أُسَر أصحـاب الهمـم.. عُزلة في قلب المجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة ملف "أُسَر أصحـاب الهمـم" بصيغة الــ pdf اضغط هنا

 لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

استقبال طفل من أصحاب الهمم لا يكون خبراً هيّناً على أي أسرة، كونه يشكل منعطفاً خطيراً في حياتها، وما يستتبعه من صدمة كبيرة تحمل تأثيرات سلبية كثيرة على البعض، منها الاجتماعية والاقتصادية والعاطفية، ولا تقتصر عواقب الإعاقة والمشكلات الناتجة عنها على الطفل فحسب، بل تمتد إلى محيطه المجتمعي، ويكون ذلك بدرجات متفاوتة، وغالباً ما تواجه أولياء أمور أصحاب الهمم صعوبات وتحديات لاحقة، تكمن في كيفية تنشئة وتأهيل هذا الطفل مع التكلفة العلاجية الباهظة، ونظرة المجتمع له التي تملؤها الشفقة على حاله، فضلاً عن المشكلات النفسية التي تواجه العائلة وقلقها مما سيحمله الغد لابنهم، وكيف سيكون حاله ومستقبله إذا ما غابوا عنه، وصولاً للصعوبات التي تتعلق بالتشغيل والدمج، رغم وجود القوانين التي تحميهم، لكنها قد لا تكون فاعلة في تطبيق بنودها في أحايين كثيرة.

وانطلاقاً من هذه التحديات، تجد الأسرة نفسها في وضع صعب يتراوح بين المضي قدماً في البحث عن الخدمات التأهيلية المناسبة، أو تعرضها لهزة نفسية بحيث يكون هناك إهمال للطفل وعدم تقبله، قد يصل بهم إلى حد انعزالهم مجتمعياً خشية تعرضهم للإحراج، وغالباً ما يحدث ذلك للعائلات التي لا يتوفر لها المعلومات الكافية عن كيفية التعامل مع أصحاب الهمم، وصولاً إلى تعرض بعض العائلات لتأثيرات أخرى مختلفة، كأن تزداد قوة العلاقة بين الزوجين أكثر، أو قد تتفكك، ولذلك تحدث تغيرات جوهرية تغير من نمط حياة الأسرة، خاصة في المجتمعات العربية، فيما يعتمد نجاح العائلة في هذا الاختبار على عوامل عدة، تأتي في مقدمتها الإمكانيات المالية، والاجتماعية، والانفعالية والعاطفية، فضلاً عن المستوى التعليمي والثقافي للوالدين، ونوع الإعاقة وشدتها.

 

مراحل متعددة

الدكتورة منال جعرور رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لمتلازمة داون ووالدة أحد أصحاب الهمم، أوضحت أن الأسرة تمر بعدة مراحل فور علمهم بقدوم طفل لهم من أصحاب الهمم، تبدأ بالصدمة والشعور بالحزن وأحياناً الرفض والإنكار وعدم تصديق الأمر، سيما أن ولادة طفل من ذوي متلازمة داون على سبيل المثال، ليس لها علاقة بجنس أو عرق أو مستوى اجتماعي أو اقتصادي وقد تحدث مع أي شخص في أي مكان وزمان، مشيرة إلى أن شعور أحد الوالدين أو كلاهما بالذنب، يؤثر على الطفل سلباً.

وقالت: إن هناك العديد من التحديات التي يواجهها أولياء الأمور، تبدأ عند تلقي الخبر لأول مرة من الطاقم الطبي، الذي يجب أن يكون مدرباً على كيفية إبلاغ الخبر وتقديم الدعم الكامل وتوجيه الأسرة للمراكز والمؤسسات المختصة للعناية بأصحاب الهمم وتأهيلهم ودمجهم، وتقديم كافة المعلومات التي من شأنها تقليل مخاوفهم المستقبلية، مبينة أنه ربما لو توفرت كتيبات بقصص نجاح أو مواد فيلمية تُعرض عليهم، فمن الممكن أن تخفف كثيراً من التأثيرات السلبية، ووقع الصدمة عليهم في المراحل الأولى، وأن وجود دعم من الإخصائيين الاجتماعيين أو النفسيين يساعد في كثير من الأحيان وله أثر كبير في تخطي الصدمة.

