«وطن بلا مخدرات».. مفاتيـح السلامة بيد الأسرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشكلة المخدرات من أعظم المشكلات التي تهدّد أمن وسلامة المجتمعات وتعوق تقدمها الاقتصادي والاجتماعي؛ لأنها تستنفد الكثير من موارد المجتمع وتبدّد الكثير من طاقات وقدرات أفراده، وأضحت المخدرات ظاهرة عالمية يعاني منها الكثير من دول العالم، والمخاطر الناجمة عن هذه الظاهرة تستدعي ضرورة التصدي لها ومحاربتها بمختلف السبل والوسائل، ولهذا يجب على الجميع التعاون من أجل القضاء والحد من انتشار هذه الآفة المدمّرة التي تؤدي إلى ضياع الشباب وإهلاك المجتمعات.

والوصول إلى وطن بلا مخدرات من خلال وضع استراتيجيات وقائية استشرافية للتعامل مع اتجاهات وأنماط تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، ودعوة المؤسسات الأسرية والمجتمعية إلى إعداد استراتيجيات وسياسات لمواجهة أنماط التغييرات المتوقعة في الأسر والمجتمعات المحلية، والتي قد تعمل على تعزيز عوامل تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، فضلاً عن دعوة مؤسسات المجتمع المدني الرسمية وغير الرسمية إلى الاستفادة من نتائج أبحاث استشراف المستقبل، وإدماجها في سياساتها وبرامجها لمواجهة تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات لاسيما بين النشء والشباب.

مادة قانونية

وأكد معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي رئيس مجلس مكافحة المخدرات على مستوى الدولة، عزم المجلس على تقديم مقترح لمادة قانونية ورفعها لأصحاب القرار تمهيداً لاعتمادها وإدراجها ضمن قانون مكافحة المخدرات؛ بهدف الحد من جرائم المخدرات، كما أهاب بالسلطات المختصة ضرورة تغليظ العقوبة على تجار ومروّجي المخدرات، مؤكداً العزم على بذل كافة الجهود والمساعي التي تضمن إدراج المادة ضمن القانون.

وأوضح أن المادة المقترحة التي ستسد الثغرة في القانون الحالي تنص على: «كل من حوّل أو حُوّل إليه أموال أو استلمها لغايات شراء أو بيع أو اتجار أو زراعة أو صناعة أو فصل أو تخليق أو استخراج أو تهريب أو استيراد أو تصدير أو جلب أو نقل أو وساطة أو ترويج أو إعطاء أو تخزين أو إخفاء أو حيازة أو حفظ أو استعمال أو تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية وسائر أوجه النشاطات والتصرفات الأخرى المتعلقة بها يعتبر أنه حوّل أموالاً معاقباً عليها قانوناً وفقاً لجسامة الفعل أو الجرم المُرتكب، ويقع على المتهم عبء الإثبات بعدم المسؤولية».

مسؤولية أسرية

حريز المر بن حريز المدير التنفيذي لقطاع التنمية والرعاية الاجتماعية في هيئة تنمية المجتمع، أكد أن حماية الأبناء من خطر الإدمان يقع بالدرجة الأولى على عاتق الأسرة، حيث تشكّل الأسرة 50% من أسباب نجاح علاجهم إذا ما وقعوا في شرك المخدرات.

وأهاب بالأسرة ضرورة التواصل مع مركز «عونك» للتأهيل الاجتماعي للمدمنين والمعرضين لخطر الإدمان، من أجل تقديم خدمات الرعاية اللاحقة للفئات المعرضة للخطر جراء تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، وبهدف مساعدة هذه الفئة على التخلّص ونبذ العادة السيئة ومنع تطور الإدمان عند فئة الشباب أو متعاطي المواد المخدرة، وعدم الانتكاسة إلى التعاطي.

وأوضح أن مرحلة التأهيل تأتي عقب المرحلة الطبية التي تُعنى بالتخلص من السموم وتصل لثلاثة أسابيع، ويتطلب الإيداع فيها مدة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وتهدف مرحلة التأهيل إلى مساعدة المتعافي على العودة إلى الحياة بشكل طبيعي، حيث يتم إكسابه إمكانيات العيش كالتعليم، والمهارات النفسية والاجتماعية، والعمل، والتدريب المهني، وقياس قدراته وفاعليته في مجال عمله.

