تجاوزات لا تبلغ حد «الظاهرة».. ومطالبات بتغليظ العقوبة

الثقافة والقانون يحكمان علاقة الفرد بالموظف العام

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحتضن الإمارات أكثر من 200 جنسية على أرضها، يعيشون ويعملون بكرامة وتقدير، ويحظون بعدالة ومساواة واحترام، في مجتمع تسوده ثقافة التسامح والوعي واحترام القانون. 

إلا أنه وبين الفينة والأخرى تخرج حالات فردية خارج إطار الثقافة المجتمعية، من بينها قضايا  الاعتداء على موظفين عامين، ورغم أن هذه الحالات لا تبلغ حد «الظاهرة»، إلا أن قانونيين وأخصائيين طالبوا بتعزيز الوعي بشأن العلاقة مع العاملين في الوظائف العامة، وتحديدا في المدارس التي تشهد تراجعا في دورها التربوي، على حد وصفهم.   


وأكدوا أنه لا يجوز التهاون في أي تجاوز ضد الموظف العام، مطالبين بتغليظ العقوبات بصورة أشد على المعتدين، لافتين إلى أن العلاقة الودية بين الطرفين محكومة بمقدار الاحترام والتقدير الذي ينظر به الطرفان لبعضهما، وأن الحصن الذي يضبط العلاقة بين الأفراد والموظف العام هو تعزيز الثقافة المجتمعية والالتزام بالقانون.

وشددوا على أن غالبية قضايا الاعتداء تحدث «دون قصد أو وعي أحيانا»، خلال تحرير مخالفة مرورية على سبيل المثال، أو ضبط رجل مخمور متعاطٍ، أو متهم عليه أمر ضبط، أو تصرف غير مبرر من موظف عام في إحدى الدوائر أو تأخير لمعاملة ما، أو من طالب مراهق تجاه أستاذه.


المهم الإشارة إليه بعد الحديث أن الحالات المسجلة في أروقة المحاكم بسيطة مقارنة بالواقع، والسبب مبدأ الصفح والمسامحة الذي ينتهجه العاملون في هذا المجال، والشواهد في ذلك كثيرة ومنها أخيرا قيام أحد رجال الشرطة بالتنازل رسميا عن حقه في واقعة اعتداء لفظي تعرض لها أثناء قيامه بتخطيط حادث مروري تسبب به رجل مخمور، حيث أكد أمام محكمة الجنايات بإحدى الإمارات أنه لا يطالب الرجل بشيء وقدم تنازلاً رسميا.

حالات

وأكد العميد الدكتور محمد المر مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي أن الأمر لا يشكل ظاهرة ولا يتعدى حالات بسيطة مقارنة بالقضايا والبلاغات المسجلة، لافتا إلى أن القانون شدد العقوبات على أي شخص يقوم بالاعتداء على الموظف العام أو رجال الشرطة أثناء تأدية مهامهم لتحقيق المزيد من الردع، إلا أن البعض يقوم بمثل هذه الأفعال بسبب الجهل بالقانون أو للرغبة في الهروب من رجل الشرطة.



وقال الدكتور المر إن رجل الشرطة يمارس عمله الميداني، ويجوب الشوارع لخدمة أفراد المجتمع، لافتاً إلى أن أشخاصاً وضعوا أنفسهم في مواقف محرجة للغاية حين حررت ضدهم بلاغات، وتحولت إلى قضايا، بسبب انفعالهم وتوجيههم كلاماً خارج السياق إلى محرر البلاغ، لافتا إلى أن الإمارات تطبق اعلى معايير حقوق الإنسان في كافة مراحل التقاضي وان المتهم يعامل على انه بريء إلى أن تثبت إدانته، معربا عن أسفه لغياب ثقافة التعامل مع الموظف العام، لدى فئة من المواطنين والمقيمين، من الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون.


وأشار المر إلى أن بعض رجال الشرطة يبدون تعاطفا كبيرا مع الضحايا ويتعاملون بمرونة وإنسانية إلى أبعد الحدود دون الإخلال بالقانون، وان بعضهم يمنح المتهمين هاتفه الشخصي للتواصل مع أسرته إذا لزم الأمر وبعضهم يقدم خدمات خارج نطاق عمله للتخفيف أو لمساعدة المتهمين.

عقوبات

ومن جانبه قال العميد أحمد ثاني بن غليطة رئيس مجلس مديري مراكز الشرطة ومدير مركز شرطة الرفاعة في دبي، إن الحالات التي سجلت كاعتداء ضد موظفين عامين قليلة جدا ولا تشكل أمراً مقلقاً، وانه في كافة الأحوال يعاقب أي متهم بعقوبات مشددة في حال الاعتداء على موظف عام أثناء تأدية مهام عمله، وان الأمر ينطبق على المفتشين في البلدية أو الدفاع المدني أو موظفي الطرق وغيرها، خاصة في حالة قيام الموظف بتحرير مخالفة ضد الشخص مما يصيب البعض بالغضب ويؤدي إلى سلوك خاطئ تجاه الموظف.



