منها تعطيل الإجراءات القضائية وإهمال الأطفال والبلاغ الكاذب

دعوة لإدراج القضايا البسيطة في «الخدمة المجتمعية»

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اقترح مختصون في الشأن القانوني والاجتماعي، زيادة مساحة القضايا التي تشملها عقوبة الخدمة المجتمعية، كبديل للعقوبة السالبة للحرية التي يتخذها القاضي كخدمة يؤديها المدان لفئة من فئات المجتمع، لتشمل الجرائم الخاصة بتعطيل الإجراءات القضائية، كمن أخفى أدلة الجريمة، أو قدّم معلومات كاذبة، وجرائم الإساءة للحيوانات والسب وإهمال الأطفال، وأوضحوا أنه يمكن إدراج جرائم «الجنح» التي تتراوح عقوبتها ما بين الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين، وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، ولما للمحكمة من سلطة تقديرية على أن يتم اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان هذا التنفيذ، كما طالبوا بتبني مشروع «التوظيف الخيري» في القطاع الخاص، ما يسهم في إبقاء الشخص بين أفراد أسرته.

النفع العام


«البيان» تستعرض عبر هذا التحقيق ماهية القضايا التي يمكن إدراجها في عقوبة الخدمة المجتمعية، مع وضع ضوابط محددة للجرائم التي تستحق أن يكون العمل الخيري بديلاً مناسباً عن الحبس والغرامة، بما يعزز من «مسؤولية العقاب»، وخصوصاً أن هناك توجهاً للأنظمة العدلية في الكثير من دول العالم، إلى تطبيق العقوبات البديلة، أو ما يعرف بعقوبة النفع العام لأسباب إنسانية واجتماعية ووطنية واقتصادية.

بدائل مطروحة

إحدى النساء التي غاب عنها المعيل، قالت إنها تضررت بحبس ابنها، بالإضافة إلى أنها تعيش في معاناة نفسية تتكبدها وأسرتها جراء نظرة المجتمع القاسية، والاحتياج المادي الذي بات يحاصرها وأسرتها من كل حدب وصوب.

حال هذه المرأة هو لسان حال عديد من الأسر التي ناشدت المسؤولين باستبدال العقوبة في هذا الوقت تحديداً، الذي تتجلى صوره انطلاقاً من عام الخير.
من جهتها، أوضحت المحامية والمستشارة القانونية الدولية ديانا حمادة، أن عقوبة الخدمة المجتمعية من العقوبات التي تسهم في تخفيف العبء الواقع على المؤسسات العقابية والإصلاحية، كما أنها فعالة في حماية مرتكبي الجرائم والمخالفين للقانون لأول مرة من الاختلاط بالمجرمين المعتادين على السجون، وأضافت: ما نشهده اليوم من تسليط للضوء على هذا النوع من العقوبات بدلاً من عقوبة السجن، أمر نشيد به ونؤيده كقانونيين، حيث إننا نؤمن بدور المؤسسات العقابية كعقوبة حامية للمجتمع ورادعة من تكرار الجرم واعتياده، إلا إننا نؤيد تجنيب مرتكبي المخالفات والجنح لأول مرة، الاحتكاك ببعض الأنواع الخطرة من المدانين، بالعود بشكل متكرر للجرائم، خاصة تلك التي قد يقع الشباب ضحية لها.

تقدير الظروف

وأوضحت في سياق حديثها، أنه لا بد من استبدال العقوبة المنصوص عليها في قانون الجزاء بعقوبة الخدمة المجتمعية، من أن يكون مرتكبها قاصراً، كما أن تترك فيها سلطة تقديرية واسعة للقاضي في تقدير ظروف الفعل الإجرامي ومرتكبه. كما أن المخالفات لا بد من أن تقتصر على أفعال بسيطة، كإلقاء القمامة في مكان عام، أو التسبب في إزعاج الآخرين بضوضاء متعمدة، أو أي أفعال أخرى يقصد بها لفت الأنظار، ويمكن للقاضي أن يقدر فيها انتفاء القصد، ما يستوجب معه استبدال العقوبة. ولا بد أن تقتصر الخدمة المجتمعية على المخالفات التي نص القانون على عقوبات لها لا تتجاوز الغرامة أو الحبس لمدد لا تتجاوز الثلاث سنوات، ويمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول التي بدأت بتنفيذ عقوبة الخدمة المجتمعية.