ظاهرة الخلع

وتأتي الرعاية اللاحقة في آخر المراحل العلاجية من الإدمان، وتستهدف هذه العملية إعادة دمج المتعافي من الإدمان في الأسرة والمجتمع، وذلك علاجاً لما يُسمّى «ظاهرة الخلع»، حيث يؤدي الإدمان إلى انخلاع المدمن من شبكة العلاقات الأسرية والاجتماعية، ويعتمد العلاج هنا على تحسين العلاقة بين الطرفين «المتعافي من ناحية والأسرة والمجتمع من ناحية أخرى»، وتدريبهما على تقبل وتفهّم كل منهما للآخر، ومساعدته على استرداد ثقة أسرته ومجتمعه فيه، وإعطائه فرصة جديدة لإثبات جديته وحرصه على الشفاء والحياة الطبيعية.

وأكد أن الهيئة لديها برامج تنفذها في المؤسسات العقابية تستهدف المسجونين في قضايا التعاطي، بالإضافة إلى خطط تعاون مع القيادة العامة لشرطة دبي والمؤسسات العقابية، وتحرص على تطوير البرامج الموجّهة لهذه الفئة وتطبيق أفضل الممارسات لعلاج المدمنين ووضع خطط للرعاية اللاحقة بعد خروجهم.

وأضاف أن الهيئة ستعمل على وضع خطط حياتية للمتعافين من الإدمان من خلال برنامجي «عنبر عونك» و«12 خطوة»، لافتاً إلى عكوف الهيئة على تطويرهما، والاستمرار في علاج خريجي المؤسسات العقابية بالمجان للمواطنين.

وكون الهيئة تعد عضواً في لجنة علاج المدمنين بمجلس مكافحة المخدرات، حيث إن دورها رباعي يشمل التوعية، والعلاج، والتأهيل، والدمج والتمكين الاجتماعي؛ لذا فإنها تتعاون مع كافة الجهات العلاجية في الدولة من أجل علاج المدمنين.

وأفاد بن حريز بأن قسم رعاية السجناء وأسرهم من إدارة الفئات الأكثر عرضة للضرر يقدم خدماته الاجتماعية والنفسية والتأهيلية للنزلاء والمفرج عنهم من المؤسسات العقابية والإصلاحية بدبي، وذلك بالتعاون مع شريكها الاستراتيجي، وهي الإدارة العامة للمؤسسات العقابية والإصلاحية بشرطة دبي، وعدد من الشركاء الآخرين، حيث تتضمن الخدمات المقدمة فتح ملف دراسة حالة، والمقابلات الفردية والجماعية والأسرية، ووضع خطط التدخل ومتابعة تنفيذها، بالإضافة إلى تصميم وتنفيذ البرامج التأهيلية للفئة المستهدفة.

وأفاد بأن عدد المستفيدين من هذه البرامج بلغ 510 من فئة دراسة حالة، و219 فئة خطط التدخل، و1479 مقابلة فردية وجماعية وأسرية، فضلاً عن 880 برنامجاً تأهيلياً بحسب إحصائية أجرتها الهيئة عام 2017.

مبلغ زهيد

ويقول المحامي عبدالله سلمان إن المخدرات والعقاقير المخدرة بأنواعها آفة ابتليت بها مجتمعاتنا، ولا نبالغ إذا ما قلنا إنها وسيلة من وسائل الحرب في هذا الزمن تستهدف شبابنا، خاصة في سن المراهقة، وقد تُباع لهم بمبلغ زهيد جداً، ونذكر في قضية بيعت 40 ألف حبة من عقار مخدر من نوع معروف بمبلغ 3 آلاف درهم فقط.

علاوةً على ذلك فقد انتشرت في الآونة الأخيرة بين أوساط الشباب عقاقير تسمّى منشطات ومقويات وفيتامينات لتقوية عضلات الجسم كانت تستخدم من قِبل الرياضيين في رياضات كمال الأجسام حتى أصبحت هوساً لدى الشباب من الجنسين، ولا يكاد يخلو نادٍ صحي أو صالة رياضية منها، بل الأدهى أن المدربين في هذه الأماكن ينصحون مرتاديها من الشباب بتناولها، بل إن بعضهم يبيعها لهم.