وأشار بن غليطة إلى أن أغلب الحالات التي سجلت في شرطة دبي غالبا ما يتنازل الموظف عن حقه في الإبلاغ متعاطفا مع المتهمين، منوها بأن البعض يأتون من بلدانهم بخلفية مغايرة للوضع في الإمارات مما يدفعه للتعامل بعدوانية مع الموظف العام من جنسيات محددة، كذلك قد يقوم المجرمون بمحاولة الهرب والتي قد تؤدي إلى إلحاق الأذى برجل الشرطة والاعتداء عليه. ودعا العميد بن غليطة أفراد المجتمع إلى ضبط النفس والتعامل مع الموظفين العامين بطريقة لائقة حتى لا يزيد من عقوبته ويواجه تهما جديدة هو في غنى عنها، والنظر إليه باعتباره موظفاً يؤدي عمله.


يذكر أن محكمة الجنايات في إحدى الإمارات نظرت أخيرا واقعة اعتداء قضت فيها بحبس مراهق 6 أشهر، بعد أن اعتدى على شرطي وأقدم على كسر يده، فيما أحالت النيابة العامة في دبي متهما من الجنسية الخليجية اعتدى على رجل شرطة بأن أغلق باب المركبة على يده وسحبه مسافة 70 متراً ودهس رجله، وكان ذلك أثناء ممارسة الشرطي لمهام عمله بالقرب من مجمع المدارس حين شاهد سيارة تسير عكس السير، فأوقف سائقها الذي تبين أن عليه حكما غيابيا.

المشرع الإماراتي
وأكد المستشار القانوني أشرف صقر أن الموظف العام مكلف بوظيفة عامة وهو يبذل في سبيل أدائها الغالي والنفيس، فهو معرض في اي لحظة وهو يقوم بعمله لأن يفقد حياته أو يكون حبيسا لعاهة تلزمه الفراش بقية عمره، لذلك أصبغ المشرع الحماية القانونية على الموظف العام أثناء أدائه لوظيفته (بوصفه موظفا عاما) وجعل من التعدي عليه بالقول أو الفعل جريمة يعاقب عليها القانون حماية له وللسلطة التي يمثلها في المجتمع، فنجد المشرع في قانون العقوبات في المادة 248، 249 قد أورد عقوبة رادعة تصل إلى الحبس الذي لا يقل في حده الأدنى عن 6 اشهر لكل من اعتدى على موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أو قاومه بالقوة أو العنف أو التهديد وذلك أثناء أو بسبب تأدية وظيفته.



وأوضح أن الحماية لم تنحصر عند هذا الحد بل إن المشرع في بعض الحالات التي تضمنتها القوانين الخاصة غلظ عقوبة التعدي كما فعل -على سبيل المثال لا الحصر - في قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية ورفع من عقوبة التعدي والمقاومة لتصبح السجن الذي لا يقل عن 3 سنوات، وان نجم عن هذا التعدي ضرب أو جرح كان الحد الأدنى للسجن 5 سنوات بخلاف الغرامة المالية، بل إن العقوبة قد تكون الإعدام إذا ما أدى الضرب أو الجرح الى موت احد رجال الشرطة، الأمر الذي يجب أن ينتبه له كل من تسول له نفسه انه يستطيع أن يوجه إهانة لرجل الشرطة أو يقاومه ويفلت بفعلته من العقاب، فكم كانت مخالفات بسيطة تنتهي بدفع بضع دراهم أودت بأصحابها إلى السجون نظرا لتطاولهم على رجل الشرطة وهم في غفلة عن العواقب الوخيمة لذلك.


ولفت فيصل محمود آل علي اختصاصي اجتماعي إلى الحاجة إلى دراسة الحالات ومعرفة أسبابها، معتبرا الاعتداءات في مجملها وليدة الانفعال غير المقصود، وان الموظفين العامين مهيؤون ومدربون للتعامل مع مختلف أفراد المجتمع والمواقف ولديهم الخبرة والحنكة للتصرف مدركين أن تواجدهم هو لضمان امن واستقرار المجتمع، ويتغاضون ويسامحون.


وشدد على ضرورة أن تتخذ المؤسسات التربوية والتعليمية دورها في إبراز صورة الموظف العام بشكل إيجابي واحترام زيه كون هدفه الحفاظ على الأمن والأمان وخدمة المجتمع، وحمايته من ظواهر سلبية قد تمس امن المجتمع وإبراز الدور المنوط به وقال توجد عقوبات قانونية رادعة وضعها المشرع.

