في دولة التسامح.. احترام الإنسان وكرامته خط أحمر

قانونيون مستنكرين فيديو «القفص»: الفكاهة لا تعفي من المسؤولية القانونية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يختلف اثنان على أن دولة الإمارات العربية المتحدة، بفضل إرادة قادتها وأخلاق مواطنيها وسلوكهم أصبحت منارة للتسامح والتعايش بامتياز، فاحترام الإنسان وكرامته خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأي مساس به يلقى استهجاناً واستنكاراً.

وعبر قانونيون ومواطنون عن استنكارهم لمقطع الفيديو الذي تم تداوله على مواقع التواصل مؤخراً، والذي يظهر فيه أحد المواطنين وقد حبَس آسيويين داخل قفص طيور، ليدفعهم إلى تشجيع المنتخب الوطني في مباراته لكرة القدم مع فريق الهند.

وقالوا: إن هذا التصرف دخيل على مجتمع تربّى على أبجديات التسامح، ولا يمثل أبداً الصورة المشرقة للمجتمع الإماراتي الذي يحتضن أكثر من 202 جنسية دون تفرقة بينهم، مؤكدين أن الفكاهة والمزاح لا يعفيان من تحمل المسؤولية القانونية لمثل هذا التصرف غير المسؤول، مشيرين في الوقت نفسه إلى ضرورة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بمسؤولية كاملة، ومشددين على أهمية التوعية القانونية بقانون الكراهية.

توعية بالقانون

حذر المحامي علي مصبح من سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً إذا تعلق الأمر بنشر مقاطع تمسّ الدين وسيادة الدولة وعلاقاتها بالدول الأخرى، مشيراً إلى أن عقوبات جرائم تقنية المعلومات تتضمن الغرامة 100 ألف درهم حتى مليوني درهم، وكذا الحبس، وقد تُغلّظ إلى السجن الذي لا تتجاوز مدته أقل من خمس سنوات، وقال: «لا شك أن برامج التواصل الاجتماعي باتت في انتشار واسع، ومع الأسف الشديد، فإن استخدامها توسّع، حتى صارت تنتج عنه جرائم، سواء من خلال نشر مقاطع مصورة أو صور، والمحزن المبكي أنه في كثير من الأحيان تكون المادة المنشورة لا تمسّ شخصاً بعينه أو شخصية اعتبارية، وإنما تمسّ عادات وتقاليد وأعرافاً وقوانين دول، بل تمسّ سيادة الدولة وعلاقاتها بالدول الأخرى».

قوة القانون

وقالت المستشارة زينب الحمادي، المديرة العامة لجمعية الإمارات للمحامين والقانونيين - فرع أبوظبي: «إن المادة 344 من قانون العقوبات نصّت على أنه يعاقب بالسجن المؤقت من خطف شخصاً أو قبض عليه أو حجزه أو حرمه من حريته بأي وسيلة بغير وجه قانوني، سواء أكان ذلك بنفسه أو بوساطة غيره»، مشيرة إلى أن المادة حدّدت على سبيل الحصر حالات يكون فيها السجن مؤبداً.

وأشار المستشار القانوني محمد الحضرمي، عضو مجلس إدارة جمعية الإمارات للمحامين والقانونين، إلى أن الإمارات دولة «إنفاذ القوانين»، وقال: «لم يتأخر المستشار حمد الشامسي، النائب العام للدولة، في الأمر بفتح تحقيق جنائي لظروف وملابسات الواقعة التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخميس الماضي، والتي تم فيها ارتكاب فعل مجرَّم قانوناً، وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على أن سيادة القانون تمثل أولوية قصوى للمسؤولين والمعنيين في دولة الإمارات».

واعتبر المحامي علي المنصوري أن الجريمة التي أقدم على ارتكابها المتهم تعتبر من الأفعال الدخيلة على مجتمعنا المحافظ، وقال: «باعتقادي أن صاحب الفعل توهّم أنه، بإقدامه على ارتكابه ممارسات تتوافق مع أحداث أو فعاليات معينة، سيسهم في رفع نسب وعدد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي زيادة قيمة الإعلانات التجارية وغيرها، متناسياً أن هذا الفعل مجرَّم وفقاً للقانون».

ملاحقة

بدوره، قال المحامي علي الخاجة: «مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في زيادة عدد السلوكيات الخاطئة الدخيلة على مجتمعنا المحلي، وهي في زيادة مستمرة، نظراً إلى ما تلقاه من رواج بين فئات المجتمع كافة، الأمر الذي يتطلب من المؤسسات المعنية اتخاذ الإجراءات الحازمة ضد كل من تسوّل له نفسه الاستهتار بحياة وحقوق الآخرين».

وأضاف: «على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المعنية في مختلف إمارات الدولة للتعريف بالقوانين ونشر الثقافة القانونية بين فئات المجتمع كافة، للحد من بعض الممارسات الخاطئة والدخلية على مجتمعنا المحافظ، يطل علينا بين الحين والآخر أشخاص مستهترون وغير مبالين للقوانين والقواعد التي تنظم وتحكم مجتمعنا».

وقال المحامي والمستشار القانوني عدنان محمد الحمادي: «لا شك أن الفيديو كان غير لائق، ولا يعبّر عن تصرفات المجتمع الإماراتي، فنحن دولة التسامح والتعايش، ولا بد أن نُظهر للعالم أجمل الرسائل الإيجابية»، مشيراً إلى ضرورة النظر إلى القانون قبل أي فعل، لأن التشريعات والأنظمة لم توضع إلا لتنظيم المجتمع، مطالباً بقياس الأمور ودراستها قبل الخوض في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي.