ولفتت إلى أنه قد يحدث خلل في التوازن في علاقة أفراد الأسرة بعضهم البعض، بسبب ولادة طفل من أصحاب الهمم، وقد يتخلى فيها أحد الوالدين عن مسؤولياته.

تفعيل السياسات

وذكرت أن أصحاب الهمم بحاجة ماسة لتطبيق وتفعيل السياسات التي تطلق وتوجه إليهم، خاصة أنه ما زالت هناك فجوة بين التشريع والتطبيق، كما أنهم بحاجة إلى فرص وظيفية حقيقية، فضلاً عن توفير إحصائيات دقيقة كي نكون أكثر عمقاً ونحن نضع الأهداف الخاصة بمستقبلهم.

 

تكلفة ضخمة

من جهتها قالت منى المنصوري، أم لإحدى الفتيات المبدعات من أصحاب الهمم، إن من أكبر التحديات التي تواجه الأسر، المبالغة في تكلفة العلاج الخاصة بأصحاب الهمم، فضلاً عن عدم كفاءة بعض العاملين في مراكز التأهيل، الخاصة منها تحديداً.

وأوضحت أن قلة المراكز وعدم انتشارها جغرافياً بشكل جيد يجعل هناك من الصعوبة على الأسر الاستفادة من خدماتها، واستمرارية التواصل معها، لافتة في الوقت نفسه أن هناك نقصاً ملحوظاً فيما يخص فعالية دمج بعض الإعاقات في المدارس، حيث ما زال هناك قصور فيما يخص المناهج التي تتكيف مع الطلبة وإعاقاتهم وجذبهم للدراسة بما يتناسب مع قدراتهم وميولهم.

وطالبت بأن يكون هناك تأهيل للعاملين في القطاع الطبي بشكل كبير، ابتداء من طريقة تعريف الوالدين بإصابة أحد أبنائهم بالإعاقة وطريقة إبلاغهم، بما لا يسبب صدمة لهما، فضلاً عن احتوائهما بطريقة علمية.

ونبهت إلى أهمية أن يكون هناك دعم مجتمعي للأسرة من الأقارب والأصدقاء والجيران والمختصين وأفراد المجتمع بشكل عام، يسهِّل عملية التعايش مع الإعاقة، لأن وجودها يؤثر على نشاط الأسرة، إذا لم تجد الدعم والمساندة الاجتماعية المناسبة من الآخرين، متطرقة إلى أن هناك عائلات تواجه حرجاً كبيراً في الظهور مجتمعياً، وهذه مشكلة كبيرة، حيث يشعرون بالخجل أو الخوف من ردود فعل الآخرين.

 

برامج إرشادية

وأفادت سونيا الهاشمي، مؤسس وعضو بجمعية الإمارات لمتلازمة داون وأم لشاب من أصحاب الهمم، أن هناك أهمية كبيرة لوجود برامج إرشادية وتأهيلية وتثقيفية للأسر، تتضمن معلومات كافية عن طرق التربية الخاصة لأبنائهم، واحتوائهم بكافة السبل، خاصة أنه من الممكن أن يتعلم الوالدان مبادئ وأساليب تعديل سلوك أطفالهم، وبمقدورهما إحداث تغيرات ذات أهمية في شخصيتهم وتطوير قدراتهم.