وحذر المستشار القانوني أيهم المغربي من إهانة الموظفين العامين أو رجال الشرطة أو التعدي عليهم أثناء أداء عملهم، مؤكدا ان اغلب المخالفات المرورية البسيطة وحالات ضبط أفراد بحالة سكر تتحول إلى بلاغات جنائية ضد مرتكبيها، بسبب تجاوزات ضد رجل الشرطة سببها الغضب وغياب العقل نتيجة تعاطي تلك المشروبات، حيث يواجه عناصر من أفراد الشرطة متاعب بالجملة أثناء أداء مهامهم بسبب سلوكيات غير حضارية من بعض الأفراد، ويتم الاعتداء عليهم جسديا ولفظيا خاصة في بعض الدوريات الأمنية الجوالة بسبب رفض بعض الافراد الخضوع وتفتيش وثائقهم، وكذلك عند توقيف المطلوبين أو المحكومين في قضايا وبعد تحرير بعض المخالفات المرورية أو ضبط أشخاص في حالة سكر، لافتاً إلى أن أشخاصاً وضعوا أنفسهم في مواقف محرجة للغاية حين حررت ضدهم بلاغات، وتحولت إلى قضايا بسبب انفعالهم وقيامهم بتصرفات خارج نطاق الوعي والإدراك، مثل محاولة دهسهم والضرب بباب السيارة.


وأوضح المغربي أن الشرطة مثلاً تُخضع أفرادها لدورات تدريبية في الاتصال الجماهيري، وكيفية التعامل مع أفراد المجتمع، وهناك قواعد واضحة في أسلوب تحرير المخالفة المرورية من قبل الشرطة بكل أدب، (وفي القانون) خص قانون العقوبات الاتحادي مواد لحماية الموظف العام، شرح فيها عقوبات رادعة لكل من يعتدي على الموظف العام أثناء تأدية الخدمة، حيث تنص المادة (249) على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، أو بغرامة لا تجاوز 20 ألف درهم، من تعدى على موظف عام أو مكلف بخدمة عامة، أو قاومه بالقوة أو بالعنف، وذلك أثناء أو بسبب تأدية وظيفته أو خدمته، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، إذا حصل مع التعدي أو المقاومة ضرب، ويعد ظرفاً مشدداً وقوع إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة مع سبق الإصرار، أو من أكثر من شخص، أو من شخص يحمل سلاحاً ظاهراً.


وذكر المغربي أن قانون العقوبات لا يحمي الموظف العام من الاعتداء فقط، بل أيضاً من أية إساءة سواء بالسب أو القذف، حيث أوقع عقوبة الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين بموجب المادة 372 من قانون العقوبات الاتحادي، على كل من يقوم بقذف موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية الوظيفة أو الخدمة العامة، وقد تصل العقوبة إلى الحبس مدة لا تزيد على عامين، والغرامة التي لا تتجاوز 20 ألف درهم.



تكثيف التوعية بأهمية دور الموظف في حياتنا

لفت الأستاذ الدكتور احمد العموش عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الشارقة إلى أن حالات الاعتداء على الموظفين العامين أو رجال الشرطة ظاهرة متنامية عالميا، والسبب هو تحول الشرطة مثلاً من المفهوم التقليدي إلى المعاصر. فقد تحولت الشرطة إلى مجال الحوار والتعامل وعدم استخدام القوة، والبعض يستغل ذلك بصورة سلبية.



بدورها طالبت المستشارة الأسرية والنفسية هيام أبو مشعل بضرورة التوعية ونشر الإرشادات لأهمية دور الموظف العام في حياتنا وأهمية احترامه والانصياع لأوامره ووضع قانون رادع يحمي الموظف أينما كانت مهمته. فلا بد من توفير ظروف جيدة تضمن تنفيذه لمهمته في أمن وسلام من اجل حماية الوطن وأمن المواطن وحياته.

ملاحظة

وقالت ان الاعتداء على موظفين عامين ورجال الشرطة، ينعكس سلبا على أمن الوطن والمواطن، وقد يكون هذا عائدا لعدة أسباب منها التأثر بالثقافات الخارجية من خلال وسائل التكنولوجيا وخروج الفرد عن قوانين الوطن والبلد بشكل عام وتأثره بأفراد آخرين خارجين عن القانون وشعوره بالظلم عند تنفيذ الإجراءات القانونية بحقه وخاصة في بعض القضايا.

لذلك لا بد من وجود قانون يحمي رجال الشرطة عند أداء الواجب ووضع عقوبة رادعة لمن يعتدي عليهم على الرغم من أن بعض الجرائم يلجأ مرتكبوها إلى استخدام القوة عمدا حتى يفر من العقاب ولا يتم القبض عليه؛ «لذلك أرى أنه على  الموظفين استخدام الحكمة والصبر والتروي في بعض المواقف، وخاصة أن العنف قد يعود في الأساس لأسباب نفسية بسبب ضغوطات الحياة التي يعاني منها الفرد والتي تأتي عندما يظن الفرد أنه إذا لجأ للقانون ربما لا يتم إنصافه لذلك يقرر أن يدافع عن نفسه ويظهر بوجه عدائي».

58

أكد أشرف صقر أن حق الدفاع الشرعي عن النفس يتعطل في مواجهة رجال الشرطة وفقا لنص المادة 58 من قانون العقوبات إلا في أضيق الحدود.

Email