صانع المجد يمدح صاحب المجد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مايو من العام الماضي نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قصيدة بعنوان «شيخ الشباب» تتألف من عشرين بيتاً غاية في الأناقة وآية في التوهج الإبداعي الرصين، وكان قد احتفى خلالها بالسجايا الحميدة والصفات الرفيعة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ولي عهد أبوظبي، وها نحن اليوم بصدد قصيدة جديدة تتقدم بأسمى آيات التقدير والاعتزاز والفخر من مقام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بعنوان «شيخ الرجال»، وهذا الاختيار للعنوان ليس وليد صدفة بل هو في حد ذاته شأن يستحق التوقف والتمعن، وقد يقول فيه المؤولون والشعراء والنقاد شتى التفسيرات حول ما يرمي إليه الشاعر المعروف بالفطنة العميقة والحذق في التعبير، إذ كان الممدوح شيخاً للشباب في القصيدة الماضية وها هو شيخ للرجال في هذا النص الجديد.

وفي ظل انفساح الفضاء أمام شتى التقديرات والتنبؤات حيال ما يرمي إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فإننا سنذهب إلى أن المراد يمكن تصوره باعتبار أن الممدوح ليس شيخ الشباب وحدهم، وإنما هو شيخهم بحماسته وفروسيته وجرأته، كما أنه في الوقت ذاته وبمآثره ومواقفه ونضج خياراته شيخ للرجال أيضاً، بما يأتي من شيم الرجال وكمالاتهم وصلابة عودهم.ومن هنا استحق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان السؤدد وعقد راية الوطن الخفاقة عن جدارة واستحقاق، بعد أن جمع المجد من أطرافه جمعاً ليسير بشعبه نحو العلا بثقة وأمل موصول.

سِرْ بنا صوبْ العِلاَ شيخْ الرِّجالْ

                      إنتهْ يامنْ في العَزِمْ مضربْ مثَلْ

إلى أن يقول:

بكْ ثباتْ الأرض يا راسْ الجبالْ

                      وبِكْ يِتِمْ الأمرْ ويزولْ الخَللْ

 

عزيمة الرجال

لعل الإشارة اللماحة في عجز البيت الأخير أعلاه «بك يتم الأمر ويزول الخلل...»، تحكي الكثير المثير من أحداث جسام تحدق بشعوب الخليج العربي في الآونة الأخيرة، الأمر الذي انبرى له محمد بن زايد بجرأة الشباب وعزيمة الرجال ليضع حداً جذرياً لأي خطر يمكن أن يحيط بشعبه وأرضه، وقد أفلح سموه في ذلك أيما فلاح، حيث أظهر من المواقف اللافتة ما استرعى انتباه العالم وأذهل العدو حتى أسقط في يده وارتدت يده إلى عنقه.

من هنا كان الممدوح قميناً بهذا القول المحب والصدوق في ثناء كبير يجيء من قائد كبير ولعل في ذلك مثل يضرب عبر تاريخ الزمان وتتناقله الأجيال، حيث إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إنما هو في مقام من تدبج له القصائد العصماء مدحاً وثناءً، وهو مع ذلك يمدح بدوره من يستحق الثناء والعرفان عن طيب خاطر. فكيف لا وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هو من أخذ أجل الخلال من والده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه:

خَذت منْ زايدْ زكيَّاتْ الفعالْ

                    في سخاهْ منْ المعاطي ما تِمَلْ

 

سجايا وصفات

وينتقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من السجايا والصفات الأخلاقية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ليضيء من جوانب شخصيته الفذة ما يتعلق بقدرات رجل الدولة وكياسته وحسن تدبيره لشؤون البلاد والعباد:

يا محَنِّكْ في السياسهْ بكْ نطالْ

                       كلِّ مطلوبٍ لنا بينْ الدِّوَلْ

بحسنْ تدبيركْ متىَ ضاق المجالْ

                       كِلِّ معضِلْ لكْ عضيلِهْ ما عِضَلْ

وما ترومْ أهلْ الحِيَلْ منِّكْ تنالْ

                       فاهمْ الدِّنيا ما تخفاكْ الحِيَلْ

 

كمال شعري

قصيدة شيخ الرجال انطوت على أجواء تستدعي منجزات الشعر العربي البلاغية، خاصة ما حققه أبو الطيب المتنبي القائل في مدح الأمير البدر بن عمار..

وأعجب منك كيف قدرت تنشا

                     وقد أوتيت في المهد الكمالا؟

في المقابـل يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد:

كانْ مجدْ الدَّارْ في الأوَّلْ هلالْ

                    لينْ جيتْ وبكْ غدا بدرْ وكِمَلْ

والمَراجِلْ مَبْ تَرىَ غترَهْ وعقالْ

                    هي فِعايلْ منها يتحرَّكْ جبَلْ

ومنْ بيحصي فضلكْ إيعِدِّ الرِّمالْ

                     كثرْ ما جودكْ ومعروفِكْ هِطَلْ

ولكن كل ما سبق في صوب، وما يلي من وصف بديع في صوب:

لكْ يمينٍ جودَها يجري زِلالْ

                  ولكْ شمالٍ للصِّعايب تحتملْ

ودومِكْ موَّققْ بتدبيرْ وفعالْ

                  حاسبٍ شعبكْ عيالكْ والأهَلْ

وَبْلْ عَ ناسكْ وللعادي وبالْ

                  المعادي منكْ في خوفْ ووجَلْ

عَمْ نفَعكْ دونْ حاجِهْ للسُّؤالْ

                  منْ سخاكْ النَّاسْ في عَلْ ونَهَلْ

وفي خواتيم قصيدته ذات الدرر البيانية الفريدة والسبك الشعري الأخاذ، فضلاً عما عانقته الأبيات المحكمات من حكمة وحبكة فنية تليق بمقام شاعرها الفحل ومقام ممدوحه البحر في جوده واتساعه وهيبته يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في حق أخيه ورفيق دربه في مسؤولية قيادة الوطن:

تضحياتِكْ للوطَنْ عزْ وجلالْ

                    منتصرْ واللهْ لجندكْ ما خِذلْ

يعضدكْ سلمانْ في كلْ الحوَالْ

                   نعمْ بهْ سبعْ الجزيرهْ والبطَلْ

عشتْ بوخالدْ ومجدكْ في إكتمالْ

                   حصنْ دولتنا ومنْ فيهْ الأمَلْ

Email