شكر كبار القوم ووفاؤهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يملك الإنسان إلا أن يشيد بعمق العلاقة الأخوية التي تجمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. هذه العلاقة المتينة التي انعكست، بلا شك، على حسن إدارة أمور الدولة في كثير من المناحي والشؤون، ونجاحهما معاً في ذلك نجاحاً باهراً لفت إليهما أنظار كثير من المطلعين والمهتمين، وقد عبّر كلاهما في مواقف كثيرة عن جوانب من هذه العلاقة المتميزة، فكل يحاول جهده أن يبين وجهة نظره في الآخر ومحبته له بعبارات جميلة وشفافة، بحيث يمكن للمطلع أن يقف على متانة هذه العلاقة من خلال كثير من هذه التصريحات، وخاصة في مجال الشعر.

واختار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وسيلة الشعر في رد هذا الجميل الذي حظي به من أخيه، وذلك ما يكشف عن أهمية الشعر في مثل هذه المناسبات، لأنه يبقى الوسيلة الأهم والأشهر في نقل المشاعر والأحاسيس ومخاطبة الوجدان، فقصيدة عدد أبياتها 16 بيتاً تكون أبلغ وأوقع تأثيراً من عشرات من الصفحات النثرية، لأن للشعر في ذهن المتلقي وذوق من قال الشعر ومن وجه إليه ذائقة خاصة، تجعل للشعر دوره وتأثيره الشاعري.

مــشـكـورْ بــوخـالـدْ يــازاكـي الـفـعـايلْ

                      وأهــدي لـكـمْ مـنِّـي قـصـيدِ وتـلاحـينْ

يشكر الشيخ محمد في مبدئها أخاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رداً على تكريمه بذلك المعنى الذي أداره الشيخ محمد بن زايد من مرور 50 عاماً على خدمته لوطنه وشعبه، فكلمة الشكر هذه تلخص مضمون رد الشيخ محمد بن راشد، إذ أجمله بداية في مضمون هذه الكلمة وخاطب ممدوحه بـ«بوخالد»، وهذه العبارة أبلغ في التأثير وأجمل في المخاطبة من مجرد ذكر الاسم وحده، وهذا جزء من عادة العرب وعادة أهل هذه البلاد في نداء الشخص بكنيته «أبو فلان»، إذ يُعرف من ذلك أن المكنى عنه هو ولده الأكبر بين أولاده، وذكره بهذه التكنية دون إضفاء ألقاب أخرى، وهذا ما يكشف عن قرب الرجلين من بعضهما ورفع الكلفة في التخاطب بينهما، وأردف ذلك بقوله: «يازاكي الفعايل».

تــطـربْ لــهـا لـــي نــاشـلاتْ الـيـدايـلْ

                    وتــرقــصْ عـلـيـها الـفـاتـناتْ الـمـزايـينْ

هذه القصيدة التي يحتفي بها الشاعر ويعلي من شأنها يصفها بأنها لجمالها وحلاوتها تُطرب البنات الناشلات شعورهن (اليدايل)، وترقص على وقعها الجميلات الساحرات اللاتي يأسرن قلوب الرجال، وكانت سعادة العرب في هذه البلاد عند إحياء بعض حفلات الرقص والغناء الشعبي مثل الرزيف، أن يتوسط ذلك مجموعة من البنات الناشلات شعورهن يتمايلن وينثرن شعورهن على وقع هذا التطريب الذي نقل الشاعر جزءاً من مشهده.

خــمـسـيـنْ عــــامٍ يــازعـيـمْ الــمـرايـلْ

                  والـعامْ مِـنْ جهدكْ مِساوي لخمسينْ

ويذكر الشاعر أن الخمسين عاماً التي كُرم على أساسها، والتي قدم فيها خلاصة فكره وخدماته، إنما تساوي فعل وعمل عام واحد للشيخ محمد بن زايد، وتلك غاية تقدير ورفع الشأن، بحيث جعل الخمسين سنة للشيخ محمد التي حقق فيها المعجزات والمنجزات الضخمة تساوي عاماً واحداً من أعوام جهده وإنجازات الشيخ محمد بن زايد.