روح القانون

من جانبه، أشار المحامي والمستشار القانوني علي مصبح، إلى أنه يمكن إدراج عقوبة الخدمة المجتمعية في قضايا الاعتداء البسيط والقضايا المرورية وقضايا السرقة البسيطة و«النشل» وتعاطي المشروبات الكحولية وقضايا البلاغ الكاذب والامتناع عن التبليغ عن الجريمة، موضحاً أنه لا شك أن التعديل الذي طرأ على قانون العقوبات في المادة (110) بشأن إضافة الخدمة المجتمعية في التدابير المقيدة للحرية، هو أكبر مثال لتنظيم سير العدالة واحترام تطبيق القانون، لا سيما أن الخدمة المجتمعية تدبير جديد في تنفيذ العقوبة، وأضاف: في اعتقادي أنه يصلح لردع الجاني في بعض القضايا أكثر من عقوبة الحبس، لأنه ربما يكون المتهم قد ارتكب هذه الجريمة لأول مرة، ويختلط مع السجناء أثناء تنفيذ العقوبة في السجن، فيكون له تأثير نفسي في سلوكه، وربما يزيد سلوكه الإجرامي بعد خروجه من السجن، وذلك اقتداء بالمسجونين أصحاب السوابق.

وقال: تزامناً مع نص المادة (120) مكرر من قانون العقوبات الاتحادي في الفقرة الثانية ((لا يكون الحكم في الخدمة بالخدمة المجتمعية، إلا في مواد الجنح، وذلك بديلاً عن عقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على 6 أشهر أو الغرامة، وعلى ألا تزيد مدة الخدمة المجتمعية على ثلاثة أشهر)). وتطبيقاً لتنفيذ هذا التدبير، بدأ في القضايا المرورية، والتي هي من قضايا الجنح، ولقد شكلت جانب تأديب شريحة معينة من السائقين المتهورين، والذين كان عليهم تنظيف الشوارع العامة، وأيضاً كانت في واقعة أخرى تنظيف حديقة الحيوانات.

قضايا مالية

من جانب آخر، أكّدت رئيسة مفوضية مرشدات رأس الخيمة، مريم الشحي، إلى أن مجتمعنا مجتمع محب لفعل الخير، ودائماً نجده مسهماً في مساعدة الآخرين، وهذه العادة المميزة في المجتمع، لا بد أن تستغل بطريقة عملية وإيجابية، وخاصة في ما يتعلق بالنزلاء المحكومين بقضايا مالية، وفقاً لمبادراتها المجتمعية في هذا المجال الذي تتمثل عبر إطلاق القيادة العامة لشرطة رأس الخيمة مبادرة سلة الخير، حيث أوضحت عن الجهود الكبيرة التي تقوم بها لجان وجمعيات وجهات حكومية وخاصة في إطار مسؤوليتها الاجتماعية، ولكنها لا ترقى أن يكون عملاً مؤسسياً ممنهجاً بأطر تنظيمية، فالكل يعمل مجتهداً حسب إمكاناته المادية المتوافرة عليه.

وأشارت إلى أهمية استغلال عام الخير للدولة حالياً، في البحث من الخبرات الموجودة، وبالأخص في الدول الأوروبية، الذين سبقونا في مجال تطبيق الخدمة الاجتماعية ذات الطابع التنظيمي الإلزامي على المحكومين بقضايا مالية، فمثلاً، نزيل محكوم بمبلغ 50 ألف درهم، فما المانع أن يكون هناك اتفاق مع مؤسسات القطاع الخاص لتشغيل هذا النزيل ويقتطع نسبة معينة من راتبه للسداد، وبالتالي، المديون لا يدخل المؤسسة العقابية، ويبقى بين أفراد أسرته، إلى جانب إيجاد حلول وسط بين الدائن والمدين، من خلال العمل لديه، وخاصة بالنسبة للمدانين الأجانب، فضلاً عن إنشاء مشروع وطني خاص داخل المؤسسة العقابية ذاتها ليتم توظيف النزلاء.