وأكدت أن الدعم المبكر بمختلف أشكاله وأنواعه سواء النفسية أو الاجتماعية أو التربوية أو التأهيلية، لم يعد يقتصر على تقديم الخدمات للأطفال بل أصبح يستهدف أسرهم أيضاً، لافتة إلى أن المؤسسات المجتمعية المعنية، مثل جمعيات النفع العام، وكوادر أقسام الأطفال في المستشفيات، لها دور مهم في تقديم هذا الدعم الإرشادي للأسر واحتوائها خاصة في مرحلة الصدمة الأولى.

وأشارت إلى أن هناك موضوعات كثيرة تؤرق هذه الأسر تجاه أبنائهم، كمرحلة العلاج والتأهيل، والتوظيف، والرعاية اللاحقة في المستقبل، وكلها أمور تجعل من الوالدين دائمي التفكير في كيفية توفير هذه الخدمات وما يستتبعها من صعوبات.

تشغيل حقيقي

ونبهت إلى أهمية وجود برامج تشغيل حقيقية وفاعلة لاحتواء كبار المواطنين من أصحاب الهمم، لأنهم يحتاجون لرعاية أكبر، لاستشراف مستقبلهم دون الاعتماد على أحد، وأن المجهودات التي تتم في هذا الشأن ليست كافية، بل تحتاج لتفعيل ومتابعة أكبر، فضلاً عن الالتزام الأخلاقي من جهة القطاع الخاص في تشغيلهم، وأنه يمكن بقليل من المجهود توفير بعض الأعمال المناسبة في الأماكن القريبة من سكن أصحاب الهمم.

وشرحت أن تحديات إيجاد بنية تحتية جيدة، تعتبر من الأشياء الأساسية والمهمة، التي تساعد أصحاب الهمم، في الاعتماد على أنفسهم في التحرك بحرية بين البيت والعمل، وأنها كثيراً ما فكرت في ذلك، خاصة أن ابنها الذي يبلغ عمره 32 عاماً يعتبر بطلاً رياضياً وحقق الكثير من الإنجازات المحلية والإقليمية في رياضات السباحة والبولينغ، وكيف أن هاجس البيئة المؤهلة له في التنقل والمواصلات، شغل حيزاً كبيراً من تفكيرها، خاصة إذا ما بدأ في وظيفة ما.

 

قلة وعي

من جهتها قالت شيخة المطوع أخصائية اجتماعية ووالدة لطفل من أصحاب الهمم، إن هناك الكثير من العائلات ليس لديها الوعي الكافي فيما يخص التعامل مع ذويهم، وأن البعض منهم يرى أنه لا فائدة من علاجهم وتأهيلهم، وبالتالي عزلهم عن الحياة والمجتمع، حتى لا يتسببوا لهم بالإحراج، وتابعت أن من المهم جداً توعيتهم بكيفية تجاوز صدمة ولادة طفل من أصحاب الهمم، وتأهيلهم للتعامل الصحيح وتطوير قدرات ذويهم، مبدية استغرابها أن تكون هناك عائلات تتمتع بدرجة ثقافة جيدة، ورغم ذلك فإنهم يرفضون تقبل شخص من أصحاب الهمم ضمن نسيجهم الأسري.وشددت على أهمية وجود حملة كبيرة على مستوى المجتمعات يمكنها أن تصل إلى الأسر المنغلقة وتوعيتهم بما يجب أن يتبعوه ويكونوا عليه.

 

تجاوز الصدمة

بدورها، أوضحت مريم البلوشي اختصاصية نفسية، أن من أكثر التحديات والصعوبات التي تواجه عائلات أصحاب الهمم وخاصة الأمهات فيما يتعلق بالجوانب النفسية والاجتماعية وغيرهما، هي الحصول على الدعم والإرشاد النفسي خصوصاً في مرحلة اكتشاف الإعاقة لدى أبنائهم.

