قراءة في رائعة حمدان بن محمد «عام زايد»

قصيدة تتحرى جوانب الإشراق في شخصية زايد الخير

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أحسنت أيها الأريب المبدع، والشاعر الفتى والفحل، أحسنت في المعنى والمبنى والمغنى، وأجدت التحبير والتصوير والتنوير والتقدير، ومثلك يا سيدي عندما ينزل عليك الإلهام، تأتي إليك حبواً الصحف والأقلام ووزارة الإعلام.

نعم... قرأت قصيدة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، في «عام زايد»، فما استطعت أن أقرأها من غير تعليق، وهو وشعره بالتعليق جدير وحقيق.

قصيدة سموه جاءت سلسة الألفاظ والأفكار، بعيدة عن التقعر في الكلمات كبعض الأشعار، والسبب أن سموه صادق في الإخبار والأخبار.

كفاية إبداعية

لقد سرد الشاعر وابن الشاعر صفات القائد الباني زايد بن سلطان بما لا يقبل الشك ولا يقبل المزيد، فالشيخ حمدان بن محمد ورث هذه الكفاية الإبداعية، وهذا الأسلوب الجزل، والقول العدل من والده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، مفخرة بني ياس.

لقد أحسن الشاعر في المطلع عندما قال:

شــهـريــن وانـا قافلٍ بـاب الالـهــام

اللــي بــنــات افـكـار شـعـري بناته

وأحسن في الختام أيضاً عندما قال:

الـمـستـحـيــل يحقّـقـه قبـل الاحـلام

تـفـاخــروا.. يـا عـيـالــه وْيـا بنـاتـه

ففي البيتين نلاحظ الشاعر «فزاع» يهيئ السامعين ويدعوهم إلى الانتباه إلى ما يريد أن يقول عن زايد الخير، وعما قدّمه زايد من أفعال الخير، فالبيتان مشوّقان جدّا، لأن البيت الأوّل يجعل السامعين ينتظرون بكل لهفة ماذا سيلقي على مسامعهم الشاعر بعد شهرين من التوقف عن قرض الشعر، وأسلوب التشويق هذا استخدمه الشعراء والأدباء من قبل، والمثال على ذلك قول الشاعر الذي وقف على قوم نيام وقال:

ألا أيها النــُـوّام ويحكمُ هبّوا

فاستيقظ الجميع فعلاً على ندائه، وجلسوا ينظرون ماذا سيقول الشاعر فقال:

أسائلكم هل يقتل الرجلَ الحبّ؟

هذا عن البيت الأول، وأما البيت الأخير فيؤكد أن زايد حقق ما كان يحلم به شعب دولة الإمارات من أمنيات، وتحقيق الأحلام صعب على الناس، لكنه لم يكن صعباً على زايد الذي حقق قبل ذلك المستحيلات.

ترحيب كبير

وشاعرنا في البداية يشكر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله على إعلانه عام 2018 عام زايد الخير، وهذا الإعلان كان مصدر ترحيب من شعب دولة الإمارات، وقبل ذلك من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن أصحاب السمو حكام الإمارات وأولياء عهودهم وأبناء زايد جميعاً.

ومن لا يعرف زايد؟ أو من لا يعرف دور زايد وإنجازات زايد؟ ومكارم زايد، وإنسانية زايد؟ وحب زايد للخير؟ ألا وزايد لا يذكر عند مئويته فقط، بل على كل لسان في كل صباح وكل مساء، لأن مثله مثل التاريخ بعينه، وهل يموت التاريخ كلا، ولذلك يقول شاعرنا الشاب:

شــهـريــن وانـا قافلٍ بـاب الالـهــام

اللــي بــنــات افـكـار شـعـري بناته

ايـلـيــن ريّــس دولـتـي عـبر الاعـلام

وصّـى ونـحـنــا ما نـضـيّــع وصاتــه

خــبـــر مـهـم وأصـدره قايـــدٍ هـام

خـلّـى هـجـوسـي ينتشي من سباته

وان جـاتـه الفكره مثل عذب الانسام

لابــد يـفـتــح بــاب فــكــره لا جـاتــه

الصـحـف ما جـفّـت ويـا كـثر الاقـلام

اللـي حــبــرهــا تعـجــبــك مفـرداتـه

الـخـــالـــد بْـذكــره لو تْـمــر الايـــام

يحـصـد في موته ما زرع في حياتـه

زايــد هـو التـاريخ واسأل مئـة عـام

وتعـلّـمــك عـن مـجـده ومـنجــزاتــه

من هذه الأبيات الحافلة بالوجدانيات نستخلص الحقائق التالية:

الشعر موهبة وفطرة في الإنسان العربي، والشاعر دوره أن ينمي هذه الموهبة ويصقلها.

