الإمارات والصين شراكة استراتيجية أساسها الاحترام والتفاهم والمصالح المشتركة

ت + ت - الحجم الطبيعي

(لمشاهدة ملف "الأسبوع الإماراتي الصيني" pdf اضغط هنا)

تحتفي دولة الإمارات بالزيارة التاريخية المرتقبة لرئيس جمهورية الصين الشعبية الصديقة شي جين بينغ، والتي تعد أول زيارة خارجية له بعد إعادة انتخابه رئيساً لبلاده، كونها تكتسب أهمية خاصة تصب في صالح البلدين الصديقين، وتعزز تعاونهما في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية، كما أنها توثق جذور الصداقة بين الإمارات والصين، فضلاً عن دورها الكبير في تعزيز حضور الصين سياسياً في قضايا المنطقة والقضايا العربية عموماً، كما أنها تبشر بانتعاش اقتصادي بين البلدين من خلال النمو المتوقع والصعود الكبير في المشاريع المشتركة.

وينبع ترحيب قيادة الإمارات بزيارة الرئيس الصيني إلى البلاد من الرغبة الأكيدة في ترسيخ أواصر التعاون بين البلدين، وصولاً إلى تحقيق دور محوري يسهم في استقرار المنطقة وتعزيز مستقبلها الاقتصادي، فضلاً عن بذل الجهود المشتركة لتدعيم السلام والتنمية في العالم، كما أنها تؤسس لعهد جديد من العلاقات الاستراتيجية المتينة والشاملة في شتى المجالات، وتزيد من صلابة الأرضية المشتركة بين البلدين.

وتأتي زيارة الرئيس الصيني في وقت تنتعش فيه العلاقات الإماراتية الصينية بعد أن غرست الدبلوماسية بين البلدين شجرتها في نوفمبر 1984 لتنمو باطراد روابط البلدين ثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتغدو علاقات البلدين نموذجاً عالمياً أركانه الاحترام والتفاهم والمصالح المشتركة، وطموحه التعاون المثمر والمستقبل الواعد.

وليس غريباً أن تكون دولة الإمارات محط نظر جمهورية الصين لا سيما وأن الدولة تحتضن أكثر من 200 ألف مواطن صيني، وتضم 4000 شركة تجارية، كما تجاوز حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين الـ 50 مليار دولار، ما جعل الإمارات على مدى سنوات متتالية ثاني أكبر شريك تجاري للصين في العالم.

حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على أن تحتفظ بعلاقات تعاون وتفاهم مع الدول الصديقة والشقيقة، وعملت على تطوير مجالات التعاون في الإطار الذي يصب في المنافع المشتركة مع هذه الدول، ومن هذا المنطلق، أُعلنت العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي وبكين في الأول من نوفمبر عام 1984، فيما افتتحت السفارة الإماراتية في بكين في مارس عام 1987، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت مسيرة العلاقات بين البلدين على أساس المصالح المتبادلة والتنسيق المتواصل.

وتحرص القيادة الرشيدة للدولة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على تطوير العلاقات الثنائية مع جمهورية الصين الشعبية، وبذل المزيد من الجهود لدفعها إلى الأمام من أجل تحقيق مصلحة شعبي البلدين الصديقين في مختلف المجالات.

ولعبت الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين دوراً كبيراً في دفع العلاقات السياسية بين الجانبين نحو مزيد من الشراكة الاستراتيجية، خاصة أن البلدين يشهدان نمواً غير مسبوق على كل الأصعدة.

ومثلت الزيارة الرسمية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إلى الصين في العام 2008، وزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في 2009، تلتها زيارة أخرى في ديسمبر عام 2015، نقطتي تحول في العلاقات بين البلدين، وعززتها في كل المجالات، لاسيما المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

وتعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للدولة، يوم الخميس المقبل، انطلاقة جديدة تعزز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتؤسس لعهد جديد من العلاقات الاستراتيجية المتينة والشاملة في شتى المجالات، وتزيد من صلابة الأرضية المشتركة بين البلدين.

ويؤكد الخبراء أن البلدين بحاجة إلى تجديد هذه العلاقة والارتقاء بها في ضوء المبادرات الجديدة، ومن خلال تبادل الأفكار وزيادة التبادلات. ويسعى الجانبان إلى تعزيز هذه العلاقات من خلال تطوير بيان الشراكة الاستراتيجية، الذي وقع في عام 2012 ليكون اتفاقية شراكة استراتيجية واضحة البنود ومحددة المعالم.

