القافية والإيقاع يزيّنان روائعها وأحداثها الملحمية

أوبرا بكين.. موسيقى وقصص جماليات عريقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

إيقاعاتها المتسارعة الأحداث وقصصها المنسوجة بدقة الزمان والمكان، هي لسان حال المجتمع الصيني المتسم بتنوع ثقافاته وأعراقه، والذي احتفظ بتراثه العريق شرقاً وغرباً، وفنونها شمالاً وجنوباً، لتنصهر ثقافاتها وتضيف إرثها الشامل رقصاً وغناء وحكايات معلقة على أسوار الحروب..وأشواق المحبين على ضفاف نهر يترقب عودة الغائب لتحتضنه أشعار الآباء وأهازيج الأمهات، تلك هي الأوبرا الصينية التي تنطق موسيقى بديعة وثراء ألحان وحكمة معتقة منذ آلاف السنين، وقد باتت مقترنة بمدينة بكين، في جنوب الصين.

خلال فترة حكم سلالة سونغ كانت الأوبرا، مثل زاجو ونانتشي، تُؤدى في المقاهي والمسارح وساحات العروض، وقد أحبها الكتّاب والفنانون كثيراً، لدرجة أن كتابة كلماتها ازدهرت لتصبح نوعاً جديداً من الأدب، يسمى تشي.

وفي حكم سلالة يوان، اكتسب شعبية واسعة من الأدب، يعتمد على الموسيقا ويسمى كو. وفي الفترة نفسها تم تطوير عدة آلات موسيقية تقليدية، مثل البيبا، والمزمار، والقانون، أما خلال حكم سلالتي مينغ، وتشينغ، تطور فن الأوبرا التقليدية بشكل سريع ومتنوع في عدة مناطق مختلفة. وعندما تمّت تأدية أنواع الأوبرا تلك في العاصمة (بكين)، قام الفنانون بضمّ جوهر تلك الأنواع وابتداع نوع جديد سُميَّ أوبرا بكين، وهو ما يعتبر اليوم واحداً من ثلاثة أحجار زاوية تقوم عليها الحضارة الصينية

طقوس الرقص

وفى هذا السياق، يعتقد أن رؤساء قبيلة هان الصينية هم أول من أدى طقوس الرقص، حيث كان عبارة عن طقوس تعتمد على المعتقدات والخرافات، مثل معظم الفنون البدائية في ذلك الوقت، فكان صيادو القبيلة يؤدون الرقصات الشعبية، أملاً في الحصول على صيدٍ جيدٍ. وجد علماء الآثار أول دليلٍ على تاريخ الرقص في شظايا فخارية تعود للألفية الرابعة قبل الميلاد، والتي رُسم عليها رجال يرقصون ويلوحون بالرماح وبأسلحة أخرى كانت تستعمل للصيد.

إيقاع ملحمي

ويشير المؤرخون إلى أنه ما بين 1644- 1912م، سيطر على الأوبرا نوعان من الفنون التقليدية، الأولى تعتمد على وقائع التاريخ والحروب التي مرت الصين بها، أبطالها من الفرسان وقيادات الجيش، والثانية تتوجه إلى مواضيع اجتماعية يفهمها عارفو القراءة والكتابة لبساطتها والتصاقها بواقع المجتمع الصيني، فقرات أوبرالية من الحب وأخلاقيات الحياة الاجتماعية الصينية.

وأمام هذه العناصر في عصر تقدير الممثلين، وهذه النوعيات الخاصة مضموناً وشكلاً بمسرح صيني آسيوي، كان لا بد أن يختلف مسرح الصين عن مسارح أوروبا، فالمسرح الصيني مسرح يعتمد على أحداث ملحمية، و الموسيقى إلى جانب الرمز قبل الاعتماد على المضمون الأدبي في الدراما. مسرح شعبي بكل ما في لفظة الشعبية من معانٍ وأوصاف، حتى ولو اتصف بالبدائية، ومع ذلك، فهو مسرح يتوجه إلى الجماهيــر، كــل الجماهيــر.

قواعد صارمة

أوبرا بكين فن استعراضي، يشمل الغناء، والقصة، والحركة، والفنون القتالية. وعلى رغم ممارسته المنتشرة انتشاراً واسعاً في الصين، تنحصر مراكز تقديمه في بيجينغ، وتيانجين، وشنغهاي. أوبرا بكين تحكي التاريخ، والسياسة، والمجتمع، والحياة اليومية، وتهدف إلى التثقيف قَدْر التسلية. وموسيقاها تؤدي دوراً جوهرياً في تثبيت إيقاع الاستعراض، عبر إشاعة جو خاص، وتدريب الشخصيات وتوجيه مسار الرواية.

أسلوب رمزي

تعطي الأوبرا الصينية، الموسيقى المدنية، الأولوية للآلات الوترية والنفخية، مثل الـ «جينغو» ذات الشكل الدقيق والصوت الحاد، ومزمار «ديزي»، فيما تؤدّى «الموسيقى العسكرية» بآلات الإيقاع، مثل الـ «بانغو» أو الـ «داليو»، ويتميز الأداء بأسلوبه الرمزي والطقسي، مع ممثلين وممثلات يخضعون لتصميم رقص يحدّد حركات الأجساد، وتعتمد ديكورات المسرح والأكسسوار في حد أدنى.

الأزياء لامعة لافتة، تجميل الوجه المبالغ فيه، يستخدم رموزاً وألواناً وأشكالاً محددة، لكشف شخصية المؤدي الاجتماعية وهويته المكتسبة بالتعليم والتدريب من الأستاذ إلى التلميذ، ويمكن التلميذ أن يكتسب المهارات الأساسية، عبر شرح شفهي، وبالمراقبة، والتقليد. تعد أوبرا بكين مثالاً جمالياً أعلى للأوبرا في المجتمع الصيني التقليدي، وتبقى عنصراً مشهوراً جداً من التراث الثقافي للبلد.

وجوه

تتميز فنون العروض المسرحية لأوبرا بكين بأسلوب نظامي خاص، من حيث الألحان والنغمات والآلات الموسيقية والعروض ووضع الماكياج ونماذج الوجوه، وتنقسم أدوار أوبرا بكين إلى شنغ ودان وجنغ وموه وشو، ويرمز شنغ إلى دور رجل، ودان إلى دور امرأة، جنغ إلى هواليان «الوجه الملون»، وموه إلى دور إضافي للرجل الكبير السن، وشو إلى الدور المضحك ذي المزاج المتفائل.

Email