أولياء أمور أطفال التوحد: أسعار المراكز خيالية وتفوق إمكانيات معظم الأسر

ت + ت - الحجم الطبيعي

طالبَ عدد من أولياء أمور أطفال التوحد بضرورة تشديد الرقابة على مراكز التوحد من قبل الجهات المعنية والمختصة والتي يتحتم عليها في الوقت ذاته مراقبة رسوم تلك المراكز، مع وجود أنظمة وقوانين معتمدة يتم من خلالها الحد من المتاجرة واستغلال أولياء الأمور.

فليس بمقدور جميع أولياء الأمور دفع الرسوم المرتفعة، حتى وإن اتسم المركز بجودة خدماته ونوعيتها التي يقدّمها متخصصون ومعالجون مؤهلون. وتتجاوز كلفة علاج الطفل المصاب بالتوحد في المراكز المتخصصة 100 ألف درهم سنوياً، وإن كانت هناك مراكز أخرى تتجاوز ذلك الرقم نظراً لما تتطلبه الحالة من استمرارية المتابعة والعلاج والتأهيل لمراحل متقدمة من العمر.

ما دفع الأسر إلى التساؤل عن هذا الارتفاع وكيفية تغطية النفقات، وتساءلت السيدة منى سليمان آل علي، وهي أُم لطفل مصاب بالتوحد في حديثها مع «البيان» عن أسباب هذه الارتفاعات في الأسعار المبالغ فيها ومبرراتها، الأمر الذي يُعتبر في حد ذاته إشكالية كبيرة تقع على عاتق الأسر.

ولم تجد السيدة تبريراً لارتفاع رسوم قبول طفلها الذي يبلغ من العمر 8 أعوام سوى باستقطاب الكفاءات التخصصية من خارج الدولة الأمر الذي يجعلها وزوجها في بحث دائم ومستمر عن مركز لطفلهما بحيث يتناسب مع ظروفهما المالية، وحتى لا يترتب على ذلك أي أعباء تثقل كاهل هذه الأسر بعد ذلك.


أسعار غير معقولة
أوضح ثامر صالح، موظف، أن هناك مراكز خاصة تكون لها خطة سنوية تتمثل في زيادة أسعار خدماتها بشكل غير معقول، بحيث لا تستطيع بعض الأسر تحمل تكلفة علاج الطفل المصاب بالتوحد. وقال: لدينا في منطقة العين وحدة التوحد التابعة لمؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وتهدف إلى توفير الخدمات المتخصصة لأطفال التوحد بأفضل صورة، ووفقاً لأفضل الممارسات والمعايير العالمية.


معايير واشتراطات
وأكد خالد الشامسي، موظف، على ضرورة وضع معايير واشتراطات وقوانين حازمة من قبل الجهات المختصة والمعنية في الدولة لمراقبة أسعار الخدمات العلاجية والتأهيلية المقدمة من قبل المراكز الخاصة للمصابين باضطراب التوحد.


وقال: وليت الأمر وصل فقط عند الأسعار المرتفعة، إذ تعداها كما أقرأ دائماً في الصحف وأسمع عبر برامج البث المباشر إلى أن هناك حالات توحد لا تزال على قوائم الانتظار منذ فترة طويلة نظراً للضغط الشديد على المراكز.


علاج وظيفي
وقال محمد الكعبي، موظف: تجتهد مراكز التوحد من خلال توفيرها كادراً متخصصاً في العلاج الوظيفي على إدخال وتعديل وتحسين المهارات الوظيفية المختلفة لطفل التوحد، إضافة إلى توفير العلاج الإبداعي الذي يندرج ضمن الخطة الفردية التأهيلية لكل طفل. وهذا الأمر يتطلب تكلفة علاجية مرتفعة لاسيما في المراكز الخاصة. وأرجو فعلاً من الجهات الداعمة أن تمد يد العون لهذه الفئة من الأطفال وأن لا يتخلى عنهم المجتمع لأنهم مسؤولية الجميع.


