اختتام فعاليات المرحلة الأولى من «حوارات المواطنة الشاملة» في أبوظبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختتمت أمس في أبوظبي فعاليات المرحلة الأولى من «حوارات المواطنة الشاملة»، التي نظمها «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، خلال الأيام الثلاثة الماضية برئاسة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، بالشراكة مع مركز «ويلتون بارك» التابع للخارجية البريطانية، ومؤسسة أديان.

وقال الدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، الأمين العام لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، إن دروب السلام تبدأ من أبوظبي، برحلة جديدة في مسيرة الإنسانية نحو السلام المستدام.

وقال «إن المداولات ضمن حوارات المواطنة الشاملة التي استغرقت 3 أيام بمشاركة 50 شخصية من العلماء والمفكرين والأكاديميين وممثلي الأديان في الشرق الأوسط، خلصت إلى الاتفاق على مواصلة البحث المنهجي والتأصيل العلمي بغرض التوصل إلى صيغة نموذجية تقدم مفاهيم جديدة للمواطنة الشاملة، أو المواطنة الحاضنة للتعددية الثقافية المعاصرة على كل المستويات الإنسانية والدينية والأخلاقية والحقوقية تحت إعلان أبوظبي للمواطنة الشاملة».

حقوق

وأضاف أن العلماء والمفكرين والأكاديميين وممثلي الأديان في الشرق الأوسط المشاركين اتفقوا على الانطلاق من «إعلان مراكش التاريخي» حول حقوق الأقليات في الديار الإسلامية الذي أصدره منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في يناير عام 2016 باعتباره يشكل نواة ثقافية إنسانية صلبة، وقاعدة فكرية ومعرفية إسلامية مؤصّلة علمياً بكل المعايير الدينية والفكرية، ويمكن الانطلاق منها لبناء إطار حقوقي وقانوني إنساني شامل يقدم مفاهيم المواطنة الشاملة حسبما يسعى إليه هذا المشروع الإنساني الطموح، الذي يسعى للارتقاء بالمفهوم من مستوى «المواطنة التعاقدية» كما نص إعلان مراكش، إلى مستوى المؤاخاة الإنسانية الخالصة التي تمارس القيم المشتركة بين الأديان.

وأضاف:«من مكامن القوة في هذا التصور: الربط المحكم بين المواطنة وإطارها الناظم المتمثل في مقصد السلم، فمن دون سلام لا حقوق، لأن فقدان السلم فقدان لكل الحقوق، بما فيها حق المواطنة فالسلام هو الحق الأول والمقصد الأعلى الذي يحكم على كل جزئيات الحقوق، فلا يمكن أن نتصور مواطنة بالمعنى الذي نبحث عنه في بيئة متشنجة.

وأضاف: «بالسلم تسود الطمأنينة النفسية والروحية والسكينة بين الأفراد والجماعات، ويكون السلم الاجتماعي حالة من الوفاق تتمظهر في التضامن والتعاون، لإيصال النفع إلى الجميع، ودرء الضرّ عن الجميع وتتجلى في اللغة والسلوك والمعاملة، فلا عنف في اللغة ولا اعتداء في السلوك، ولا ظلم في المعاملة، فالسلم يُوجد بيئة الحب والسعادة والانتماء للوطن والانخراط في مصالحه، وهو قبل كل شيء مصالحة مع الذات قبل أن يكون مصالحة مع الغير، ما يعني أنه لا سبيل إلى تحقيق المواطنة الشاملة إلا من خلال استراتيجية السلم، فهذا المبدأ الذي نرفعه في منتدى تعزيز السلم مبدأ عام صادق في كل البيئات ولا يختص ببيئة دون أخرى، ولا يقتصر على مجتمع دون آخر، ولكنه في عالمنا العربي والإسلامي أظّهر والحاجة إليه أمسّ والوعي به أكثر إلحاحاً.

وأضاف الأمين العام لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، كما اتفق المتداولون على أن تكون المحطة الثانية من «حوارات المواطنة الشاملة» في لندن في مارس 2019 بمشاركة أوسع من القانونيين والأكاديميين وصانعي السياسة بهدف مواصلة البحث في تنزيل نصوص الميثاق المأمول حول المواطنة الشاملة، في أطر حقوقية وقانونية وتشريعية ودستورية، تتواءم مع إمكانيات التطبيق أو التنفيذ، وتتناغم مع البيئات الثقافية المتباينة، إذ إن لكل منصة خصوصية وتجربة تاريخية مختلفة، ما يقتضي التدرج في التطبيق فمن المجازفة محاولة تطبيق قوانين احتاجت إلى قرون أو أجيال في بيئتها الأصلية على بيئة أخرى مغايرة لها تماماً.

وتابع: «اتفق العلماء على أن تكون المحطة الثالثة والأخيرة من حوارات المواطنة الشاملة في أبو ظبي وإطلاق «إعلان أبو ظبي العالمي للمواطنة الشاملة»، بحضور دولي بارز يضم ممثلين للمنظمات الحقوقية الدولية وقادة سياسيين وصناع قرار على مستوى العالم، بغرض بحث دعم فرص إجراء حوارات فاعلة مع برلمانات المنطقة وحكوماتها لتنزيل نصوص الميثاق في دساتيرها، والانتقال به من صوره الأخلاقية والإنسانية إلى صيغ قانونية ملزمة وتجرم من يخالفها، كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة في قانون التمييز والكراهية.