مـــنِّــكْ تـعـلـمـنـا مــتــى نــــردْ عــايــلْ

                  ومــنــكْ تـعـلـمـنا نــحــبْ الـمـسـاكـينْ

صفتان على قدر من الرفق والعلو والأهمية يطرحهما الشاعر بأنه تعلمهما من الشيخ محمد بن زايد، الأولى: كيف يرد العادي ويقف في وجه «العايل»، وهو الصائل المعتدي، أما الصفة الثانية فهي نقيض الأولى، وهي كيف يحب المساكين ويعطف عليهم ويساعدهم، وهاتان الصفتان تحددان في نظر المطلع صورة محمد بن زايد التي هو عليها من حيث القوة والشجاعة في الشطر الأول واللين والعطف والرحمة في الشطر الثاني.

وإنـــتــهْ وسـيـلـتـنـا لـــكــلْ الــوســايـلْ

                  وإســمـكْ غـــدا عـنـوانْ كــل الـعـناوينْ

ويضيف إلى ذلك أن الشاعر جعل ممدوحه وسيلته الوحيدة في أن يصل عن طريقه إلى غرضه ومبتغاه من دون غيره من الوسائل، وجعل اسمه عنواناً جامعاً لكل العناوين من دونه.

لـــكْ فــضـلْ مـــا نـنـساهْ خـيـرْالفضايلْ

                 ولـكْ جـودْ تـشهدْ بـهْ البشَرْ بالملايينْ

وجعل له فضلاً لا ينساه الشاعر ولم يحدد نوعه، وإنما أجمله وحدده في أنه خير الفضائل، وذلك لا يشمل كثيراً من أوجه الفضائل، وركز في ذلك على ما عرف عنه من الجود والكرم، إذ تشهد له ملايين البشر بهذا الأمر الذي اشتهر به شهرة واسعة في أرجاء الدنيا.

عـــلـــيــكْ راهــــنَّـــا وفــــزنـــا بـــنــايــلْ

                  ومــنْ فـيـضْ جـودكـلْ شـعبكْ مـريفينْ

يقول الشاعر إنه راهن عليه ففاز برهانه، لأنه يعرف أنه يراهن على فائز، ويصف أن جوده جعل شعبه يعيش في يسر وسهولة ورفاهية «مريفين» في دعة وتنعم.

سـاسْ الـكرمْ سـاسكْ بـفعلْ الـيمايلْ

                  مــيــراثْ زايــــدْ تــبـذلْ الــبَـذلْ وتـعـيـنْ

ويضيف أنه أساس الكرم وأصل الجود نتيجة فعله الكثير من هذه الخصال الخيرة والفعال الحميدة التي ارتبطت بشخصه من جراء كونه وريثاً لوالده الشيخ زايد الذي اشتهر بجوده وكرمه.

تـحـمي حـمـىَ الـدولـهْ بـجندْ وأصـايلْ

                فـرسانها الـفرسانْ وقـتْ الـلقا إيـحينْ

ويُفصِّل الشاعر ما أجمله من وصف ممدوحه في بداية القصيدة من أنه يحمي حمى الدولة، ويدافع عن حياضها ضد المعتدين من أعدائه، بما أعدّه لهذا الغرض من جنود مخلصين ومدربين على ذلك الدفاع «وأصايل»، أي خيول أصيلة منتقاة، وذلك ما يرمز به عند القوة والعتاد.

وصــلــتـنـا الأفـــــلاكْ لــلـنـجـمْ طـــايــلْ

               مــقــامْ عـــزٍّ مـايـقَـسَّمّ عــلـىَ إثـنـيـنْ

ويشير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى ما قامت به الدولة أخيراً من إطلاق القمر الصناعي بأيدٍ إماراتية، فيذكر أن سبب ذلك ونجاحه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، الذي يشير إلى أنه وصل عن طريقه إلى الأفلاك، حيث مواقع النجوم البعيدة في الفضاء، وحيث يصفه الشاعر بأنه مقام عز منسوب إليه وحده.