مراكز حكومية
كما يرى ماجد عبدالكريم، موظف، أن مشكلة دفع رسوم مراكز التوحد أصبحت مشكلة تواجهها بعض الأسر، راجياً إنشاء المزيد من المراكز المتخصصة الحكومية لعلاج الأطفال الذين يعانون التوحد في شتى إمارات الدولة، بحيث تتمثل أهدافها تأهيل الأطفال سلوكيا، ودمجهم تربوياً ومجتمعياً. مشيراً إلى أن ذلك سيخفف بلا شك من آلام وقلق الأسر التي لا تستطيع إلحاق أطفالها في المراكز الخاصة نظراً إلى ارتفاع التكلفة العلاجية التي تفوق طاقتهم وقدرتهم المادية.


اقتراح
وأشار محمد الجابري، موظف، إلى أن هذا الموضوع لا يحتاج إلا لتضافر جهود المعنيين لخفض أسعار مراكز التوحد، وتحديد سقف لها يتناسب مع قدرة أولياء الأمور من الناحية المادية. وقال الجابري: إن افترضنا على سبيل المثال بأن راتب رب الأسرة لا يتعدى 10 آلاف درهم شهرياً، في حين أن تكلفة علاج طفله تتعدى 100 ألف درهم سنوياً، ألا ترون بأن ذلك يفوق طاقته في ظل وجود العديد من التزامات الحياة الأخرى. وأريد من خلال هذا الطرح التنويه إلى نقطة مفادها إذا لم تنوِ مراكز التوحد مساعدة أولياء الأمور بتخفيض قيمة الرسوم فيجب عليها أن لا ترفعها.


دعم مطلوب
واقترح حمد أحمد خلفان المرر، متقاعد ومتطوع بارز في منطقة العين، أن تسهم الجهات الخيرية في شتى إمارات الدولة بدعم مراكز التوحد وأن تتحمل فروق الأسعار. موضحاً بأن رسوم تلك المراكز تختلف بناء على جودة الخدمات التي يقدمها ومدى جودتها، والمرافق التي توفرها المراكز والتي من شأنها أن تسهم بشكل فعال في علاج الطفل المصاب بالتوحد. مؤكداً أن هناك بعض الأسر تدفع المبالغ التي تطلبها المراكز العلاجية فقط حتى لا يتدنى المستوى السلوكي ومستوى النطق أيضاً لدى طفلها.


زيادة شبه سنوية
وقال راشد النعيمي، موظف: إن الطفل المصاب باضطراب التوحد يحتاج إلى مراكز تأخذ بيده بشكل صحيح، وتساعده على اكتساب وتعلم مهارات جديدة تمكنه من تطوير قدراته، ومساعدة نفسه أيضاً على تلبية احتياجاته بنفسه، والتعامل مع مختلف مواقف الحياة. وفي مقابل ذلك تزداد معاناة بعض الأسر في كل عام من خلال الاجتهاد الحثيث لتدبير قيمة الرسوم الكبيرة التي تطلبها تلك المراكز، والتي تشهد أيضاً زيادة شبه سنوية.


حينما زارت ليلى عبدالله عبدالملك، موظفة، صديقتها المقربة التي رزقت بطفل مصاب بطيف التوحد، لاحظت بأن صديقتها تزاول مع صغيرها مجموعة من الأنشطة والمهارات التي تهدف إلى تحسين عملية تواصله وانتباهه إلى الأشياء من حوله، وإثراء عملية تواصله الاجتماعي مع الآخرين، وبالتالي تخفيف آثار الإعاقة وتداعياتها على الطفل وأسرته. وقالت : " علمت من صديقتي ارتفاع قيمة الخدمات التأهيلية للمصابين بالتوحد. ولا نأمل سوى وجود حلول حقيقية لمشكلة التوحد وارتفاع أسعار خدمات المراكز العلاجية".