وقالت إن عدم وجود مرشد أو جهة مختصة لدعم أولياء أمور المواليد الجدد من أصحاب الهمم، هي من الأشياء السلبية جداً، خاصة أن هذه الجهات تقوم بدور مهم في توجيه ولي الأمر ورسم مخطط واضح لاحتياجات الطفل التأهيلية والعلاجية خلال مسيرته النمائية، فضلاً عن تعريفهم بسبل التعامل مع طفل من ذوي أصحاب الهمم، وإفادتهم بدليل شامل عن المراكز المختصة والتي تقدم خدمات لأصحاب الهمم، كمراكز التدخل المبكر ومراكز الرعاية والتأهيل.

ولفتت إلى أن أولياء الأمور كثيراً ما يواجهون نظرات الشفقة من قبل بعض أفراد المجتمع الذين يؤثرون سلباً في نفسياتهم مما يزيد رغبتهم في عدم الاحتكاك بالآخرين وعدم الظهور علناً مع أبنائهم في الأماكن العامة، مبينة أن التحديات التي تواجه أولياء الأمور تشمل كذلك الخوف من المستقبل، حيث يتوارد في أذهانهم العديد من التساؤلات الخاصة بأبنائهم، وأهمها كيف سيعيشون دونهم ومن بعدهم، ومن الذي سيقوم برعايتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية وإعالتهم ومتابعة أحوالهم.

وبينت أنه من خلال ممارستها لعملها وجدت أن أكثر المشكلات اللاتي كانت تفصح عنها الأمهات للأخصائيين النفسيين، هي عدم تقبل أو استهزاء بعض أفراد العائلة سواء من عائلة الأم أو الأب لسلوكيات أبنائهم، والذي أدى إلى انقطاعهم عنهم وعدم زيارتهم لهم أو عدم اصطحاب أبنائهم إليهم.

 

معايير

 حددت وزارة تنمية المجتمع معايير واشتراطات لمراقبة أسعار الخدمات العلاجية والتأهيلية المقدمة من قبل المراكز الخاصة للمصابين باضطراب التوحد، فضلاً عن المراقبة المستمرة لمتابعة هذه التكلفة والتأكد من ملاءمتها للخدمات الموجودة لديهم، فيما تتسم الخدمات التأهيلية المقدمة لهذه الشريحة بارتفاع أسعارها، مقارنة بالإعاقات الأخرى، ويرجع ذلك لقلة عدد المتخصصين المعالجين، كما أن هناك بعض المراكز الخاصة يكون أعداد المصابين بطيف التوحد قليلة لديها، وبالتالي قد تصبح الفصول الدراسية فارغة، ما يزيد من التكلفة الإجمالية المترتبة على ذلك.

 

05

يعتبر برنامج التدخل المبكر المتوفر بمراكز أصحاب الهمم التابعة لوزارة تنمية المجتمع في الإمارات، أحد الأنظمة الحديثة، كونه يعد نظام خدمات تربوياً وعلاجياً ووقائياً يقدم للأطفال الصغار من مرحلة الولادة وحتى 5 سنوات ممن لديهم احتياجات خاصة نمائية وتربوية، فضلاً عن المعرضين لخطر الإعاقة لأسباب متعددة. ويمنح التدخل المبكر في فترة نمو الطفل فرصة كبيرة للوقاية من تطوّر
مشكلات الإعاقة، لأن معدل نمو دماغ الطفل لاسيما في الأشهر الأولى تكون سريعة، كما أنه يساعد الأسرة على تخطي مجموعة كبيرة من المشاكل، مثل الاستنكار والرفض ثم الصدمة ثم الاستسام ثم التكيف والتفاعل مع الأمر الواقع، ولذلك فهذا البرنامج يختصر المسافة والزمن للأسرة، واستثمار عامل الزمن في تقديم الخدمات المبكر للطفل.