حالات

وترى المحامية ناديه عبد الرزاق، من واقع خبرتها العملية في مهنة المحاماة، أنه من الممكن إدراج الجرائم التي تتراوح عقوبتها بين الحبس أو الغرامة، كالجرائم المرورية وجريمة البلاغ الكاذب، وجرائم السحر والشعوذة، وجريمة التعريض للخطر، كما ورد بها النص في المادة رقم 348 من قانون العقوبات، أنه من ارتكب عمداً فعلاً من شأنه تعريض حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم أو حرياتهم للخطر، وجريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء، كمن صدر عنه خطاب أو صياح مخالف للآداب، وجريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وذلك بارتكاب إحدى الأفعال المنصوص عليها في المادة 378 من قانون العقوبات في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه، وكذلك الجرائم الواقعة علي الحيوانات، كما ورد بها النص في المادة رقم 432 من قانون العقوبات، بأنه يعاقب بغرامة لا تجاوز 5 آلاف درهم كل من أزهق أو عذب حيواناً أليفاً أو مستأنساً، أو أساء معاملته، وكذلك كل من امتنع عن العناية به متى كان أمره موكولاً، إليه أو كانت رعايته واجبة عليه، وكذلك الجرائم الخاصة بتعطيل الإجراءات القضائية، كمن أخفى أدلة الجريمة، أو قدم معلومات كاذبة تتعلق بها، وفي جميع الأحوال، يمكن إدراج أي جريمة أخرى تعتبر جنحه تتراوح عقوبتها ما بين الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، ولما للمحكمة من سلطة تقديرية في هذا الشأن، وفي حال إخلال المحكوم عليه في تنفيذ الخدمة المجتمعية ومقتضياتها، فللمحكمة بناء على طلب النيابة العامة، أن تقرر تطبيق عقوبة الحبس لمدة مماثلة لمدة الخدمة المجتمعية، أو إكمال ما تبقى منها، وللنيابة العامة تأجيل تنفيذ الخدمة المجتمعية إذا كان لذلك مقتضى، على أن يتم اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان هذا التنفيذ.

تأهيل مجتمعي

ويؤكد المحامي يوسف البحر، أن الهدف من أي عقوبة هو التأهيل، وليس الترويع، وبالتالي، فإنني أجد أن العقوبات المجتمعية هي خطوة هامة تُسهم في تأهيل الفرد، وإعادة تشكيل شخصيته، وإخراج ما لديه من طاقات إيجابية كامنة، علاوة على الفائدة التي يتحصل عليها المجتمع نتيجة العمل التأهيلي الذي يقوم به الشخص، مشيراً إلى أهمية أن يكون هناك تشريعات تخدم هذا التوجه، مطالباً بجعل الخدمة المجتمعية شاملة لمؤسسات خيرية وتطوعية، كالهلال الأحمر الإماراتي، ودور رعاية المسنين، وهي من الجهات التي تقدم خدمات جليلة خيرية وتطوعية، وإلزام المحكومين بالخدمة المجتمعية، الانخراط في الأنشطة والفعاليات التي يتم تنفيذها في هذه الجهات، وهو الأمر الذي يخدم توجهات الدولة القائمة على فعل الخير والتطوع لخدمة الإنسانية جمعاء، وليس على المستوى المحلي فقط.

واقترح أن تشمل عقوبات الخدمة المجتمعية، من يتورطون في قضايا السب، الإزعاج المتعمد، وغيرها من القضايا التي لا يوجد فيها شق جنائي وحقوق لأصحابها.

سابقة عربية

وعبر المحامي حسن الملا عن فخره بالقرار، مشيراً إلى أن الإمارات هي الأولى عربياً في تفعيل وتطبيق العقوبات المجتمعية، وهو ما يعكس الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بإصداره القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2016، بشأن العقوبات البديلة التي لها عظيم الأثر في المحكوم عليه، ومساعدته على الاندماج مع المجتمع من تطبيق العقاب التقليدي، الذي يخلق حواجز نفسية بين المحكوم والمجتمع بعد انقضاء فترة العقوبة، لذا، يضيف الملا، فإن قضاء فترة العقاب بين أفراد المجتمع، يجنبه الآفات النفسية التي لا يحمد عقابها، والتي يرى من واقع خبرته الطويلة في المجال، أنها لن تؤثر في المحكوم عليه فحسب، ولكنها ستؤثر في المجتمع ككل، خاصة أن الهدف الأسمى للعقاب، هو تحقيق الردع العام والمجتمعي لكل من تسول له نفسه ارتكاب الجرائم، وبالتالي، فإن تطبيق العقوبات المجتمعية يساعدنا بشكل غير مباشر على تحقيق الردع العام بشكل أفضل من العقوبات التقليدية التي يقضيها المحكوم عليه خلف القضبان أن يراه أحد من المجتمع، وبالتالي، فإن تنفيذ العقوبة بوسط المجتمع يعظم فكرة الردع العام في نفوس الأفراد، فضلاً عن تطبيقه، فضلاً عن أن العقوبات المجتمعية تعد عنصراً هاماً للاستفادة من الطاقات البشرية للمحكوم عليهم في ما ينفع المجتمع.