لكل قصيدة مناسبة وموقف، وليس بصحيح ما يقال إن الشعر يجب أن يصدر من الشاعر من غير مناسبة، فكما أن آيات القرآن نزلت في مناسبات ومواقف، فإن قصائد المتنبي وغيرها، قيلت أيضاً في مناسبات ومواقف، ولله المثل الأعلى.

والشعر مشتق من الشعور والإحساس، فكلما شعر الإنسان بفرح أو حزن أو سعادة أو ألم، تحركت شاعريته وتفجر إحساسه، ومن فقد هذا النوع من الشعور لم يسم شاعراً وربما لم يسم حساساً أيضاً.

وبالمناسبة فإن أعرابياً عندما رأى عمر يقبل طفله، استغرب وقال: أتقبلون صبيانكم؟ إن لي عشرة منهم والله لم أقبل واحداً منهم، قال عمر رضي الله عنه: وماذا أفعل إذا نزع الله الرحمة من قلبك.

وهكذا الشعر إذن لأنه إحساس وشعور، فيتولد القصيد عند تحرك الشعور وهذا هو المناسبة التي يقول فيها الشاعر قصيدته.

أهمية جهاز الإعلام ودوره في توصيل المهمة إلى الناس ونشر الحقائق، ووسائل الإعلام ينبغي أن تسخر في نشر الإيجاب لا السلب والبناء لا الهدم.

واجب الشعب تجاه ما يصدر من رئيس الدولة من أوامر وقرارات وتوصيات تنفيذ تلك الأوامر، لأن طاعته من طاعة الله وطاعة رسوله، فمخالفة ولي الأمر تضر بالصالح العام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بالسمع والطاعة ولو تأمر عليكم عبد حبشي.

زايد بن سلطان لم يكن واحداً في أمة ولا رئيس دولة فقط، بل كان أمّة في واحد، بدليل أن الأقلام والصحف ما زالت تكتب عن أمجاده وهو ميت في قبره كما لو كان حياً، وهكذا العظماء لا يموتون بموت أجسادهم، بل يحيون بخلود أفكارهم وإنجازاتهم، والشاعر يقول:

تلك آثارنا تدل علينـــــا

فانظروا بعدنا إلى الآثار

من أجل ذلك فإن شاعرنا القدير «فزاع» من حقه أن يتغنى بحب زايد ومآثر زايد وإنجازات زايد، ونلاحظ أنه يسترسل في سرد مآثره حتى يرى ويعتقد أنه لو كان حياً لما وقعت كل هذه الانقسامات والخلافات التي تحتاج إلى الحكمة والحنك أكثر من فرض الرأي واستخدام القوة.

فزايد كان وطنياً مخلصاً، وعروبياً ومسلماً غيوراً، وكان يحمل فكراً صائباً، وحباً صادقاً للبشرية جمعاء من غير عنصرية، فلو كان حيّاً اليوم لكان مقبولاً من الجميع، لذلك يتحدى الشاعر كل من يريد أن يقلّل من دور زايد، وكأني بالفرزدق الذي يقول:

وليـــــس قولك من هذا بضائــــره

فالعرب تعرف من أنكرت والعجم

أو المتنبي الذي يقول:

كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم

ويكره الله ما تأتون والكــرم

وشاعرنا الشيخ حمدان بن محمد يقول:

شـعـب العرب من حنكـته صار قدّام

لــو حــي حـقّـق لـه جمـيـع أمـنـياته

فـي الشرق حكّامٍ وفي الغرب حكّام

ولا أحــــد منـهــم مـســـوّي ســواته

النـاس منقـسمـه إلـى عـدّة اقـسـام

لــون ولــغــه ولـكـل واحــد صـلاتـه

إلا عــلى زايــد ولـو كـانـوا خـصـام

قـد اجـمـعـوا انّـه فــريـد بْـصـفـاتـه

وانّـه رقـم صـعـبٍ رغـم كـثـر الارقام

ومـن الـصـفـات الله فـرد لـه صـفاته

تـاريـخ الامـجـاد الـذي ما هـو اوهام

فْـعـــول زايــــــد بثّــهـا فـي قـنـاتــه

عـز العـروبـه نـاصـرٍ ديــن الاسـلام

خـيـره علـى شعـبـه من اربع جهاتـه

وايضـاً علـى كـل الأرامــل والايـتــام

يـعـطـي وَلا يخــبـر أحــد بعـطـيـاتـه

لو قلّلـوا مـن قـيـمـتـه بعض الاقـزام

ذِكْـــره يـتـعّـبهـم وهــو فـي رفــاتــه

بلا شبيه

هكذا يرى شاعرنا أن زايد بن سلطان صانع المجد، ومؤسس الاتحاد الفريد من نوعه، وباني النهضة الإنسانية الكبرى التي شملت جهات الأرض الأربع، فسموه لا يرى زايد فريداً فقط بل يرى أنه من المستحيل أن يكون له منافس أو شبيه، والشاعر قديماً قال:

حلف الزمان ليأتين بمثلــه

حنثت يمينك يا زمان فكفّر

نعم......ومن هذه الأبيات نستخلص ما يلي:

زايد بن سلطان بموته ترك فراغاً كبيراً في الوسط الإقليمي والعربي والعالمي، لأنه رحمه الله كما قال الشاعر:

وما كان قيسٌ هُلكه هُلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدّما

الإنسان لا يقدّر مقداره بنسبه وادعاءاته، بل بمعروفه وإنجازاته وعطاءاته وقد قال الشاعر المتنبي قديماً:

وأحسن وجهٍ في الورى وجهُ مُحسن

وأيمنُ كفّ فيـــــهم كفّ مُنعِــــــــــم

اتفق الناس عرباً وعجماً وشرقاً وغرباً، ومسلماً وغير مسلم على حب زايد وحكمة زايد، وهذا تصديق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب عبداً أخبر جبريل بأنه يحب فلاناً، ثم أخبر جبريل الملائكة بأن الله يحب فلاناً فأحبوه، ثم أنزل حبه في قلوب الناس في الأرض، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

من حب الله للكرم والرحمة والبر فإنه يرضى بأن يشترك معه عبده في بعض هذه الصفات فيوصف بأنه رحيم أو برّ أو كريم.

الكثيرون يدّعون الزعامة لكن الزعيم الحقيقي لا يرى إلا بالمجهر، لذلك يقول الشاعر:

إني لأفتح عيني حين أفتحهـــا

على الكثير ولكن لا أرى أحدا

أجل وزايد استحق أن ينفرد بالزعامة، وأن يخصص له عام كامل للحديث عنه وعن إنجازاته، مع العلم بأن أجهزة الإعلام وألسنة الناس لم تتوقف عن الإشادة بدوره من أن تولى رئاسة دولة الإمارات إلى هذا اليوم، وكأنه لا يزال حياً بيننا.

في الليلة الظلماء

وقل لي بربك كيف ينساه الناس، ودولة الإمارات مرتبطة باسمه، وأنجاله من بعده ما زالوا يمضون على نهجه، والأوساط العالمية تفتقد دوره في المواقف الصعبة؟

نعم... وإن الذي يجمع غير الذي يفرق، والذي يبني غير الذي يهدم، والذي يحب كل الناس غير الذي يكره كل الناس، وإلى مثل هذه المعاني أشار الشيخ حمدان بن محمد في ختام القصيدة فقال:

يْـطـيــح مـن يـبـغي ينافسه وان قام

يطـيــح وآقـــول لــه بـلـيّــا شـمــاتـه

فِــ قـلـوب شـعـبه زايـد الخالد وسام

وقـدّام سـيـفـه نفـتخـر في عـصاتـه

سبـع الامارات اصبحت خير وانعام

واضحـت وطـن بـيـن الدول له ثباتـه

وحّــده زايــد بالسـيـاسـه والاحـكـام

وهــو قـبـل زايـــد يـعـانـي شـتــاتــه

اللـي جمعنـا مـن حـيـاة الـتـشـرذام

غــلاه جـمّـعــنـا بَــعَــد فـي مـمـاتـه

الـمـستـحـيــل يحقّـقـه قبـل الاحـلام

تـفـاخــروا.. يـا عـيـالــه وْيـا بنـاتـه

 

Email