 

أهداف

تهدف برامج الكشف والتدخل المبكر إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الوقائية والعلاجية للطفل والأسرة، وتشمل منع حدوث أي مضاعفات لدى الأطفال الذين لديهم أي نوع من التأخر النمائي، وعدم تحوّلها إلى إعاقات دائمة، والحيلولة دون تطوّر درجة الإعاقة أو التقليل من شدتها على الطفل وأسرته، بالإضافة إلى تحسين نمو الأطفال وتمكينهم من الاندماج الاجتماعي في المستقبل، وإبراز أهمية دور الأسرة في تخطيط وتنفيذ برامج التدخل، ومساعدة الأسرة على اكتساب المعرفة والمهارات والاتجاهات اللازمة لتنشئة أطفالها الآخرين، فضلاً عن زيادة درجة وعي المجتمع بالوقاية من الإعاقة والحد من آثارها، لأن التعلّم المبكر في السنوات الأولى من حياة الطفل أسرع وأسهل من التعلّم في أي مرحلة عمرية أخرى.

 

 

تحديات

أشار مختصون إلى أن هناك تحديات تواجه أصحاب الهمم أنفسهم، لكنها تختلف بحسب نوع الإعاقة وشدتها، حيث إن التحديات التي يواجهها الفرد من الفئة البصرية تختلف عن الفئات والإعاقات الأخرى، لكن أبرزها هو تشكيل بعض أفراد المجتمع عائقاً سواء في الأسرة أو في مكان آخر من خلال عدم الثقة بقدرات أصحاب الهمم، وعدم إعطائهم الفرصة لإظهار ما لديهم من مهارات في شتى المجالات، حيث إن ذلك يصبح عائقاً بدرجة كبيرة في تكافؤ فرص نجاحهم في العديد من المجالات، أسوة بالآخرين والحيلولة دون ظهورهم في برامج التميز والابتكار بصورة سريعة، وأنه يمكن التغلب على هذه التحديات، من خلال الإيمان بقدرات أصحاب الهمم في شتى المجالات وإعطائهم الفرصة للمشاركة مع أفراد المجتمع، وإبراز قدراتهم وصقلها.

 

مساعدة الأسر للتخلص من مشاعر الخجل

شددت وفاء حمد بن سليمان مدير إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم في وزارة تنمية المجتمع على وجوب مساعدة أسرة أصحاب الهمم للتخلص من مشاعر الخجل من المجتمع، وتدريبهم على مهارات مواجهة نظرة المجتمع السلبية نحو الإعاقة، وبناء الاتجاهات الإيجابية نحوها، إذ إن التأهيل المجتمعي المحيط بأصحاب الهمم، يختصر الطريق كثيراً في جانب الرعاية المتكاملة وتحقيق الدمج الشامل والإيجابي، وهو ما تسعى إليه الوزارة، بتبنيها أفكاراً نوعية وممارسات عالمية تعزز التكامل النفسي الاجتماعي فيما يخص الرعاية والتأهيل والتمكين لأصحاب الهمم.

وقالت: إن مراعاة احتياجات أخوة أصحاب الهمم النفسية والانفعالية والاجتماعية أمر محوري، في تحقيق العلاقة المتوازنة والسوية بين أفراد الأسرة وفي المجتمع، مشيرة إلى أهمية تزويد أخوة أصحاب الهمم بآليات التعامل السليم مع أشقائهم، وهو ما يؤطره هذا البرنامج.

جدير بالذكر أن الوزارة خصصت برنامجاً توعوياً متكاملاً يستهدف أشقاء أصحاب الهمم وذويهم على مستوى الإمارات، من منطلق تعزيز أوجه التعامل الإيجابي مع الأشخاص أصحاب الهمم، والتواصل مع المحيط المجتمعي بكل ثقة، وبما يحقق العلاقة المتوازنة والسوية بين الأشقاء من جهة، والأشقاء والمجتمع من جهة أخرى.