ولا يكفي قانون مهنة الصيدلة والمؤسسات الصيدلانية بدولة الإمارات لمحاربة بيع تلك المنتجات بصورة عشوائية، فقد آن الأوان لوضع تشريعٍ خاص ينظم تداول تلك المنشطات ويحظر تدخين السجائر الإلكترونية؛ لأنها تصل إلى درجة من الخطورة قد تفوق المواد المخدرة والعقاقير المؤثرة عقلياً؛ لذا يجب أن يشمل القانون مادةً تنصّ على عقوبات رادعة للتجار والمتعاطين لهذه العقاقير.

وناشد المحامي سلمان أصحاب القرار في اللجان التشريعية بالمجلس الوطني الاتحادي وضع تصوّر لمشروع قانون بشكل عاجل يمنع ويحظر تداول هذه المنتجات والإبر والعقاقير الخاصة بتقوية الأجسام والمكملات الغذائية دون استشارة الأطباء الثقات المختصين.

وأشار إلى أن تلك المنشطات نجدها معروضة في عدة منافذ للبيع والصيدليات وحتى في محلات بيع الجملة والتجزئة، فضلاً عن محلات التجزئة بمحطات البترول دون تعليمات واضحة لطريقة استخدامها والكمية المناسبة لتناولها، وهو ما يستدعي التساؤل حول ضوابط بيع تلك المنتجات ومصدرها، والتشريع المنظم لبيعها وتداولها وصرفها.

آفة فتاكة

ومن ناحيته يقول الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد، كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي: «المخدرات آفة فتَّاكة في المجتمعات الإنسانية عامة؛ لما فيها من الفتك بحياة متعاطيها جسدياً ومادياً وأخلاقياً، لذلك كان تعاطيها محرماً شرعاً وعقلاً. أما الشرع فقد تظاهرت نصوصه على تحريمه، من ذلك قول الله جلَّ ذكره في وصف نبيه المصطفى (عليه الصلاة والسلام) في التوراة بأنه: {يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}[الأعراف 157]، وأي خبيث أعظم مما يفسد العقول التي اتفقت الملل والشرائع على إيجاب حفظها؟!

وقد حرّم الله تعالى إذهاب العقول باستعمال ما يزيلها أو يفسدها أو يخرجها عن مخرجها المعتاد، ولا شك أن تناول المخدر يَظهر أثره في العقل والسلوك فوراً، فالآية نصّ واضح في تحريمها؛ لأنها الغاية في الخبث، وقد عضدت السنة المشرفة هذه الدلالة بأحاديث كثيرة، منها ما أخرجه أبوداوود وغيره من حديث أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مُسكر ومفتِّر»، والمفتّر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف.

فالحديث أدلّ دليل على تحريم الحشيش والأفيون ونحوهما، فإنها تفتر وتخدر بعد أن يخفت أَورُها إثر استعمالها.

ولذلك فإن من يتعاطاها يكثر نومه. فضلاً عن أنها داخلة في عموم أدلة تحريم الخمر كقوله سبحانه: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} [المائدة 90].

فسمى الله تعالى كل ما ذُكر رجساً، وأمر بالاجتناب، هو أبلغ في التحريم من غيره من الصيغ، وذلك لخطره المُحدق بالفرد والمجتمع، والدين والدنيا، ولذلك حرّم النبي (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) قليل الخمر وكثيره، فقال عليه الصلاة والسلام: «كلُّ مسكر خمرٌ وكل خمر حرام»، كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ولصراحة هذه الأدلة على تحريم الحشيش والأفيون ونحوهما من المخدرات والمفترات فقد انعقد إجماع الأمة على تحريمها، ونقل هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم كالقرافي، وابن تيمية بل قال: «إن من استحلَّها فقد كفر»، كما في مجموع الفتاوى له 4/‏‏206.

وأما العقل فإنه يقضي بتحريمها من غير مراء لكثرة مضارّها التي بلغ بها بعضهم 120 مضرّة، وقالوا: إن كل ما في الخمر من المذمومات موجود في المخدرات وزيادة، فإن أكثر ضرر الخمر في الدين لا في البدن، وضرر المخدرات فيهما معاً.