جودة الخدمات
كما اضطرت دلال عبدالله سعيد، ربة بيت، أُم لطفل توحد يبلغ 6 أعوام إلى إدخال طفلها مركزاً خاصاً، وعلى حد قولها: مللت من وجود اسم طفلي على قائمة الانتظار في مراكز التوحد الحكومية. وعلى الرغم من أن تكلفة علاج طفلي في المركز الخاص 120 ألف درهم سنوياً إلا أنني مقتنعة تماماً بجودة ونوعية الخدمة التي يقدمها المركز
كما أن خبرة الاخصائيين والمعالجين أدى فعلا إلى تطوير قدراته ومستوى نطقه ". موضحة بأنها علمت من صديقتها بأن تكلفة العالج في المراكز الخاصة تتفاوت طبقا للخدمات المقدمة، والبرامج المساندة، وجنسية الموظفين وتخصصاتهم، متمنية دعم أطفال التوحد والاهتمام بهم ودمجهم بمجتمعهم كأفراد فاعلين ضمن النسيج المجتمعي.


أسعار رمزية
وتساءل المستطلعون: من الممكن توفير مراكز متخصصة لعلاج حالات التوحد بأسعار رمزية من أجل استيعاب الأطفال الذين لا يسمح وضع أسرهم المادي بتحمل نفقات العلاج الباهظة ؟ وليس هذا فحسب، إذ يتطلب الأمر أيضا الإشراف المكثف على البرامج العلاجية التي تستهدف أطفال التوحد من قبل محللين سلوكيين واختصاصيين ذوي خبرة وعلى دراية كافية بمبادئ تحليل السلوك.

وتجدر الإشارة إلى أنه تتفاوت تكلفة رسوم طفل التوحد داخل المراكز الموجودة في الدولة وذلك حسب نوعية البرامج المطبقة من خلال معالج خاص لكل طفل. ويتطلب الأمر في الوقت ضرورة تكاتف الجهود في سبيل تحسين حياة الأطفال والبالغين الذين يعانون من التوحد، بما يكفل لهم حياة كريمة.


50 %
وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الرعاية المبكرة للأطفال المتوحدين خاصة من عُمر 3 إلى 7 أعوام تعالج مشكلة التوحد بنسبة 50٪، حيث يتعلم الطفل العديد من السلوكيات ويندمج في المجتمع بطريقة صحيحة. وليس هذا فحسب إذ أن الإحصاءات العالمية تؤكد زيادات في الكشف عن التوحد الذي بلغ متوسطه العلمي نحو طفل من كل 100 طفل، بمعنى ولادة طفل متوحد كل تسع ثوان. الأمر الذي يحتم فعليا اتخاذ حلول واقعية وجذرية لأصحاب التوحد.


بحوث ودراسات
يتحتم على مراكز البحوث والدراسات في الجهات المتخصصة في الدولة بإنعاش دورها فعليا في القيام بتحديد الإحصائيات والأرقام حول نسبة الأطفال المصابين بالتوحد في
الدولة، مع الحرص على تقديم كافة سبل الدعم لهم ولذويهم. كما يتحتم على شتى مؤسسات ودوائر وهيئات الدولة في التوعية الاجتماعية، كما تتحمل وسائل الإعلام جزءا كبيرا في ذلك.


100000
ولا يخفى على عاقل بأن تكلفة علاج طفل التوحد في المراكز الخاصة في الدولة تتراوح بين 70 إلى 100 ألف درهم، وأحيانا تتجاوز ذلك، الأمر الذي يفوق قدرة بعض الأسر التي لا تتمنى سوى تقديم أسعار رمزية من أجل استيعاب صغارهم الذين لا يسمح وضع أسرهم المادي بتحمل نفقات العلاج الباهظة. فما ذنب طفل التوحد الذي لم يلتحق بمركز التوحد، فقط لأن تكلفة العلاج تفوق طاقة وإمكانات ذويه.

Email