 

دراسة لـ«تنمية المجتمع»: «كوتة» التشغيل لم تحقق أهدافها

أجرت وزارة تنمية المجتمع دراسة تطرقت فيها لجدوى «كوتة» التشغيل والتطرق لنجاعتها من عدمه، وخلصت الدراسة إلى أن نظام الحصص المحجوزة لإلزام المؤسسات الخاصة بتشغيل أصحاب الهمم لم يحقق أهدافه التي جاء لأجلها، خاصة في بعض الدول التي أقرته، والتي لم تتخذ أي تدابير إضافية في حال عدم الالتزام به، الأمر الذي أضعف من هذا النظام، رغم أنه وفر العديد من فرص العمل لهذه الشريحة المجتمعية، وبينت الدراسة قلة فاعلية النظام إذا لم يتم إسناده بتدابير وإجراءات أخرى موازية، خاصة أن بعض الدول ومنها الأوروبية قد بدأت بالتخلي عنه، وسن قوانين مناهضة التمييز في مكان العمل كبديل عنه.

واقترحت أن لا يكون نظام الحصص المحجوزة هو السبيل الأمثل في الدولة للدفع بعجلة تشغيل أصحاب الهمم في القطاع الخاص، بل اللجوء إلى مجموعة من الإجراءات والتدابير البديلة التي من شأنها دعم هذه العملية، والتي تشمل تضمين نظام لتشغيل أصحاب الهمم في إطار عملية التوطين في الدولة، يتم بموجبه اعتبار توظيف الشخص من فئة شريحة أصحاب الهمم بموازاة الموظفين الآخرين، وتقديم حوافز مالية لأصحاب الأعمال بهدف تشجيعهم على تشغيلهم، وأن تشمل هذه الحوافز إعفاءات مالية، وتقديم نسبة مئوية من أجر أصحاب الهمم، تتحملها الدولة لفترة زمنية معينة عند تشغيل ذوي الإعاقات الشديدة، فضلاً عن سن تشريعات لحمايتهم من كافة أشكال التمييز التي قد تمارس ضدهم في العمل، وإلزام أصحاب العمل بتقديم قائمة بالوظائف الشاغرة وأماكنها والمؤهلات المطلوبة لها، والتنسيق مع مؤسسات تشغيل أصحاب الهمم للتعريف بها، وتقديم تسهيلات من الدولة لإجراء التعديلات المعقولة في بيئة العمل، من أجل تشجيع أصحاب العمل على تشغيلهم، فضلاً عن تقديم امتيازات معينة للجهات في القطاع الخاص التي تشغل هذه الشريحة المجتمعية.

قوة وضعف

وبينت الدراسة أن نفاذ أصحاب الهمم للعمل في القطاع الخاص لا يزال على نحو خجول، إضافة إلى تركيز أصحاب العمل والمديرين على توظيف ذوي الإعاقات الجسدية والبصرية بدرجة أولى، ومن ثم الإعاقة السمعية، حيث يواجه الأشخاص ذوو الإعاقات الذهنية تحديات حقيقية تحول دون تشغيلهم، وأنه يمكن تحليل واقع أصحاب الهمم في سوق العمل بالإمارات من خلال نقاط القوة والضعف، حيث إن نقاط الضعف، تتضمن وجود جزء منهم غير مؤهلين للتأهيل المناسب للعمل، ووجود نسب من ذوي الإعاقة العقلية غير المقبولين في سوق العمل، فضلاً عن عدم وجود بعض الوظائف التي تناسب بعض أنواع الإعاقات، وحصولهم على مساعدات اجتماعية شهرية الأمر، الذي لا يشجع البعض على العمل، فيما تتلخص نقاط القوة في وجود بنية تشريعية تضمن حقوق أصحاب الهمم، ووجود مراكز لتأهيل وتدريبهم، ومحدودية نسبة الباحثين عن فرص عمل منهم.