فهي تشارك الخمر في السكر وفساد الفكر، ونسيان الذكر، وإفشاء السر، وذهاب الحياء، وكثرة المراء، وعدم المروءة، وقمع الغيرة، ومجالسة الفسقة، وترك الصلاة. وتزيد بأنها تفسد العقل، وتقطع النسل، وتجلب الأسقام، وتكسب الرعشة، وتجفف المنيّ، وتسقط شعر الأجفان، وتحرق الدم.. إلى غير ذلك من الأضرار الفتَّاكة. لذلك كله كان من الواجب على الفرد والجماعة أن ينتبهوا لخطر هذا الداء العضال الذي لو استحكم في الأمة لكان على الأمة أن تنعى نفسها.

فمن الواجب إذاً على الدولة أن تسُنّ التشريعات الزاجرة الكفيلة بتغييب مظاهرها في المجتمع، وذلك بإقامة الحدود، وسن التعازير الرادعة عن المشاركة في نقلها أو تعاطيها أو غير ذلك من دلالة أو إشارة أو معاونة أو إيواء أو تستّر، وذلك كله حفاظاً على الأمة ومقوماتها الدينية والدنيوية.

توصيات

حدد المختصون جملة من التوصيات الكفيلة بمنع آفة المخدرات من الانتشار، ومعالجة الظاهرة وحماية الشباب من براثنها. وتتمثل هذه التوصيات في:

1- تعديل قانون مكافحة المخدرات بحيث يتلاءم والضرورات الملحة لمكافحة الآفة.

2- تطبيق أشد العقوبة على تجار المخدرات، ورفعها حسب الكميات المضبوطة.

3- عدم الإفراج عن تجار المخدرات ومعتادي الترويج والمتعاطين في المناسبات قبل انتهاء محكوميتهم.

4- مكافحة جرائم المخدرات عبر الوسائل الإلكترونية التي تستخدم لترويجها.

5- دعوة الأسر للتواصل مع مركز «عونك» للتأهيل الاجتماعي للمدمنين والمعرضين لخطر الإدمان.

6- تحديث قانون الصيدلة، بحيث يشدد العقوبات على بيع وترويج عقاقير الهرمونات في الصالات الرياضية.

7- تكثيف البرامج الإعلامية للتوعية من خطر الآفة.

8- إدخال التحذير من أخطار المخدرات في المناهج الدراسية لاسيما فترة المراهقة.

إغاثة وهمية

لخّصت الدكتورة أمل جرش، مستشارة نفسية وأسرية، الأسباب النفسية التي تؤدي إلى الوقوع في براثن الإدمان في ضعف الوازع الديني ومجالسة أصدقاء السوء والاعتقادات الخاطئة بأنها تعزز النشوة والقدرة الجنسية، والرغبة في الهروب من الواقع، وقلة الوعي الناتج عن انخفاض المستوى التعليمي.

وأوضحت أن هذه الآفة لا تفرّق بين غني وفقير ولا جنس معين أو حتى مستوى ثقافة، وإنما يتوافق الاستخدام العام للمخدرات مع الرغبة في الهروب من الواقع، حيث يرى فيها المتعاطي أنها أداة إغاثة وهمية ومؤقتة لمشكلة ما.

وعرّفت الدكتورة جرش الإدمان على المخدرات بأنه اعتماد الإنسان نفسياً وجسدياً على مادة مخدرة سواءً كانت مشروباً كحولياً أو عقاقير مخدرة، لافتة إلى أن تعاطي هذه المواد المخدرة بشكل مستمر يؤدي إلى حدوث ضرر كبير بالجسم وبالحالة العقلية، وينتج عن التوقف عن تعاطيها خلل في تأدية الفرد لوظائفه الحيوية وواجباته اليومية يدفعه لطلب المزيد منها.

04

بيّنت الدكتورة أمل جرش أن هناك 4 مراحل تقود الشاب للتعاطي حتى يصل لمرحلة الذروة، وتتمثل المرحلة الأولى بالرغبة في التجربة بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية، فضلاً عن رفقاء السوء، أما المرحلة الثانية فهي التعاطي عن قصد دون الأخذ في الحسبان نتائج الإدمان التي تقوده إليها المرحلة الثالثة لدرجة عدم التوقف.