رسالة سامية

وأكد المحامي والمستشار القانوني راشد عبد الله الحفيتي إن القانون الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الخاص بمكافحة كل أشكال التمييز والكراهية، رقم 2 لعام 2015، يعتبر بمنزلة رسالة سامية إلى العالم أجمع، بأن دولة الإمارات تحث على نشر المحبة والوئام والتسامح بين أفراد المجتمع، ويأتي ترسيخاً لنهج الإمارات الثابت في احترام الأديان والثقافات الأخرى، ونشر مبادئ التسامح والمساواة، مشيراً إلى أن القانون يحترم حقوق جميع الناس.

‎وسلّط المستشار القانوني أيهم المغربي الضوء على أهمية قانون مكافحة التمييز والكراهية، إذ يحظر الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة، وفقاً لأحكام هذا القانون، والتمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني، كما جرّم القانون كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات، من خلال نشره على شبكة المعلومات أو شبكات الاتصالات أو المواقع الإلكترونية أو المواد الصناعية أو وسائل تقنية المعلومات، أو أية وسيلة من الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية، بمختلف طرق التعبير، كالقول أو الكتابة أو الرسم.

‎وأضاف: «عالمنا اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح الفعّال والتعايش الإيجابي بين الناس أكثر من أي وقت مضى»، موضحاً أن جريمة مصوّر الفيديو تندرج ضمن عقوبات قانون مكافحة التمييز والكراهية رقم 2 لسنة 2015، وقانون جرائم تقنية المعلومات رقم 5 لسنة 2012، وأيضاً قانون العقوبات الاتحادي، وعليه يعاقَب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن مئتين وخمسين ألف درهم، ولا تتجاوز مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب فعلاً من الأفعال المنصوص عليها أعلاه، بإحدى طرق التعبير، بموجب قانون التمييز والكراهية.

ويعاقَب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن مئتين و50 ألف درهم ولا تجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار. بموجب نص المادة 16 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

قيم التسامح

من جانبه، قال المستشار القانوني أشرف صقر إن دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ فجر نشأتها على يد مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بُنيت على التسامح ولين الجانب والتعايش السلمي بين مواطنيها والمقيمين فيها، وتسودها روح المحبة والتعاون، وكانت حريصة على إعلاء قيم العدالة والإنصاف.

وعلى هذا النهج، سار المشرّع الإماراتي فيما يشرّعه من قوانين تجسّد قيم الدولة ومبادئها وتوجهاتها، فكان حريصاً على نبذ التمييز والكراهية، ولم يكتفِ بالنصوص الفاعلة في قانون العقوبات الاتحادي، بل خصّص لذلك قانوناً خاصاً سُمي بقانون مكافحة التمييز والكراهية.

وقال المحامي سالم الكيت: «إن دولة الإمارات تمثل رمزاً للتسامح والتعايش، ففيها يعيش ما يزيد على 200 جنسية بحب وإخاء، وجسّدت التسامح فعلاً وقولاً في سياستها ونهجها، بين جميع أطياف الشعب، حيث لا يفرق القانون بين المواطن والمقيم، انطلاقاً من نهج المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد الذي أسّس الدولة نموذجاً رائداً إقليمياً وعالمياً في التعايش كدعامة أساسية لبناء مستقبل أفضل».

من ناحيته، قال المحامي إبراهيم الحوسني: «لا بد من الإشارة إلى أن هذا التصرف لا يعدو أن يكون تصرفاً فردياً، لا يمثل بأي شكل من الأشكال واقع المواطن الإماراتي الذي يتسم بالتسامح والتعامل بالحسنى مع فئات المجتمع كافة، إلا أنه تصرّف غير مسؤول قام به صاحبه من باب الفكاهة والمزاح.

تشريعاتنا جرّمت سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

أكد المستشار أحمد الخاطري، رئيس محاكم رأس الخيمة، أن التصرف فردي لا يعكس أخلاق أهل الإمارات، وأن الفاعل لن يفلت من العقاب، وقال: علينا جميعاً أن نتحلى بالحس الوطني النابع مما تربينا عليه جميعاً في هذا الوطن المثالي في تركيبته الفريدة من نوعها، إذ تم تكوينه بجهد جهيد لقادة مخلصين، على رأسهم المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الذي أسّسه على الصدق والأخلاق الحميدة، واحترام الآخرين وحسن التعايش معهم، والتواضع للضيف والغريب والزائر، وتعزيز قيم الدين والعادات العربية الأصيلة، وإعلاء شأن الإنسان، بغض النظر عن عرقه ولونه وبلده وجنسه وجنسيته.

وأضاف: «الإمارات دولة قانون وعدالة جرّمت بتشريعاتها سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ورتّبت قوانينها عقوبات رادعة لكل من تسوّل له نفسه استخدام هذه الوسائل للإضرار بالآخرين، والمساس بحقوقهم وكرامتهم، وقادة دولة الإمارات أكدوا مراراً وتكراراً في أكثر من مناسبة أن الدولة تبوأت مكانة مرموقة بين الأمم والشعوب لتسامح شعبها وقادتها.

فيجب على كل مواطن أن يحافظ على هذه المكانة، وهي في حد ذاتها أمانة عظيمة في أعناقنا جميعاً، ومن يفرط فيها فرط في وطنه، ولا أبالغ في القول إنه يعد ضرباً من ضروب الخيانة، لأنه يمكّن العدو والمتربص بهذا الوطن من تشويه سمعته والنيل من مكانته، ونحن إذ نستنكر بأبلغ العبارات هذا الفعل، نؤكد جازمين أنه ليس من شيم الإماراتيين في شيء، والسلطات القضائية ستمضي قُدماً في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الفاعل وإعادة كرامة المجني عليهم في أسرع وقت».

Email