الطريق البحري أنعش أسواق وموانئ الخليج العربي والشرق الأقصى

العرب والصينيون.. علاقات تجارية وثقافية ضاربة في التاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير المصادر العربية إلى أن الطريق البحري بين الخليج العربي وجزيرة العرب وبين الصين لم يقف على تنشيط الأسواق العربية الكبيرة فقط، بل وأخرج أسواقاً جديدة، وأنعش مدناً عديدة وعريقة لطالما سمعنا بها، مثل سوق دومة الجندل، إلى مدينة دبا وصحار والشحر فرابية حضرموت، ثم ذو المجاز وغيرها الكثير.

أما دبا في الإمارات، تلك المدينة العريقة، فكانت ميناءً وسوقاً من كبرى الأسواق العربية، تدخل عبرها البضائع القادمة من الشرق الأقصى، والتي أدخلت على المنطقة الكثير من السلع المميزة، منها الزجاج الذي لم تدخله لنا سوى الصين.

وكذلك الفخار المزجج، المعروف باسم «سيلادون»، وهو مصطلح يقال للفخار الرامز إلى كل من الأواني المزججة بلون «السيلادون» الأخضر، والمشهور أخيراً بمسمى البيئة الخضراء، كما يطلق السيلادون على التزجيج الشفاف.

تطور

ورغم أن المصطلح أوروبي خالص، لكنه نشأ في الصين، وفي تلك الأفران الشهيرة مثل فرن «نغتشيوان» في منطقة «تشجيانغ» المعروفة بزجاج السيلادون على وجه الخصوص، حتى انتشر في بقية مناطق آسيا، الأمر الذي وضحت أهميته لدى الإنسان في تنوع استخدامه لأغراضه اليومية، مما دعاه إلى إنتاج الفخار المزجج وبألوان أخرى، ليتطور إلى تزجيج الخزف على شكل أوانٍ وصحون، ليحقق بالتالي دوراً مهماً وهو وقاية الماء بداخله.

معثورات

ومن خلال زيارتنا إلى متحف رأس الخيمة الوطني، نجد بعض القطع المكسورة من صحن خزفي أزرق وأبيض. تم العثور على هذا الصحن في حفريات جلفار 1977م، وبعد نشر صورته عام 1987م اطلع على القطع السويسري الخبير كارل كروس، الذي لاحظ تشابهاً بين الصحن وقطعة من الخزف المعروضة هنا، والتي التقطها أثناء زيارته لجلفار 1983م ليقوم بإرسالها إلى المتحف.

لقد استورد تجار جلفار أنواعاً متعددة من الفخار الحجري والمطلي، وفيما بعد ظهر نوع آخر يسمى يزاهو وسواتو وكذلك البورسلين... من الشرق الأقصى.

ومن أفضل الأنواع، ذلك الذي يصنع في جنوب الصين، كما عثر كارل كروس على عينات منه ترجع في تاريخها إلى بداية القرن الخامس عشر في كل من جلفار وضاية، وقرب قلعتها المخروطية الواقعة على تلها المرتفع، وضاية المعروفة بخصوبتها العالية وأرضها الخضراء تطل على منحدرات الجبال هناك، وقد استوطنها أهلها منذ الألف الثالث قبل الميلاد.

اهتمام

تحمل الصحون في المتحف صوراً لطيور وحيوانات وأسماك ونباتات، وصحن فيه عبارات مختلفة منها مدح وكلمة «الله» باللغة العربية... وإن عدنا للقرون السابقة نجد أن البلاط الإمبراطوري الصيني اهتم بالخزف الأزرق والأبيض في تلك الأواني المرسومة، لتصبح أكثر المواد قيمة وجاذبية في الصين في فترة من فتراتها.

تبادل تجاري

وكما أتى في كتاب «الأزمنة والأمكنة» قبل ألف عام من الآن للجغرافي وعالم الأدب والفلك أحمد بن محمد المرزوقي، لنجد في الباب الأربعين عنواناً كاملاً باسم «دبا»، هذا السوق الذي يأتي إليه التجار من أول شهر رجب، يجتمع فيه تجار من الهند والسند والصين وأهل المشرق والمغرب، وكانت فرصة للعرب أن يجتمع البائعون فيه وأمام البحر يساومون على البضائع حتى وقت المغرب.

كما أن هناك سوقاً آخر في دبا يبدأ من شهر رجب يجتمعون فيه للشراء، وكان الملك الجلندى يعشرهم فيها، أي ينظمهم أعداداً من عشرات، وبلا شك كان ذلك فعل الملوك في غيرها من الأسواق، كما أتى ذلك في كتاب «الأزمنة والأمكنة»، لتبقى العلاقات التجارية والفكرية والاجتماعية والصداقة الصادقة بين الصين وبيننا من خلال معابر الموانئ العديدة التي أصبحت كلها تاريخية ذات احترام متبادل وأثر عميق.

Email