ويتجسد التبادل والتعاون بين الطرفين حالياً في كل المجالات، مثل التجارة ونقل الخبرة والصناعة والطاقة والزراعة والثقافة والسياحة وغيرها، حيث يشكل التعاون والتبادل بين الصين والإمارات أرضية صلبة للاستمرار في مواصلة الإنجازات التي تحققت في الماضي بالإسهام الفعال في سلسلة المبادرات الصينية الجديدة، التي تشمل «طريق الحرير»، و«الحزام الاقتصادي»، و«البنك الآسيوي للاستثمار» في البنية التحتية.

وتعد الإمارات وجهة السياح الصينيين في المنطقة، بسبب المراكز السياحية الحديثة المتطورة والمناطق التاريخية التي تتمتع بها الدولة. ويعطي الصينيون اعتبارات خاصة لما حققته الدولة في مجال حقوق المرأة، ورعاية الشباب وتطوير قدراتهم الإبداعية والتطور العمراني الكبير وأنشطتها التي تعكس صورتها المشرقة، التي تجلت إحداها في معرض «الإمارات في عيون الصينيين».

ولا تتجسد علاقة الصداقة الصينية الإماراتية بين الدولتين على المستوى الرسمي فقط، بل أيضاً تتجسد بين الشعبين من خلال إقامة المناسبات الثقافية والتعليمية وتبادل الزيارات، وفي مجالات الثقافة والتعليم والشباب والإعلام والسياحة والرياضة، فإن حكومتي البلدين تهتمان كثيراً بإثراء التبادل والتنسيق والتعاون في تلك المجالات، التي بلا شك تعطي زخماً كبيراً للتقارب والالتقاء بين الحكومتين والشعبين الصديقين.

وتعد الإمارات من بين أهم الشركاء التجاريين للصين في الشرق الأوسط، وتعد الصين شريكاً مهماً للدولة، واستطاعت الصين أن تجعل من دبي مركزاً تجارياً لإعادة تصدير منتجاتها للكثير من الدول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، كما أن الشركات الصينية استطاعت دخول أسواق الإمارات وتستثمر في مجالات المقاولات وتشييد البنية التحتية، وحتى في قطاع نقل المعلومات.

مواقف مشتركة

وعلى صعيد التعاون الدولي اتفقت الدولتان على تعزيز التعاون وتوحيد المواقف تجاه العديد من القضايا الدولية الراهنة في المنظمات الدولية، مثل التغير المناخي وأمن الطاقة وأمن الغذاء، وإصلاح الأمم المتحدة، والتعاون في مجال تبادل الترشيحات في المناصب الإقليمية والدولية غير المتعارضة مع مصالح كل من الدولتين.

كما تم تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلديـن وإقامة شراكه استراتيجية وتبادل الخبرات، وتشكيل لجنة مشتركة عامة بهدف تعزيز العلاقات المشتركة في الجانب الاقتصادي والقانوني والعلمي والسياحي.

وبما أن الإمارات تعد ثاني أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشرق الأوسط، فقد دأبت الدولتان على تقليل حجم التوازن في الميزان التجاري بتخفيض الرسوم الجمركية على بعض السلع الإماراتية المصدرة للصين كالألومنيوم.

ومن أجل توثيق التعاون الثنائي أقدمت الدولتان على توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، كان أبرزها اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني، واتفاقية إنشاء اللجنة الاقتصادية المشتركة، واتفاقيات حماية الاستثمار وتجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية التعاون الثقافي، وغيرها من الاتفاقيات التي كان لها الأثر الكبير في تعزيز وتطوير علاقات التعاون الثنائي في المجالات المختلفة.

وفي خريف عام 2013، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة كبيرة لبناء «الحزام والطريق»، التي حظيت بتجاوب من قبل المجتمع الدولي والدول المجاورة على وجه الخصوص.

وتتزامن المبادرة مع فكرة إحياء طريق الحرير، حيث تعد الإمارات مركزاً مهماً على الصعيدين الإقليمي، ومركزاً مالياً وتجارياً، كما تعد شريكاً إقليمياً مهماً للصين في بناء الحزام والطريق.

وتتضمن المبادرة إنفاق الصين مليارات الدولارات عن طريق استثمارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية.

والمبادرة هي بالأساس استراتيجية تنمية طرحها الرئيس الصيني، وتتمحور حول التواصل والتعاون بين الدول، وخصوصاً بين الصين ودول أوراسيا، وتتضمن فرعين رئيسين، هما «حزام طريق الحرير الاقتصادي البري»، و«طريق الحرير البحري».

وتؤكد الصين أهمية التمسك بمبدأ التشاور والتشارك وتبادل المصالح لتعزيز البناء المشترك من الجانبين الصيني والعربي لـ «الحزام والطريق»، وتشكيل معادلة تعاون «1+2+3»، وتتخذ مجال الطاقة، كالمحور الرئيس، ومجالي البنية التحتية، وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، و3 مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات الجديدة كنقاط اختراق، بما يطور ويجدد من التعاون العملي.

