بحــضور محـمد بن راشــد.. المنــتدى الاستراتيجي العربي يستشرف اتجاهات التوازنات العالمية

باراغ خانا: الإمارات النـموذج العـربي الذي على الدول الأخرى في المنطقة السير على خطاه

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت جلسات الدورة الحادية عشرة من المنتدى الاستراتيجي العربي، الذي حضر جانباً منه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، جملة من التوقعات الاستراتيجية حول حالة العالم اقتصادياً وسياسياً للعام 2019، من أبرزها النموذج الإماراتي الرائد في الاستقرار والتنمية، ومكانة دبي العالمية التي باتت مثالاًَ يحتذى لكيفية استخدام المناطق الاقتصادية المتخصصة وتوفير الخدمات الذكية، كما حظيت التوازنات بين القوى الكبرى باهتمام في النقاشات، مثل الحرب التجارية بين أميركا والصين، وتصاعد الشعبوية في أوروبا، وآفاق حل الأزمات المندلعة في المنطقة.

وتناول الكاتب والخبير الجيواستراتيجي، باراغ خانا، في محاضرة بعنوان «موازين القوى العالمية - تغيّر أم استقرار؟» أبرز الركائز التي تقوم عليها اليوم العلاقات الدولية، وفي مقدمتها تبدل قواعد اللعبة السياسية من مركزية القوة والسطوة إلى مركزية العلاقات القائمة على التجارة والتواصل، مؤكداً أن العلاقات الدولية حالياً أشبه بلعبة «شد الحبل» بسبب العولمة ومسارات التجارة.

شد الحبل

وشبّه خانا العلاقات السياسية الدولية، التي بدأت تتشكل ملامحها منذ انتهاء الحرب الباردة برياضة شد الحبل. فالعالم الذي نعيش به اليوم ارتبطت أجزاؤه بشكل محكم عن طريق العولمة والبنية التحتية ومسارات التجارة وغيرها، ما رجح كفة تعزيز سبل التواصل والترابط بين الدول وتحقيق مصالح مشتركة على الأسلوب القديم المتمثل في المنافسة ومحاولة قهر الطرف الثاني في العلاقات الدولية.

وقال خانا: «منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أفادت الكثير من التكهنات أن حرباً عالمية ثالثة وشيكة الوقوع، ولكن ذلك لم يحصل، والسبب الرئيسي هو الترابط بين كافة أجزاء العالم، ما جعل مصائر الدول مرتهنة ببعض».

وأضاف: «أصبحت اليوم شبكات الإنترنت والبنية التحتية المتطورة وطرق التجارة هي التي تقود مسارات السياسة. نحن نتحدث هنا عن روابط جديدة بين أجزاء العالم، وهنا نرى بروز أهمية التجارة والتبادل المعرفي وانتقال رأس المال بين مختلف الدول والمناطق كأداة للتعاملات الدولية».

القوة العظمى

وحول مصادر القوة والسطوة في العالم اليوم، أكد خانا أنه ليس من السهل تحديد القوة رقم واحد في العالم في ظل هذه المعطيات، فلا واشنطن ولا بكين ولا لندن يمكنها ادعاء أنها القوة العظمى في العالم. فبسبب تبدل أشكال الصراع والعلاقات بين الدول اليوم، بات من الصعب على أي دولة إملاء شيء على الآخرين. فقوة الدول يحددها مستوى الترابط والتبادل بينها وبين الآخرين.

وأشار خانا إلى أن الدول لم تعد لوحدها هي اللاعب الرئيس في العلاقات الدولية، بل هناك لاعبون آخرون، وأهمها الكتل والأقاليم التي باتت ضرورة من أجل أن تتمكن الدول المنضوية تحتها من مواصلة التنمية في ظل أواصر قوية تدعم خططها وتسهل عليها تنمية تجارتها وصناعتها وقطاعاتها الأخرى، كما تلعب الأقاليم والكتل دوراً هاماً في بناء علاقات الثقة مع الكتل والأقاليم الأخرى.

ولفت إلى أن التوجه الحديث للدول الكبرى هو العمل عن قرب مع الدول المجاورة في تمويل البنى التحتية وبناء شبكات تواصل، ما يدعم نمو التجارة والتبادل معها، فمبادرة الصين «الحزام والطريق»، التي يترتب عليها تحديث وتطوير البنية التحتية للدول الواقعة على طريق التجارة، جاءت لحاجة الصين اليوم إلى تنويع مسارات التجارة ولتعجيل تدفق المنتجات الصينية لدول الجوار الآسيوية وأوروبا. فالصين اليوم تعمل على بناء خطوط ارتباط وصولاً إلى إيران والخليج العربي، ما سيرجح على المدى البعيد كفة آسيا في العلاقات الجيوسياسية مع المنطقة.