نــــــدراكْ راسٍ مــايــعَــرف الــفـشـايـلْ

               ونـنـخـاكْ بـــاسٍ يَـهْـزمْ الـلِّـي مـريـبينْ

يذكر الشاعر أنه يعرف محمد بن زايد معرفة حقيقية ويدرك قدراته، ولا يعرف الفشل طريقه إليه بحال من الأحوال، ويصرح الشاعر بأنه يطلب منه الدفاع والحماية، إذ يقوم بواجبه من خلال هذه المناشدة (ننخاك)، وقوله (باس) أي قوة وشجاعة وبسالة.

لـــــكْ الــمــوَدِّهْ مِــــنْ بــيــوتْ وقــبـايـلْ

               والــطــاعَـهْ الـعـمـيـا ولأمــــركْ مـلَـبِّـيـنْ

أي لك مودة تسري في عروق كل بيوت البلاد وقبائلها، أي من جميع من فيها وعلى طاعة مطلقة وصفها بالعمياء، أي التي تكون دون مناقشة أو جدال أو تردد، وإنما تعطى بمطلقها كاملة غير منقوصة.

وكـــــلْ مِـــــنْ عـــــاداكْ رايــــحْ وزايــــلْ

             وكــــلْ مِــــنْ نـــاداكْ يَـبـشِـرْ بـتَـمـكينْ

وهنا يقرر الشاعر في أمر محمد بن زايد مع الناس أمرين لا ثالث لهما، وذلك أن كل من عاداه محكوم عليه بالزوال والانتهاء دون أدنى مبالغة في ذلك، أما الآخرون الذين يطلبون مساعدته ويقف إلى جانبهم فإنهم يُبشَّرون بانتصارهم وتمكنهم.

إنـتـهْ عـسَـلْ لأهـلـكْ يـازاكي الـفعايلْ

             ولــلــعـدو عــلــقَـمْ بــعـدوانـهْ إيــشـيـنْ

ويصفه بأنه عسل لأهله، ويقصد بالأهل هنا جميع أفراد الشعب، وأنه قائد، والقائد عائلته وأهله جميع أفراد شعبه، فهو عسل أي ممتع وجميل لهم كطعم العسل في الفم، وفي مقابل ذلك فهو علقم مر للعدو.

خـمـسـيـنْ عــــامٍ لــلـوطـنْ بــالـدلايـلْ

            هي لي شرَفْ واجبْ وربيِّ لي إيعينْ

يشير إلى تلك الخمسين عاماً التي قام من خلالها بواجبه، وأن ذلك موثق بالمستندات والدلائل على أنه حقق للوطن كثيراً من الإنجازات والمنجزات الحضارية، أي أن ذلك ليس مجرد كلام يقال، وإنما له من الوثائق ما يثبته ويقوي حجته، ويذكر أن ذلك ليس منة منه على الوطن، وإنما هو واجب عليه يؤديه له ولأبناء شعبه، ولا يزال يؤدي هذا الواجب ويتشرف بأدائه.

وتــقــديــرْ بــوخــالــدْ كـــرامــهْ ونـــايــلْ

             وفَـضلكْ يـابوخالدْ عـلىَ الـــرَّاس والـعينْ

ويختتمها ببيان تقديره لـ«بو خالد»، هذا التقدير الذي يصفه بأنه كرامة يهديها لأخيه، ونجاح له في مهمته، ولا ينسى الشاعر فضل أخيه عليه وعلى الوطن والشعب، ويصف هذا الفضل بأنه على رأسه وفي عينه، وذلك لبيان مدى تقديره لهذا الفضل الكبير الذي اتسم به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد.

Email