حدث ثقافي

وتحدث الأنبا أنجلوس، أسقف إيبارشية لندن للكنيسة القبطية، أكد أن الحوارات التي تستضيفها أبوظبي، تشكل حدثاً ثقافياً وإنسانياً مهماً، لا سيما أن يستند بمقولاته «إعلان مراكش»، الذي قدم أفضل صور الاهتمام بالأقليات ومفهوم المواطنة الشاملة، التي تعني العدالة والحرية والسلام المستدام.

وعلى الجميع أن يدركوا أنه لا مناص من الاعتراف والإقرار بالحقوق والواجبات، وأن نتعايش بتناغم وانسجام وأن لا نتخندق في متاريس العزلة الدينية أو العرقية أو الثقافية، وأضاف «علينا أن نتعلم من دروس الماضي، وأن نستمد منه عناصر القوة للتصدي لانحرافات وانزلاقات المستقبل. وأعرب الأنبا أنجلوس عن أمله بأن يحقق هذا الملتقى المرجو منه، وخاصة لجهة رسم استراتيجية الرحلة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين نحو المستقبل، متمنياً النجاح للجميع من أجل خير الإنسانية.

وتحدثت الدكتورة نائلة تبارا، مدير معهد إدارة المواطنة والتنوع في مؤسسة «أديان بيروت»، أكدت استعداد المؤسسة للتعاون مع منتدى تعزيز السلم ومركز «ويلتون بارك» في حوارات المواطنة الشاملة، مشيرة إلى أن المؤسسة عملت على هذه الأفكار لوقت ليس بقصير، ولديها خبرة كافية لإنجاح حوارات المواطنة الشاملة، لأن المؤسسة تنطلق للشراكة مع الآخرين من اعتبار المسؤولية الاجتماعية للأديان، أي العمل معاً من أجل النفع العام.

وأضافت «نحن نتعاون ونتحاور بشأن ما يجمعنا من قيم التضامن والتسامح والعدالة والحرية والتعليم والتنشئة»، مضيفة أنها تؤيد ما ذهب إليه الدكتور محمد مطر الكعبي، حينما اعتبر أن المواطنة الشاملة لا تتحقق إلا إذا شعرنا ببعضنا البعض، فالتضامن الإنساني هو جوهر المواطنة.

الابتعاد عن فكرة الأقلية والأغلبية أولوية

أكد اللورد طارق أحمد، وزير حقوق الإنسان في المملكة المتحدة، أن تحديد مفهوم المواطنة الشاملة كان من أهم أولويات المؤتمر، لأن احترام حقوق الإنسان ليس سوى جزء من الصورة، إذ يجب حماية حقوق الجميع، كما يجب الابتعاد عن فكرة الأقلية والأغلبية، إنها ليست الأرقام التي تحسب، بل معرفة أن الجميع متساوون، وجوهر ذلك إيماني، وفي القرآن الكريم، نقرأ «لا إكراه في الدين».

لأنها ليست إجبار الناس على وجهة نظر معينة.

وأضاف أن المملكة المتحدة تعد واحدة من أكثر المجتمعات تنوعاً في العالم، فالمواطنة الشاملة تعني أن جميع المواطنين، بغض النظر انتماءاتهم الدينية أو الفكرية أو الثقافية يتمتعون بحقوق متساوية، بموجب القانون وهذه الحقوق محمية في الممارسة وهذا ما يجعل المملكة المتحدة واحدة من أفضل الأماكن وهذه هي قوة بريطانيا الحديثة والمتنوعة.

وقال اللورد طارق، يتعين علينا ونحن نبحث عن حلول لهذه المشكلة الدائمة، أن نتذكر أن غريزتنا الإنسانية في بناء المجتمعات، مستمدة من بعض أفضل الصفات الإنسانية، مثل الاحترام والرحمة والثقة، ولكن هذه الصفات عندما تغيب عن سلول البشر، يظهرون أسوأ ما لديهم، مثل انعدام الثقة والكراهية.

فكيف نعيد لهم أجمل صفاتهم وكيف يمكن إقناعهم بأننا جميعاً متساوون فيما بيننا وكيف يمكننا أولاً تشجيع الحكومات، على وضع سياسات وقوانين تمنع التمييز والاضطهاد وضمان تطبيق هذه القوانين على النحو الصحيح، بحيث يتساوى الجميع بالحماية المتساوية، وأن يتشاركوا في نهاية المطاف، مهمة بناء مجتمعات على قيم تكمل هذه الحقوق وتعززها.

وأضاف أن المؤتمر يتصدى لكل هذه التساؤلات، ويظن أن الذي يمهد للإجابة إقصاء الأفكار المختلف عليه مؤقتاً والعمل على المشتركات، فهي تزيل الحواجز، وتزيح العقبات، معرباً عن اعتقاده أن للقادة الدينيين دوراً بارزاً في هذا الأمر، وخصوصاً على مستوى توصيل القيم المشتركة لاتباعهم؛ بتشجيعهم على قراءة الكتب المقدسة للآخرين.

Email