وتتمثل المرحلة الرابعة «اللاعودة» في عدم الاكتفاء بالكمية التي يحصل عليها بل يسعى لتعاطي جرعات أكبر ما يعرضه لخطر الوفاة، مشيرة إلى أن العلاج يبدأ بوجود الرغبة الحقيقية لدى المدمن للإقلاع عن الإدمان.

06

حدّدت المستشارة النفسية والأسرية أمل جرش 6 خطوات للعلاج، وهي أولاً مرحلة نزع السموم من الجسم، وثانياً مرحلة علاج الأعراض الانسحابية، وهي مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية التي تصاحب عملية نزع السموم من الجسم، مثل اضطرابات النوم والأرق.

وأضافت: في تلك المرحلة التي تستغرق ما بين أسبوعين إلى شهر، يتم حجز المدمن في أحد مراكز علاج الإدمان ليسهل السيطرة عليه وإبعاده عن أماكن المخدرات، أما المرحلة الثالثة التي تعتبر مركزية في العلاج فهي التأهيل، وقد تستمر مدتها ما بين شهور إلى عدة سنوات.

وتأتي بعد ذلك المرحلة الرابعة وهي الاستشارات النفسية التي تعتمد على جلسات العلاج النفسي من خلال منح المريض فرصة للتعبير عن معاناته واكتشاف المؤثرات والضغوط النفسية التي شكّلت الدافع وراء الإدمان المخدرات منذ البداية، ما يساعد الطبيب المعالج على حل هذه المشكلات بشكل جذري، وتأتي بعد ذلك المرحلة الخامسة وهي العلاج المجتمعي التي تتطلب معاونة المجتمع عن طريق إيجاد حلول مناسبة للمشكلات الأسرية والاجتماعية المحيطة به، فضلاً عن مآزرته ودعمه نفسياً.

أما المرحلة السادسة والأخيرة فهي منع الانتكاسة عن طريق تناول بعض الأدوية بإشرافٍ من الطبيب المختص، مع ضرورة متابعة المتعافي بشكل مستمر عبر إجراء التحاليل الدورية للتأكد من عدم تعاطيه للمخدرات مرة أخرى حتى يعود إلى ممارسة حياته بصورة طبيعة تماماً.

ماجستير في الأدلة الجنائية لمكافحة الآفة

أشارت الدكتورة رانيا جمعة، رئيسة قسم الأدلة الجنائية بكلية التقنيات الحيوية بجامعة العلوم الحديثة في دبي، إلى أن كلية التقنيات الحيوية بجامعة العلوم الحديثة تمكنت من الحصول على اعتماد برنامج ماجستير في علوم الأدلة الجنائية للتقنية الحيوية من هيئة الاعتماد الأكاديمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ليكون الأول من نوعه على مستوى دولة الإمارات، من أجل إعداد كوادر مختصة في كشف معالم الجريمة، والإسهام في حل الجرائم النوعية المعقدة كالجرائم الإلكترونية والمخدرات والبصمة الوراثية والأسلحة والذخيرة والتزييف والتزوير، والكشف عن الجثث واستخدام الحشرات الجنائية، إضافة إلى أحدث ما توصل إليه العلم في هذا المجال.

وأوضحت أن طلبة برنامج الماجستير في علوم الأدلة الجنائية يكتسبون من خلاله العديد من المهارات في الإبداع والتفكير النقدي في مجالات الأدلة الجنائية المختلفة، حيث يصبح الطلاب مؤهلين للالتحاق بأحدث مجالات البحث الجنائي التي أصبح لها دور كبير في إثبات الجريمة أو نفيها وفقاً للنظم القضائية المتبعة.

كما يعزز هذا البرنامج قدرات الطالب التحليلية ويمنحه مهارة اتخاذ القرار الصائب وفقاً للمعطيات المثبتة علمياً.