 

مطالبات بتشريعات تحمي أولياء الأمور من الاستغلال

طالب محمد العمادي مدير عام مركز دبي للتوحد، بأهمية وجود تشريعات وضوابط تحمي أولياء الأمور من استغلال بعض المراكز الخاصة لهم وخاصة أن تكلفة العلاج قد تتجاوز في بعض الأحيان 40 ألف درهم شهرياً، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على جميع المراكز المعنية بتقديم الرعاية للأطفال المصابين بالتوحد، وعدم ترك المجال لتلك المؤسسات بتحديد قيمة الرسوم حسب تقديرها.

وقال إن هناك بعضاً من المراكز التي تعالج مرض التوحد تبالغ كثيراً في تقدير المصروفات لعلاج الحالات، وإن بعض هذه المراكز وللأسف ربحية المنهج، وهذا بحد ذاته عبء على الأسرة، يفوق إمكاناتها، ناهيك عن المتاجرة بأولياء الأمور واستغلالهم، لافتاً إلى أن قلة عدد المتخصصين في مجال التوحد، وخاصة الناطقين باللغة العربية، هي من أبرز التحديات التي تواجه المراكز المتخصصة وذلك ما أدى إلى ارتفاع قيمة الخدمات التأهيلية.

 

أماني النعيمي.. رسالة أمل تجسّد الإرادة والتحدي

الإرادة والتحدي والنجاح، كلها مفردات تحمل عملاً مضنياً وتصميماً يصاحبه أمل لتحقيق الأهداف في الحياة، وعندما تجتمع كل هذه الصفات في أحد الأفراد من أصحاب الهمم، فإن ذلك يصبح مدعاة للفخر بمثل هذه النماذج المجتمعية المضيئة، ورسالة أمل لأسر أصحاب الهمم التي يكبلها الإحباط والخوف من مستقبل أبنائها، كما أنها تعطي مثلاً وقدوة للباحثين عن التميز، وتؤكد أن هذه الشريحة قادرة من خلال إيمان المجتمع بقدراتهم على الوصول إلى الأفضل.

الشابة أماني النعيمي، واحدة ممن صنعن لأنفسهن طريقاً متفرداً، توّجته بتميز دراسي ومهني، وأخيراً في عالم التجارة والتصنيع، وهي الكفيفة التي لا تبصر النور منذ نعومة أظفارها، ولكنها شقّت مع مرور الأعوام طريقها نحو النجاح، حتى أنهت دراسة بكالوريوس علوم الإدارة، وأتبعته بماجستير في الاستراتيجية والقيادة، وبالتوازي مع مسارها الدراسي استغلت عشقها للعطور، لتصبح أحد الذين يصنعونه، وتصنع علامتها التجارية المتميزة «wishes» التي يتهافت على شرائها الكثيرون.

وأوضحت أماني أنها درست كيفية إدارة المشاريع الخاصة بالعطور، لأنها عاشقة لها، وأنها أرادت أن تمزج حبها وهوايتها لتقرنها بالدراسة، سعياً وراء بناء مشروع يعكس التحدي والإرادة لديها، لافتةً إلى أنها بدأت الحصول على دورات متعددة في كيفية صناعة وتصميم العطور بطريقة احترافية، إذ سافرت إلى معاهد تدريبية معتمدة في لندن وباريس وتايلاند والكويت، لكي تصبح لديها الخبرة الكافية للبدء بمشروعها.

ولفتت إلى أنها أصبحت أول كفيفة تسجل في الأسر المنتجة بوزارة تنمية المجتمع بعلامتها التجارية، وأنها كانت تزور بشكل متواصل الشركات والمصانع الإماراتية، للتعرف إلى تجربتها وأخذ ما يناسبها منها، وصقل خبرتها من جانب آخر، موضحةً أنها نتيجة لكل هذا المجهود، قررت البدء عملياً من خلال مصنع مصغّر لها، لتطلق لاحقاً أول عطر لها سمته «المنار»، وكان ذلك بالتعاون مع الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب التي اعتمدته عطراً ترويجياً لها في مختلف مناسباتها.

 

 

 

Email