ماهية

نصت المواد أرقام 120 و120 مكرر(1) و120 مكرر (2) من قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987، والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 7 لسنة 2016، على أن الخدمة المجتمعية هي إلزام الشخص المحكوم عليه بأن يؤدي أحد أعمال الخدمة المجتمعية التي يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء في إحدى المؤسسات أو المنشآت التي يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل، بالاتفاق مع وزيري الداخلية والموارد البشرية والتوطين، أو بقرار من رئيس الجهة القضائية المحلية، وذلك فقط في مواد الجنح، كبديل لعقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على ستة أشهر أو الغرامة، وعلى ألا تزيد مدة الخدمة المجتمعية على ثلاثة أشهر، بالتنسيق مع تلك الجهات، وتحت إشراف النيابة العامة، على أن ترفع تلك الجهات التي يتم تنفيذ الخدمة المجتمعية فيها، تقريراً مفصلاً عن أداء المحكوم عليه وسلوكه وانضباطه، ومدى التزامه بأداء الخدمة المكلف بها إلى النيابة العامة.

رادع مؤثر

يرى الملا أن توسيع نطاق تطبيق العقوبات المجتمعية، يخدم العدالة، ويصب في النهاية في مصلحة المجتمع، وبالتالي، فإن إضافة بعض الجرائم التي يشملها تطبيق العقوبات المجتمعية، مثل جرائم السب والقذف بصورها المتعددة، مطلب مهم، لأن ذلك سيكون رادعاً أكثر تأثيراً في نفس مرتكب الجريمة من الجزاء المالي أو الحبس، ويخدم الهدف الأسمى للعدالة، إضافة لجريمة التحرش بالطرقات، مؤكدة أن المشرِّع الإماراتي ليس بغافل على كافة ما عددناه، نتيجة أن العقوبات المجتمعية سيتم تطبيقها على الجنح والمخالفات المعاقب عليها بالحبس لمدة تتجاوز 6 الشهر أو الغرامة، وبالتالي، فإن هذه القاعدة تتسع.

الخدمة المجتمعية بديل حضاري فاعل

يقترح الباحث القانوني أيهم المغربي، إدراج التحرش اللفظي بالنساء، وصيد الحيوانات وتعنيف الأطفال من قبل الأبوين، ضمن من تطبق عليهم عقوبة الخدمة المجتمعية، وكذلك بعض السلوكيات التي يقوم بها العمال، كتخريب بعض أدوات العمل أثناء المشاجرة، مؤكداً أن الخدمة المجتمعية بديل حضاري فاعل للعقوبة السالبة للحرية وتأثيراته الإيجابية تظهر بشكل فوري على الفرد والمجتمع بشكل عام، لافتاً أيضاً إلى العبء المادي الذي تتكبده الدولة نظير تكلفة اليوم الواحد لكل سجين.

واعتبرت مجد يعقوب مشرفة تربوية في مؤسسة الشعلة التربوية، أن الخدمة المجتمعية تعطي مفعولاً كبيراً، خاصة بين المراحل العمرية الشابة التي تمتلك الطاقة والعنفوان، وبعض سمات التهور والاندفاع، لافتة إلى أنها تؤتي ثمارها بسرعة في تعديل السلوكيات، مشيرة إلى أهمية النظر في تفعيل القرار في المدار، لتشمل الطلبة الذين يفتعلون المشاجرات، ويتسمون بصفات العنف وإثارة الفوضى، ما يؤثر في أقرانهم، معتقدة أن هذه النقطة مهمة للغاية، ويجب أن يتم تفعيلها بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، كما أنها ستعزز عند الطالب أهمية العمل التطوعي وربطه بالمجتمع المحيط.


من ناحيتها، ترى المحامية والمستشارة القانونية إيمان سبت، أنه من الأهمية بمكان، وضع آلية لتنفيذ هذه العقوبات، بحيث تتنوع ولا تقتصر على تنظيف الشوارع، مشددة على ألا تكون العقوبة تمس الكرامة أو تسبب الإهانة، وتعود بمنفعة على المجتمع، مشيرة إلى أهمية أن تطبق عقوبة جرائم الأحداث التي لا تندرج تحت الجنايات، كالمعاكسات وجرائم الاعتداء البسيط في حال التكرار، وجرائم العنف الأسري.

Email