وفيما يخص التعاون المالي بين البلدين، الذي يتعمق بصورة مطردة، فالبنوك المركزية في البلدين تناقش تجديد اتفاق مقايضة العملات وإنشاء مركز المقاصة لليوان في الدولة، كما أن أكبر 4 بنوك في الصين أنشأت لها فروعاً في الإمارات.

وثائق: جذور الصداقة بين الصين والعرب تعود لألفي عام

أكدت الحكومة الصينية أن جذور الصداقة بين الصين والدول العربية تضرب في أعماق التاريخ، وتظل الأمتان الصينية والعربية مرتبطتين بطريق الحرير براً وبحراً على مدى أكثر من الـ 2000 سنة المنصرمة، التي يبقى فيها السلام والتعاون والانفتاح والتسامح وتبادل المصالح قيماً سائدة في التواصل بين الجانبين.

وذكرت ضمن وثيقة رسمية تحدد سياسة الصين تجاه الدول العربية أنه خلال الـ 60 سنة الماضية على بدء العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، تعمّق التعاون بينهما في مختلف المجالات بشكل مستمر، حيث تمت إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة وعلاقات التعاون الاستراتيجي بين الصين و8 دول عربية، وآلية للحوار الاستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وأوضحت أن الجانبين الصيني والعربي يتعاملان مع بعضهما البعض باحترام ومساواة، وعملاً على تعميق الصداقة التقليدية وتطوير العلاقات الثنائية، وحققا نتائج ملحوظة في مختلف المجالات.

وأكدت الوثيقة الصينية أهمية تعزيز التشاور حول الشؤون الدولية والبقاء على التواصل والتنسيق في القضايا الدولية والإقليمية المهمة، وتبادل الدعم والتأييد فيما يتعلق بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى لدى الجانب الآخر، وتكثيف التنسيق والتعاون في المنظمات الدولية وحماية المصالح المشتركة للجانبين والدول النامية، والتشارك في صيانة مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وما يتمحور عليه من النظام الدولي والمنظومة الدولية، والعمل على إقامة علاقات دولية من نوع جديد تتمركز على التعاون والكسب المشترك، وبذل جهود مشتركة لتدعيم السلام والتنمية في العالم.

وأوضحت أن الدول العربية أصبحت أكبر مورد للنفط الخام للصين، وسابع أكبر شريك تجاري لها، وتجاوبت إيجابياً مع المبادرات الصينية التي تدعو إلى تشارك الجانبين الصيني العربي في بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21، وتشكيل معادلة التعاون «1+2+3».

وفيما يخص مجالات التعاون في مجال الطاقة والفضاء أكدت الوثيقة أهمية التعاون على أساس المنفعة المتبادلة، ودفع ودعم التعاون الاستثماري بين الصين والدول العربية في مجال النفط والغاز الطبيعي، وخاصة في مجالات تنقيب النفط واستخراجه ونقله وتكريره، والدفع بالترابط والتناسق من حيث الخدمات الهندسية والتقنية في الحقول النفطية وتجارة المعدات والمعايير القطاعية. وتعزيز التعاون في مجال الطاقة المتجددة، وفي مقدمتها الطاقات الشمسية والريحية والكهرومائية. والتشارك في بناء مركز التدريب الصيني العربي للطاقة النظيفة.

وقالت: «يعد العالم العربي شريكاً مهماً للصين التي تسلك بخطى ثابتة طريق التنمية السلمية في مساعيها لتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية وإقامة علاقة دولية من نوع جديد تتمحور على التعاون والكسب المشترك. وينظر الجانب الصيني دائماً إلى العلاقات الصينية - العربية من الزاوية الاستراتيجية، ويلتزم بتوطيد وتعميق الصداقة التقليدية بين الصين والدول العربية، كسياسته الخارجية الطويلة الأمد، وستلتزم الصين بالفهم الصحيح للمسؤولية الأخلاقية والمصلحة للربط الوثيق بين الجهود الهادفة إلى تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في الدول العربية».

وتلتزم الصين بتطوير علاقاتها مع الدول العربية على أساس المبادئ الـ 5، المتمثلة في الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي.

اقرأ أيضاً:

نورة الكعبي: شراكة الإمارات والصين استراتيجية ترسّخـها الثقافة

14 مدرسة في الإمارات تدرس الصينية العام المقبل

«هلا بالصين» تؤسس مجلس إدارة وتطلق أولى شراكاتها الاستراتيجية

أوبرا بكين.. موسيقى وقصص جماليات عريقة

مدير متحف في بكين: حراك الإمارات الثقافي متميّز

التشكيلي الصينـي جاك لـي: التـراث والثقافـة الإماراتيان جوهر لوحاتي

303 مليارات دولار التجارة غير النفطية بين البلدين في 10 سنوات

Email