الخريطة العربية

واختتم بحديثه عن التطبيقات العملية التي على دول المنطقة العربية الاستفادة منها في بناء إقليم قوي ومنافس على المستوى العالمي. حيث قال: «في خريطة الوطن العربي الجديد، نجد هناك دولاً ضعيفة وأخرى بدأت تنهار»، مشيداً بصعود دولة الإمارات كوجهة آمنة وقبلة للسلام والاستقرار، ودول خليجية أخرى بدأت تشكل استراتيجياتها خريطة طريق للتنمية الاقتصادية المستدامة، وهذا ما يسمى بإنتاجية الأقاليم.

وقال: «علينا أن نفكر بمستقبل أكثر إنتاجية وخصوصاً على مستوى الأقاليم. فتاريخياً كانت هناك سكك حديد تربط كافة أجزاء المنطقة مع جوارها، ولا بد من إحياء هذه الأفكار والتوجهات في المنطقة العربية. فاليوم دولة الإمارات هي النموذج العربي الذي على الدول الأخرى في المنطقة السير على خطاه من أجل تحقيق الاستقرار، وبالتالي تحقيق تنمية كبيرة على كافة المستويات».

وأشار إلى أن تاريخ هذه المنطقة مرتكز على وجود مدن كبرى وخطوط تجارة مهمة، ودبي استمرت على هذا النهج واستفادت من دروس الماضي، فأصبحت خلال فترة قياسية معبراً عالمياً للأفكار والتكنولوجيا والبيانات والأموال، وأصبحت من بين أهم 6 مدن في العالم. المدن العالمية لا تنظر إلى المدن الأخرى كخصوم بل كحلفاء، وهذا ما تفعله دبي. ودبي هي مثال يحتذى لكيفية استخدام المناطق الاقتصادية المتخصصة وتوفير الخدمات الذكية التي تسهل مزاولة التجارة والصناعة والاستثمار.

فدبي تقوم اليوم بنقل تجربتها الرائدة إلى مدن أخرى في الوطن العربي. وقال إن الإنترنت لا تزال تعزز من مكانتها كقوة ترابط بين الأفراد والمؤسسات والدول، وهي تعتبر بعداً جديداً للترابط بين الدول المختلفة، بالإضافة إلى أبعاد التجارة والترابط المادي الجغرافي.

الرؤية في 2019

وفي جلسة أخرى في المنتدى، قال مؤسس ورئيس مجموعة يورو آسيا، الدكتور إيان بريمر، في الجلسة الافتتاحية، إنه لا مبرر للتشاؤم في 2019 رغم كل التغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم وفي مقدمتها؛ ارتفاع مخاطر الهجمات الإلكترونية، وحرب الجيل الخامس للتكنولوجيا بين الصين والولايات المتحدة، وتواصل النزاع الأميركي الصيني، وتنامي الشعبوية في البرلمان الأوروبي، وتداعيات اتفاق بريكست.

وتحت عنوان «أحداث رئيسية تؤثر على العالم في 2019»، عرض الدكتور بريمر لتحليلاته الاستراتيجية المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية التي يتوقع أن تؤثر على حالة العالم في العام المقبل، حيث حاوره الإعلامي فيصل عباس رئيس تحرير صحيفة آراب نيوز.

وافتتح بريمر كلمته مؤكدا أن التغييرات الجيوسياسية رغم جسامتها ليست بذلك التأثير السلبي الذي يتم الحديث عنه، معتبراً أن الاقتصاد العالمي رغم كل تلك التغييرات يبقى متماسكاً.

وتوقع بريمر أن تكلف الهجمات الإلكترونية مليارات الدولارات، إذ يواجه العالم مزيداً منها، معطياً ثلاثة أمثلة عن تنامي الهجمات الإلكترونية عالمياً لتكلف مليارات في مقابل رسوخ البنى الاقتصادية في التعامل معها، أولها التعامل السريع مع قرصنة كوريا الشمالية لملايين الحسابات المصرفية، لكن التعامل السريع معها حصر الأضرار الناجمة عنها. فيما قرصنت الحكومة الصينية حسابات وبيانات لعملاء فنادق لا لأسباب أمنية بل تجارية، لكن تم تدارك الأمر، فيما استخدمت الحكومة الروسية برنامجاً لاختراق أوكرانيا مؤثرة على 1% من الدخل الإجمالي لأوكرانيا.