وأضافت أن البرنامج يتضمن مشروع التخرج، وهو مساق رئيس يشترط على جميع الطلاب إنجازه والقيام به لاستكمال متطلبات التخرج، وينطوي هذا المساق على إجراء تحقيق شامل في قضية معينة تحت إشراف مرشد الطالب.

برنامج متكامل لدعم أسر المتعافين

كشفت الدكتورة هدى السويدي، مديرة إدارة الفئات الأكثر عرضة للضرر في هيئة تنمية المجتمع، عن أن الهيئة تعكف حالياً على تطوير برنامج متكامل لدعم أسر المتعافين من الإدمان بالمعلومات الكافية التي تساعدهم على مساندة أبنائهم على التعافي، وذلك بالتعاون مع قسم علاج المدمنين بمستشفى الأمل.

وأضافت أن البرنامج الذي سيتم تطويره من خلال فريقي عمل من الهيئة والمستشفى، سيحرص على تزويد أسر المتعافين وتوعيتهم بكل المعلومات عن مراحل الإدمان الأولى وعلاماته وعلامات الانتكاسة وآلية التعامل مع كل مرحلة بأساليب تسهم في احتواء الابن المتورط.

وقالت إن الهيئة لديها خطة واضحة ومنهج عمل شفاف لإعادة الأمل إلى نفوس هذه الفئة، ومساعدتهم والأخذ بيدهم للعودة إلى طريق الصواب والتعافي بشكل كامل من الإدمان، مؤكدةً أن التعافي الكامل من الإدمان يحتاج إلى إرادة صلبة ومتابعة حثيثة، وأن القائمين على البرنامج يبذلون أقصى جهدهم لمساعدة المدمنين على تحقيق التعافي بشكل كامل، مبينةً أنه تم وضع جدول يتضمن تأهيلاً اجتماعياً وصحياً ودينياً وحرفياً، وأن هذا البرنامج مفتوح ومستمر حتى بعد الإفراج عن المدمنين.

ضرورة تحديث قانون الصيدلة

أهاب العقيد خبير أول كيميائي خالد حسين السميطي بالإدارة العامة للأدلة الجنائية في شرطة دبي، بالجهات المختصة ضرورة تحديث قانون الصيدلة، بحيث يشدد العقوبات على بيع وترويج عقاقير الهرمونات في الصالات الرياضية التي يساء استخدامها، وتشديد العقوبة بالأوزان في قضايا المتاجرة بالمخدرات، إذ أنه ليس من المعقول أن يعاقب شخص يمتلك 100 حبة ترامادول نفس عقاب آخر يمتلك 3 ملايين حبة على أنها حيازة.

دراسة: معظم المتعاطين يتناولون أكثر من مادة في الوقت ذاته

أثبتت دراسة حديثة أعدها المركز الوطني للتأهيل بالإمارات، حول أنماط تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أن معظم المتعاطين يقومون بتناول أكثر من مادة مخدرة في نفس الوقت تصل إلى 4 مواد، وتعتبر الأفيونات والقنب والمهدئات والأقراص المخدرة والأمفيتامينات والمخدرات المستنشقة، الأكثر تداولاً بعد الكحول.

وأثبتت الدراسة نفسها أن مادة الترامادول أكثر المواد المخدرة استخداماً بين الفئات العمرية الأقل من 30 سنة بسبب رفقاء السوء، وأوضحت الدور البارز للوزارة في التصدي للآفة من خلال وضع الضوابط والقوانين والتشريعات الصحية لتعزيز صحة المجتمع ومكافحة التعرض للمواد المخدرة، ودراسة الأنواع الجديدة من المواد المخدرة ومراجعة جداول المخدرات المرفقة بالقانون الاتحادي وتعديلاته وإعداد التوصيات اللازمة لمكافحة المخدرات.

متعــافٍ مــن الإدمـان: عشـــت في ضياعٍ أكــثر مـن 6 سنوات

بصوت منكسر وممزوج بالحسرة والدموع بدأ (م.أ ) ذو الـ27 عاما، يسرد لنا قصته مع الإدمان قائلا: تجرعت مرارة الذل والمهانة وعشت حالة من الضياع أكثر من 6 سنوات مع الإدمان الذي بدأ حين كنت زهرة يانعة على مقاعد الدراسة وكان عمري لا يتجاوز 17 عاما، لتنتهي خلف القضبان مرات عدة، وفقدت مستقبلي ووظيفتي في جهة حكومية مرموقة، وثقة أسرتي، وأشياء أخرى كثيرة ذهبت ولن تعود، ولم أكتسب سوى السمعة السيئة، لأغدو بين يوم وليلة معزولاً عن المجتمع.

