#حكايات_لكبار _المواطنين

إبرة الصبر.. فهيمة سيد إسماعيل 60 سنة خياطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«هل تعرف ما هو الوفاء؟ إنه ذلك الخيط الذي يربط بينك وبين الإنسانية. مثل الخيط بين البكرة والإبرة. منذ الصغر علمونا أن نحفظ أجزاء ماكينة الخياطة. حفظتها قبل أن أتعلم صفحات المعرفة في الكتب. كان أهلي يعتقدون أن ماكينة الخياطة هي أعظم اختراع عرفته البشرية، كما وصفها ذات يوم المعلم غاندي. ولا يجوز لبنت أن تمتد قامتها وتنسدل جدائلها من دون أن تتعلم الخياطة. بوسعي أن أردد لك أسماء تلك الأجزاء عن ظهر قلب: مثبت بكرة اللف، مثبت الإبرة، القدم الضاغط، العجلة، المغذي، الغطاء.. وغيرها. كان بوسعي ربما أن أنسى أسماء جاراتي أو رفيقاتي، لكنه كان من المستحيل علي أن أنسى أسماء أجزاء الماكينة التي صاحبتني أياماً وليالي طوالاً، كانت لي فيها خير رفيق.

أنسج قماشاً لي وللأحبة. أحتاج إلى خمسة أيام لكي تكتمل القطعة الكبيرة. القطعة الصغيرة أنجزها في يوم. هذه تكون بحجم كفوف اليد، وبعضها لتزيين علب المناديل. علمتني الخياطة معنى الصبر، والتأمل. حين أنكفئ على الماكينة، واستمع إلى هدير الدولاب، أنسى كل هموم الحياة. أنفصل تماماً عن الواقع ويغدو كل تركيزي منصباً على حركة الأجزاء. حين تتابع حركة «المغذي» المثبت تحت لوحة الإبرة بأسنانه، وهو يسهل سحب قطعة القماش إلى الأمام، سيمر الوقت سريعاً وغير ثقيل.

الزمن هو الذي يشكل الهاجس الأكبر للجميع. الكل مشغول بالسؤال: كيف يمر الوقت، ماذا جنيت؟ ماذا سأفعل؟ حين تكون خياطاً ستعرف أن الزمن هو نسيج وأن المعنى هو في قطعة القماش التي تترك كأثر يدل عليك، بينما القش على القماش، هو بصمتك الخاصة، وهو شهادتك على الزمن.

إن سألتني عن أبنائي فلن أقول غير «الحمد لله». وإن سألتني عن الجملة الأكثر ترداداً على لساني فلن تسمع غير «الحمد لله». وإن سألتني عن الجملة التي أود لو بوسعي أن أطرزها على كل القماش الذي أخيطه فلن تكون أيضاً سوى «الحمد لله».

الحب والأخلاق والوفاء. ربما تكون هذه ثلاث كلمات فقط، لكنها بالنسبة إلي تشكل دعائم لحياتي كلها. من دون أخلاق لا يمكن أن ينبت أي حب. والوفاء يحتاج إلى حب. كما أن الأخلاق هي البيئة الحاضنة للحب. هكذا تكون جميعها مرتبطة ومن الصعب فك واحدة عن الأخرى.

لقد حصّلت أخلاقي من تربية أهلي ومن حفظي للقرآن الكريم في وقت مبكر من حياتي أثناء ترددي على «جمعية النهضة النسائية». أما الحب فأحصله كل يوم في بلادي التي يعتني قادتها بأبنائها من الصغير إلى الكبير. إن مجلس الوزراء بكل ثقله يناقش حياتنا وصحتنا النفسية والجسدية. هذا أمر نبيل للغاية، ولا يمكن أن يقابله الإنسان إلا برضى وشكر وتقدير؛ وكلمتي الأثيرة: «الحمد لله».

لو تأتى لي أن أخيط بنفسي قطعة قماش بطول كل الأيام التي عشتها ستكون.. علم بلادي!

 

 

علمتني الحياة

1 ــ الوفاء يحتاج إلى حب

2 ــ الزمن نسيج والأثر كأنه قطعة قماش

3 ــ ابحث عن هواية تنسيك هموم الحياة

4 ــ أن تحمد الله دوماً فهذا سر السعادة

5 ــ مواكبة التطور تبقي ذهنك حياً

 

يأتي في حلمي

1 ــ دولاب ماكينة الخياطة يدور وتهرب منه يمامة

2 ــ زجاج منثور في أطباق ملفوفة بقماش

3 ــ جراد يقف على شجرة لكنه يزقزق كالعصافير

4 ــ قماش أبيض يغطي البحر

5 ــ أمي تحضنني بقوة وتمسد على جبيني

Email