تعالى علينا من أخبارهم لتكون درساً لكل جبار عنيد، فالجزيرة هي مهد العرب والإسلام وتاريخها حافل بالمنجزات، وعلى أيدي فرسان الجزيرة الشجعان، تمّ نشر الإسلام وتغيير وجه التاريخ فلا ينكر فضلهم وبسالتهم إلا ناكر جحود.

واختتم صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هذه القصيدة البديعة بهذا البيت البديع الذي يُنضّر وجه الشعر ويُشيع الدفء والمحبة في القلوب حيث يقول:

الله يــديــم الــــود ويــديــم الإحــســان

وتــحـيـا الـسـعـوديـة ويــحـيـا شـعـبـهـا

قصيدة تنساب أبياتها كنهر من حرير

 

Email