توترات تحت السيطرة

وفي ما يخص العلاقات الأميركية الصينية، استبعد بريمر أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرباً تجارية على الصين خلال الربع الأول من 2019، نافياً أن يكون لديه القدرة على اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية في هذا الشأن.

ورأى بريمـــر أنه ورغم أن معظم المؤشرات الجيوسياسية سلبية مثل مفاوضات البريكست الكارثية التي توقع معها رحيل تيريزا ماي بحلول يناير 2019، وأزمات مثل السترات الصفراء، إلا أن الأسواق لا تزال عقلانية ولا تزال تواصل عملها، لكنه استطرد بتوقع أن العالم سيواجه مشاكل أكبر في التعامل مع أزمة اقتـــصادية عالمية جديدة إذا ما حدثت وهـــو ما استبعده خلال 2019.

وبيّن بريمر أن الأزمة المالية عام 2008 شهدت تعاون الجميع في العالم ودول مجموعة العشرين لتتصدى للأزمة، لكن العالم السياسي كما هو عليه اليوم لن يكون متأهباً كما يجب لإدارة الأزمة بشكل فعّال لأسباب عدّة، وستبدأ لعبة تبادل اللوم بين الدول فيما بينها، لكنه استطرد قائلاً إن الاقتصاد العالمي في حالة مستقرة لكنها تحتاج إلى ضمان الاستدامة.

 

التوتر في الخليج وأزمات المنطقة

رجَّح بريمر تراجع حدة التوتر فيما بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي عام 2019، مرجحاً أيضاً أن تتجه الحرب اليمنية نحو التهدئة، وأن تمثّل تدابير تدريجية لبناء الثقة معبراً لضمان بروز حل لهذه القضية مثل مفاوضات ستوكهولم التي تستضيفها السويد.

وفي الشرق الأوسط، رأى بريمر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد لا يعلن عما يعرف بصفقة القرن قريباً، والتي أراد لها أن تجسد رؤيته للسلام في الشرق الأوسط خلال الانتخابات الرئاسية. فيما اعتبر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي باق، وأن الرئيس السوري بشار الأسد باق، وأن ليبيا تتجه نحو التهدئة. وأشار بريمر إلى أن السياسة الأميركية تتجه على المدى البعيد إلى تخفيف التدخل في الشرق الأوسط. واعتبر أن العقوبات على إيران فرضت على النظام محاولة الإبقاء على الوضع الحالي على أمل رحيل ترامب عام 2020.

 

حرب «الجيل الخامس» بين أميركا والصين

ركّز مؤسس ورئيس مجموعة يورو آسيا، الدكتور إيان بريمر، على أن الحرب الإلكترونية الصينية والأميركية سيتوّجها في عام 2019 طرح الجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات التي تدعم المدن الذكية وإنترنت الأشياء. فالصين لها نظام مختلف عن مثيله المطبق بالولايات المتحدة وتحاول تعميمه، وهو ما سيجعل الأسواق تشعر بالتفكك والاستقطاب.

وأكد بريمر إن المؤسسات الأميركية بقيت، حتى بعد عامين من رئاسة ترامب، قوية، وليس للرئاسة الأميركية التأثير عليها في قضايا التحقيقات الجارية والهجرة ومنع دخول رعايا بعض الدول، متوقعاً أن يحاول الديمقراطيون الدفع باتجاه عزل ترامب، لكن الجمهوريين لن يسيروا في ذلك الاتجاه.

وقال بريمر: «إن أمام الولايات المتحدة خياران في صياغة نظام عالمي جديد؛ فإما أن تشارك في صناعته مع الصين وأوروبا وغيرهما من اللاعبين، أو أن تتجه إلى الانعزال والانكفاء». وفي أوروبا، توقّع بريمر أن تشهد الانتخابات البرلمانية الأوروبية في مايو 2019 صعود الشعبوية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، نظراً لتنامي التباين بين المؤيدين والمنتقدين للاتحاد بشكل أكثر حدّةً بفعل أزمة الهجرة، والخروج البريطاني.

وتوقع بريمر، أن تواصل الصين توسيع حضورها في المنطقة، فيما رأى أن الروس لديهم مصالح محدودة فيها، لكن الصينيين طامحون لتكون لهم البصمة الأكبر.

Email