وتابع: حينما أعود بذاكرتي وأسترجع ذكريات طفولتي تنتابني الرغبة في البكاء الشديد والحسرة على تلك الحقبة من أيام عمري، فقد بدأت خطواتي الأولى للانحراف بتجربة التدخين، والتسيب من الدراسة دون وعي أو إدراك بأن هذا السلوك هو بداية النهاية المؤلمة، متجاهلاً الشعور بالذنب الذي يراودني من حين إلى آخر، ولكن دون أن يكون هناك أي رد فعل، وبدلاً من التوقف، كنت أتعاطى من جديد منعاً لتفاقم هذا الشعور، خصوصاً أن الإدمان يجعل المدمن يعيش في عالم آخر لا يشعر فيه بالمكان أو الزمان، ولا بمن حوله من الناس، باستثناء رفقاء السوء.

يأس

المخدرات جعلت مني إنسانا يائسا، وأصبحت أتعامل مع من حولي بأساليب ملتوية ففقدت صحتي وعلاقاتي الاجتماعية وحلمي في الوظيفة المرموقة، والأهم الشعور بالارتياح، وحلت محلها مشاعر الخجل والفشل وتأثرت إلى درجة كبيرة نتيجة تعاطي المخدرات وفقدت الأمل في الحياة، بسبب قلة الوعي.

ولم أتنسم الحرية إلا بعد أن احتضنتني هيئة تنمية المجتمع حين التحقت بمركز عونك للتأهيل الاجتماعي، لينتهي الفصل الأخير لتراجيديا كتب فصولها شباب (قصّوا علي) وأنا طفل يافع، وتنكروا لي وأنا سجين لا حول لي ولا قوة، إلى أن تجدد الأمل في داخلي حين التحقت بالمركز وأديت فريضة الحج مع بعثة الحج الخاصة بالمتعافين من مرض الإدمان ورجعت إلى الله سبحانه وتعالى ثم مساعدة الفريق المعالج والقائمين على المركز.

تشجيع

انضممت للبرنامج العلاجي الذي وصلت فيه إلى المراحل المتقدمة، ويتم متابعتي من قبل الاختصاصيين بالمركز بصورة مكثفة، الذين شجعوني على استكمال دراستي الجامعية والانضمام إلى مجموعات الدعم الذاتي، والحصول على وظيفة ذات مسؤولية مجتمعية، وتزوجت، وأطمح حاليا في الحصول على درجة الماجستير في القانون.

مدمنون يتذرعون بالمرض النفسي للحصول على أدوية محظورة

أكد الباحث سالم العلوي خريج برنامج الماجستير في علوم الطب الشرعي بجامعة العلوم الحديثة أنه توصل من خلال إعداد رسالته إلى أن المشكلة تكمن في أن البعض يلجأون للتحايل والكذب وتهويل الواقع باسم المرض النفسي للحصول مقابل ذلك على الأدوية المحظورة، والتي تقودهم للإدمان بوصفات طبية تخرجهم من المساءلة القانونية.

وأضاف العلوي قائلاً: إن المرض النفسي هو المرض الوحيد الذي لا يخضع لتحاليل مادية كصور الأشعة وفحوصات الدم والبول وغيرها من الفحوصات المخبرية، للتأكد من الإصابة به من عدمه، وإنما يعتمد على ما يدعيه المريض وحنكة وخبرة الطبيب النفسي، ومن هنا يطالب العلوي بتشديد وتفعيل الرقابة على العيادات النفسية بشكل عام والخاصة بشكل خاص، كما طالب بتشديد الرقابة على منح الأدوية المراقبة خاصة في المستشفيات عقب إجراء الجراحات المختلفة، وأن يتم منحها للمريض تحت رقابة وإشراف طبي لتجنب إساءة استخدامها، وما قد ينتج عنه من سقوط غير متوقع في دوامة الإدمان.

Email